Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام من القتال غيّر خطاب "حماس" وتفكيرها السياسي

تقر الحركة بتقديمها تنازلات كبيرة من أجل إيقاف المعركة

عرضت "حماس" حل جناحها العسكري والدخول في عملية سياسية شاملة (أ ف ب)

ملخص

بعد عام من القتال تراجعت "حماس" عن أهدافها وباتت تطالب بتبادل عادل للأسرى. فما هي أهداف "حماس" الجديدة؟ وكيف يبدو شكل خطاب الحركة الجديد بعد عام من القتال؟

في الـسابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما نفذت "حماس" عمليتها العسكرية "طوفان الأقصى"، أعلنت الحركة عن أهداف كبيرة مثل تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين وتبييض السجون الإسرائيلية، لكن بعد عام من القتال تراجعت عن أهدافها وباتت تطالب بتبادل عادل للأسرى.

ليس هذا التغيير الوحيد الذي طرأ على خطاب "حماس" السياسي خلال عام واحد من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وإنما تغيرت جميع أهداف الحرب التي وضعتها الحركة، وحتى الخطاب السياسي لـ"حماس" تغير بصورة جذرية. فلماذا هذا التغيير؟ وما هي أهداف "حماس" الجديدة؟ وكيف يبدو شكل خطاب الحركة الجديد بعد عام من "طوفان الأقصى"؟.

أهداف بداية الحرب

في بداية الحرب خرج القائد العسكري لـ"حماس" محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل قتله في غارة جوية، وحدد أهداف المعركة التي بدأها ضد إسرائيل ولخصها في أنها استجابة طبيعية لمواجهة المخططات الإسرائيلية.

وضعت "حماس" في خطاب الضيف جملة من أهداف الحرب وتتلخص في وقف الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية ووقف الاستيطان في الضفة الغربية وتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية ووقف مساعي السلام بين تل أبيب والدول العربية.

بعد ذلك خرج رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الذي اغتيل في مقر إقامته الرسمي بطهران، وأكمل أهداف الحرب ولخصها بتحرير المسجد الأقصى وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وإنهاء الحصار على قطاع غزة ومنع المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير سكان الضفة الغربية.

وثيقة "حماس"

بعد أسابيع من الحرب، أصدرت "حماس" وثيقة حول رؤيتها الخاصة للحرب، وحملت عنوان "هذه روايتنا... لماذا طوفان الأقصى" وفيها ذكرت أهداف الحركة من تنفيذ عملية اقتحام المدن الإسرائيلية، وأنها كانت خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يحاك من مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

ذكرت حماس أن "طوفان الأقصى" خطوة طبيعية لتحقيق سلسلة أهداف وهي:

- التخلص من الاحتلال

- استعادة الحقوق الوطنية

- إنجاز الاستقلال والحرية

- حق تقرير المصير

- إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس

- فك الحصار عن قطاع غزة

- تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى

- وقف مسار السلام

واعتبر رئيس الوفد التفاوضي لحركة "حماس" خليل الحية أن أهداف حزبه سامية ولا يمكن التنازل عنها أبداً، وأنها ستقلب الطاولة السياسية الدولية على إسرائيل، وبفضل عتاد وقوة فصيله ستتراجع الولايات المتحدة عن دعم تل أبيب وستقبل إسرائيل بشروط "حماس".

لا تؤمن بالشرعية الدولية

من وجهة نظر خليل الحية التي تبناها في بداية الحرب وحتى الشهر الـ10 من القتال، فإن "حماس" لا تؤمن بالشرعية الدولية وترفض جميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين وتعتبرها "جائرة" ولا تلبي مطالب "حماس" ولا نضال الفلسطينيين.

واعتبر الحية كذلك أن المجتمع الدولي ظالم للقضية الفلسطينية وأن الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل لن ينفع هذه المرة، ويجب أن يكون هناك تحول ونصرة للقضية الفلسطينية، وقال إن الصمت الدولي الإنساني للقضية الفلسطينية ظالم ويجب انتزاع الحقوق بالقوة.

وظلت "حماس" على موقفها هذا تكابر وترفض التنازل عن أي أهداف، وفي المقابل تجاهلت إسرائيل جميع شروط الحركة الفلسطينية ورفضت التعاطي معها، ورفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عنواناً واحداً وهو "الضغط العسكري سيؤدي إلى تحسين شروط التفاوض ويقضي على ’حماس‘".

في الشهر الـ10 بدأت "حماس" تغير موقفها

بالفعل واصل نتنياهو الضغط العسكري بقوة ضد الحركة ومع دخول الحرب على غزة شهرها الـ10، بدأت "حماس" تنقلب على مواقفها السابقة وتؤمن بأن أهدافها غير قابلة للتحقيق، وغيرت في أهداف الحرب وحتى في خطابها السياسي.

أول تغيير طرأ على سياسة "حماس" وخطابها كان إيمانها بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، إذ طالبت على لسان عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق الأمم المتحدة "بضرورة العمل على وقف العدوان الإسرائيلي فوراً على قطاع غزة".

أبو مرزوق طلب أيضاً من الأمم المتحدة العمل الفوري على "وقف الجرائم والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة وإدخال المساعدات وتوفير كل مستلزمات الإيواء وإعادة الإعمار".

الأمم المتحدة تحمي حقوق الفلسطينيين

ثقة "حماس" بالأمم المتحدة الجديد يُعدّ غريباً، ولكنه كان الطريق الوحيد أمام الحركة التي أصبحت تناشد محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة بضرورة معاقبة إسرائيل قانونياً، وإجبارها على تعويض ضحايا الحرب والخسائر وتولّيها مسؤولية دفع كلف إعمار المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والبنى التحتية.

وتعترف "حماس" علناً بأن الحرب الإسرائيلية غيرتها كثيراً، ويقول خليل الحية "خضنا جولات مفاوضات عدة خلال فترة الحرب، وقدمنا كل ما يلزم من تنازلات وأبدينا مرونة إيجابية، وكل هذا من أجل تحقيق أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني وحقن دمائه ووقف حرب الإبادة الجماعية بحقه".

ومن وجهة نظر الحية، فإن مطالب "حماس" تغيرت إلى فتح المجال لعملية تبادل محدودة للأسرى وإغاثة الشعب الفلسطيني وعودة النازحين وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وفي الواقع هذه المطالب لم تكُن ضمن أهداف "حماس" السابقة التي كانت ترغب في تحرير المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية.

التمسك بخطة بايدن

في يوليو (تموز) الماضي، طرح الرئيس الأميركي جو بايدن خطة لوقف الحرب، وكانت هذه الخطة أول طريق تغيير "حماس" لمواقفها وخطابها السياسي، ففي تلك الخريطة التي عرضتها الولايات المتحدة جاء أنه من الضروري الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وعودة النازحين وإعادة إعمار القطاع.

وبعد طرح الخطة، تمسكت "حماس" بشدة بهذا العرض واعتبرته أفضل طريق لإنهاء الحرب ويمثل مخرجاً لها من الأزمات التي أوقعت الشعب الفلسطيني بها، بحسب حقوقيين.

وفي كل مناسبة أصبحت "حماس" تطالب بتنفيذ ما وافقت عليه مطلع يوليو وفق رؤية بايدن وقرار مجلس الأمن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وإلزام إسرائيل بذلك.

التغيير في خطاب "حماس" الواضح، جعل عضو المكتب السياسي للحركة خالد مشعل يطلب من الرئيس الأميركي الضغط على نتنياهو من أجل الذهاب إلى صفقة توقف الحرب.

أهداف "حماس" الجديدة

بعد أن تبنى مجلس الأمن الدولي مبادئ الخطة الأميركية القائمة على وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل من القطاع وعودة النازحين ورفض أي تغيير ديموغرافي، رحبت "حماس" بالقرار واعتبرته انتصاراً، ورأت في ذلك تعبيراً عن الإرادة الدولية الحقيقية المؤيدة للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.

وبعد كل هذا حددت الحركة مطالبها وأهدافها الجديدة للحرب بما يلي:

- وقف الحرب على غزة

- الانسحاب من قطاع غزة

- إيواء النازحين

- إعادة الإعمار

- تبادل عادل للأسرى

- إلزام إسرائيل تطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين

وعرضت "حماس" بعد ذلك حل جناحها العسكري والدخول في عملية سياسية شاملة، تستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ملخص انقلاب "حماس" على خطابها السياسي

لاحظ أستاذ العلوم السياسية تيسير عابد التغيير في خطاب "حماس"، قائلاً "أصبح خطاب الحركة السياسي وما انتهت إليه بعد عام من تدمير غزة وقتل سكانها، مدعاة للشفقة والحزن عليها".

ويضيف "يرتكز خطاب ’حماس‘ على ثلاث نقاط أساسية، جميع هذه النقاط تمثل انقلاباً على مقولاتها وخطاباتها واستراتيجياتها التاريخية السابقة، ويتلخص التغيير بالتالي:

النقطة الأولى التمسك باقتراح الرئيس الأميركي جو بايدن (الثاني من يوليو)، على رغم أنه اقتراح إسرائيلي في الأصل ويتضمن تنازلات كبيرة، وعلى رغم أن بايدن نفسه في الوقت الحالي تبرأ منه، واعتبر "حماس" أنها هي من تعرقل المفاوضات وتعوّقها. لكن الحركة ظلت هي الجهة الوحيدة الوريثة والمتحصنة والمدافعة عن هذا الاقتراح التي رأت فيه أنه الأقل سوءاً.

ويوضح عابد أن "الحركة لا تمل في كل تصريحات مسؤوليها أن تذكر بمقترح بايدن، كأنه المخرج والحل النهائي لجميع كوارث حرب الإبادة، وكأن من يسمعها تردد اسم بايدن في اليوم ألف مرة يخيل إليه أن الرئيس هو النصير وحمامة السلام والذي يغيث الشعب الفلسطيني بالهدايا والمفاجآت السعيدة والمبادرات السياسية المنحازة إلى الفلسطينيين".

تحمل نتنياهو مسؤولية الفشل

أما النقطة الثانية بحسب عابد، فتختصر في أنها "تطالب بتطبيق قرارات مجلس الأمن الداعية إلى وقف إطلاق النار في غزة، فحين تعلق الأمر بشلال دماء الفلسطينيين أصبحت تؤمن الآن بمجلس الأمن الذي سخرت من قدراته العاجزة طوال العقود الماضية، واستهزأت من قراراته التي كانت السلطة الوطنية تحثه على إصدارها".

ويضيف أن "مجلس الأمن أصبح في نظر ’حماس‘ الآن يملك  القدرة والعصا السحرية لتخليصنا من الإبادة، مع أن غالبية الدول المشاركة فيه لا تزال تصنفها حركة إرهابية ولا تعترف بها".

أما النقطة الثالثة التي تمثل سياسة "حماس" الحالية فهي تحميل نتنياهو مسؤولية فشل المفاوضات والصفقة، وكأن نتنياهو الذي تعتب عليه ليس هو الذي يذبح الفلسطينيين منذ أكثر من عام.

ويشير عابد إلى أن موقف "حماس" الجديد "يمثل انقلاباً على مواقف الحركة وسياساتها السابقة، ويعتبر تخلياً عن إعلانات سابقة بأنها تمتلك القوة العسكرية والسياسية التي ستجبر إسرائيل على الإذعان لمطالبها، ولكنها وصلت الآن إلى محطة الاستجداء الكامل".

المزيد من تقارير