Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحسم الإعلانات معركة البرغر والسلطة؟

تمتلك أدوات الترويج قدرة هائلة على تشكيل سلوك المستهلكين من خلال التأثير في تفضيلاتهم وقراراتهم الشرائية

تناول الوجبات السريعة بانتظام أحد أبرز الأخطار التي تهدد الصحة العامة (وسائل التواصل)

ملخص

أقرت الحكومة البريطانية خططاً لحظر الإعلانات المتعلقة بالمأكولات والمشروبات غير الصحية، مثل البرغر، على الإنترنت والتلفزيون خلال فترات النهار، لتحسين الصحة العامة، وحماية الأطفال من التأثير السلبي للإعلانات التي تروج للأطعمة السريعة غير الصحية

في خطوة غير مسبوقة أقرت الحكومة البريطانية أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي خططاً لحظر الإعلانات المتعلقة بالمأكولات والمشروبات غير الصحية، مثل البرغر، على الإنترنت والتلفزيون خلال فترات النهار. ومن المقرر أن يبدأ تطبيق هذا القرار في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) العام المقبل، وذلك كجزء من استراتيجيات الحكومة لتحسين الصحة العامة. جاء هذا الإعلان بعد تصريح من رئيس الوزراء يؤكد أن الحكومة تهدف إلى إصلاح نظام الصحة العامة، من خلال التركيز بصورة أكبر على الوقاية.

يهدف هذا الحظر بصورة خاصة إلى حماية الأطفال من التأثير السلبي للإعلانات التي تروج للأطعمة السريعة غير الصحية، وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من خمس الأطفال في إنجلترا يعانون زيادة الوزن أو السمنة قبل دخول المدرسة الابتدائية، وتزداد النسبة إلى أكثر من ثلث الأطفال عند انتهاء المرحلة الابتدائية. من خلال هذا الحظر، تأمل السلطات في تغيير عادات الأكل لدى الأطفال وتشجيعهم على اتباع أنماط غذائية صحية، وبالتالي الحد من معدلات السمنة المتزايدة.

لماذا الحظر؟

يعتبر تناول الوجبات السريعة بانتظام أحد أبرز الأخطار التي تهدد الصحة العامة، إذ تحتوي هذه الأطعمة على نسب عالية من الدهون المشبعة والسكر والملح، وهي مكونات تسبب زيادة في الوزن وتؤثر سلباً في وظائف الجسم، وغالباً ما تكون الأطعمة السريعة غنية بالسعرات الحرارية لكنها فقيرة بالقيمة الغذائية، مما يؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. تشير الأبحاث إلى أن الاستهلاك المفرط للوجبات السريعة مرتبط بمشكلات صحية، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب واضطرابات التمثيل الغذائي.

كذلك تعد السمنة واحدة من أكبر التحديات الصحية في العالم، ففي بريطانيا يعاني أكثر من 25 في المئة من البالغين السمنة، بينما يعانيها نحو 20 في المئة من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و11 سنة، عالمياً شهدت معدلات السمنة ارتفاعاً حاداً في العقود الأخيرة، إذ تضاعفت منذ عام 1975، ليصل عدد البالغين الذين يعانون السمنة إلى نحو 650 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

تدعو الزيادة في السمنة بين الأطفال إلى القلق بصورة خاصة، إذ تشير البيانات إلى أن الأطفال الذين يعانون السمنة في صغرهم يكونون أكثر عرضة للاستمرار في هذا الوضع خلال مرحلة البلوغ، مما يزيد من أخطار إصابتهم بالأمراض المزمنة مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان. تشير التقديرات إلى أن تناول الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكريات يزيد احتمالية الإصابة بالسكري بنسبة 20 إلى 30 في المئة، إضافة إلى ذلك فإن الأنظمة الغذائية غير الصحية مسؤولة عن أكثر من 11 مليون حالة وفاة سنوياً على مستوى العالم، وفقاً لدراسة نشرتها مجلة "ذا لانسيت" الطبية.

الوزن الثقيل للإعلان

تمتلك الإعلانات قدرة هائلة على تشكيل سلوك المستهلكين من خلال التأثير في تفضيلاتهم وقراراتهم الشرائية، فهي تلعب على الجانب العاطفي للمشاهد وتخلق روابط نفسية مع المنتجات، مما يدفعه إلى استهلاك مزيد منها من دون النظر إلى تأثيرها الصحي. تشير الدراسات إلى أن التعرض المستمر للإعلانات يزيد من الرغبة في شراء المنتجات المعلنة، إذ يؤثر ذلك في الذاكرة طويلة الأمد ويغرس في ذهن المستهلك أن المنتج يلبي حاجاته الأساسية أو يحسن مستوى حياته. في سياق الطعام تجعل الإعلانات الأطعمة السريعة أكثر جاذبية من خلال الترويج لتجارب مميزة مرتبطة بالطعام، مثل الراحة أو الاستمتاع العائلي.

تعتمد شركات الوجبات السريعة على استراتيجيات تسويقية متقدمة لجذب العملاء، بما في ذلك الترويج لمنتجات جديدة بأسعار مخفضة، واستخدام إعلانات مليئة بالصور المغرية للطعام، التي تظهرها بأشكال شهية أكثر مما هي عليه في الواقع. كما أن هذه الشركات تعتمد على عروض الحزم، مثل تقديم مشروبات أو وجبات مجانية مع الطلبات الكبيرة، لجذب مزيد من المستهلكين. كذلك زادت الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية المخصصة من فعالية هذه الحملات، إذ يمكن استهداف المستهلكين المحتملين بناء على اهتماماتهم وسلوكياتهم عبر الإنترنت. تستغل هذه الشركات أيضاً منصات مثل "يوتيوب" و"إنستغرام" للترويج لنمط حياة معين مرتبط بالاستمتاع بالوجبات السريعة.

يمثل الأطفال فئة مستهدفة بصورة رئيسة في إعلانات الوجبات السريعة، إذ تعتمد الشركات على استراتيجيات تركز على خلق ارتباطات إيجابية بين الأطفال والمنتجات. تستخدم الإعلانات الشخصيات الكرتونية المحبوبة والألعاب المجانية والمحتويات الترفيهية لجذب انتباه الأطفال. كما تركز الإعلانات على تقديم الوجبات السريعة كجزء من تجربة ممتعة مثل الاحتفال بالمناسبات أو الأنشطة العائلية. تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يشاهدون إعلانات الوجبات السريعة يكونون ميالين أكثر لطلب هذه المنتجات من أهاليهم، مما يجعلهم هدفاً مثالياً لهذه الحملات. تؤثر هذه الإعلانات بصورة خاصة في الأطفال خلال سنواتهم الأولى، إذ تتشكل لديهم عادات غذائية يمكن أن تؤثر في صحتهم في المستقبل.

وصفة غير جديدة

لطالما سعت الحكومات والمنظمات الصحية إلى الحد من تأثير الإعلانات في سلوك المستهلكين، بخاصة في ما يتعلق بالوجبات السريعة. وأجريت دراسات عدة حول فعالية حظر الإعلانات الموجهة نحو الأغذية غير الصحية، مما يتيح فهم التأثيرات المحتملة لهذا النوع من الإجراءات في بريطانيا.

في عام 2017 نفذت مدينة سان فرانسيسكو حظراً على إعلانات المشروبات الغازية، وهو ما أدى إلى انخفاض استهلاك المشروبات السكرية بين الفئات المستهدفة بنسبة كبيرة، وفقاً لدراسة نشرت في مجلة "هيلث أفيرز" عام 2019. وفي دراسة أخرى من النرويج والسويد، إذ تحظر إعلانات الوجبات السريعة للأطفال منذ التسعينيات، تبين أن هناك تحسناً تدريجياً في عادات تناول الطعام بين الأطفال في تلك الدول، مع انخفاض ملاحظ في استهلاك الأطعمة الغنية بالدهون والسكر وفقاً لعدد عام 2017 من "المجلة الدولية للتغذية السلوكية والنشاط البدني".

من جهة أخرى أظهرت بعض الدراسات أن حظر الإعلانات في وسائل الإعلام فقط قد لا يكون كافياً، وجدت دراسة نشرتها مجلة "اقتصاديات الصحة" في أستراليا أن نجاح السياسات يعتمد على تكاملها مع جهود توعوية أخرى، مثل التثقيف الغذائي، لضمان استدامة النتائج الإيجابية.

يؤيد عدد من خبراء التغذية هذه الخطوة، ففي مقابلة ضمن النشرة الصحية لـ"بي بي سي" عام 2021، أشار الخبير في مجال السمنة والتغذية الدكتور تيم لوبستين إلى أن إعلانات الوجبات السريعة تسهم بصورة كبيرة في تكوين عادات غذائية غير صحية منذ الصغر، وهذا الحظر خطوة مهمة نحو تقليل التأثير السلبي للإعلانات في الأطفال.

لكن من منظور تسويقي، يرى بعض الخبراء أن شركات الوجبات السريعة ستجد بدائل للترويج لمنتجاتها عبر منصات أخرى. في مقابلة مع مجلة "جورنال أوف ماركيتينغ" عام 2022، أشار الخبير في استراتيجيات التسويق مارتن ليونارد إلى أن "الحظر قد يؤدي إلى تغيير في استراتيجيات التسويق، لكنه لن يمنع الشركات من مواصلة التأثير في المستهلكين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق غير التقليدي".

من زاوية السياسة العامة يرى بعض المحللين أن مثل هذه القرارات قد تكون فعالة إذا كانت جزءاً من خطة شاملة، إذ كتبت أستاذة السياسة الصحية الدكتورة إيميلي كارسون في ورقة بحثية نشرت في "مجلة الصحة العامة" عام 2021 أن حظر الإعلانات خطوة جيدة، لكنها ليست الحل الوحيد. ينبغي دمجها مع سياسات تعليمية وصحية تهدف إلى تحسين وعي الأفراد، وإتاحة خيارات غذائية صحية بأسعار معقولة.

ذائقة متباينة

أحدث قرار حظر إعلانات الوجبات السريعة في بريطانيا جدلاً واسعاً بين الجمهور، وفقاً لاستطلاع أجري بواسطة مؤسسة "يوغوف"، تبين أن نحو 65 في المئة من البريطانيين يدعمون الحظر، بينما أعرب 20 في المئة عن عدم رضاهم، مشيرين إلى أن ذلك قد يؤثر سلباً في الشركات الصغيرة.

من جهة أخرى تفاعل الناس بصورة نشطة مع هذا القرار على منصات مثل "إكس" و"تويتر" و"فيسبوك"، إذ انتشرت التعليقات المتباينة. أبدى بعض المستخدمين دعمهم للقرار، معبرين عن أملهم في تحسين صحة الأطفال، بينما انتقد آخرون القرار باعتباره تدخلاً غير ضروري في خياراتهم الغذائية.

ومع ذلك تثير هذه الخطوة أيضاً مخاوف في شأن النتائج العكسية المحتملة، إذ يمكن أن يؤدي حظر الإعلانات إلى إثارة فضول المستهلكين بصورة أكبر تجاه الوجبات السريعة، مما يعزز قاعدة "كل ممنوع متبوع".

لكن بالعموم يتفق كثيرون على أن التثقيف الغذائي يجب أن يكون جزءاً من الحل، إذ يشير معهد التغذية في تقريره لعام 2022 إلى أن 70 في المئة من الناس يرون أن التعليم الغذائي يجب أن يكون أولوية في المدارس والمجتمعات، كما يجب تسهيل الوصول إلى الخيارات الصحية في المطاعم والمتاجر. وفقاً لدراسة أجراها مركز الصحة العامة، زادت المبيعات في المتاجر التي تقدم خيارات صحية بعد تنفيذ سياسات حكومية لتشجيع هذه الخيارات بنسبة 25 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحية أخرى يرى بعض الخبراء أن الضرائب والرسوم يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تغيير سلوك المستهلك، وبينت دراسة أجراها معهد السياسة العامة في عام 2023 أن فرض ضرائب على المشروبات السكرية أدى إلى تقليل استهلاكها بنسبة 15 في المئة خلال سنة واحدة، مما يشير إلى فعالية هذه الاستراتيجيات في تحسين الصحة العامة، وفقاً لمعهد السياسات العامة.

تثير خطوة حظر إعلانات البرغر في بريطانيا تساؤلات حول الحرية الفردية، وما إذا كانت تمثل تدخلاً في حق المستهلك في اختيار ما يفضله. في وقت ينظر فيه إلى الحظر على أنه وسيلة لحماية الصحة العامة، يبقى سؤال محوري: هل يفترض بالدولة فرض قيود على اختيارات الأفراد؟ ومن الناحية الاقتصادية قد تواجه صناعة الوجبات السريعة تأثيرات سلبية نتيجة لهذا القرار، إذ يمكن أن يؤدي تراجع الإعلانات إلى تقليل المبيعات وزيادة الضغوط على الشركات. ومع ذلك أعتقد أن أداء الاقتصاد سيكون آخر شيء في قائمة اهتمام القارئ عندما يجلس في أحد المطاعم جائعاً، ويحاول الاختيار بين وجبة برغر لذيذة وصحن سلطة صحي!

المزيد من منوعات