Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير نازحي غزة المحاذين للبحر مع حلول الشتاء؟

تسببت حركة المد في إغراق الخيام المهترئة بينما تنتهج إسرائيل سياسة "الإبعاد الجغرافي"

74 في المئة من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام  (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

مع التشدد في سياسية "الإبعاد الجغرافي" تضيق المساحة الباقية بنازحي غزة، فما مصير القاطنين في الخيام على شاطئ البحر لا سيما مع اقتراب موسم الشتاء؟

مع تشدد إسرائيل في سياسة الإبعاد الجغرافي، اضطر سكان غزة إلى النزوح نحو المنطقة الإنسانية التي تحاذي شاطئ البحر، وعملوا على نصب خيام الإيواء قرب مياه الأبيض المتوسط، ولكن مع دخول موسم الشتاء بدأ المد البحري الذي تسبب في إغراق الخيام المهترئة أصلاً، مما يدفع إلى التساؤل عن مصير القاطنين في الخيام على شاطئ البحر؟.

عندما بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة، أمر الجيش الإسرائيلي سكان القطاع بالتوجه نحو غرب المحافظات، أي قرب شاطئ البحر، وهناك خصص منطقة إنسانية يمكن للنازحين تشييد خيامهم عليها وبناء مراكز إيواء لهم.

الإبعاد الجغرافي

في هذا الإجراء اتبعت إسرائيل سياسة "الإبعاد الجغرافي" وهي طريقة قديمة ينتهجها الجيش في أي حروب له، وتعني أنه يأمر المدنيين بالابتعاد من مناطق القتال، وبعد تطهير المناطق تشيد القوات مناطق عازلة لتجنب خطر مسلحي الفصائل الفلسطينية.

في حرب القطاع، أجبرت إسرائيل نحو مليوني نسمة من أصل 2.3 مليون نسمة على ترك منازلهم، وحشرهم في المنطقة الإنسانية التي تصل مساحتها إلى قرابة 70 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة القطاع التي تقدر بنحو 365 كيلومتراً مربعاً.

تُعدّ مساحة المنطقة الإنسانية صغيرة جداً ولذلك اضطر سكان غزة إلى العيش في خيام متلاصقة وشيدوها بمحاذاة شاطئ البحر، مما اعتبرته الأمم المتحدة يمثل اختراقاً واضحاً للحق في السكن والحياة.

وبهذا الإجراء تضمن إسرائيل أن سكان غزة بعيدون كل البعد جغرافياً من أراضيها وجنودها الذين يقاتلون في غزة، ويقول الباحث العسكري الإسرائيلي جوناثان كونريكوس الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "تُعدّ سياسة الإبعاد الجغرافي أحد أنواع إنشاء منطقة عازلة بين الإسرائيليين وسكان غزة".

 

ويضيف أن "سياسة الإبعاد الجغرافي من ضمن الجهود الإضافية التي يتم تنفيذها بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبهذه الاستراتيجية تضمن القوات الإسرائيلية منع أي نشاط لعناصر حركة ’حماس‘ يهدد القوات أو مواطني دولتنا".

وعن هذه السياسة من وجهة نظر رسمية، يقول مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي للسياسة الخارجية أوفير فولك "الإبعاد الجغرافي أحد أنواع إنشاء المنطقة العازلة التي نخطط لها، وهو ضمن تفاصيل اليوم التالي للحرب، نسعى من خلاله إلى خلق وقائع ميدانية جديدة لطريقة التعامل مع قطاع غزة، ويتيح لقواتنا سهولة أكثر في الحركة والتعامل الأمني في غزة، ويستلزم هذا الأمر بصورة أساسية بناء حقائق ميدانية تمكن جيشنا من ذلك".

ضيق المساحة

كنتيجة حتمية لتشدد إسرائيل في سياسة الإبعاد الجغرافي، تقلصت مساحة القطاع حيث يسمح العيش بأمان إلى 35 كيلومتراً مربعاً، وهذه البقعة ضيقة جداً وبصعوبة يعيش فيها سكان القطاع الذين نجوا من القصف الإسرائيلي.

وتقع معظم هذه المساحة على طول شاطئ البحر، وتعتمد إسرائيل على حشر السكان في تلك المنطقة، إذ تعتقد المؤسسة الأمنية بأن هذه البقعة يصعب فيها نشاط "حماس" ومن المستحيل تشييد أنفاق تحت أرض رملية كما في شاطئ البحر.

واضطر سكان غزة إلى العيش على طول شاطىء البحر، إذ إنه المكان الوحيد المتاح أمامهم، وهناك شيدوا خياماً من قطع النايلون والقماش، وبعضهم نصب تلك التي تسلمها من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى غزة، ولكن في المحصلة عاش المدنيون بمحاذاة الساحل.

العيش على شاطئ البحر لمدة طويلة يُعدّ كارثياً، وتزيد معاناة النازحين مع اقتراب موسم الشتاء الذي بدأت آثاره تظهر مبكراً على أحوال خيام المشردين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المد البحري

ومع دخول فصل الخريف، تنخفض درجات الحرارة في قطاع غزة، ويبدأ البحر في حال المد، إذ يزيد ارتفاع الموج وتتمدد المياه ويزيد منسوبها وتقترب من الساحل، وتتقلص مساحة الشاطئ، وبما أن الخيام منتشرة على مسافة صفر من مياه البحر يعيش النازحون ظروفاً في غاية القسوة.

وفي فصلي الشتاء والخريف، يرتفع موج البحر وتزداد عملية المد، خصوصاً في فترات الليل، وتتقلص ظاهرة الجزر في ساعات النهار، مما يعني أن مياه البحر تتقدم وتزداد قوة الأمواج ويكون ذلك مصحوباً برياح عاتية قوية.

وخلال الأيام الماضية، ارتفع منسوب مياه البحر في ظل منخفض جوي تأثر به القطاع، وغمرت المياه الخيام المقامة مباشرة أمام البحر، وتسللت إلى أمتعة النازحين وطعامهم وأفسدت أغراضهم الخاصة.

وهذه الظاهرة تتكرر على نحو أكبر وأعنف مع الاقتراب أكثر من موسم الخريف ومنخفضات الشتاء، وتصل نهايات الأمواج لتغطي رقعة كبيرة من رمال البحر القريبة من الشاطئ، مما يعني أن سكان تلك الخيام سيكونون مضطرين إلى البحث عن أماكن نزوح جديدة، لكن سيواجهون سياسة "الإبعاد الجغرافي" وصغر المساحة الآمنة.

قصص واقعية

بسبب تقدم الأمواج، تلاشت المسافة الفاصلة بين خيمة الحاج حسني ومياه البحر التي اقتربت وغمرت إيواءه على رغم السواتر التي أنشأها، وبسرعة أمسك أداة حفر يدوية وملابسه مبللة، وبدأ يحاول إعادة رمال الساتر بعد كل موجة.

يخشى الحاج حسني من أخطار سكنه كثيراً، ويقول "مياه البحر وصلت إلى خيمتي بعد ارتفاع الموج، الآن يجب علينا توفير إيواء بديل ومكان جديد نهرب إليه بدلاً من البقاء أمام أمواج البحر".

ويلفت إلى وجود تقصير رسمي في سياق احتواء النازحين وتوفير الحاجات الخاصة بهم، مما يعزز قسوة النزوح، ويضيف "نعيش في خيام ضعيفة للغاية، ولا تصلح للتعامل مع الأمطار وحركة الرياح".

يبحث الحاج حالياً عن أرض فارغة أو بها متسع للانتقال مع عائلته إليها من مكان إقامته الحالي على شاطئ البحر بعد ارتفاع مياه البحر، ويوضح أن المد والجزر والتيارات البحرية جعلت العيش قرب شاطئ البحر مستحيلاً، وعلينا الانتقال قبل حلول فصل الشتاء، إذ لن نتحمل المنخفضات الجوية وهطول الأمطار والبرد الشديد".

 

ويضرب سعيد يداً على أخرى ويقول "أعيش في خيمة بالية مزقتها حرارة الصيف، نعاني فيها ويلات الرطوبة، وفوق كل ذلك مطلوب منا أن نعيش داخلها فصل الشتاء المقبل".

وينظر على مد بصره إلى الخيام التي أغلقت شاطئ البحر ويتساءل عن المكان الذي سيذهبون إليه إذا لم تنقضِ الحرب قبل حلول الشتاء، ويقول "نصب خيمة فوق ركام منزلي المدمر أهون بكثير من قضاء الشتاء على البحر، هنا سنعيش معاناة من أوجاع الأطفال وكبار السن أكبر بكثير من مجرد أن تغمر المياه الخيام التي أعيتها أشعة الشمس".

أما النازح إسماعيل، فيقول "للمرة الأولى منذ إقامتي على شاطئ البحر يحدث مد بحري بهذا القدر، والسواتر الترابية التي سبق وأقمتها حطمتها الأمواج، ووصلت مياه البحر إلى الخيمة بسهولة، فصل الشتاء كابوس ننتظره".

وتعيد نوال ترتيب خيمتها التي قلبت رأساً على عقب بسبب تقدم أمواج البحر وتصرخ بعصبية "اقتراب فصل الشتاء"، فالخيمة التي تسكنها المرأة مهترئة لا تتحمل الأمطار الغزيرة ولا العواصف الشديدة.

وفي قلب نوال غصة وتضيف "عندما كنا نائمين، أغرقت الأمواج خيمتنا وسحبت الطعام والفراش".

وحتى اللحظة وعلى رغم العلم بأخطار الأيام المقبلة، إلا أن النازحين الذين يعيشون قبالة الساحل لم يبحثوا عن أماكن أخرى لنصب خيامهم، فالجميع يؤكد أنه لم يبقَ مكان آمن إلا وسكنه نازحون.

 

نداء استغاثة

ويطالب النازحون بالحصول على خيام جديدة بديلة عن تلك المدمرة لمواجهة الشتاء ويطالب آخرون بتوسيع المنطقة الإنسانية الآمنة، فيما يدعو آخرون إلى وقف الحرب، وفي ظل هذه الظروف أطلق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة نداء استغاثة إنسانياً عاجلاً لإنقاذ مليوني نازح في القطاع قبل حلول فصل الشتاء.

ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، "74 في المئة من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، كما أن نحو 100 ألف خيمة من أصل 135 ألف خيمة بحاجة إلى استبدال فوري نتيجة الاهتراء، إذ إنها مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، اهترأت بسبب حرارة الشمس خلال فصل الصيف".

ويضيف أنه "إذا حل الشتاء على النازحين الذين يعيشون قرب البحر، فإنهم سيعانون ظروفاً صعبة للغاية، وستغمر المياه خيامهم وتقتحم الأمواج إيواءهم، فلا بد من توسيع المنطقة الإنسانية وحل أزمة النازحين، قبل بدء سقوط الأمطار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير