Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل جعل فانس الترمبية مهذبة وهادئة ومتماسكة؟

قدم سيناتور أوهايو وجهاً مقبولاً في مناظرة حضارية فأصلح صورته الممزقة

لعل ما ساعد فانس في أن يبدو في وضع ممتاز كرجل لائق خلال المناظرة، هي أخطاء وولز في عدد من الإجابات (أ ف ب)

ملخص

كان الاستنتاج الأكثر وضوحاً بين غالبية الجمهوريين والديمقراطيين حيال مناظرة عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أوهايو جي دي فانس، وحاكم ولاية مينيسوتا الديمقراطي تيم وولز، هو فوز فانس بها الذي ارتدى ربطة عنق بلون الكرز ربما للتدليل على شبابه وبراءته، وأظهر براعة وانضباطاً ومهارة.

على رغم أن مناظرات المرشحين لمنصب نائب الرئيس الأميركي نادراً ما تكون مؤثرة، فإن المناظرة الأولى والوحيدة بين المرشح الجمهوري جي دي فانس والديمقراطي تيم والز، تركت انطباعاً مهماً لدى الجمهور الأميركي والمراقبين، وهي أنها كانت حضارية للغاية، بل أكثر المناظرات احتراماً منذ ثماني سنوات، والأهم أن فانس الذي فاز بهذه المناظرة، قدم نموذجاً لجعل "الترمبية" تبدو مهذبة وهادئة ومتماسكة، بعدما تعارض أداؤه بصورة صارخة مع سلوك وآراء الرجل الذي كان يمثله، فهل يواظب فانس على ديمومة هذا الانطباع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يستفيد دونالد ترمب من هذه المناظرة؟

مواجهة خطرة

كانت مواجهة أول من أمس الثلاثاء بين فانس وولز ذات أخطار عالية، وعلى رغم أن مناظرات المرشحين لمنصب نائب الرئيس نادراً ما تكون حاسمة، فإن انتخابات هذا العام متقاربة للغاية في عدد من الولايات لدرجة أن أي شيء يمكن أن يرجح كفة الفائز.
ونظراً إلى التحفظات التي لدى الناخبين المترددين في شأن المتنافسين الذين ينظرون إلى ترمب بحسب استطلاعات الرأي على أنه متقلب، في حين تظل هاريس مجهولة إلى حد ما بالنسبة إليهم، أتيحت الفرصة للمرشحين البديلين لسد الفجوات.
وفي ظل عدم وجود مزيد من المناظرات المقررة حالياً، كانت هذه هي المرة الأخيرة التي تتصارع فيها الحملتان مع بعضهما بعضاً بصورة مباشرة لتشكل الكلمة الأخيرة قبل انتهاء الانتخابات، لكن على عكس التوقعات بأن وولز وفانس لديهما مستوى غير عادي من العداء المتبادل، كانت المناظرة طبيعية وحضارية بصورة ملاحظة، وركزت على السياسة بصورة أعادت للأذهان ذكريات الانتخابات السابقة لظهور ترمب في المشهد السياسي.

استنتاج واضح

وكان الاستنتاج الأكثر وضوحاً بين غالبية الجمهوريين والديمقراطيين حيال مناظرة عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أوهايو جي دي فانس، وحاكم ولاية مينيسوتا الديمقراطي تيم وولز، هو فوز فانس بها الذي ارتدى ربطة عنق بلون الكرز ربما للتدليل على شبابه وبراءته، وأظهر براعة وانضباطاً ومهارة، إذ بدا أكثر سلاسة وتمرساً، وأعاد صياغة الأسئلة ببراعة لصالحه، وتمكن من إظهار قلقه في شأن الأميركيين العاديين، ودار حتى النهاية حول وولز الذي غالباً ما كان يبدو مشوشاً ومضطرباً وعيناه متسعتان، مما يشير إلى شعوره بالذعر والاضطراب بحسب ما أشارت ميغان ستاك، كاتبة الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز".
ولعل ما ساعد فانس في أن يبدو في وضع ممتاز كرجل لائق، هي أخطاء وولز في عدد من الإجابات، وتهربه من سؤال حول ما إذا كان كذب في شأن وجوده في الصين أثناء احتجاجات "ميدان السلام السماوي" (تيانانمن سكوير) في عام 1989، وهذا أسهم بالنسبة إلى بعض المتابعين في جعل فانس يبدو ذكياً ومسيطراً على الأمور من خلال إثباته أنه مناظر ممتاز، وفي بعض الأحيان كان يحاول جاهداً أن يبدو محبوباً، ومن ثم أنجز كثيراً لإصلاح صورته الممزقة بعدما كان بعضهم أكثر اقتناعاً بأنه رجل "أجوف ومثير للخلافات"، كما يقول الكاتب بيتر وينر.  


مزيج ناجح

وفي كل قضية سياسية تقريباً، كان فانس مسلحاً بتفاصيل أكثر بكثير من وولز، إذ كان قادراً على تحديد موقف يمكن تأطيره على أنه أكثر اعتدالاً أو وسطية من "أرثوذكسية" حزبه، وهو مزيج يفوز بالمناظرات والانتخابات ويشبه أداء بيل كلينتون في أوائل التسعينيات إلى حد بعيد، بينما دخل المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، وبدا متوتراً للغاية على رغم الابتسامة الساحرة التي اشتهر بها التي كانت أقرب إلى نظرة يائسة.
استخدم فانس نبرة هادئة وواثقة خلال إجابته عن أسئلة السياسة الخارجية، بينما لم يستطع وولز أن يقدم إجابة إلا بصورة متقطعة لا يشبه الرد الفعال، ونادراً ما قلب الطاولة على خصمه فانس، إذ قال وولز إن "الفوضى في السياسة الخارجية أظهرت الحاجة إلى قيادة ثابتة، وليس الحكم المتقلب لترمب"، الذي قال إن "انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني أدى إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط"، في حين حمل فانس الإدارة الحالية مسؤولية الفوضى الحالية، قائلاً إن "ترمب حقق الاستقرار في العالم، وفعل ذلك من خلال إنشاء ردع فعال".

جوانب اتفاق واختلاف

إلا أن المرشحين وجدا عدداً من مجالات الاتفاق من حيث المبدأ، لاسيما حول الحاجة إلى إعادة التصنيع الأميركي، وأهمية بناء مزيد من المساكن، وعدم القدرة على تحمل تكاليف رعاية الأطفال، والحاجة إلى حلول بموافقة الحزبين حول قضية العنف المسلح، وحتى في قضية الإجهاض المثيرة للجدل، فاعترف فانس بأن الجمهوريين فقدوا ثقة بعض الناخبين، وقال الرجلان إن النساء يجب أن يكون لديهن خيارات، لكن وولز رسم خطاً واضحاً للانفصال عند إبداء فانس رأيه في أن الولايات المختلفة يجب أن تضع سياسات مختلفة.
وبدا أن المرشحين يتفقان على الحاجة إلى حلول لتغير المناخ، لكن بينما هاجم وولز ترمب لوصفه الاحتباس الحراري العالمي بأنه خدعة، جادل فانس بأن زيادة إنتاج الطاقة في أميركا وتقليص التجارة مع الصين من شأنه أن يؤدي إلى مناخ أكثر ملاءمة، ثم تحول فانس إلى القول إن الإدارة الديمقراطية الحالية التي أطلق عليها "إدارة كامالا هاريس" فشلت في حلها، ولكن سياسات ترمب ستفعل ذلك.
وسرعان ما تحول فانس بذكاء إلى الهجوم، إذ قال عن مقترحات هاريس "سأكون صريحاً معك، يبدو بعضها جيداً جداً، لكن كامالا هاريس فعلت ذلك بالفعل، لأنها كانت نائبة الرئيس لمدة ثلاث سنوات ونصف سنة، وكانت لديها الفرصة لسن كل هذه السياسات الرائعة"، لكن في المقابل، لم يكن لدى وولز كثير من الردود لهذا الخط الواضح من الهجوم، ففي بعض الأحيان دافع عن سجل إدارة بايدن، وفي أوقات أخرى زعم أن ترمب هو المسؤول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


عثرات وأكاذيب

لكن مواقف وتصريحات فانس خلال المناظرة لم تحظ جميعها بالقبول، فمع استمرار المناظرة، تعثر فانس في قضيتين هما الإجهاض وانتخابات 2020، إذ لم تتمكن مهاراته الخطابية من إنقاذ المادة غير الجذابة للغاية التي كان يحاول تقديمها للمشاهدين، وبحسب الكاتبة جيميل بوي، "لم يحترم فانس الحقيقة، وكان يكذب بسهولة كما يتنفس طوال المناظرة، إذ أخبر الأميركيين أن هناك 20 إلى 25 مليوناً من الأجانب غير الشرعيين، وأن المكسيك مسؤولة عن مشكلة الأسلحة غير القانونية في البلاد، وأن ترمب حاول في الواقع إنقاذ قانون الرعاية الصحية الميسرة (أوباما كير)، وهي كلها معلومات كاذبة لا تستند إلى واقع".
وكانت أقوى لحظة لوولز قرب نهاية المناظرة، عندما أثار قضية أعمال الشغب التي وقعت في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، وهي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي يحاول فيها رئيس قلب نتيجة انتخابات نزيهة ومنع الانتقال السلمي للسلطة، وعندما حاول فانس مقارنة الأمر بالديمقراطيين الذين اعتبروا أن التواطؤ الروسي كان السبب في تسليم انتخابات عام 2016 لترمب، ضغط عليه وولز للإجابة عما إذا كان ترمب خسر انتخابات عام 2020، رد فانس بأنه يركز على المستقبل وهو ما اعتبره وولز "إجابة غير مقنعة".

لحظات مشحونة

وفي واحدة من أكثر اللحظات المشحونة في المناظرة، تحدى فانس مديرتي الحوار في شبكة "سي بي إس نيوز" بعد أن حاولت إحداهما، وهي مارغريت برينان، توضيح تعليقاته حول الهجرة، مما أثار اختلافاً ساخناً حول مدينة سبرينغفيلد بولاية أوهايو التي كانت مركزاً للادعاءات الكاذبة من ترمب وفانس، بأن المهاجرين الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة في المنطقة، وفي حين لم يثر فانس الادعاء نفسه أثناء المناظرة، لكنه قال إن ملايين المهاجرين غير الشرعيين كانوا ينتشرون في مناطق ساحقة مثل سبرينغفيلد، وهو ما صححته مارغريت برينان إحدى مديرتي الحوار بالمناظرة لتؤكد أن معظم المهاجرين هناك يتمتعون بوضع قانوني، ووضع حماية موقت.

بداية ونهاية

لكن إذا كان جي دي فانس حظي ببداية أقوى، فإن وولز خسر ببيان ختامي يتفاخر فيه بتحالف هاريس، الذي قال إنه يمتد من اليساري بيرني ساندرز، إلى اليميني ديك تشيني، إلى المطربة الأكثر شهرة في العالم تايلور سويفت، وهو ما اعتبره الجمهوريون رسالة خاطئة تجمع بين الاشتراكية التي يرمز إليها ساندرز، والحرب التي لا تنتهي التي يرمز إليها نائب الرئيس السابق تشيني، والمشاعر المراهقة المصطنعة التي ترمز إليها تايلور سويفت، وهي آخر الأشياء التي يريدها الناخبون أو يحتاجون إليها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بحسب تصورات بعضهم.
لكن بصورة عامة، أثبت فانس أنه رسول فصيح وفعال، وأسهمت سهولة أدائه الظاهرة في تقديم قضية ترمب وكأنها قصة خيالية أبرزت مدى إمكان نجاح المرشح الذي لا يعاني تقلبات مزاجية مثل ترمب.
وفي النهاية قال وولز "سأشكر السيناتور فانس، فهذه هي المحادثة التي يريد الناخبون سماعها، وأعتقد أن هناك كثيراً من الاتفاق"، لكن في الحملة الانتخابية الحالية لم يكن هذا هو الحوار الذي يجريه المرشحون للرئاسة فعلياً، هاريس وترمب، مما يعني أن الوجه الحضاري الراقي والمهذب لهذه المناظرة النادرة من نوعها لن يتكرر هذا العام، لكنها ربما تنبئ بما يمكن أن يكون عليه وجه الترمبية من دون حضور ترمب نفسه في المستقبلين القريب أو البعيد، إذا كان للترمبية أن تظل نابضة بالحياة في صفوف الحزب الجمهوري.
أثبت فانس أنه يمكن تسويق الترمبية بأسلوب أكثر قبولاً، وقد يحمل لواءها بعد هذا العرض الشيق الذي لقي استحساناً واسعاً من الأنصار والنقاد، وهو ما يمكن أن يفيد دونالد ترمب في نوفمبر المقبل إذا قرر أن يغير أسلوبه الحارق وانتقاداته اللاذعة، لكن ترمب هو ترمب، لا يتغير بسهولة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات