Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حوادث القطارات في مصر... الخطأ البشري "متهم أول"

كان عام 2018 الأكثر تسجيلاً لتلك الحوادث بواقع 2044 حادثة ومساعي التطوير تصطدم بالكلفة الفائقة

حوادث القطارات في مصر غالباً ما تكون نتيجة أخطاء بشرية (رويترز)

ملخص

بين حينٍ وآخر، تشهد مصر حوادث قطارات تثير اتهامات بالتقصير، وتوجه عادة إلى العاملين في التحويلات وأبراج المراقبة، وتتزايد معها الدعوات إلى تقليل الاعتماد على العنصر البشري، فهل تأخرت مصر في تطوير منظومة السكة الحديد لتكون أكثر أماناً؟

استعادت حادثة تصادم قطارين بمدينة الزقازيق، شمال شرقي مصر، التي وقعت أخيراً، وأودت بأربعة ركاب وإصابة قرابة 50 آخرين، مشاهد مأسوية من مسلسل متعاقب للكوارث الناجمة عن أخطاء بشرية بخطوط السكك الحديد في مصر، التي راح ضحاياها كثر بسبب تصادم بين القطارات.

في أعقاب الحادثة، قال وزير الصناعة والنقل المصري كامل الوزير، في تصريحات متلفزة، إن سبب حادثة الزقازيق "خطأ بشري". وبحسب روايته، دخل القطار المتجه إلى الإسماعيلية في مسار قطار آخر قادم من المنصورة، لكنه خرج عن السياق. معتبراً أن تطوير السكك الحديد بالزقازيق الذي يجري العمل عليه "سيقلل من الاعتماد على العنصر البشري" الذي سينتهي بحسب تعهده خلال شهر.

وتشهد مصر بين حين وآخر حوادث قطارات تثير اتهامات بالتقصير، توجه عادة إلى العاملين في التحويلات وأبراج المراقبة، وتتزايد معها الدعوات إلى تقليل الاعتماد على العنصر البشري، واستخدام إدارة السكك الحديد وسائل أكثر أماناً، إذ يرى متخصصون أنها ستسهم في الحد من وقوع الحوادث، بينما تتباين الآراء حول الحلول المثلى للتصدي لهذه الظاهرة التي تودي بعديد من الركاب سنوياً.

حوادث متتابعة بأرقام صادمة

لم تكن حادثة الشرقية التي اتهم فيها عدد من العاملين في التحويلات وأبراج المراقبة بالتسبب في الحادثة، حتى الانتهاء من تقرير اللجنة الهندسية في أكتوبر (تشرين الثاني) الجاري، بمنأى عن مسلسل مستمر من الحوادث التي ضربت قطاع السكك الحديد في مصر، ففي مارس (آذار) 2021 أدى إهمال العاملين إلى حادثة تصادم القطارات في سوهاج أودى بـ20 شخصاً وإصابة نحو 200 آخرين.

وكشفت تحقيقات النيابة حينها أن مراقب برج محطة المراغة ومساعد سائق القطار كانا تحت تأثير المخدرات، بينما ترك رئيس قسم المراقبة المركزية بأسيوط مقر عمله وقت وقوع الحادثة.

وفي سياق الأخطاء المرتكبة بصورة متزايدة من جراء العمل بطرق بدائية، وبالعودة إلى ليلة الحادثة بالزقازيق، خرج وزير الصناعة والنقل المصري كامل الوزير قائلاً إن "من بين 21 برجاً في خط بنها - بورسعيد، لم يتبق سوى ستة أبراج في حاجة إلى تطوير منها الزقازيق (مكان الحادثة)، ويهدف التطوير إلى تقليل الاعتماد على العنصر البشري في التحكم بمسار القطارات"، مؤكداً أنه حتى عند تطبيق الأنظمة الأوتوماتيكية والكمبيوتر، سيستمر دور العاملين في برج المراقبة، لكن بمهام محدودة، وسنواصل جهود التطوير بصورة مستمرة.

 

وبينما سرد وزير الصناعة والنقل المصري إنجازات الوزارة في تطوير شبكة السكك الحديد، رصدت "اندبندنت عربية" حوادث القطارات التي شهدتها المحافظات المصرية خلال الأعوام الـ15 الأخيرة، إذ كان عام 2018 الأكثر تسجيلاً لهذه الحوادث، إذ بلغ عددها 2044 حادثة، يليه عام 2017 بـ1793 حادثة، ثم 2019 الذي شهد 1442 حادثة.

من جهته رأى هاني حجاب رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر الأسبق، أن حوادث القطارات في مصر غالباً ما تكون "نتيجة أخطاء بشرية"، مما يستدعي تقليص تدخل العنصر البشري في منظومة التشغيل، والاعتماد بصورة رئيسة على النظم الآلية، وتعزيز استخدام وسائل تأمين أخرى معتمدة على التكنولوجيا، للحد من نسبة الحوادث الناجمة عن الأخطاء البشرية.

وحول مدى الاستفادة من العاملين بالتشغيل في السكك الحديد أوضح حجاب، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن ذلك التوجه "لا يعني" الاستغناء الكامل عن عمال التحويلة. لكن يجب إدخال تكنولوجيا متقدمة إلى الأنظمة، والتعامل مع الأمر بجدية. مضيفاً، "يوجد أنظمة تأمين متطورة تستخدم في عديد من دول العالم للحد من حوادث القطارات، ومصر تعتمد على بعض هذه الوسائل التكنولوجية في الخطوط الرئيسة مثل خطي القاهرة - الإسكندرية، القاهرة - السد العالي".

وأشار حجاب إلى أن تعميم هذه الأنظمة على جميع مناطق مصر يشكل تحدياً كبيراً بسبب الكلفة الفائقة، ومع ذلك، فإن تطبيق هذه التقنيات ضروري لضمان الأمان في تشغيل السكك الحديد. مضيفاً "في الوقت الحالي، ينبغي وجود مراقبة دقيقة للموظفين المسؤولين، مثل عمال التحويلة وملاحظي البلوكات، لضمان أدائهم لمهامهم بالصورة المطلوبة، لحين العمل بالأنظمة الحديثة".

المتهم الأول بكوارث التصادم

يتفق أستاذ هندسة السكك الحديد إبراهيم مبروك، مع الرأي السابق. موضحاً أن الاعتماد على عامل التحويلة ظاهرة شائعة في الدول النامية، والسكك الحديد في مصر يجب أن تتجه نحو التكنولوجيا لتقليل الاعتماد على العنصر البشري، مؤكداً أن من غير المعقول أن يتسبب إهمال عامل واحد في وقوع حوادث مروعة. مشدداً على أن الاستمرار في استخدام الطرق التقليدية في إدارة القطارات "لم يعد ملائماً" في ظل التقدم التكنولوجي.

واقترح مبروك أنه في حال الإصرار على استخدام هذا المسار التقليدي والبدائي، يجب توزيع المهام على أكثر من عامل تحويلة، لتقليل احتمالية وقوع الكوارث الناتجة من الإهمال الفردي.

 

وتساءل مبروك عن سبب استمرار مصر التي تمتلك أقدم خط سكة حديد في أفريقيا، في الاعتماد بصورة رئيسة على عمال التحويلة، في حين أن الحل الوحيد لحماية السكك الحديد يكمن في الابتعاد عن الأساليب اليدوية التقليدية والانتقال إلى الأنظمة الأوتوماتيكية، ومن بين الأخطاء الكبرى في إدارة السكك الحديد هو وجود تداخلات في القطارات ضمن "البلوك" الواحد، مما يؤدي إلى الحوادث نتيجة الاعتماد على إشارات تقليدية.

وأشار مبروك إلى أن "الاعتماد على العامل البشري يجعلنا نتوقع حدوث كارثة في أي لحظة، فنحن نتعامل مع حياة الآلاف، فكيف يمكن أن تستمر الإدارة اليدوية في هذا العصر؟". مشيراً إلى أهمية إنشاء بنى تحتية متطورة تشمل خطوطاً كهربائية وأنظمة تكنولوجية حديثة لضمان سلامة التشغيل.

بين تفاؤل وتشاؤم

في المقابل يرى حسين فضالي رئيس هيئة السكك الحديد الأسبق أن المستقبل يحمل آمالاً كبيرة، إذ تعمل الهيئة حالياً على تجديد الخطوط وتحويلها إلى أنظمة أوتوماتيكية بالكامل. مشدداً على أن الاعتماد على العنصر البشري سيصبح شيئاً من الماضي في المستقبل القريب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حادثة الشرقية التي وقعت أخيراً كانت في منطقة لم يصل إليها التطوير بعد، وفق فضالي الذي أوضح لـ"اندبندنت عربية" أن جميع خطوط السكك الحديد تسير تدريجاً نحو التشغيل الآلي الكامل سواء في التحويلات أو الإشارات.

فضالي أبدى تفاؤله بأن التشغيل الأوتوماتيكي سيسهم في تقليل حوادث القطارات بصورة كبيرة مستقبلاً، معتبراً أن الكلفة المرتفعة لهذا التحول هي جزء من خطة شاملة لتحسين أنظمة تأمين السكك الحديد، مؤكداً أن الخطوط الرئيسة في مصر قد جرى تحويلها إلى التشغيل الآلي في بعض الخطوط، والتطوير سيصل إلى الخطوط الفرعية على مراحل.

من جهته أكد نائب رئيس هيئة السكك الحديد الأسبق جمال دويدار أهمية الرقابة المستمرة على السكك الحديد في ظل استمرار الاعتماد على الأساليب اليدوية. موضحاً أن حدوث الأعطال أمر ممكن حتى مع إدخال الأنظمة التكنولوجية، غير أن التعامل الصحيح مع هذه الأعطال يمكن أن يحول دون وقوع الحوادث، مشدداً على أن الإهمال في الإشراف هو العامل الرئيس وراء تكرار الحوادث.

دويدار أشار إلى أن هناك عدة مستويات من المراقبة يجب أن تتوافر لضمان أداء عامل التحويلة مهامه بصورة سليمة، متسائلاً عن مدى قيام هؤلاء المراقبين بأدوارهم في مواقعهم بالصورة المناسبة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات