Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشرائح "تكهرب" المصريين... متاهة ويأس وسخرية

فوضى عارمة في منظومة الشرائح التي تحسب تعريفة الاستهلاك ومحاولات عاتية من فئات الشعب المختلفة لفك لوغاريتمها من دون جدوى

علامات الاستفهام المرسومة على وجوه المصريين دفعت البعض إلى السخرية من صراع الشرائح وحراك الطبقات (اندبندنت عربية)

ملخص

المصريون منخرطون في صراع، لم يعد صراع الطبقات أو حتى صراع الحضارات بل صراع شرائح الكهرباء. وحوارات دائرة داخل البيوت وخارجها لم تصل إلى مرحلة الشرح الوافي أو الحل الشامل أو الضمان الكامل للسيطرة على الاستهلاك والبقاء في مساحة الشريحة الآمنة

الحلقات النقاشية في كل مكان والرؤوس ملتصقة ببعضها بعضاً، والجميع يدلو بدلوه في شأن الشريحة. هذا يقول إن القفزة تحدث عند الرقم 101 وذاك يؤكد أن الـ101 تظل في نطاق الشريحة الأولى، وهو ما يستدعي تدخل سيدة بصوت جهوري تنفي قول هذا وتشكك في موقف ذاك، وتقول إن الشريحة لم تعد تخضع لقاعدة أو تلتزم بشرط، هي فقط مسألة حظ.

"حظك اليوم" كان عنوان أحد أشهر أبواب الصحف المصرية حتى مطلع الثورة الرقمية. راح "حظك اليوم" الذي كان يكتبه فلكيون وربما صحافيون يدعون معرفتهم بعوالم الفلك وعلم الأبراج ونصائح البيع والشراء والاستهلاك، بحسب دخول الشمس هذا البرج وخروجها من ذاك، وبقيت نصائح الاستهلاك لا بحسب برج المواطن الفلكي لكن بناء على "البرج الذي طار من نافوخ (مخ) كثيرين".

فوضى الشرائح

الزيادات المتواترة في أسعار الكهرباء والغاز والمياه نجم عنها فوضى عارمة في منظومة الشرائح التي تحسب تعريفة الاستهلاك بحسب كميته، ومحاولات عاتية من فئات الشعب المختلفة لفك لوغاريتمها وتفادي الارتطام الحادث لا محالة نتيجة ارتفاع استهلاك غير محسوب ينقل المواطن من الشريحة الأولى إلى الثانية، وربما يقفز به رأساً إلى الثالثة من دون سابق إنذار.

الربط بين الحظ والشريحة والحراك المستمر بين شرائح "الناس اللي فوق" أو بالأحرى "الناس اللي كانوا فوق"، وبين "الناس اللي تحت" أو "الناس الذين أصبحوا تحت جداً" يبدو أمراً غريباً وغير منطقي. صعوبة الاستقرار عند شريحة بعينها وذلك تجنباً لشرور الانتقال منها إلى أعلى أصبحت تعتمد على حسابات دقيقة وإجراءات احترازية، وقدر لا يستهان به من الحظ.

 

لعبة لا تليق إلا بالقط والفأر تلك التي تحاول سماح (45 سنة) ربة بيت أن تلعبها مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة. في كل مرة تظن أنها فهمت قواعد اللعبة وأن إفراغ بطاقة الكهرباء المدفوعة مسبقاً (الكارت) لا ينبغي أن تتم تحت أية ظروف إلا في الأيام الأولى من كل شهر، أو أن عليها ألا تشحن البطاقة بأكثر من 200 جنيه (4 دولارات أميركية) في المرة كحد أقصى، أو أن تتفادى تشغيل الغسالة والفرن وغلاية المياه الكهربائية أثناء ساعات النهار، تُفاجأ بأنه جرى تغيير قواعد اللعبة وبات عليها معاودة الكرة للفهم.

فهم عمل الشرائح مسألة مضنية، ومع التغيرات الكثيرة والقفزات العديدة والأسعار التي لا تستقر على حال لأكثر من بضعة أشهر انقسم المصريون بين فاقد الأمل في الفهم وتركها "بالبركة"، وهو ما يعني ارتفاع احتمالات بقائه في ظلام دامس بضع ساعات بعد أن ينفد رصيد الكهرباء فجأة، وبين متمسك بتلابيب الفهم في محاولة الوصول إلى معادلة ترضي جميع الأطراف، الحكومة والعداد وأفراد الأسرة والموازنة.

واقع الحال ورأي العين يشيران إلى أن خيار الإمساك بالتلابيب يسود. وهو لا يسود فقط بين الفئات والطبقات الاقتصادية والاجتماعية المصنفة "الأكثر احتياجاً"، لكنه يجمع بين فئات كانت تقطن حتى وقت قريب مضى مناطق مختلفة في الهرم الطبقي، فوجدت نفسها خلال الأعوام القليلة الماضية وبصورة متسارعة في الأشهر القليلة الماضية متجمهرة في منطقة واحدة قريبة من القاعدة، وإن كانت مترامية الأطراف.

التقارب بين الطبقات

جميع الأطراف الضالعة في استهلاك المياه والغاز والكهرباء وبخاصة الأخيرة منخرطة في صراع، لم يعد صراع الطبقات أو حتى صراع الحضارات بل صراع الشرائح. ليس هذا فحسب، بل أسهم صراع الشرائح في تحقيق التقارب بين الطبقات وتجسير الهوات بين الحضارات.

جلست سيدة المنزل مدام نيهال إلى جوار أم محمد التي تساعدها في أعمال المنزل منذ أعوام ما قبل الشرائح وأمامهما طاولة المطبخ، وقد غطتها أوراق توضيحية ورسوم بيانية وأخرى كروكية رسمتها "أم محمد" بنفسها في إطار محاولاتها المستميتة لشرح "كيف يعمل نظام الشرائح؟ وكيف تبقي على نفسك في داخل شريحتك؟" لـ"مدام نيهال" ولكن من دون جدوى.

جزء من عدم الجدوى مرده "سيكولوجي" أو على حد وصف "أم محمد" دماغ المدام "رافضة تفهم أو تقبل". رفض الفهم سببه تعقد المنظومة وتواتر وتسارع المتغيرات التي تطرأ على الأسعار والشروط. أما القبول فيعود إلى رفض العقل الباطن لسيدة المنزل تقبل فكرة الهبوط المستمر من منتصف الهرم نحو القاعدة، وهي القاعدة التي أدت بها إلى طلب العون والغوث من "أم محمد" لتنهل من علمها في مسألة الشرائح وتستفيد من خبرتها في مراوغة الحكومة، والبقاء في شريحة من دون الأعلى منها حقناً لنزف الجيوب المستمر.

قبل أيام قليلة عرف المصريون أن زيادة جديدة طبقت أو سيجرى تطبيقها في أسعار شرائح الكهرباء المنزلية. والنسبة المعلنة تراوح ما بين 15 و50 في المئة وهو ما يعد ضربة قاصمة تضاف إلى ما سبقها من ضربات، وتفسح المكان لما سينضم إليها من صدمات مستقبلية في حكم المؤكدة.

 

الزيادة الأحدث هي الثانية خلال العام الحالي وكانت الأولى خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، ومعها زيادات في أسعار تذاكر المترو وباقات الإنترنت وأسعار مكالمات الهاتف المحمول، وبلغت نسبة الزيادة وقتها نحو 26 في المئة.

رحلة المصريين مع زيادة أسعار الكهرباء ليست وليدة الأمس. كما أنها رحلة متعددة المحطات وتأبى أن تصل محطتها الأخيرة إلا بعد تحرير سعر الكهرباء بالكامل، على رغم اعتقاد سائد بناء على تقارير إعلامية جرى تداولها قبل عامين بأن الدعم الحكومي للكهرباء قد توقف تماماً قبل نحو أربعة أعوام، وأن غاية تحرير أسعار الكهرباء تحققت فعلياً وذلك بتسجيل بند دعم الكهرباء في حسابات الدولة لأعوام 2019، 2020، 2020، 2021 صفراً.

غير أن التصريحات الحكومية الحالية تتطرق إلى "خطط تدريجية لتحرير أسعار الكهرباء" وتسهب في استعراض فواتير استهلاك الوقود المسحوب من وزارة البترول لمحطات الكهرباء، التي أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أسابيع أنها تبلغ 16 مليار جنيه شهرياً، تسدد منها وزارة الكهرباء 4 مليارات جنيه وتتحمل الدولة الباقي، وأن الدولة تتحمل يومياً 450 مليون جنيه دعماً للمواد البترولية.

كل ما سبق صب في كل بيت مصري، وهو الصب الذي تكلل بالإعلان الرسمي والمباشر وليس التلميح أو التلويح الإعلامي بأن زيادة ما في الطريق وشرائح بعينها ستتضرر.

الحكومة المصرية تطبق نظام الشرائح في المحاسبة على فواتير الكهرباء منذ أعوام، ويعتمد النظام على مبدأ زيادة أسعار الكهرباء كلما زاد الاستهلاك على حدود بعينها. استهلاك الكهرباء المنزلي يعتمد على سبع شرائح، في حين يعمل الاستهلاك الصناعي والتجاري بناء على خمس شرائح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نصائح ومقترحات

عشرات التصريحات الرسمية ومئات الأدلة المكتوبة، وآلاف الرسوم البيانية التفاعلية والجامدة، وملايين الحوارات الدائرة في البيوت وخارجها لم تصل إلى مرحلة الشرح الوافي أو الحل الشامل أو الضمان الكامل للسيطرة على الاستهلاك والبقاء في مساحة الشريحة الآمنة، التي تحفظ ماء الوجه وتحافظ على ما تبقى في الجيب.

"افصل الثلاجة (البراد) ليلاً" و"سخن الماء على البوتاجاز وليس الغلاية الكهربائية" و"انس الملابس المكوية. المكواة تبتلع التيار الكهربائي بلعاً" و"اكتف بالأضواء الخافتة في البيت" و"إياك والميكروويف"، "اجتنب الآير فراير" و"لو صمم أبناؤك على أن يشغل كل منهم جهاز تكييف غرفته افصل الكهرباء العمومية، وادعي أن الحكومة قطعتها والله غفور رحيم"، وقوائم نصائح ومقترحات خفض الاستهلاك والبقاء في الشريحة المرجوة لا تتوقف.

كما لا تتوقف تكهنات وتوقعات عموم المصريين بمستقبل الاستهلاك وكهرباء البلاد وفواتير العباد وشرائحهم في ضوء استمرار سياسة الاقتراض من مؤسسات الإقراض الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي بات اسمه مرتبطاً في أذهان الملايين، لا بالقروض وقيمتها فحسب لكن بارتفاع أسعار البنزين (الوقود) والسجائر والخدمات والدواء والمواصلات وبالطبع الكهرباء.

حتى المقدمات الكثيرة الإعلامية منها والسياسية التي اجتهدت فيها الحكومة المصرية على مدار أشهر طويلة، بالتلميح عن القروض الضرورية إضافة إلى الأحداث الدولية من حروب وصراعات وتأثيرات مناخية، والتي تؤدي إلى زيادات عالمية مرتبطة دائماً بالتلويح إلى زيادة أسعار بعض (أو كل) السلع والخدمات، والكهرباء في القلب منها.

 

وفي القلب من كل حديث مصري عن الكهرباء يتربع مكون الشريحة على عرش الكلام. ونقطة الانطلاق جدول رسمي بلا قلب. وبحسب الزيادة الأحدث سعر الشريحة الأولى من صفر إلى 50 كيلووات/ ساعة 68 قرشاً بدلاً من 58 قرشاً بزيادة 17 في المئة. والشريحة الثانية من 51 كيلووات/ ساعة إلى 100 كيلووات/ ساعة 78 قرشاً بدلاً من 68 قرشاً بزيادة 15 في المئة.

وتتصاعد زيادة الأسعار بنسب مئوية مختلفة وصولاً إلى الشريحة السابعة التي يزيد استهلاكها لأكثر من ألف كيلووات/ ساعة ويجرى حسابها من الصفر بـ2.23 جنيه بعدما كانت 165 قرشاً بزيادة 35 في المئة. والنسبة المئوية الأعلى في الزيادة من نصيب الشريحة السادسة التي يستهلك المنتمون إليها أكثر من 650 كيلووات/ ساعة إلى ألف كيلووات/ ساعة لترتفع إلى 2.10 جنيه بدلاً من 140 قرشاً، مع ملاحظة أنه في حال تخطي الاستهلاك لـ650 كيلووات يُجرى خصم 378 جنيهاً فرق شرائح!

كان يفترض بهذه الجداول الشارحة التي بنت عليها وسائل إعلامية رسوماً بيانية وخرائط تفاعلية بهدف التيسير على الملايين ممن يضربون أخماس الاستهلاك في أسداس الشرائح، أن توضح كيفية عمل الشرائح، لا سيما أن جهوداً سابقة نجحت في البقاء داخل الشريحة التي يقل استهلاكها عن 200 كيلووات/ ساعة تبددت في الهواء ووجدت نفسها تقفز من دون سابق إنذار على رغم ظنها أن نمط الاستهلاك وكميته لم يتغيرا لتتعدى حاجز الـ250 كيلووات/ ساعة، وهو ما وضعها في الشريحة التالية بفارق بضع مئات من الجنيهات.

مراوغات البقاء في الشريحة

علامات الاستفهام المرسومة على عديد من الوجوه دفعت البعض كالعادة إلى السخرية من صراع الشرائح وحراك الطبقات. أغنية العندليب عبدالحليم حافظ "حبيبتي من تكون؟" وجدت نفسها على أثير الـ"سوشيال ميديا" وقد أصبحت "شريحتي من تكون؟" و"الرفاق حائرون، يتفكرون، يتساءلون، يتهامسون، يتخيلون، أشياء وأشياء، ويضيع كل هذا هباء، شريحتي من تكون؟!".

ومن السخرية إلى الفاجعة. النبش في الماضي يشير إلى أن شريحة الكهرباء الأرخص خلال عام 2010 كانت بنحو 11 قرشاً، والأعلى كانت بـ22 قرشاً، لكن لحسن الحظ أن الغالبية لا تمتلك رفاهية الوقت أو الجهد للتنقيب عن أسعار الكهرباء زمان.

الغالبية منهمكة في محاولات الفهم ومراوغات البقاء في الشريحة المختارة، لكن هذا لا يمنع من أن قلة تبحث عن سبل ملتوية للهرب من هذا وذاك. عدد لا بأس به من الفيديوهات "التعليمية" متاح عبر الأثير تحمل عناوين "طريقة سحرية لسرقة الكهرباء" و"كيف تسرق التيار؟" و"الطريقة الاحترافية لسرقة الكهرباء" و"عمالقة سرقة التيار" وغيرها من عناوين الفيديوهات التي تستعرض مهارات سرقة التيار عبر العدادات، "وذلك للخروج من أزمة زيادة الأسعار ولوغاريتمات الشرائح والدخول في جنحة دنيوية وضمان نهاية مأسوية"، حسب تعليق أحدهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات