Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينهض الشعب الإيراني أخيراً ويحقق "الخريف الفارسي"؟

وجه الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان ضربة موجعة إلى النظام الذي كثيراً ما اعتبر منيعاً، لكن الرسالة المصورة التي بثها بنيامين نتنياهو والتي حض فيها الإيرانيين العاديين على تحرير نفسهم قد لا تلقى آذاناً صاغية

تظاهرة سابقة في إيران  (رويترز)

ملخص

تركز دول العالم على تأثير استهداف قائد "حزب الله" في لبنان والرد المحتمل من إيران، بينما تعد التوترات الداخلية في إيران تهديداً أكبر للنظام، إذ يعاني المواطنون من الأزمات الاقتصادية ونقص السلع.

يتركز الاهتمام الدولي إلى حد كبير على التداعيات المحتملة لضرب قيادة "حزب الله" في لبنان، وطبيعة الرد الذي قد يصدر عن طهران على التصعيد الدرامي الذي تقوم به إسرائيل في لبنان. إلا أن قلة تلتفت إلى التطورات المحتملة التي قد تتكشف داخل إيران نفسها.

وتتمثل إحدى الركائز الأساس لنفوذ الزعيم الإيراني علي خامنئي في قدرة نظام آية الله على بسط نفوذه خارج حدوده من جهة، واستخدام هذا النفوذ في الداخل كأداة لقمع المعارضين وترهيبهم من جهة أخرى. وحتى الأسبوع الماضي، كانت رعاية طهران للفصائل الشيعية شبه العسكرية المنتشرة في مختلف أنحاء المنطقة - من لبنان إلى اليمن - تعزز الشعور بأن الجمهورية الإسلامية تكتسب زخماً وتوسع نفوذها في المنطقة.

إلا أن القضاء على حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" وقادة رئيسين آخرين إلى جانب مستشارين من "الحرس الثوري الإيراني"، أدى إلى ضرب هالة الحصانة التي روج لها النظام الإسلامي، وأسقط صورة القوة التي لا تقهر.

واحتفل الإيرانيون العلمانيون الذين يعارضون القيود الصارمة على اللباس التي تفرضها إيران، والذين يسخرون من ازدواجية النظام بين شعاراته الأصولية الصارمة وتساهله في تطبيق قواعد الشريعة على أفراد من النخبة وأبنائهم، بمقتل نصرالله وعبروا عن ابتهاجهم بذلك.

ويكمن التهديد الأبرز الذي يواجهه الملالي داخل إيران في تنامي مشاعر الاستياء بين المواطنين العاديين الذين يعانون نقص السلع وارتفاع معدلات التضخم بصورة مفرطة، نتيجة الحرب الاقتصادية مع الغرب بسبب السياسات الخارجية التي يتبعها النظام وطموحاته النووية. ويشتكي كثر من أنهم يتحملون تبعات العقوبات الغربية خلال وقت يوجه فيه النظام إيرادات النفط إلى حلفائه ووكلائه في الخارج، بدلاً من توفير الدعم للفقراء في الداخل، الذين كانوا ذات يوم يشكلون قاعدة التأييد الأساس له.

ومنذ احتجاجات عام 2009 عندما بدت "الثورة الخضراء" وشيكة، عمدت قوات الملالي في إيران إلى قمع موجات متعاقبة من التظاهرات، ومنذ ذلك الحين شابت الانتخابات الإيرانية مزاعم بالتزوير وشهدت باستمرار نسب إقبال منخفضة من جانب الناخبين، مما يعكس تدهوراً واضحاً في شرعية النظام.

هذا الوضع من شأنه أن يقوض تدريجاً عزم القوى الأمنية الإيرانية المتشددة على استخدام القوة ضد المعارضين، وفي الوقت ذاته يشجع عامة الشعب على الصمود أمام العنف والقمع، إذا ما ترسخت لديه قناعة بأن النظام قد يفقد سيطرته في النهاية.

يضاف إلى ذلك أن تشويه سمعة "الحرس الثوري" وفشل أجهزة الاستخبارات الإيرانية في إحباط الاغتيالات التي تقوم بها إسرائيل - كاغتيال زعيم حركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران - قد يسهمان في تآكل فاعلية هذه الأجهزة والتشكيك في كفاءتها.

وسط هذا الوضع غير المستقر وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نداء إلى الإيرانيين - مطلقاً عليهم تسمية "الفرس" في إشارة إلى تاريخهم ما قبل قيام الجمهورية الإسلامية - حضهم فيه على السعي إلى تحرير أنفسهم. وفي مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق باللغة الإنجليزية وصفه بأنه خطاب مباشر موجه إلى الشعب الإيراني، انتقد زعماءهم الذين جرُّوا منطقة الشرق الأوسط إلى "حرب أوسع"، وقال إن حكومتهم تدفع البلاد نحو "حافة الهاوية"، مشيراً إلى أن تغيير النظام قد يحدث في وقت أقرب مما يتوقعون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تمتعت إيران لفترة طويلة بتاريخ غني وعريق قبل وصول الإسلام إليها بعدما هزم الفتح العربي حكامها الزرادشتيين قبل نحو 1350 عاماً. وكانت هناك أيضاً روابط إيجابية تجمع بين العبرانيين القدامى وكورش أول إمبراطور فارسي، الذي عمل على تحريرهم من الأسر في بابل. وتسعى إسرائيل إلى الاستفادة من الهوية غير العربية للإيرانيين لمواجهة نهج آيات الله الذي - منذ إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي خلال عام 1979 - يبدِّي القضايا العربية مثل فلسطين على المصالح الوطنية الإيرانية.

وفي هذا الإطار قد تؤدي مجموعة من النكسات الخارجية والصراعات الاقتصادية إلى ظهور حركة احتجاجية في إيران مشابهة لـ"الربيع العربي" - أو إلى ما يمكن تسميته "خريف فارسي" - إذا صح التعبير.

لكن هنا يجب أن نأخذ في الاعتبار خيبة الأمل التي عقبت التفاؤل الأولي الذي ساد بعد "الربيع العربي" خلال عام 2011. فقد نشأت صراعات سياسية ووقعت انقسامات طائفية أدت إلى ظهور أنظمة استبدادية جديدة في كل من تونس ومصر، إلى جانب اندلاع حروب أهلية في ليبيا وسوريا واليمن. وسيكون من السذاجة الافتراض بأن تغيير النظام من الداخل في إيران سيفضي بالضرورة إلى إحلال الانسجام والديمقراطية والازدهار فيها.

ومن الطبيعي أن يأمل الناس في أن يكون أي وضع بديل أفضل من ذلك النظام الذي تسبب بهذا المزيج المحبط من الأصولية والسخرية.

صحيح أن تغيير النظام في إيران قد يؤدي إلى رفع العقوبات المفروضة عليها، مما يسمح لحكومة جديدة بالاستفادة من عائدات النفط والغاز واجتذاب استثمارات أجنبية ويسهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني، إلا أنه إذا انهار النظام فقد تغتنم أقليات عرقية - مثل الأكراد والعرب في الغرب والبلوش في الجنوب الشرقي للبلاد - هذه الفرصة للسعي إلى الاستقلال، مما قد يتسبب بتفكك أوصال الدولة الإيرانية. وقد يفضي هذا السيناريو في نهاية المطاف إلى نشوء حال من عدم الاستقرار في البلدان المجاورة ويزعزع أمنها.

وتجدر الإشارة إلى أن الأقلية الأكبر في إيران هي من الأذريين الذين يشكلون نحو ثلث عدد سكان البلاد. ويعيشون في مناطق قريبة من الحدود مع جمهورية أذربيجان السوفياتية السابقة. وظلوا حتى الآن متمسكين بتحالفهم مع إيران، مدعومين بصلات قربى تجمع بين زعماء الجمهورية الإسلامية - بمن فيهم علي خامنئي - وعائلات أذرية. لكن إذا لم يعد المذهب الشيعي يعمل كقوة توحيدية وفقدت الروابط الأسرية مع النظام الساقط نفوذها في طهران، فقد يتجه الأذريون نحو التفكير في الانفصال.

ومن المحتمل أن يشكل قيام أذربيجان مستقلة عن إيران تهديداً كبيراً لجمهورية أذربيجان السوفياتية السابقة الحليفة الإقليمية لإسرائيل، إذ سيكون عدد سكان الدولة الجديدة أكبر بخمسة أضعاف من أذربيجان الراهنة، وستكون عاصمتها تبريز مركزاً مهماً للثقافة الأذرية، بحيث تتفوق على باكو لجهة العراقة والإرث التاريخي.

وفي المقابل يجب عدم تجاهل خطر ظهور نزعة قومية إيرانية متشددة نتيجة انهيار الجمهورية الإسلامية.

فما جعل نظام آيات الله قوياً في إيران هو قدرته على الجمع بين الأصولية الشيعية والشعور بالفخر الإمبريالي الإيراني. وإذا ما انهارت هذه الأسس بسبب خيبة الأمل الكبيرة من عجز الملالي وفسادهم وإخفاقاتهم في السياسة الخارجية، فقد يتجه الإيرانيون نحو القومية حتى لو جاء ذلك عبر صناديق الاقتراع، ولن يكون الإيرانيون أول أمة تتحرر من أيديولوجية قمعية لتقع فريسة أيديولوجية أخرى.

إلا أنه من المؤكد أن الوقت قد حان كي تكون للإيرانيين الحرية في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، حتى لو كان ذلك يعني ارتكاب أخطاء، وربما يمنحهم خريف هذا العام تلك الفرصة.

مارك ألموند هو مدير "معهد أبحاث الأزمات في جامعة أكسفورد" Crisis Research Institute, Oxford

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء