Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إشعال النار وقرع الطبول... رحلة إشارات التواصل البشري

استخدمت بعض الحضارات النظام الضوئي لنقل الرسائل بواسطة المرايا أما الملوك والأمراء فكانوا منذ القدم يستخدمون الرسل أو السفراء لنقل الرسائل الشفوية

كانت الإشارات الدخانية وسيلة تواصل أخرى سابقة على البريد استخدمتها بعض الحضارات القديمة (pxhere)

ملخص

كانت الإشارات الدخانية وسيلة تواصل أخرى سابقة على البريد واستخدمتها بعض الحضارات القديمة مثل الحضارة الصينية والإغريقية للتواصل عبر المسافات الطويلة. وفي بعض المجتمعات القديمة كان قرع الطبول وسيلة تواصل اجتماعية استخدمتها القبائل الأفريقية والهنود الحمر، لإرسال إشارات ورسائل عبر الصوت لمسافات طويلة.

كان الحمام الزاجل وسيلة فعالة لنقل الرسائل عبر المسافات الطويلة، لكن مع ظهور مكاتب البريد الرسمية التي تنقل الرسائل من مكان إلى آخر اختفى الحمام الزاجل كوسيلة للتواصل والتراسل بين الناس، وكان للتلغراف دوره الكبير في وقف الحمام الزاجل عن العمل وكذلك التخفيف عن كاهل سعاة البريد حول العالم.

وسائل التواصل القديمة والحديثة

وكانت الإشارات الدخانية وسيلة تواصل أخرى سابقة على البريد واستخدمتها بعض الحضارات القديمة مثل الحضارة الصينية والإغريقية للتواصل عبر المسافات الطويلة. فكانت توقد نيران كبيرة على قمم الجبال لتصدر عنها أعمدة دخان عالية لإرسال إشارات معينة. وفي بعض المجتمعات القديمة كان قرع الطبول وسيلة تواصل اجتماعية استخدمتها القبائل الأفريقية والهنود الحمر، لإرسال إشارات ورسائل عبر الصوت لمسافات طويلة.

قبل ظهور نظم التواصل الحديثة مثل البريد كانت الرسائل تنقل بواسطة القوافل وبخاصة في المناطق الصحراوية أو الريفية، واستخدمت بعض الحضارات النظام الضوئي بواسطة المرايا لنقل المعلومات من فوق نقاط مرتفعة. أما الملوك والأمراء وأصحاب السلطة فكانوا منذ القدم يستخدمون الرسل أو السفراء لنقل الرسائل الشفوية المهمة بين الممالك أو إلى ملوك آخرين. وهناك من يعد أن الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة كانت طريقة للتواصل وكذلك كل النقوش التي خلفتها الحضارات الغابرة منذ رسوم الإنسان في العصر الحجري على جدران الكهوف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما بعد صارت الألواح الطينية في حضارة بلاد ما بين النهرين وسيلة لكتابة الرسائل والمعاملات التجارية باستخدام الخط المسماري، وهذا ما يجعلها الصورة البدائية الأكثر تطوراً لوسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في تطوير صور العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الكتابة وطرق التعبير، إلى أن نقشت فوقها ملحمة غلغامش وهي واحدة من أهم النصوص القديمة الموجودة نظراً إلى وضوحها واكتمالها، وقد حفظتها الألواح الطينية عبر الزمن لتنشر اليوم في الكمبيوترات والهواتف الموصولة على شبكة الإنترنت، وكأن شبكات التواصل الاجتماعي في عصر الإنترنت مرتبطة بطريقة ما بوسائل التواصل التي استخدمها البشر الأوائل لتنظيم العلاقات في ما بينهم، ولحفظ المعلومات وللتعبير الفني وحفظ الصلوات والعبادات في المعابد التي كانت مراكز للتواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً وفعالية وسلطة في مختلف المجتمعات البشرية منذ القدم وحتى اليوم.

في بعض المجتمعات الجبلية في الأناضول وكذلك في جزيرة لا غوميرا في إسبانيا كان الناس يستخدمون الصافرات للتواصل عبر المسافات الطويلة، وكانت وسيلة فعالة لنقل الرسائل عبر التضاريس الجبلية. وما زالت بعض القرى الجبلية في تركيا تستخدم هذه الوسيلة للتواصل وإرسال الرسائل.

وكانت الرسائل الورقية المكتوبة وسيلة رئيسة للتواصل إذ كانت تُرسل عبر أنظمة البريد المختلفة، وقد يستغرق وصول الرسالة أياماً أو حتى أشهراً في بعض الأحيان، وكان التجار الذين يتنقلون بين المدن والدول يلعبون دوراً كبيراً في نقل الأخبار والمعلومات.

ومنذ القرن الـ18 أصبحت الصحف واحدة من أهم وسائل نقل الأخبار والمعلومات على نطاق واسع. ومع اختراع التلغراف خلال القرن الـ19، حدثت ثورة في نقل المعلومات بسرعة بين المدن والدول بواسطة إشارات كهربائية عبر أسلاك التلغراف، مما جعل الاتصال أسرع بكثير مقارنة بالوسائل التقليدية. ومع اختراع الراديو في أوائل القرن الـ20 والتلفزيون فيما بعد أصبح بالإمكان نقل المعلومات عبر البث الإذاعي أو التلفزيوني إلى عدد كبير من الناس في وقت واحد، مما أحدث تحولاً في كيفية وصول المعلومات إلى الجمهور.

وكان التواصل بين الأفراد والمجتمعات يتم عبر اللقاءات المباشرة أو الرسائل المكتوبة مما يؤخر تناقل الأفكار والمعلومات، وكان الناس يبنون علاقاتهم بالتعارف المباشر والتفاعل الطويل مما حافظ على عزلة المجتمعات لفترات طويلة، فتمكنت من الحفاظ على ثقافاتها وتقاليدها وعاداتها الخاصة من دون أي تدخل خارجي. وعلى رغم أن سرعة تناقل المعلومات في وقتنا الحالي أسهمت في تبادل المعارف وانفتاح الثقافات الإنسانية على بعضها بعضاً، فإنها جلبت معها الضغط الاجتماعي والقلق نتيجة الشعور بالحاجة إلى الاطلاع الدائم على الأحداث والأخبار والمعلومات الجديدة، مما رفع من حدة الإجهاد الجسدي والتفكيري، وظهور ضغوط نفسية جديدة لم تكن معروفة في ما مضى حين كان هناك نوع من "الأمان الزمني" حين لم يكن من حاجة مستمرة لتحديث المعلومات أو اتخاذ قرارات فورية. وظهر نوع من الإرباك الشخصي على الصعيد النفسي نتيجة ما سمي "الإفراط في المعلومات" Information Overload بسبب التدفق الكبير للمعطيات الذي يؤدي إلى الإرباك وعدم القدرة على استيعاب كل التفاصيل. وعلى سبيل المثال كانت الأحداث السياسية الدولية تأخذ وقتاً طويلاً لتنتقل من مكان إلى آخر، مما يحد من بناء تحالفات سياسية واقتصادية سريعة. بينما يمكن اليوم لقرار سياسي أو حدث عالمي أن يؤثر فوراً في سير الاقتصادات والمجتمعات. فكان لسرعة انتقال المعلومات دور في جعل الحياة أكثر ترابطاً وتداخلاً، ولكنها جلبت معها تحديات جديدة تتعلق بالإدارة الفورية للمعلومات والتعامل مع تدفق الأخبار المستمر والتكيف مع تأثير الأحداث العالمية في الحياة اليومية.

الحضارات القديمة

لقد أثرت الحضارات القديمة بصورة عميقة في تطوير وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إرساء المبادئ الأساس للتواصل. ويمكن رؤية أساليب التفاعل المستخدمة في المجتمعات القديمة على المنصات الرقمية اليوم، مما يعكس تطوراً مستمراً للتواصل الاجتماعي. على سبيل المثال عملت منتديات أثينا التي كانت تُجرى أمام الجمهور في الساحات العامة كمساحات نابضة بالحياة للنقاش وتبادل الآراء، وهو شبيه مصغر لما يجري اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن اعتبار صور الفن القديمة وتقاليد سرد القصص والملاحم والأساطير التي تتناقلها الأمهات عن الجدات والزعماء عن آبائهم طرقاً مختلفة للتواصل في المجتمعات القديمة وللحفاظ على ذاكرة جماعية محددة، وكان للمحافظة على هذه التقاليد الثقافية عبر تلك الوسائل البدائية دور في بقائها نابضة بالحياة حتى يومنا هذا. وتمكنت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من الاستلهام من ثقافات الحضارات القديمة ونشرها على مساحة واسعة من الناس والمهتمين، فألهمت على سبيل المثال التصميمات المعقدة للفخار اليوناني واللوحات الجدارية الرومانية المؤثرين والفنانين المعاصرين، لإعادة خلقها وتصديرها ممزوجة بقدرات التطور التقني على إعادتها إلى الحياة بصورة أكثر جاذبية، مما يؤدي إلى الاستنتاج أنه على رغم بدائية وسائل التواصل القديمة في المجتمعات البشرية فإنها أسهمت في الحفاظ على أفكار وتطلعات أصحابها لتبقى إلى عصرنا الحاضر شاهدة على تاريخ هذه الجماعات، ثم جاءت العولمة وتطور التقنيات التواصلية لتدمج القديم بالحديث ولتؤكد الحوار المستمر بين الماضي والحاضر.

وفي مثال آخر يمكن القول إن النصوص القديمة في الكتابة المسمارية والهيروغليفية سهلت توثيق الأفكار والقصص، ويمكن اعتبار الرموز التعبيرية أو "الإيموجي" في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة تطوراً للصور والرسوم الكتابية القديمة، مما يسمح للمستخدمين بالتعبير عن المشاعر المعقدة بإيجاز. فالإيجاز في استخدام الرسوم أو الأحرف الذي ظهر في النصوص واللغات القديمة والمبكرة يشبه الرسائل الموجزة والمختصرة في التعبير المتداولة اليوم على وسائل التواصل. وأدى ظهور الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى إدخال معاجم واختصارات ورموز تعبيرية جديدة، وكلها تعكس ممارسات قديمة للتواصل الرمزي. ويؤكد هذا التطور كيف أن التأثيرات القديمة تشكل اللغة الحديثة والطريقة التي نتفاعل بها على المنصات الاجتماعية. وتعمل تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات للحوار بين الثقافات إذ يتشارك المستخدمون التقاليد والمعتقدات والمعلومات حولها، ويمكن القول إن هذه التبادلات الحديثة تذكرنا بمثيلاتها القديمة التي كانت تتم عبر طرق التجارة أو الحوارات الفلسفية خلال العصور القديمة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات