ملخص
يمكن القول إن "طوفان الأقصى" جعلت إيران تشعر بالزهو والانتصار وأن لديها ورقة ضغط يمكن أن تقوم من خلالها بالضغط على إسرائيل، لكن الآن سقطت قوة الردع الإيرانية وأعلن نتنياهو قدرته على القيام بأي عملية عسكرية داخل إيران أو "محور المقاومة".
أحد المآزق التي تعرضت لها إيران وقد يكون دفعها إلى الرد على إسرئيل بالضربة الصاروخية أول من أمس الثلاثاء هو توجيه الانتقادات لها داخلياً لتقاعسها عن الرد على الاستهدافات الإسرائليية المستمرة تجاهها، وآخرها اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، أهم وكيل إقليمي في استراتيجية طهران.
وكان الرد على تلك الانتقادات جاء من قبل النائب السياسي لـ"الحرس الثوري" سردار يد الله جافاني خلال اجتماع في محافظة قزوين، حيث أوضح أنه يجب تحليل المشهد وتنفيذ العملية مع مراعاة العقلانية والتخطيط والتقييم من جميع الجوانب، وقال إننا نستمع لأمر قائد الثورة ولن نتردد لحظة في حماية المصالح الوطنية للبلاد.
يأتي هذا لتباين الردود حول التراخي الإيراني، فقد تباينت ردود الفعل من شخصيات وجماعات مختلفة وحاول النظام الترويج من خلال الإعلام لعدم الرد بصورة عامة منذ الاستهدافات الإسرائيلية على مدى عام أن هذا الطلب ترافقه عاطفة في بعض الأوساط، إلا أن النظرة الأكثر عقلانية إلى هذه القضية تتطلب تحليلاً شاملاً.
وكانت هناك مجموعتان من المروجين لضرورة الرد العسكري، الأولى لديها مشاعر تعاطف، وتعتقد بأن عدم قيام إيران بالعمل العسكري يمكن أن تكون له آثار سلبية على الجسم الثوري والديني في المجتمع ويسبب خيبة أمل القوى الداعمة للمقاومة يجب أن تتخذ نهجاً حازماً وصارماً في مواجهة أعداء الإسلام والمقاومة.
وبالنسبة إلى هذه المجموعة، فإن اغتيال حسن نصرالله لا يعتبر حادثة عسكرية فحسب، بل يشكل أيضاً تهديداً أساسياً لـ"محور المقاومة" والثورة الإيرانية وإن التقاعس يسبب خيبة أمل في أوساط التابعين للمحور، وترى المجموعة ضرورة أن يكون الرد بصورة واضحة وحاسمة على إسرائيل، لتوضيح أن محور المقاومة لا يزال قوياً، وأي هجوم عليه سيقابل بردّ قاسٍ.
أما المجموعة الأخرى التي تروج للتدخل العسكري، فهي من المرتبطين بالتيار المتشدد ويرغبون في توجيه انتقادات لوجود حكومة إصلاحية معها تراخت المؤسسات الأمنية عن الدفاع عن أمن إيران، أي إن هناك توظيفاً سياسياً داخلياً بين القوى السياسية.
لكن بصورة عامة، اعتمد النظام على الترويح لفكرة أنه في القضايا السياسية والاستراتيجية والإقليمية لا بد من التريث وترجيح العقلانية وعدم الانجرار وراء العواطف، مما يُعدّ منطقاً مناقضاً للمنطق الثوري الإيراني الذي يعمل على تأجيج مشاعر شعوب المنطقة تجاه بعض القضايا على اعتبار أن هناك تقاعساً من بقية دول الإقليم.
ففي وقت كان حسن نصرالله يبرّئ إيران من عملية "طوفان الأقصى"، كان يقول إنه على الدول العربية أن تدخل عسكرياً وتحارب إسرائيل، أي تغيب العقلانية في خطاب إيران و"حزب الله" السياسي حينما يراد توجيه نقد للدول العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن السؤال المرتبط بالمأزق وعلى رغم سيطرته على إيران كيف قامت طهران بتوجيه الضربة لإسرائيل؟.
بداية يمكن القول إن "طوفان الأقصى" جعلت إيران تشعر بالزهو والانتصار وأن لديها ورقة ضغط يمكن أن تقوم من خلالها بالضغط على إسرائيل، كما نادت بما يسمى "وحدة الساحات" ومن بعدها ما يسمى "جبهة الإسناد"، ثم العمل على تأجيج بؤر صراع وتوتر جديدة في المنطقة مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
على رغم كل ما سبق من سياق جعل إيران تشعر بأنها تمتلك كثيراً من الملفات في الإقليم على وقع "طوفان الأقصى"، نجد أن هذا الزهو تحول الآن إلى حال من الترقب وعدم اليقين، فأصبح أي تحرك من إيران قد تترتب عليه تداعيات خطرة نتيجة القوة الإسرائليية والزهو الذي أصبح لدى نتنياهو.
لذا يمكن القول إنه قبل أكثر من عام كان هناك توازن في الردع بين إيران وإسرائيل، والتزام من قبل إسرائيل وميليشيات "محور المقاومة" بقواعد الاشتباك، أي مستوى معين من التهديدات والتوازن بين الطرفين، لكن الآن سقطت قوة الردع الإيرانية وأعلن نتنياهو قدرته على القيام بأي عملية عسكرية داخل إيران أو "محور المقاومة".
ويبدو من التصريحات الأميركية والغربية أن نتنياهو لديه ضوء أخضر للتعامل مع تلك الميليشيات، كما أعلن نتنياهو أن هدفه الآن التوسع لاغتيال كبار قادة الميليشيات وتقويض قدراتها وليس بالضرورة القضاء عليها لجعلها غير قادرة على تهديد إسرائيل.
لذا يتجلى مأزق آخر لإيران وهو قلة القيادات التي يمكن الاعتماد عليها وتدريبها، لا سيما أن حسن نصرالله هو من قام بتدريب قادة الميليشيات بالمنطقة في سوريا والعراق والحوثيين بعد اغتيال قاسم سليماني، فكان تشكيل شبكة الوكلاء أهم وظائفه.
لذا فباغتيال إسرائيل كبار القيادات ونوابهم، تعاني إيران قلة القيادات التي يمكن الاعتماد عليها، ويمكن القول إن إيران ليست لديها خيارات كثيرة يمكنها الاعتماد عليها في أي تحرك ويمكن أن تجنبها حرباً شاملة مع إسرائيل.
لكن هناك سيناريوهات يمكن ترجيحها ستلجأ إليها إيران في الحالة التي تتسم بها الآن من قلة الخيارات، وفقاً للعقلية الإيرانية التي لديها عقدة الاضطهاد ولديها شعور بالتميز وتطلعات توسعية، لن يتوقف النظام الإيراني عن محاولة الاستثمار في أدوات جديدة، وربما تلجأ طهران إلى عدم تعزيز قدراتها النووية مقابل رفع العقوبات عنها، لكن من جهة أخرى ستعمل على تطوير برنامج عسكري نووي سري ليكون أهم أداة ردع لديها، كما ستعمل على تشكيل ميليشيات أكثر تطرفاً في المنطقة.