Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أيام صعبة تنتظر مهاجري فرنسا مع حكومة اليمين

وزير الداخلية يدعو إلى حرمانهم من الخدمات الطبية المجانية ورئيس الوزراء يتبنى نهجاً صارماً في سياسة الهجرة

 خلال مسيرة ضد قانون الهجرة الفرنسي الجديد بالقرب من ساحة الجمهورية في باريس، 5 يناير 2024 (أ ف ب)

ملخص

تأتي هذه التغيرات في وقت يتصاعد الجدل حول سياسات الهجرة، إذ أعلن وزير الداخلية عزمه تعقب المهاجرين غير النظاميين وإلغاء "المساعدة الطبية العالمية"، مما يفتح النقاش حول التحديات والانقسامات التي قد تواجهها الحكومة في هذا السياق.

تتجه فرنسا نحو تشديد سياساتها المتعلقة بالهجرة مع تشكيل حكومة جديدة بقيادة ميشال بارنييه والتي يغلب التوجه اليميني على أحزاب حاملي الحقائب الوزارية الـ 39 فيها، ومن بينهم وزير الداخلية برونو ريتايو المنتمي لحزب الجمهوريين اليميني والمعروف بمواقفه الحازمة تجاه قضايا الهجرة.

وتأتي هذه التغيرات في وقت يتصاعد الجدل حول سياسات الهجرة، إذ أعلن ريتايو عزمه تعقب المهاجرين غير النظاميين وإلغاء "المساعدة الطبية العالمية"، مما يفتح النقاش حول التحديات والانقسامات التي قد تواجهها الحكومة في هذا السياق.

وأكد ريتايو في خطاب له أهمية إعادة تجريم الإقامة غير الشرعية، مما يعكس التوجه الجديد للحكومة الفرنسية نحو سياسة أكثر صرامة في مجال الهجرة، موضحاً أن الدخول غير القانوني إلى البلاد يجب أن يُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، ومشدداً على ضرورة تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية المجاورة من خلال اتفاقات أكثر قوة.

في الوقت نفسه، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى فاعلية الاستراتيجيات المتبعة للتعامل مع هذه القضية المعقدة. فهل ستسهم هذه السياسات في تقليل عدد المهاجرين غير الشرعيين وتحسين الأوضاع الأمنية، أم أنها ستؤدي إلى تفاقم المشكلات الإنسانية المرتبطة بالهجرة؟.

استفتاء حول الهجرة

في تصريح إلى إحدى الإذاعات الفرنسية الخاصة، شدد وزير الداخلية برونو ريتايو على أهمية إجراء استفتاء حول موضوع الهجرة، معبراً عن أسفه لعدم إمكان ذلك وفقاً للدستور الفرنسي، وأوضح أن "فرنسا لا تستطيع حالياً إجراء استفتاء في هذا الشأن لأن قضية الهجرة لا تندرج ضمن المواضيع المسموح بها لإجراء تصويت شعبي".

وعن المساعدات الطبية الحكومية وهو نظام يوفر خدمات طبية مجانية للمهاجرين الذين يدخلون البلاد بصورة غير نظامية، أشار رئيس الوزراء ميشال بارنييه إلى إمكان "إدارة هذا النظام على نحو أفضل"، وأكد أن معالجة هذه المسألة تتطلب رؤية أوسع لضمان تقديم الرعاية الصحية اللازمة بصورة فاعلة.

ويأتي هذا التصريح في وقت يتصاعد الجدل حول الهجرة في فرنسا، عقب الاشتباه في شاب مغربي يبلغ من العمر 22 سنة، بجريمة الاعتداء على الطالبة الفرنسية فيليب التي قُتلت واغتصبت في أحد أحياء باريس أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي.

 

 

وخصص رئيس الوزراء الجديد ميشال بارنييه جزءاً من خطابه أمام الجمعية الوطنية للحديث عن قضية الهجرة، فوعد باتخاذ "إجراءات صارمة لضبط هذه المسألة"، موضحاً أن هذا المشروع يُعتبر الرابع من بين "مشاريعه الخمسة الكبرى".

وأكد بارنييه أهمية فرض مزيد من الشروط على منح التأشيرات المتعلقة بالحصول على التصاريح القنصلية اللازمة لإعادة الأشخاص إلى الحدود، مشيراً إلى أنه "من خلال تنفيذ هذه التدابير الصارمة للسيطرة على الهجرة، سنكون قادرين على دمج أولئك الذين نختار استقبالهم بصورة أفضل".

وصرح بارنييه كذلك بأنه من الضروري إخراج قضية الهجرة من المأزق الأيديولوجي الذي وضعتها فيه أطراف عدة، مؤكداً أن هذا الموضوع يجب أن يُعالج بجدية وإنسانية، بدلاً من استخدامه كأداة للجدل.

وشدد رئيس الحكومة الجديد على أهمية الميثاق الأوروبي الأخير حول الهجرة الذي يركز على تحسين "الرقابة على التدفقات الحدودية"، داعياً إلى تنفيذ هذا الميثاق "بلا تأخير" ومشدداً على ضرورة "مواجهة المهربين والمتاجرين الذين يستغلون الفقر واليأس على حساب آلاف المهاجرين".

وواصل بارنييه حديثه عن منح 2.5 مليون تأشيرة "للرعايا الأجانب" خلال العام الماضي، إضافة إلى تسجيل أكثر من 150000 طلب لجوء سنوياً، ويتم رفض ثلثي هذه الطلبات. وعبر عن أسفه قائلاً "النتيجة هي أننا لم نعُد نتحكم بصورة مُرضية في سياستنا الخاصة بالهجرة، كما أننا لم نعُد نحقق أهدافنا المتعلقة بالاندماج".

 تأثير سياسات الهجرة

المتخصص في الشؤون الدولية محمد رجائي بركات قال لـ"اندبندنت عربية" إن "الأحزاب السياسية لن تتأثر بصورة كبيرة بهذه القرارات ولن تكون هناك معارضة كبيرة لها، باستثناء أحزاب الجبهة الشعبية الجديدة. وعلى رغم وجود خلافات داخل الأحزاب، فإن هذه الخلافات لن تؤدي إلى مشكلات سياسية جوهرية، بخاصة أن عدداً من الأحزاب يطالب بتقليص الهجرة".

وعن السياسة الأمنية في فرنسا، لا يعتقد بركات بأن قضية الهجرة ستؤثر بصورة كبيرة في أمن البلاد. ومع ذلك، يستغل اليمين المتطرف هذا الملف للضغط من أجل تشديد القوانين الخاصة بالهجرة. من جهة أخرى، تشير الوقائع إلى أن كثيراً من الأعمال الإرهابية التي وقعت في فرنسا نفذها أشخاص يحملون جنسيات أوروبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول تداعيات اتجاه فرنسا نحو تشديد إجراءات الهجرة مع وصول حكومة جديدة، يشير إلى أنه في حال حدوث تظاهرات لن يكون ملف الهجرة هو السبب الوحيد، بل ستتعلق أيضاً بإجراءات أخرى تتخذها الحكومة، مثل فرض ضرائب جديدة على المواطنين وارتفاع الأسعار، وأوضح أن بعض الأوساط السياسية اليسارية والمؤسسات المعنية بالهجرة والجمعيات قد تتأثر أيضاً، وقد تنظم تظاهرات ليست فقط حول قضايا الهجرة، بل بصورة عامة ضد إجراءات التقشف التي ستؤثر في المواطنين نتيجة غلاء المعيشة.

ولفت بركات إلى أن بعض الدول التي يأتي منها المهاجرون غير الشرعيين رفضت طلب مواطنيها المقيمين في فرنسا العودة لبلادهم، وحاولت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التفاوض مع هذه الدول مثل تونس والمغرب والجزائر لإعادة المهاجرين غير الشرعيين، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن. وبناء على ذلك، يتوقع بركات أن يكون هناك تأثير في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، لكن بالنسبة إلى المغرب وتونس يعتقد بأن العلاقات ستظل كما هي.

حكومة التحديات والانقسامات

المحلل السياسي نبيل شوفان يقول لـ"اندبندنت عربية" إنه وفقاً لآخر استطلاع أجراه معهد "إيلاب" لقناة "بي أف أم تي في"، فإن "توجهات الحكومة الجديدة تحظى بموافقة واسعة النطاق بين جميع فئات السكان والناخبين. وفضلاً عن ذلك، فإن 62 في المئة من المستطلعين لا يريدون التصويت لمصلحة اقتراح الجبهة الشعبية الجديدة بحجب الثقة عن الحكومة. لذا من الواضح أن السيد بارنييه الذي يحاول إمساك العصا من الوسط آخذاً في الاعتبار نتائج التصويت الأخير، ربما يقطع الطريق على اليمين المتطرف الذي أصبحت برامجه أكثر تشدداً في ما يتعلق بسياسات الهجرة والأمن".

ويتابع شوفان "لكن هذه الأسباب لا تعني أن يعمل رئيس الوزراء ميشال بارنييه خارج إطار الجناح المعتدل في حزب الجمهوريين اليميني الكلاسيكي الذي يمتلك مئات آلاف الناخبين، بما في ذلك شريحة كبيرة من الفرنسيين من أصول أجنبية. كما أنه لا ينبغي توسيع الهوة مع اليسار، فلولا التحالف معه في الانتخابات الأخيرة وتصويت ناخبيه للأحزاب الرئاسية، وحتى لحزب الجمهوريين، لحقق اليمين المتطرف غالبية تخوّله تشكيل الحكومة".

 

 

وفي ما يتعلق بإمكان أن تتسبب هذه السياسات في انقسام داخل الحزب الحاكم أو بين الأحزاب السياسية الأخرى، يُشير شوفان إلى أن غالبية نواب الحزب الحاكم يتحفظون على نقاط عدة في سياسة الهجرة التي تنتهجها الحكومة الجديدة. فقد تحدث الرئيس الفرنسي ورئيس الكتلة الرئاسية في البرلمان ورئيس الوزراء السابق غابرييل أتال مراراً عن فوائد الهجرة وعوائدها على فرنسا وعلى قطاعات الجمهورية، مما يعتبره معسكر الوسط واليسار الاشتراكي وحتى اليمين المعتدل دفاعاً تقنياً وليس دفاعاً سياسياً.

ويضيف أن سياسات الهجرة الجديدة ترتبط ببعض الوزراء الذين يربطونها بملف الأمن، مثل برونو ريتيلو الذي أثار خلافات كبيرة في البرلمان بين أنصار الرئيس ماكرون، بينما لقي رفضاً من أنصار اليسار الذين استهدفهم استطلاع رأي حول تعيينه وزيراً للداخلية، إذ اعتبر 55 في المئة منهم أن هذا التعيين سلبي جداً.

تأثير في الانتخابات

وبخصوص تأثير هذه السياسات في الانتخابات المحلية أو الوطنية المقبلة، يشير شوفان إلى أنه إذا توسعت الهوة بين اليمين والوسط واليسار، فإن التحالفات في مواجهة اليمين المتطرف ضمن الانتخابات المحلية ستكون صعبة، إن لم تكُن مستحيلة.

وفيما اعتبر أيضاً أن "تحفظ رئيس الدولة وتركه جزءاً كبيراً من السياسة الوطنية في يد رئيس وزرائه، مع تركيزه على المستوى الأوروبي، ليسا بمثابة اعتراف بالفشل بالنسبة إلى سياسات إيمانويل ماكرون، فهو يؤمن برؤيته ويعتقد بأن تحقيقها يتطلب أسلوباً جديداً للعمل، ولن يستسلم لمشاريع تبدو وكأنها انتصار لليمين المتطرف الذي طالب بالتصويت على قانون جديد للهجرة في الربع الأول من عام 2025 كخط أحمر يجب احترامه، وفقاً لزعيمة الحزب مارين لوبان، لضمان دعم حزبها لحكومة بارنييه في مواجهة أي اقتراح بحجب الثقة".

ويعتقد شوفان بأن إجراءات الهجرة لا شك في أن لها تداعيات، موضحاً أنه في إطار سعيه إلى مكافحة الهجرة وانعدام الأمن بصورة أكثر فاعلية، يؤكد وزير الداخلية أن سيادة القانون "غير ملموسة"، ويتحدث عن قوانين لا تحمي الفرنسيين، مما يعني مزيداً من التشريعات المقيدة للحريات وفقاً لرأي شريحة واسعة من الفرنسيين، ومن بين هذه التشريعات تمديد المدة القصوى للاحتجاز الإداري للمهاجرين غير الشرعيين إلى 210 أيام وتشديد المراقبة.

ويرى شوفان كذلك أن وزير الداخلية يرغب أيضاً في تنفيذ "سياسة تأشيرات جديدة بإصدار تصاريح قنصلية"، وهي الوثائق الأساسية لطرد الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، مشيراً في هذا الصدد إلى أنه "سيناقش الأمر مع وزير الخارجية". كما وعد رئيس الوزراء ميشال بارنييه بإقامة "توازن قوى" جديد مع بلدان الأصل التي لا تريد مواطنيها، مما يعني "جولات دبلوماسية" لفرنسا مع بعض الأصدقاء وبعض من هم ليسوا كذلك.

المزيد من تقارير