Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سنشهد مفاجأة تغير مسار الانتخابات الأميركية؟

"مفاجأة أكتوبر" تسمية أطلقت على عملية سرية سيئة الذكر زعم أنها أدت قبل أكثر من 40 عاماً إلى تغيير ميزان القوى وسلب البيت الأبيض من جيمي كارتر

متظاهرون مؤيدون لدونالد ترمب يقتحمون مبنى الكابيتول خلال يناير عام 2021 (أ ف ب/غيتي)

ملخص

هل كان فوز رونالد ريغان على جيمي كارتر عام 1980 نتيجة عمل قوى خفية كانت تهدف إلى تقويض الديمقراطية الأميركية، أم إن المسألة لا تعدو كونها مجرد نظرية مؤامرة محكمة؟ تفاصيل هذه القصة المثيرة في كتاب صدر حديثاً حول استعداد الحزب الجمهوري لوضع مصلحته فوق مصلحة الوطن.

يمضي الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر أيامه في إحدى دور رعاية المسنين في مدينة بلينز بولاية جورجيا في الولايات المتحدة، إذ احتفل أخيراً بعيد ميلاده المئة. إلا أن إرثه - حتى بعد عقود من انتهاء ولايته الرئاسية - لا يزال مهملاً ولا يعطى حقه من التقدير. فقد كانت هزيمته في انتخابات عام 1980 أمام رونالد ريغان نتيجة لتصوير غير عادل لقيادته، إذ اعتبر من قبل كثيرين الرئيس الذي سمح للولايات المتحدة بالتعرض للإذلال على يد إيران.

حقيقة الأمر أن كارتر وقع فريسة خيانة خفية، لم يحاسب عليها منافسوه "الجمهوريون" على الإطلاق. ولا تزال السردية الكاملة لما حدث غير مروية، فقد جرى استخدام مصطلح "مفاجأة أكتوبر" October Surprise على نطاق واسع عام 1980، عندما ارتبط بالمحاولات التي بذلت آنذاك لتأمين الإفراج عن 52 رهينة من الأميركيين كانوا محتجزين في السفارة الأميركية لدى طهران. وكان إطلاق سراحهم مسألة محورية وعاملاً حاسماً في تحديد نتيجة معركة الانتخابات الرئاسية آنذاك بين رونالد ريغان وجيمي كارتر.

وعلى رغم أن "الجمهوريين" لم يكونوا في السلطة خلال تلك الفترة، ولم تكن لديهم السلطة لعقد أي نوع من الصفقات مع طهران، فإنهم قاموا بإبرام اتفاق سري معها، أرسلوا بموجبه أسلحة إلى إيران في مقابل خدمة غير عادية، تمثلت في الطلب منها بإبقاء الرهائن الأميركيين في الأسر حتى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعبارة أخرى، كان "الجمهوريون" يزودون سراً إيران - الدولة التي تعد راعية للإرهاب - بالأسلحة في مقابل تأخير إطلاق سراح الرهائن الأميركيين.

وفيما بدت تصرفات "الجمهوريين" في حينه متجاوزة للحدود إلا أنها كانت تستند إلى منطق واضح، إذ كان الرهان على أن تحرير الرهائن الأميركيين قبل الانتخابات، سيثير مشاعر الفخر الوطني لدى الناخبين، ما قد يمنح جيمي كارتر فرصة أفضل للفوز على منافسه دونالد ريغان.

لكن بقاء الرهائن في الأسر حتى يوم الانتخابات أظهر كارتر على أنه الرئيس الذي جعل الولايات المتحدة تبدو كدولة ضعيفة وعاجزة. وقد زعم أن حملة ريغان - بوش نجحت في إقناع إيران بإرجاء إطلاق الرهائن إلى ما بعد الانتخابات، واعتبر بعض النقاد ما حدث بمثابة خيانة لكن أياً كان التفسير لما حدث، لا يمكن إنكار أن "الجمهوريين" وضعوا مصالح حزبهم السياسية فوق مصلحة الوطن.

عام 1991 قمت بإجراء تحقيق حول "مفاجأة أكتوبر" لمصلحة مجلة "إسكواير" Esquire الأميركية، وبعد فترة وجيزة من نشر تقريري أوكلتني مجلة "نيوزويك" Newsweek التوسع في التحقيق، لكن ما أن اكتسب الموضوع زخماً كبيراً حتى برز تحول مفاجئ لدى الرأي العام حيال "مفاجأة أكتوبر" وعدت مجرد نظرية مؤامرة غريبة.

ونشرت في حينه مجلة "نيوزويك" ثلاثة مواضيع رئيسة نفت فيها حدوث "مفاجأة أكتوبر" معتبرة إياها نسجاً من الخيال. وبعد فترة وجيزة، حذت حذوها صحيفة "نيو ريبابليك" The New Republic وصحيفة "واشنطن بوست" وغيرهما من وسائل الإعلام الرئيسة، مدعية أن القصة استندت إلى مصادر لا يمكن الركون إليها، من تجار أسلحة وجواسيس ومحتالين. ووفقاً لتلك الوسائل فإن جميع الصحافيين الذين أجروا مقابلات مع هؤلاء الأفراد - بمن فيهم أنا - وقعوا بسذاجة ضحية نظريات مؤامرة لا أساس لها من الصحة.

أما الصحافيون الذين واصلوا التحقيق في الموضوع فتعرضوا لتشويه سمعة أو جرى تهميشهم، لا بل تمت مقاضاة بعضهم مثلما حدث معي عندما رفع مستشار الأمن القومي السابق روبرت "باد" ماكفارلين دعوى قضائية ضدي بقيمة 10 ملايين دولار (وعلى رغم أن الأمر استغرق أعواماً طويلة في المحكمة، فإنني فزت بها في نهاية المطاف). ولم ينجح تحقيقان أجراهما الكونغرس في الحصول على الزخم المطلوب، وبعد انتخابات عام 1992، تلاشت القضية بهدوء بالنسبة إلى غالبية الأميركيين وأصبحت "مفاجأة أكتوبر" للعام 1980 مجرد فصل من الماضي تم طيه.

وعلى رغم أن قضية "مفاجأة أكتوبر" كانت تراجعت عن دائرة الاهتمام العام وعدها معظم الناس مسألة منسية، فإنني ظللت مقتنعاً بأهميتها وعازماً على العودة إليها مراراً. فقد سافرت إلى إسرائيل وإيران وفرنسا لإجراء مقابلات مع شخصيات رئيسة، ككبار المسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية ورئيس مشتريات الأسلحة في إيران، والرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر.

وعندما بدأت العمل على كتابي الجديد "وكر الجواسيس، ريغان وكارتر والتاريخ السري للخيانة التي سلبت البيت الأبيض" Den of Spies: Reagan, Carter, and the Secret History of the Treason that Stole the White House، وقعت على مزيد من المعلومات. فقد كشف روبرت باري - وهو صحافي استقصائي كرس ذاته بالمقدار نفسه من الشغف لإظهار حقيقة "مفاجأة أكتوبر" - كنزاً من الوثائق التي كان فريق العمل التابع للكونغرس للتحقيق في الفضيحة تخلص منها. وبعد وفاته عام 2018 قامت زوجته بمشاركتي تلك المواد.

ومن بين الاكتشافات القيمة الأخرى التي توصلت إليها فواتير تتعلق بمبيعات أسلحة لإيران من أحد العاملين في الحزب "الجمهوري". ومن ثم خلال أبريل (نيسان) تمكنت من إجراء مقابلة مع روبرت سينسي وهو عميل سياسي قام بتسهيل تنظيم اجتماعات سرية بين "الجمهوريين" ومسؤولين إيرانيين في مدريد، أثناء الحملة الانتخابية. وعندما سألته عما إذا كانت "مفاجأة أكتوبر" حدثت، أجاب "مئة مليون في المئة، بالتأكيد وبصورة لا لبس فيها ويمكنك نشر ذلك".

لكن أحداث عام 1980 لم تكن المثال الوحيد عن مخالفات "الجمهوريين" أثناء الانتخابات. ففي الحملة الرئاسية الأميركية التي أجريت عام 1968، والتي تنافس فيها ريتشارد نيكسون وهيوبرت هامفري تدخل فريق نيكسون أيضاً في الشؤون الحكومية بطريقة كانت تنذر بصورة مخيفة بـ"مفاجأة أكتوبر".

وبعدما كان ينظر في السابق إلى "قضية آنا تشينولت" Anna Chennault Affair [كانت تشينولت من أبرز جامعي التبرعات للحزب "الجمهوري"، وزعم أنها عملت وسيطاً بين حملة نيكسون وحكومة جنوب فيتنام، وشجعتها على إرجاء مفاوضات السلام مع واشنطن إلى ما بعد الانتخابات] على أنها نظرية مؤامرة غريبة، إلا أنها باتت الآن موثقة بالكامل، وذلك بفضل تسجيلات الأشرطة والمذكرات المحفوظة في "مكتبة ليندون بينز جونسون الرئاسية" LBJ Presidential Library في مدينة أوستن، و"مركز ميلر"Miller Centre في "جامعة فرجينيا" بمدينة شارلوتسفيل.

وتم تناول هذه القضية بإسهاب في أعمال مثل كتاب كين هيوز "مطاردة الظلال، أشرطة نيكسون وقضية شينولت وأصول ووترغيت" Chasing Shadows: The Nixon Tapes, the Chennault Affair, and the Origins of Watergate عام 2014، وكتاب لورانس أودونيل "اللعب بالنار، انتخابات 1968 وتحول السياسة الأميركية" Playing with Fire: The 1968 Election and the Transformation of American Politics عام 2017، من بين أعمال أخرى.

وكانت أوجه الشبه بين هذه الحادثة والسباق الرئاسي الساخن عام 1980 مثيرة للذهول. فخلال ذلك الوقت، كان الرئيس ليندون جونسون يحاول التفاوض بحماسة على إنهاء حرب فيتنام في باريس، وخلال الوقت نفسه جند نيكسون الناشطة تشينولت - وهي شخصية رئيسة في جماعات الضغط الأميركية الصينية - لإقناع الفيتناميين الجنوبيين بالانسحاب من محادثات السلام خلال اللحظة الأخيرة.

وبسبب مناورات نيكسون خلف الكواليس وجدت الإدارة "الديمقراطية" صعوبات حتى في إقناع حلفائها في فيتنام الجنوبية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، ونتيجة لذلك واجه "الديمقراطيون" خلال الأسبوع الأخير من الحملة الرئاسية إحراجاً شديداً مع انهيار مفاوضات باريس.

وخلال الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) حقق نيكسون فوزاً بالرئاسة بفارق ضئيل، لكن بالنسبة إلى معظم الأميركيين كانت تداعيات "قضية آنا تشينولت" تعني استمرار حرب فيتنام حتى عام 1975، مما أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الأميركيين الإضافيين. مرة ​​أخرى أعطى "الجمهوريون" الأولوية لمصالحهم السياسية على حساب الأمة - وبدا من جديد أنهم أفلتوا من المساءلة والعقاب.

وأظهر "الجمهوريون" على مر الأعوام أنهم على استعداد للتلاعب بالسياسة الخارجية الأميركية من أجل تحقيق مكاسب انتخابية، والانخراط في عمليات خيانة سرية وارتكاب أعمال اقتحام، والتدخل جسدياً بصورة مباشرة في عملية فرز الأصوات لتعطيلها. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما حدث أثناء انتخابات عام 2000، عندما شارك عدد كبير من "الجمهوريين" في أعمال شغب في حادثة "بروكس براذرز"، لوقف إعادة الفرز اليدوي للأصوات في ولاية فلوريدا [حين سجل فارق ضئيل جداً لمصلحة جورج دبليو بوش على منافسه الديمقراطي آل غور].

وبطبيعة الحال خلال عام 2016 تلقت حملة دونالد ترمب دفعاً كبيراً قبيل الانتخابات مباشرة، عندما جرى تسريب كمية هائلة من رسائل البريد الإلكتروني التي اختُرقت من "اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي" ومساعدي المرشحة هيلاري كلينتون عبر "ويكيليكس،" وببعض من المساعدة المحتملة من الاستخبارات الروسية.

لذا، سيكون من السذاجة الاعتقاد أن الانتخابات المقبلة ستجرى من دون تدخلات غير مشروعة من جانب أفراد أو مجموعات مسيئة. فقد عبر ترمب مراراً عن إعجابه بزعماء مستبدين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ أون، الذين بلا شك سيستفيدون من عودته إلى سدة الحكم.

وسبق أن أعلنت وزارة العدل الأميركية عن إطلاق جهودها لمكافحة "حملات التأثير الأجنبي الخبيثة التي تنظمها الحكومة الروسية".

ووفقاً لنائبة المدعي العام ليزا موناكو فقد تم بناءً على توجيهات من بوتين استخدام "مؤثرين مزيفين وحسابات وهمية"، لنسج روايات مضللة بواسطة "الذكاء الاصطناعي" وذلك في إطار "جهد مدروس لتقويض انتخاباتنا".

أما بالنسبة إلى إسرائيل فقد أفادت تقارير من موقع "أكسيوس" بأن ترمب طلب من نتنياهو عدم إبرام اتفاق لوقف النار في قطاع غزة، لأن ذلك قد يسهم في دعم حملة منافسته كامالا هاريس. وعلى رغم أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفى إجراء هذه المكالمة، فإن مواصلة نتنياهو تردده في الموافقة على وقف لإطلاق النار أعطى فعلاً دفعاً لقضية ترمب.

مهما كانت المكائد التي تحاك في الخفاء فإن الأمر الأكيد هو أنه ليس من المستغرب أن يلجأ الحزب "الجمهوري" المرتبط بترمب إلى ارتكاب تجاوزات، من خلال استخدام أساليب مشكوك فيها خلال الانتخابات. حتى عندما يُكشف أمر هؤلاء، فمن غير المرجح أن يتراجعوا عنها لأنه غالباً ما تمكنوا من الإفلات من العقاب خلال الماضي. ففي الحالات التي سبق أن اعتقلوا فيها متلبسين - كما حدث في "فضيحة ووترغيت" - حصل الرئيس نيكسون على عفو في نهاية المطاف [من قبل الرئيس جيرالد فورد].

من الضروري أن نحمل "الجمهوريين" المسؤولية عن أفعالهم وأن يدفعوا الثمن. وينبغي علينا فهم حوادث مثل "قضية آنا تشينولت"، و"مفاجأة أكتوبر" لعام 1980، وغيرها من الاعتداءات في إطار الهجوم المستمر على هذه المبادئ واعتبارها جزءاً من تاريخنا المشترك. وفي الوقت ذاته، حان الوقت للاعتراف بإنجازات جيمي كارتر ومنحه ما يستحقه من تقدير.

كريغ أنغر هو مؤلف ستة من أكثر الكتب مبيعاً في "نيويورك تايمز"، بما فيها "بيت ترمب" House of Trump و"بيت بوتين" House of Putin و"كومبرومات الأميركي" American Kompromat. أما كتابه الأحدث "وكر الجواسيس، ريغان وكارتر والتاريخ السري للخيانة التي سلبت البيت الأبيض"، فقد نشر خلال الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في الولايات المتحدة وسينشر خلال الـ10 من الشهر نفسه في المملكة المتحدة.

© The Independent

المزيد من تحلیل