Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان "القصف والنزوح" يسأل عن "ملاجئ الحرب"

لا أماكن آمنة للمواطنين و1.2 مليون نازح في مراكز غير مهيأة للإيواء والآلاف يبيتون في الأماكن العامة

مرت الأيام وتراجع الاهتمام بالملاجئ في لبنان إلى أن أصبحت مهملة وعبئاً على الأبنية (اندبندنت عربية)

ملخص

من اللافت أن المرحلة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية شهدت إقامة أبنية بملاجئ تحت الأرض، من هنا يتحدث كبار السن عن "مخابئ" كانت موجودة في أسفل الأبنية التي يقطنونها، وكانوا يهربون إليها أثناء القصف والتراشق الناري بين الأحزاب المسلحة. لكن ما تبقى منها تعرض لتحوير أو تغيير وظيفته.

يخلو لبنان من الملاجئ والمساحات الآمنة التي تقي الناس شر مغادرة قراهم ومنازلهم والنزوح إلى أماكن بعيدة، ولكن يتضح أن المشكلة لا تكمن في عدم وجود أماكن محصنة ضد القصف كما هي الحال في بلاد كثيرة، وإنما تتجاوزها إلى عدم وجود الخطط والرؤى لمواجهة الكوارث بصورها المختلفة. وفي وقت يسخر اللبناني من دخول ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ لتجنب أضرار القصف، نجده يعيش ضياعاً عندما يفترض الواقع منه الالتزام بإجراءات السلامة العامة، ويصبح عرضة للتشرد بفعل غياب التنظيم لخطط الإيواء.

مفارقة عجيبة

يعد الوقت الحالي هو الأنسب للحديث عن فاعلية بناء ملاجئ وأماكن محصنة عامة في ظل الحرب التدميرية التي يتعرض لها لبنان، وما ترتب عليها من نزوح 1.2 مليون إنسان من موطنهم، وتجاوز عداد ضحايا الهجمات الإسرائيلية 2050 ضحية وأكثر من 10 آلاف جريح. ومن اللافت أن المرحلة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية شهدت إقامة أبنية بملاجئ تحت الأرض، من هنا يتحدث كبار السن عن "مخابئ" كانت موجودة في أسفل الأبنية التي يقطنونها، وكانوا يهربون إليها أثناء القصف والتراشق الناري بين الأحزاب المسلحة، لكن ما تبقى منها تعرض لتحوير أو تغيير وظيفته.

تروي السيدة نهاد (80 سنة) "كان لدينا أسفل البناء ملجأ، ولكن بعد انتهاء الحرب قام أحد التجار باستثماره وتحويله إلى مستودع لمواد صناعية، وهو ما يتفق مع تجارب أخرى حيث تحولت تلك الملاجئ إلى مصانع خشب أو منشرة ومعامل دهان وبويا، لذا استغلت تلك الأماكن الموجودة تحت الأرض ومساحاتها الواسعة في أنشطة صناعية ومصالح حرفية. بالتوازي يشير الكشف عن بعضها إلى أوضاع مأسوية خطرة، إذ باتت تتجمع المياه الآسنة مهددة أساسات وقواعد الأبنية المتقادمة".

 

 

لم تقتصر الملاجئ في السابق على تلك الخاصة بقاطني الأبنية، وإنما كانت هناك ملاجئ عامة تعرضت مع الوقت إلى الطمر. ناهيك باستخدام بعض الماكن المحصنة للاحتماء. ويظهر من خلال تتبع الخط الزمني أن عملية تحوير الملاجئ بدأت عام 1971 بصورة واضحة، إذ صدر قانون بتوقيع الرئيس سليمان فرنجية، ورئيس الحكومة صائب سلام في التاسع من سبتمبر (أيلول) 1971، يعاقب كل مالك أو شاغل يقدم على تحوير منشآت الملجأ أو يحدث نواقص في التجهيزات المكملة له، ويعاقب بغرامة 50 ليرة لبنانية عن كل متر مربع مساحة الملجأ المفروض، كما ألزم القانون مالك العقار أو شاغله إنجاز تلك النواقص وإزالة التحويرات وفقاً لتعليمات الجهاز المركزي للدفاع المدني تحت طائلة الملاحقة القضائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مرت الأيام وتراجع الاهتمام بالملاجئ في لبنان، إلى أن أصبحت مهملة وعبئاً على الأبنية. وتحولت الاهتمامات إلى أماكن أخرى لأسباب واقعية وقانونية. فمن الناحية الواقعية سعى أصحاب العقارات لاستثمار المساحة المسموح ببنائها إلى أقصى حد، وتوجه هؤلاء إلى إقامة مستودعات، أو مواقف للسيارات من أجل تأمين أماكن لركن تلك المركبات بشروط دقيقة هندسياً. كما لم يأت قانون البناء على إلزام المالك وأصحاب رخص البناء بإقامة ملجأ، لأن العمليات الإغاثية باتت تتجه إلى استخدام مرافق أخرى كالمدارس للإيواء. وتفيد أوساط مديرية التنظيم المدني بأنه "لا يلزم قانون البناء بملاجئ في المباني الخاصة، فهي تقتصر فقط على المستشفيات، وهناك إلزامية ببناء الملاجئ بالمباني العامة في المناطق الحدودية"، وتضيف "يفترض بالمباني العامة البلدية الجديدة إنشاء ملجأ وفقاً للقانون في الطوابق السفلية منها ضمن شروط فنية محددة بالمراسيم".

لا إجراءات استباقية

لا يولي لبنان اهتماماً كبيراً لإجراءات الوقاية والخطط الاستباقية للكوارث. وهو ما يؤكده مدير مدرسة التدريب التابعة للدفاع المدني اللبناني ميشال صليبا، قائلاً "ما زال لبنان يعتمد على استراتيجيات الدفاع المدني، أي القيام بإجراءات في أعقاب وقوع الحادثة أو الكارثة، فيما اتجهت الدول المتقدمة إلى اتباع قواعد الحماية المدنية التي تبني سياسات بناءً لدراسة الكوارث المحتمل وقوعها بعد خلال فترة زمنية معينة". ويعتقد أن السبب يعود إلى غياب القرار، إضافة إلى قلة الموارد، فالدول تضع خططاً مسبقة لمواجهة الكوارث سواء كانت حرباً أو زلزالاً أو حريقاً أو أوبئة أو فيضانات، إذ تحدد المواقع الآمنة، وتوضع خطوات تطبيقية لخطط الطوارئ، وتأمين المواد كالطعام والفرش والحرامات والمأوى والتدفئة والماء الساخن وغيرها. وتحرص على "ملء الفراغات" ومنع وصول المساعدات إلى فئة معينة وحرمان أخرى منها.

 

 

يتطرق صليبا إلى مسألة غياب الملاجئ عن غالبية المباني الحديثة بسبب ضعف الرقابة، مشيراً إلى أن دائرة الهندسة في الدفاع المدني هي التي تصرح ببناء ملجأ لأكثر من مسكن واحد، إذ تفرض مساحات خاصة كملاجئ وتتقاضى رسماً. كما يفترض القانون وجود ملاجئ في الطوابق السفلى. وينبه إلى "ملاجئ الطوارئ" التي تقام عبر مصادرة الأبنية الجاهزة لإيواء الناس عند وقوع كارثة ما، لافتاً إلى "أثر الفوضى التي عاشتها البلاد عقب 1975 - تاريخ اندلاع الحرب الأهلية - على تجهيز تلك الأماكن".

سؤال حول النجاعة

تطرح الحرب التدميرية الإسرائيلية إشكالية مدى نجاعة إقامة الملاجئ ضمن الأبنية في التخفيف من أعباء الحرب. إذ تخترق القنابل التحصينات وتستهدف القاطنين فيها على أعماق كبيرة. وترسل تهديدات بقصف فرق الإغاثة في حال تقدمها إلى الأماكن المقصوفة. وهو ما يعيد النظر في سياسة الملاجئ العامة التي أسهمت في انتصار بعض القوى في الحرب العالمية الثانية، على غرار ما حدث مع تجربة أنفاق لندن التي أدار منها تشرشل حربه ضد النازية، وأمنت الحماية لسكان لندن من القصف الألماني.

يؤكد المهندس علي حناوي (اتحاد المهندسين العرب) أن "ثمة تغييرات طرأت على الحروب، فتغيرت الحاجات ولم تعد الملاجئ نافعة مع قرار هدم الأبنية كما يحصل في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. وما يرافقه من استعمال الصواريخ التي تفتت البناء وتخفيه، فقد دمرت بناء من 12 طابقاً، وجعلت الطابق الأخير بمستوى الطريق. قد تحول تلك القنابل الملاجئ إلى مقابر جماعية، فلو كانت هناك ملاجئ في مباني الضاحية لتضاعفت الخسائر البشرية، أقله 50 ألف شهيد تحت الركام".

 

 

يقارن حناوي بين حقبتين إذ "تتفق الملاجئ مع القتال العادي والمدفعية كما حصل في الحرب الأهلية، وليس كما يحدث مع الصاروخ الخارق للتحصينات بعمق 20 متراً قبل أن ينفجر في أسفله، ويحول المباني إلى ركام".

ويتطرق إلى استخدام مترو أنفاق لندن خلال الحرب العالمية الثانية، لافتاً إلى أنه "لم تستخدم كل الأنفاق للوقاية من الهجمات الألمانية، واقتصر الأمر على الأنفاق التي تقع تحت الأرض بعمق 20 متراً، وفي حينه لم يتجاوز وزن القنابل المرمية 100-200 كيلوغرام، ولم تكن خارقة للتحصينات".

من جهته، يقترح ميشال صليبا اتباع مسار الخطة "باء" التي تتحسب للقنابل الخارقة للتحصينات، إذ تلجأ إلى "الملاجئ السريعة البناء والمصنعة مسبقاً"، وهو ما قامت به مقاطعة لوكا في إيطاليا، وهي ضيعة قديمة الطراز العمراني وبناؤها قديم العهد. فقد أقدمت الحكومة على اتباع استراتيجية الرقم ستة. ففي الساعات الست الأولى بعد الزلزال، تقوم الجهات الحكومية بإيواء 6 آلاف عائلة بخيم معزولة. وبعد مرور ستة أيام من وقوع الكارثة تؤمن الجهات الرسمية 6 آلاف بيت للسكن مكتملة التجهيز. ويعزو نجاح تلك الدول إلى أنها صناعية من المستوى العالي، وهو ما يقلل كلفة تطبيق الخطط، وتكريس كل مقدرات البلاد لخدمة المواطن، وهو أمر صعب الاتباع في لبنان "الذي تبقى فيه الخطط حبراً على ورق".

كلفة أقل في الأرواح

تتعدد الكوارث التي تحتاج إلى إجراءات مدروسة لمواجهتها. يشير ميشال صليبا إلى أن "القيام بخطوات مكلفة مادياً لإعداد الملاجئ من شأنه تخفيف الخسائر في الأرواح". ويتمسك بتجارب تشيلي واليابان، التي هي عرضة لزلازل مدمرة، إذ التحسب يقود إلى خسائر منخفضة، في المقابل فإن هاييتي ولبنان وسوريا ومجموع الدول التي لا تعطي أهمية للخطط الاستباقية والجهوزية، تقع فيها أعداد كبيرة من الضحايا بسبب عدم التجهيز. كما يطالب لبنان بتحرك جدي على مستوى إدارة الكوارث لأنها دولة معرضة للزلازل والحروب باستمرار، قائلاً "نحن في عين العاصفة، ولا بد من تحضير لعدم تكرار تجارب بيروت التاريخية، إذ غمرها تسونامي ثماني مرات، وتعرضت لزلازل مدمرة كل 1500 عام".

وينوه بوجود هيئة لإدارة الكوارث في لبنان لتشبيك جهود الأجهزة المختلفة، ولكن يغلب على عملها الطابع النظري، والانتقال إلى التطبيق العملاني بعد تأمين المقدرات. ويأسف أن "لبنان لا يخضع لنظام مؤسساتي، ويتأثر ببقاء المسؤول أو تغييره، فالخطط لمواجهة الكوارث الوطنية تنسف بعد استبدال الرئيس".

المزيد من متابعات