Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعلم المصري... لا صوت يعلو على تدني الأجور وتقلص العقود

كثافة الطلاب المرتفعة في فصول الدراسة تجهض محاولات تطوير التعليم وإصلاحه وشبح البطالة والظروف الاقتصادية يطاردان المعلمين من دون حلول جذرية

تشير نتائج بحث الدخل والإنفاق لعام 2019-2020 إلى أن 26 مليون أسرة مصرية لديها أفراد في مراحل التعليم المختلفة (أ ف ب)

ملخص

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، عام 2022/2023، بلغ عدد طلاب المدارس 28 مليون طالب، وعدد المعلمين 1.099 مليون معلم. وفي عام 2021/2022، كان عدد الطلاب 23.24 مليون طالب، وعدد المعلمين 1.143 مليون معلم.  

في يومه العالمي، يجد المعلم في مصر نفسه حائراً بين عالمين وواقعين ومادتين وربما أيضاً بين مؤسستين تعليميتين أو ثلاث أو أربع أو أكثر. المعلمون في مصر حائرون يفكرون يتساءلون، "رواتبنا وتخصصاتنا وأسلوب عملنا ومصير دروسنا الخصوصية، ماذا تكون؟"

هذا الجيش الجرار، وقوامه 1.055 مليون معلم من "بناة الأجيال" و"صناع المستقبل" و"رسل المعرفة" "مشيدي النفوس والعقول" و"غارسي الأخلاق" "نباريس العلم" لا يزال بينهم من يشكو مر الشكوى سواء ضمن منظومة شكاوى المواطن العادي الذي يسكب الدموع على أوضاعه المعيشية بالغة الصعوبة، أو تحت مظلة مشكلات المعلمين المزمنة على مدار عقود طويلة.

وبينما يلتفت كثير في مصر هذا العام على غير العادة للمناسبة الأممية "اليوم العالمي للمعلم" لأسباب تتعلق إما بوجود وزير جديد في وزارة التربية والتعليم وإيقاظ آمال عريضة لحل المشكلات وفك المعضلات، أو لأن سيرة المعلم باتت على كل لسان بعدما أعيت الجميع محاولات الإصلاح وجهود الإنقاذ.

حفنة من الأوتار الحساسة

احتفاءً بالمعلم المصري في يومه العالمي، أصدرت جهات رسمية عدة أرقاماً هي الأحدث عن أعدادهم ونسبتهم للطلاب وكثافة الفصول وأعداد المدارس، وهي الأرقام والنسب التي تدق على حفنة من الأوتار الحساسة بدءاً بمعضلة نقص المعلمين المزمنة، مروراً بكثافة الفصول المرتفعة التي تعد سبباً رئيساً لتدهور جودة التعليم المدرسي وتدنيها، وانتهاء بمنظومة الدروس الخصوصية الموازية التي بدأت سراً على هامش منظومة التعليم الوطني ثم منافسة له وانتهت إلى التفوق عليها، أو هكذا يقال.

تعليم فني وعام بين حكومي وخاص ودولي وثالث أزهري يحتضن 28.5 مليون طالب وطالبة من خلال 71.8 ألف مدرسة ومعهد أزهري، وذلك بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. الغريب أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني خرجت هي الأخرى بأرقام، ولكنها جاءت مختلفة عن أرقام الجهاز، وهو ما أدهش الكثير، بمن فيهم المعلمون.

نائب وزير التربية والتعليم أيمن بهاء الدين قال في تصريحات صحافية شارحاً سبب تضارب الأرقام إن طريقة الرصد تختلف، وأكد أن عدد المدارس في مصر 27 ألف مدرسة بما تتضمن من أسوار ومبان، في حين أن إحصاء الجهاز المركزي ربما اعتبر المدارس داخل المبنى الواحد مدارس مستقلة، وكذلك المدارس المسائية معتبراً إياها مختلفة عن الصباحية!

في جميع الأحوال، وعلى رغم عدم اتساق الأرقام، فقد زادت أعداد الطلاب وانخفضت أعداد المعلمين.

 

معلمون وطلاب

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2022/2023، بلغ عدد طلاب المدارس 28 مليون طالب، وعدد المعلمين 1.099 مليون معلم. وفي عام 2021/2022، كان عدد الطلاب 23.24 مليون طالب، وعدد المعلمين 1.143 مليون معلم.  

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" في مناسبة اليوم العالمي للمعلم 2024، تعيد التذكير بتوصية وضعتها مع "منظمة العمل الدولية" عام 1966 في شأن أوضاع المعلمين، وهي الأوضاع التي لا تزال سارية وتتطلب التدخل والعلاج. بين حقوق المعلمين ومسؤولياتهم، ومعايير إعدادهم الأولي وتدريبهم اللاحق، وطرق توظيفهم، وظروف التعليم والتعلم تدور معظم المشكلات المتعلقة بالمعلمين في مصر.

وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف قال في حوارات تلفزيونية إن الهدف الحالي هو تطوير التعليم بالإمكانات المتاحة، مشيراً إلى عجز في أعداد المعلمين يقدر بنحو 460 ألف معلم. تحدث الوزير عن الكثافات البالغة الارتفاع في الفصول، بعضها وصل إلى 150 و180 طالباً في الفصل، بل وصل في مناطق مثل الخصوص والخانكة (محافظة الجيزة) إلى 200 و250 طالباً في الفصل الواحد!

هذه الكثافة وقفت بالمرصاد ليس فقط لمحاولات تطوير التعليم وإصلاحه، بل تحولت إلى قوة طاردة لحضور الطلاب وسبب للتسرب من العملية التعليمية، ناهيك بتحول عمل المعلم في هذه الظروف إلى مهمة شبه مستحيلة، أو على وجه الدقة، مستحيلة تماماً.

المبادرة الرئاسية

في أغسطس (آب) الماضي، شرح الوزير محمد عبداللطيف خطة الوزارة لعلاج معضلة العجز في المعلمين في مؤتمر صحافي، فقال إنه سيجري استكمال "المبادرة الرئاسية" لتعيين 30 ألف معلم، والتعاقد مع 50 ألف معلم بالحصة بحسب حاجات الإدارات التعليمية، إضافة إلى الاستعانة بالخريجين الجدد لأداء ما يسمى بـ"الخدمة العامة"، وأيضاً تفعيل قانون مد الخدمة، وهو (القانون 15) لعام 2024 من أجل الاستفادة من خبرة المعلمين الذين بلغوا سن التقاعد لكن لديهم الخبرة والقدرة على الاستمرار في العمل.

شرح الوزير لا يزال يحظى بتعليقات عبر صفحات الوزارة على منصات الـ"سوشيال ميديا"، وهي التعليقات التي يعكس بعضها واقع الحال. معلمون يطلبون التعيين لأنهم بلا تعاقد رسمي أو حقوق مثل التأمين الصحي منذ أعوام طويلة، آخرون يطلبون أية فرصة عمل ولو بنظام الحصة وبلا تعاقد لأنهم خريجو كليات التربية (المتخصصة في تخريج المعلمين) وذلك بعد ما أعيتهم أعوام البحث عن عمل، ومطالبات بتعديل الرواتب في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية البالغة الصعوبة. وفي وسط تعليقات المعلمين الساردين مشكلاتهم والطارحين مصاعبهم، أولياء أمور يتساءلون متهكمين، أي معلم هذا الذي سيترك "السنتر" والدرس الخصوصي ليتعاقد بنظام الحصة أو حتى يتم تعيينه و"يهدر" وقته في المدرسة وجهده في الفصل وليس في "السنتر" أو في التجوال على بيوت الطلاب لإعطاء الدروس الخصوصية؟!

إحلال وإلغاء

من جهة أخرى، وعقب إعلان وزارة التربية والتعليم في أغسطس (آب) الماضي إلغاء مواد دراسية مثل الجيولوجيا وعلم النفس واللغة الأجنبية الثانية، سرت حال من الغضب والقلق العارمة بين معلمي هذه المواد. وسرت أخبار غير موثقة بأن الوزارة تدرس "تسكين" معلمي هذه المواد في مواد أخرى، إذ سيتم تكليف معلمي اللغة الفرنسية مثلاً بتدريس الإنجليزية بعد تدريبهم، وخريجو الكليات الأدبية سيتم تكليفهم بتدريس اللغة العربية للمرحلة الابتدائية بعد إلغاء المواد التي كانوا يدرسونها في المرحلة الثانوية!

 

دروس بالمليارات

الأرقام قد تتضارب، لكن تظل مؤشراً للتوجهات ومعياراً للإنفاق. نتائج بحث الدخل والإنفاق لعام 2019-2020 تشير إلى أن 26 مليون أسرة مصرية لديها أفراد في مراحل التعليم المختلفة أنفقت 483 ملياراً و247 مليون جنيه على التعليم في عام. المتوسط الذي تنفقه الأسرة الواحدة سنوياً على التعليم بلغ نحو 18.5 ألف جنيه، منها أكثر من 5 آلاف جنيه مصري للدروس الخصوصية.

المؤكد أن هذه الأرقام تغيرت في الأعوام الأربعة الماضية. وعلى رغم عدم صدور أرقام حديثة في هذا الصدد، فإن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق رضا حجازي قال عام 2022 إن المصريين ينفقون 47 مليار جنيه سنوياً على الدروس الخصوصية، والحكومة "لا تعرف عن هذه المبالغ شيئاً".

دور مهدئ ولكن

وفي مناسبة اليوم العالمي للمعلم، تجدر الإشارة إلى أن حجازي الذي وصل إلى منصب وزير التعليم خلفاً لطارق شوقي لعب دوراً مهدئاً لأولياء الأمور الذين عارضوا واعترضوا على إصلاح التعليم، وطالبوا بالإبقاء على النظام كما هو دون تطوير أو تعديل مع اعتبار مسائل مثل التفكير النقدي والتحول من الحفظ إلى الفهم وتغيير الاختبار من قياس لكمية المعلومات المخزنة إلى قياس للفهم أموراً سطحية وغير مرغوب فيها.

كما هدأ حجازي من روع المعلمين الذين ناصب الكثير منهم شوقي العداء ظناً منهم إن تطوير التعليم وإصلاحه وتشجيع الطلاب على البحث بأنفسهم والفهم عبر منصات إلكترونية مثل "بنك المعرفة المصري" يعني "خراب بيوتهم" وهدماً لمنظومة الدروس الخصوصية التي تفتح بيوت معظمهم. القرار الوحيد الذي فكر حجازي في إصداره وأزعج المعلمين وأغضبهم كان تقنين الدروس الخصوصية، وإسنادها إلى شركة تديرها ويصبح اسمها "مجموعات الدعم"، ويحصل المعلم على أجره بعد الحصة من خلال الشركة. الفكرة لاقت معارضة عاتية من الجميع لأسباب مختلفة، لكن المعلمين اعتبروها "وسيلة لتقاسمهم الحكومة أكل عيشهم" على حد تعبير أحدهم.

بدأ العام الدراسي

قبل أيام بدأ العام الدراسي الجديد، معظم الطلاب المقيدين في المدارس ينتظمون في الدراسة في الأسابيع وربما الأيام الأولى من العام الدراسي. بعد ذلك، ينتظم البعض في "السناتر" ويكتفي آخرون بالذهاب إلى المدرسة فقط في حال تم تشديد الرقابة على نسبة الغياب، والتلويح بحرمانهم من دخول الاختبارات. فأعداد المعلمين قليلة، والمحصلة التعليمية في الفصل ضئيلة.

"الطلاب في فصولهم، لكن أين المعلم؟" عنوان ورقة بحثية نشرها مركز "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأميركية في القاهرة قبل أيام. تطرقت الورقة إلى ما وصفته بـ"العجز الشديد في أعداد المعلمين في المدارس الحكومية في جميع مراحلها"، وذلك "بسبب تقليص الإنفاق العام على التعليم، وتوقف الحكومة عن تكليف خريجي كليات التربية، واعتمادها على توظيف معلمين بعقود موقتة وشركاء في الإصلاح التعليمي".

عمالة موسمية

الملاحظ منذ أعوام، والمؤكد عبر شهادات كل من الطلاب والأهل وكذلك المعلمين أن تلك العلاقة الخاصة بين الطالب والمعلم وشغف الأخير بالتدريس والتنشئة واعتبار الأهل المعلم طرفاً رئيساً في تربية الأبناء أصبحت استثناءات يندر وجودها في ظل "العمالة الموسمية" من جهة ومنظومة "السنتر" المناهض للمدرسة من جهة أخرى.

وعلى رغم ذلك، فإن الورقة تشير إلى أن المعلم لا يزال صمام أمان التعليم، إذ يلعب المعلمون الدور الرئيس في تشكيل الصغار وتلبية حقهم في الحصول على تعليم جيد بصورة منصفة للجميع. ولذلك، فإن استمرار العجز في أعداد المعلمين يهدد أية خطط أو قرارات موجهة للارتقاء بالتعليم، كما أنه "لا بديل عن توفير وظائف للمعلمين في ظروف عمل مستقرة وعدم اللجوء إلى التوظيف بعقود موقتة لما لذلك من أثر "كارثي" في دور المعلم".

العجز في المعلمين

اللافت أن الاحتفاء الأممي هذا العام بالمعلم في يومه الدولي يركز على معضلة نقص أعداد المعلمين، وكذلك على القيمة الممنوحة لمهنة التدريس التي لا تعاني انخفاضاً فقط، بل تسير نحو مزيد من الانحدار. الاحتفاء اليوم يأتي تحت عنوان "تقدير أصوات المعلمين: نحو إبرام عقد اجتماعي جديد للتعليم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منظمات "يونيسكو" و"يونيسف" والعمل الدولية تشير إلى "التقرير العالمي عن المعلمين" (2024) الذي حذر من النقص العالمي في أعداد المعلمين والزيادة الهائلة في معدلات استنزافهم. ظروف العمل السيئة والأجور المتدنية والأعباء الثقيلة التي تمنع المؤهلين لمهنة التعليم من دخولها، ولو دخلوها لا يبقون فيها ليست العوامل الوحيدة التي تهدد مهنة المعلم. هناك عوامل نفسية ومجتمعية تضيف مزيداً من معاول الهدم. الافتقار إلى الاعتراف الاجتماعي وانخفاض الاستقلال المهني وضآلة القدرة على التأثير في صناعة القرار تسهم هي الأخرى في تدهور حال المهنة.

التي يصفها الطلاب في مواضيع التعبير المقررة عليهم بـ"المهنة الأسمى" و"المهمة الأرقى" و"العمل الأهم" لنهضة الأمم وتطور الأوطان.

موضوع التعبير عن فضل المعلم

في اليوم العالمي للمعلم، سيكتب من حضر من المعلمين إلى المدرسة على السبورة العناصر المطلوبة لموضوع التعبير السنوي "اكتب عشرة أسطر عن فضل المعلم وأهمية مهنة التدريس"، المعلم أمل الأمة، المعلم صانع الأجيال، المعلم منارة الحق، المعلم معنى العطاء، مع الاستشهاد ببيت الشعر المعروف،

قم للمعلم وفه التبجيلا   كاد المعلم أن يكون رسولا.

المزيد من العالم العربي