ملخص
يحذر أمنيون وسياسيون مما سموه "الفراغ في القيادة الإسرائيلية" الذي، بحسبهم، لا يتيح عنواناً للوصول مع "حزب الله" في لبنان إلى وقف النار وتسوية أفضل من التفاهمات التي أنهت الحرب عام 2006.
مع وصول قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا إلى تل أبيب في محاولة للتوصل إلى تفاهم مع متخذي القرار في إسرائيل بعدم استهداف المنشآت النووية ومنشآت الغاز والنفط في إيران تعالت تهديدات متخذي القرار في تل أبيب، ووقف وزير الأمن يوآف غالانت في قاعدة عسكرية ليقرع طبول الحرب على إيران ما دفع بأمنيين وسياسيين وخبراء إلى التحذير من خطورة توجيه ضربة على طهران من شأنها توسيع الحرب التي تخوضها إسرائيل على أكثر من جبهة إلى حرب تشعل منطقة الشرق الأوسط برمتها.
كوريلا الذي أكد أمام الإسرائيليين استمرار دعم الولايات المتحدة لتل أبيب وأيضاً لضربتها على إيران، اعتبر أن استهداف المنشآت النووية والنفط والغاز، سيفتح أبواب الحرب الإقليمية، خصوصاً بعد تهديد إيران بتوجيه رد لم تتوقعه إسرائيل إذا ما استهدفت هذه المنشآت الأكثر أهمية استراتيجية، في وقت هدد غالانت بتوجيه ضربة لإيران تحدد مداها وأهدافها وتوقيتها إسرائيل، ورد على تهديد إيران بالقول "لن يوقف إسرائيل أي تهديد أو أية جهة، إذا اعتقدت إيران أنها ستردعنا عبر إلحاق الضرر بنا عن الرد عليها، فالأفضل لها أن تنظر إلى ما يحدث في بيروت وغزة. نحن أقوياء، وسنعبر عن ذلك بالطريقة التي نختارها ووقت نختاره ونحن نعرف ماذا نفعل وفي النهاية سننتصر في هذه الحرب".
وبعد ساعات معدودة من تهديدات غالانت وجلسات الأجهزة الأمنية مع كوريلا، أعلن عن زيارة خاطفة لغالانت إلى واشنطن، متوقع الأربعاء المقبل، محورها الضربة على إيران إلى جانب غزة ولبنان.
ومساء أمس الأحد عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة تشاورية مع قيادة الأجهزة الأمنية، وحضور مقلص للوزراء، وشارك فيها، أيضاً، زعيم حزب شاس أرييه درعي. الجلسة التي استبقت إعلان إسرائيل بلدات إسرائيلية عدة، عند الحدود الشمالية، عسكرية مغلقة بهدف تكثيف وتوسيع عمليتها البرية في لبنان على أن تنتهي في غضون أسابيع قليلة، كان محورها طبيعة الرد الإيراني "لن يكون هذا حدثاً جانبياً، سيكون الرد جدياً وكبيراً، وستكون له تداعيات على إيران"، هكذا تخطط إسرائيل وسط جهود حثيثة لمنع تسريب معلومات حول بنك أهداف الضربة الإسرائيلية، وقال وزير الطاقة إيلي كوهين إن الأبحاث التي شهدتها إسرائيل حول الضربة على إيران تناولت مختلف السيناريوهات والأهداف وستكون مفاجئة وقوية.
تقويض قدرات "حزب الله" و"حماس"
التهديد الإيراني لإسرائيل في حال استهدفت منشآتها النووية والنفط والغاز جعل النقاش ليس فقط حول طبيعة الرد الإسرائيلي، إنما حول قدرات إيران بالرد على الهجوم الإسرائيلي.
الرئيس السابق لمنظومة الدفاع الجوية تسفيكا حايموفتش أكد ضرورة أن يصل صدى الضربة على إيران إلى مختلف أرجاء العالم، لكنه حذر من خطورة شلل منشآت النفط والغاز وتداعيات استهداف المنشآت النووية التي ستدفع بإيران إلى رد أخطر من ردها بـ200 صاروخ باليستي، وقال، "لدى إيران ما لا يقل عن 3 آلاف صاروخ، قسم من الصواريخ يطلق من بعد 1400 كيلومتر، وقسم آخر من بعد 2000 كيلومتر، وهي قادرة بدقتها على إصابة أهداف تضعها إيران في بنك أهدافها".
وبنك الأهداف الأكثر قلقاً لإسرائيل هو آبار الغاز في عرض البحر المتوسط، وشبكة الكهرباء المركزية، وسط إسرائيل، ومصافي البترول في خليج حيفا. ولم تسقط إسرائيل من حساباتها المفاعل النووي في ديمونة، الأكثر حساسية واستراتيجية، وكانت إيران قد وجهت نحوها صواريخ في هجومها الأخير، ولكن بحسب الإسرائيليين تمكنت منظومات الدفاع من إسقاطها، إضافة إلى هذه المواقع مخازن ومصانع الأسلحة.
وأمام هذه السيناريوهات التي يبحثها الإسرائيليون يقول الباحث في شؤون الأمن الإيرانية مئير جافيدنفر إن الهدف الأقوى الذي ينبغي على إسرائيل وضعه ضمن أبرز أهداف تقويض قدرات إيران ونزع الردع منها هو القضاء على الصواريخ، ليس فقط في إيران، إنما في لبنان أيضاً، ولدى وكلائها الذين في حوزتهم صواريخ باليستية، مضيفاً، "الإيرانيون يتحدثون عن 32 هدفاً في بنك أهدافهم للرد على عملية إسرائيلية استثنائية، ويشرحون هذا بصورة واضحة في جميع وسائل الإعلام، والأفضل لإسرائيل عدم توجيه ضربتها ضد المنشآت النووية والنفط، إنما قواعد ومخازن الصواريخ، إذ إن تهديدهم يأتينا من الصواريخ، وأقصد هنا الصواريخ الموجودة أيضاً لدى (حزب الله) في لبنان، فإذا نجحت إسرائيل في القضاء على الصواريخ الباليستية حتى في لبنان، ولدى وكلائها في مختلف الجبهات، والتي يحاولون ردعنا من خلالها حتى لا نضرب المنشاة النووية في إيران، نكون قد وجهنا ضربة مؤلمة لإيران".
ومع هذا يوضح جافيدنفر، "الإيرانيون يستخدمون وكلاءهم لمهاجمة إسرائيل لمنع إيران من دفع ثمن الهجوم. في تقديري، حتى لو هاجمت إسرائيل (حزب الله) بقوة، فإن إيران لن ترد حتى لا تهاجم إسرائيل مصانع الأسلحة التابعة لها. الوضع في إيران ليس جيداً. الاقتصاد يتدهور والبطالة آخذة في الارتفاع والمواطنون يعانون انقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة. إنها ليست في عجلة من أمرها للانضمام إلى الحرب".
هل تستغل إسرائيل الفرصة للقضاء على النووي الإيراني؟
يقول المتخصص العسكري أمير بار شالوم "إيران، حالياً، في أقرب نقطة إلى قنبلة نووية، من حيث كمية المواد المخصبة، التي تكفي حالياً لأكثر من 10 قنابل، وفي الإجراءات الأولية من قبل "مجموعة الأسلحة"، الهيئة المسؤولة عن ربط جميع مكونات القنبلة. الأميركيون حريصون على تعتيم المحادثات مع إسرائيل في ما يتعلق بالأهداف التي ستتم مهاجمتها، لكنهم يلمحون إلى أنهم لا يريدون رؤية هجوم على المنشآت النووية". ويتابع بار شالوم "الجنرال مايكل كوريلا جاء بغرض التنسيق النهائي قبل الهجوم الإسرائيلي، وربما أيضاً للتأكد من أن واشنطن لن تفاجأ، إذ إن التنسيق الدقيق مطلوب هنا، بخلاف حقيقة أن جميع أنظمة الدفاع الأميركية سيتم توجيهها لمصلحة إسرائيل".
وحول الرد الإسرائيلي المتوقع يقول "نطاق اتخاذ قرار في شأن نوع الأهداف ليس كبيراً جداً. من غير المرجح أن ترغب الولايات المتحدة في رؤية أضرار لمنشآت النفط الإيرانية، لأن هذا من شأنه أن يرفع على الفور السعر العالمي لبرميل النفط، ويجعل البنزين أكثر كلفة للمستهلك الأميركي، في أميركا، هذه قضية حساسة للغاية، بخاصة قبل الانتخابات".
ويتابع بار شالوم، "منذ سنوات تبذل إسرائيل جهوداً كبيرة للتحدث إلى الجمهور الإيراني فوق رؤوس قادتها. وكان أحدث مثال على ذلك، الأسبوع الماضي، عندما خاطب نتنياهو الشعب الإيراني وقال له إنه ليس عدواً لإسرائيل. وهذه هي المشكلة على وجه التحديد: إن توجيه ضربة كبيرة لنسيج الحياة الإيراني المهتز بالفعل يمكن أن يؤدي إلى عملية يقف فيها الجمهور جزئياً وراء النظام. لذلك يبدو أن الأهداف المختارة بعد كل هذه القيود ستكون عسكرية بحتة، من أجل الإضرار بقدرات إيران المتقدمة قدر الإمكان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوافق ما يطرحه بار شالوم وجافيدنفر، "ليس من المستبعد أن نرى أضراراً في البنى التحتية لتصنيع الأسلحة الإيرانية، وربما أيضاً لقواعد الصواريخ التي أطلقت منها الصواريخ على إسرائيل. يقع معظمها في المناطق التي تتمتع فيها إيران بمعارضة داخلية كبيرة: في مدينة كرمانشاه في الجيب الكردي، وفي مدينة تبريز في الجيب الأذري. إذا كانت هذه هي الأهداف المختارة بالفعل، فمن المعقول افتراض أن الجهد الإسرائيلي سيكون لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين قدر الإمكان"، يقول بار شالوم.
وعلى رغم التخوف من ضربة متهورة تستهدف النووي والنفط والغاز فإن بنك أهداف إسرائيل يشمل أيضاً رموز الحكومة الإيرانية، مثل مقر وزارة الاستخبارات المسؤولة عن تشغيل العملاء والتخطيط لهجمات خارج إيران أو مقر الحرس الثوري. ويمكن أن تكون الأهداف الأخرى مكاتب كبار المسؤولين مثل المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان. وبالنسبة لإسرائيل، يقول بار شالوم، "هذه أهداف مشروعة، بخاصة بعد سقوط الصواريخ قرب بيوت المدنيين في وسط إسرائيل".
الارتباك في اختيار الأهداف يعرقل الضربة
ومساء أمس الأحد شهدت جلسة المشاورات التي دعا إليها نتنياهو، خلافات، وكما وصفها مسؤول أمني، شهدت "إرباكاً وحيرة" في اختيار الأهداف التي ستشملها الضربة وتريد إسرائيل أن يصل صداها إلى مختلف أرجاء العالم، ومن ثم تسهم في إضعاف قوة وردع إيران، ولكن على رغم ما يبديه الإسرائيليون من قدرة على تحدي إيران وإضعاف ردعها، يحذر الباحث في الشؤون الإيرانية في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، داني سطرنوفتش من الاستخفاف بقدرة إيران واحتمال رد واسع وقوي على ضربات تشنها إسرائيل ويقول، "محظور الاستخفاف بإيران. فبقدر ما يمكن حشرها في الزاوية يتعاظم الاحتمال لخطوات لها في مجال النووي لأجل تعزيز ردعها. الصواريخ التي أطلقتها إيران، الأسبوع الماضي، شهد هي الأخرى، على رفع المستوى الذي أجرته إيران على منظومة الصواريخ. وفي ضوء هذا، وعلى فرض أن إسرائيل اتخذت قراراً بمهاجمة إيران، يتعين عليها أن تفكر جيداً ما الذي تريد أن تحققه في مثل هذا الهجوم". ويضيف، "إذا كانت إرادة إسرائيل هي الامتناع عن توسيع المعركة والحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع الإدارة في واشنطن (التي تعارض هجوماً على مواقع النووي أو مخزونات النفط الإيرانية)، فإن مجموعة الأهداف التي ستختارها يجب أن تكون متناسبة مع هذا الهدف. مهما يكن من أمر، وفي ضوء توقع أن ترد إيران على كل هجوم إسرائيلي ذي مغزى، فإن التصعيد لا يزال أمامنا".
وما بين هذه المعضلات والنقاشات والخطر من توسيع الحرب يحذر أمنيون وسياسيون مما سموه "الفراغ في القيادة الإسرائيلية" الذي، بحسبهم، لا يتيح عنواناً للوصول مع "حزب الله" في لبنان إلى وقف النار وتسوية أفضل من التفاهمات التي أنهت الحرب عام 2006. والتقديرات في إسرائيل، في ظل هذا الوضع، أن يقرر الإيرانيون عن "حزب الله" ما يحصل في لبنان وموقفهم سيكون متعلقاً جداً بتطور المواجهات مع إسرائيل.