أمامي رجل مستلقٍ على رصيف مجاور لطريق يقود إلى ساحة التحرير، وسط بغداد، ولا أحد يعرف ما إذا كان ميتاً أو جريحاً، وأستطيع أن أرى عدداً من الجنود والشرطة يركضون صوبه، بينما على الطرف الآخر من الساحة، يحاصر جنود عدداً من المحتجين يبلغ عددهم حوالى المئة يحمل بعضهم أعلاماً عراقية ويغنون "سلمية" و"من أجل العراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكنني القول إن عدد المحتجين أكثر مما بدا للوهلة الأولى، وهذا لأنهم منقسمون إلى مجموعات في حالة متواصلة من الحركة. ويُسمع إطلاق نار صادر عن بنادق أوتوماتيكية، يفترض أنها كلها تطلق إلى أعلى في الهواء.
ويرتفع دخان أسود من احتراق إطارات مطاطية على شارع، وآخر قطعه رجال الشرطة الجالسون في سياراتهم الخضراء والصفراء، جنباً إلى جنب جنود عاديين يرتدون زياً موحداً ويقف إلى جانبهم عضو في دائرة مكافحة الإرهاب بثياب سوداء.
وإذ يهبط الليل يتدهور الوضع أكثر.
ويقول مخبر إن "هناك ما لا يقل عن عشرة مناطق في بغداد طُوِّقت بحواجز وإطارات محترقة".
وثمة مجموعات من الشباب تحاول قطع الطرق السريعة، بينما تجاهد السلطات للسيطرة على الوضع.
وإذا كانت الحكومة العراقية وضعت خطة في بداية هذا الأسبوع لتحويل تظاهرات ذات حضور ضعيف ضد الفساد وغياب فرص العمل إلى حركة جماهيرية واسعة، فإنها تقوم بذلك على أمثل وجه.
واستُقبل المتظاهرون السائرون نحو المنطقة الخضراء، حيث يقع الجزء الأكبر من المباني الحكومية، مساء الثلاثاء الماضي بخراطيم المياه الساخنة وقنابل الغاز المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي.
وتزعم الحكومة من جانبها، أن شخصين فقط قتلا وأصيب بضع مئات، على الرغم من أن أطباء المستشفيات الذين عالجوا الجرحى يقولون إن العدد الحقيقي للضحايا أكبر بكثير.
ويقول حيدر، خريج كلية الحقوق الذي ساعد على تنظيم التظاهرات ضد البطالة - تحديداً بين الخريجين الذين يبلغ عدد العاطلين بينهم 370 ألفاً- خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة "نحن فوجئنا بقسوة رد دوائر الأمن على مظاهرة سلمية".
ولم تجذب الاحتجاجات قدراً كبيراً من الاهتمام حتى قام رجال الجيش والشرطة بمهاجمة المحتجين بعنف يوم الثلاثاء، مبررين فعلهم بأنهم مأمورون لحماية المنطقة الخضراء مهما كلف الثمن.
يقول حيدر إن هيئات المنظمات الأهلية التي تقف وراء التظاهرات تريد تنظيم مظاهرة كبيرة يوم الجمعة 4 أكتوبر (تشرين الأول).
وبحسب ما ذكر حيدر، فإن هذه الهيئات حاولت إلغاء تظاهرة احتجاجية يوم الثلاثاء عند الساعة السابعة مساء، بعدما انفلتت من السيطرة، وتعرض خلالها مطعم تركي للحرق.
استمر رد فعل الحكومة المبالغ به، ففي يوم الأربعاء كانت هناك وحدات مدججة بالسلاح، تغطي وجوه أفرادها أقنعة سوداء وهم يتنقلون من دون هدف بالقرب من ساحة التحرير، تاركين انطباعاً بأنهم في هذا المكان لصد قوة غازية أجنبية، بينما أغلقت كل مكاتب شركات الطيران في شارع السعدون مثلما هو الحال مع العيادات الطبية في شارع النضال.
أما حركة المرور فهي محدودة جداً بمعايير بغداد، ولا نشاهد عدداً يعتد به من المشاة. وكان عمال البلدية قد نظفوا ليلاً ساحة التحرير ورشوا الشارع بالمياه، بينما قامت الجرافات بإزالة النفايات. وفي موازاة ذلك، راحت سيارة توزع الماء على المحتجين والجنود في آن واحد.
وقال ناشط لجندي وهو يقدم له زجاجة ماء باردة "نحن لسنا ضدكم، أنتم أخوتنا".
وفي منطقة الزعفرانية الواقعة في جنوب شرقي بغداد، عولج ما لا يقل عن خمسة أشخاص من ضيق في التنفس بعد استخدام رجال الشرطة قنابل الغاز المسيلة للدموع لتفريق تجمع احتجاجي صغير. كذلك استخدمت الشرطة هذا النوع من القنابل في حي الشعب، الواقع في شمال بغداد. وقال مسؤولون أمنيون إن خمسة أشخاص اعتقلوا في حي الشعب وثلاثة في الزعفرانية.
ويمكن القول إن الاحتجاجات هي التحدي الأخطر ضد حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي منذ تشكيلها قبل حوالى سنة واحدة. ووسعها اجتياز ذروة أزمات الصيف بسلام، حين تسبب شح الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف غضباً جماهيراً شديداً من دون وقوع احتجاجات ضخمة على شاكلة ما جرى من حركة احتجاجات في البصرة أدت إلى شلل الحياة فيها عام 2018 وأدت إلى سقوط رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وتجدر الإشارة إلى أن التظاهرات والمسيرات كانت سلمية، فيما أراد منظموها تجنب نسبها إلى حزب سياسي، فأتباع رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر طلب منهم عدم المشاركة فيها.
وباستخدام وسائط التواصل الاجتماعي للتنسيق، تمكن الناس من التجمع ضد الفساد وغياب الخدمات الأولية، مع شكوى خريجي وطلاب الجامعات تحديداً من أن شهاداتهم الجامعية لم تساعدهم في الحصول على عمل.
كذلك جرت تظاهرات احتجاجية ومصادمات في محافظات أخرى، بما فيها مدينتا البصرة والناصرية في الجنوب. ففي الناصرية قتل أحد المحتجين وأصيب حوالى 20 شخصاً، بحسب ما ذكر مسؤولو الصحة هناك.
وما يميز هذه الحركة الاحتجاجية في العراق هو أنها تجري في محافظات شيعية، وهذا أمر مهم في بلد أغلبيته من الشيعة والحكومة ذات أغلبية شيعية.
والمشكلة تكمن في أن الحكومة فاسدة على كل المستويات، وتوزيع الوظائف في الوزارات – والوظائف داخلها- يعتمد على الولاء الحزبي والانتماء الطائفي. وهذا النظام تشكل منذ إرساء النظام الحكومي الجديد بعد إطاحة صدام حسين في 2003، وسيكون إصلاحه شبه متعذر.
© The Independent