ملخص
لا تقتصر تماثيل أبوالهول على التمثال الشهير أمام أهرام الجيزة، وإنما تنتشر في كثير من المتاحف داخل مصر وخارجها ومن بينها تمثال في متحف اللوفر بباريس.
بجوار أهرام الجيزة في مصر يرقد تمثال أبوالهول الشهير منذ نحو 4500 عام، ويعد واحداً من أعظم التماثيل وأشهرها، فالتمثال المنحوت على صورة رأس إنسان وجسد أسد ربما يعتقد كثير من الناس أنه الوحيد من نوعه وأنه ليس له مثيل، إلا أن التماثيل على هيئة أبوالهول كانت شائعة وظلت مستمرة طوال عصر الحضارة المصرية القديمة وما لحقها من عصور يونانية رومانية ظهر فيها أنماط أخرى تقتبس من فكرة التمثال المعروف.
فكرة نحت التماثيل بشكل أسد ورأس إنسان أو حتى حيوان آخر كانت شائعة ومنتشرة في مصر القديمة ومن بينها تماثيل طريق الكباش التي يظهر بعضها بجسم أسد ورأس كبش والبعض الآخر بجسم أسد ورأس إنسان على هيئة أبوالهول.
يأتي تفرد تمثال أبوالهول الشهير في الجيزة كونه الأضخم والأكثر شهرة ومن موقعه العظيم بجوار الأهرام الثلاثة أحد أعظم الآثار في تاريخ البشرية.
من بين التماثيل المميزة الأخرى لأبوالهول هو تمثال معروض بالحديقة المتحفية بمنطقة آثار ميت رهينة، وكانت مصر أعلنت أخيراً عن بدء مشروع متكامل لترميمه، ويعد هذا التمثال ثاني أكبر تماثيل لأبوالهول من حيث الحجم بعد تمثال منطقة أهرام الجيزة، وقد عثر عليه عالم الآثار البريطاني فلندرز بتري أثناء أعمال الحفائر بحرم معبد بتاح بالمنطقة الجنوبية الشرقية لمنطقة ميت رهينة، وهو مصنوع من الألباستر من عصر الأسرة الـ18، ثم أعيد استخدامه في عصر الرعامسة.
يقول المتخصص في المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حسين عبدالبصير، "أبوالهول يمثل جزءاً رئيساً من المجموعة الهرمية الخاصة بالملك خفرع الذي صور نفسه برأس الإنسان وجسم الأسد ويبلغ طوله نحو 73.5 متر، وارتفاعه أكثر من 20 متراً، ونحت من كتلة واحدة في عصر الأسرة الرابعة في عهد بناة الأهرام"
وتابع "يقع أبوالهول بين الهرم الأكبر والهرم الثاني الخاص بالملك خفرع الذي مثل نفسه وهو يتعبد لأبيه، ويعرف أبوالهول باسم ’سفنكس’ ذات الأصول اليونانية التي يعتقد أنها اشتقت من الكلمة المصرية القديمة ’شسب-عنخ’ التي تعني أن الملك هو الصورة الحية للإله رع".
ويضيف، "هناك كثير من التماثيل الصغيرة على صورة أبوالهول اكتشفت على مر الزمن في مواقع مختلفة من البلاد، وهذه التماثيل الصغيرة كانت تصنع للحماية والحراسة باعتبارها مرتبطة برع إله الشمس في مصر القديمة، وتؤكد عمق مكانته وارتباط المصريين به، وكان ظهور الملك بهيئة أبوالهول دليلاً على القوة والمكانة، ولم يقتصر الأمر على الملوك الرجال، وإنما ظهر بصورة نسائية فقد حرصت ملكات على أن تنحت لها تماثيل بهيئة أبوالهول أشهرهم حتشتبسوت".
متحف اللوفر
لا يقتصر وجود تماثيل أبوالهول على مصر وإنما توجد خارجها أيضاً مع كثير من مجموعات الآثار المصرية المنتشرة في المتاحف العالمية، ولتعدد وكثرة التماثيل المنحوتة على صورة أبوالهول خرج بعضها للخارج بطرق مختلفة مثل كثير من الآثار المصرية في كثير من متاحف العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيشير عبدالبصير، "هناك تمثال شهير لأبوالهول في متحف اللوفر بفرنسا يرجع للدولة الوسطى وهو من الجرانيت الوردي، وتمثال آخر لأمنحتب على شكل أبوالهول في المتحف البريطاني بلندن، لكن بوضعيه تختلف عن الشكل التقليدي لأبوالهول حيث صور نفسه يجلس متكئاً على جانبه، وكان هذا سمة في عصره، حيث جاءت تماثيله بأشكال غير المتعارف عليها في هذه الفترة، ويوجد في لندن أيضاً جزء من ذقن أبوالهول الشهير في الجيزة التي كسرت مع الزمن ويوجد جزء منها بالمتحف البريطاني وآخر بالمتحف المصري في ميدان التحرير".
اكتشافات متوالية
حتى الآن لا تزال البعثات الأثرية تكتشف تماثيل لأبوالهول، ففي عام 2018 اكتُشف تمثال لأبوالهول في أسوان بجوار معبد كوم أمبو مصنوع من الحجر الرملي يرجح أنه يعود للعصر البطلمي، واكتشف تمثال آخر لأبوالهول في محافظة الأقصر بطريق الكباش الذي يربط بين معبدي الكرنك والأقصر، وفي عام 2022 اكتشف في الأقصر أيضاً تمثالان على هيئة أبوالهول للملك أمنحتب الثالث من الحجر الجيري في منطقة المعبدالجنائزي للملك الذي يقع بالبر الغربي ويعرف بمعبد ملايين السنين، وفي منطقة المطرية بالقاهرة اكتشفت أجزاء من تماثيل على صورة أبوالهول من حجر الكوارتز للملك رمسيس الثاني، وفي عام 2023 اكتشف تمثال على هيئة أبوالهول بجوار معبد دندرة بمحافظة قنا جنوب القاهرة من الحجر الجيري يمثل أحد الأباطرة الرومان من المرجح أن يكون للإمبراطور كلاديوس.
ومع توالي الاكتشافات الأثرية والقيمة الكبيرة التي مثلها أبوالهول للمصريين في العصور المتعاقبة، فمن المتوقع أن تتوالى الاكتشافات الأثرية وتظهر تماثيل جديدة في مناطق مختلفة تعود لعصور متعددة.
العصر اليوناني الروماني
استمرت التماثيل على هيئة أبوالهول في الظهور في العصر اليوناني الروماني وإن كان بصورة وفكر مختلفين، لكن التأثر بالحضارة المصرية القديمة ظهر في كثير من الحضارات اللاحقة التي تعاقبت عليها، ومن بينها الحقبة اليونانية الرومانية فصور بعض أباطرة اليونان على هيئة أبوالهول في المعابد التي بنيت خلال هذه الفترة وكان يغلب عليها الطراز المصري.
أستاذ التاريخ اليوناني الروماني بجامعة القاهرة خالد غريب يقول، "كان هناك تواصل مع الحضارة اليونانية من قبل قدوم الإسكندر الأكبر لمصر من طريق العلاقات التجارية وحتى السياسية التي بدأت في عهد الملك بسماتيك الأول في عصر الأسرة الـ26، ولاحقاً مع مرور الزمن حدث تأثر في الفن مثل اختلاف نسب الجسم عن الطابع المصري القديم، فالرومان يعتمدون على إظهار العضلات بصورة واضحة عكس التماثيل المصرية القديمة".
ويستكمل "في الوقت نفسه تأثر اليونانيون بالحضارة المصرية القديمة، ومن بينها تمثال أبوالهول الشهير الذي أظهره اليونانيون في صورة أنثوية فأصبح تمثيلاً لفكرة الأمومة وظهر أبوالهول كأحد عناصر أسطورة أوديب مجنحاً على صورة أنثى، باعتبار أنه أصبح يرمز للخلق ومفهوم الخلق والحياة والأمومة دائماً ما يرتبط بالأنثى في كافة الحضارات، ففي مصر القديمة كانت إيزيس، ولاحقاً أخد اليونانيون هيئة أبوالهول من الفكر المصري، ولكنها أصبحت تحمل معنى مختلفاً".
ويضيف، "في عصر الأسرة الـ26 ظهر معبود تحت اسم (توتو) كان يصور على هيئة أبوالهول برأس آدمي وجسم أسد وعلى رأسه قرص الشمس وظهر في معبد إسنا في العصر الروماني، فالمعابد التي بنيت في هذا العصر هي معابد مصرية على الطراز المصري ولكن بها لمسات من التأثر بالفنون اليونانية الرومانية".
ومن يذكر أن "تمثال أبوالهول الشهير في الجيزة ليس هو التمثال الأول لأبوالهول وإنما سبقه تماثيل أخرى فهو ليس الأول، ولكنه الأضخم ويليه في الحجم التمثال الواقع بمنطقة ميت رهينة، وبصورة عامة تماثيل أبوالهول لها طابعان الأول يكون ظاهر عليه اسم الملك، وهو هنا تمثال للملك على هيئة أبو الهول، والطابع الثاني يكون من دون اسم، وهو هنا تمثال يمثل الإله نفسه"، بحسب المتحدث.