Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صعود قوى محلية تضاهي سلطة الأنظمة

أفق جديد للقانون الدولي

الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد ونبيل قاووق المسؤول الراحل في "حزب الله" في تجمع حاشد للحزب في بنت جبيل بلبنان أكتوبر 2010 (علي حشيشو/ رويترز)

ملخص

العقود الأخيرة شهدت زيادة في نفوذ التنظيمات الخارجة عن سيطرة الدولة ما يستدعي إعادة النظر في أحكام القانون الدولي الذي يؤكد سمو سيادة الدولة على أراضيها لكي يصبح ممكناً التدخل ضد هذه التنظيمات حين تشكل خطراً يتخطى حدود الدولة التي تستقر فيها

تخسر الحكومات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا قوتها بصورة متزايدة لمصلحة جماعات [تنظيمات] محلية تدفع نفسها بصورة متزايدة إلى موقع نفوذ ما بين الحكومة والشعب. وكثيراً ما ينظر أبناء المجتمع المحلي إلى هؤلاء الجماعات على أنهم يدافعون عن قضايا عرقية أو دينية أو سياسية، ويحمون المجتمعات المهمشة ويوفرون الخدمات الحيوية. لكن الحكومات الغربية تعتقد أنهم يعملون على تقويض الحكم الفعال وتشجيع تفتت الدولة. وتميل الحكومات الغربية أيضاً إلى النظر إلى مثل هذه الحركات على أنها موقتة، ومصيرها الزوال.

ومع ذلك، فإن عدداً من تلك الجماعات لا يرتقون إلى مرحلة إرساء دولة كما لا تتراجع مكانتهم وتذوي. إن هذه الحركات تتمتع بمجموعة واسعة من الأدوار الرسمية، بل إن بعضها يتميز بنفوذ يجعله عامل تثبيت للاستقرار في البلاد ومحيطها الإقليمي. فمثلاً في المنطقة الكردية في العراق مُنح قادة من مرتبة وسيطة mezzanine rulers بعض الاستقلال الذاتي من قبل الحكومة المركزية. أما في أرض الصومال وغزة فهم لا يتمتعون بالاستقلال بصورة رسمية، ولكنهم يعملون ككيانات شبيهة بالدول، تعيش في فراغ سياسي وقانوني من دون اعتراف دولي. وعلى رغم أن "حزب الله" لا يحظى بوضع دستوري في لبنان، فإنه لاعب سياسي راسخ على المستوى المحلي والإقليمي.

قد يكون من الممكن تجاهل كل هذه الحركات لكونها تغرد خارج السرب. إلا أننا إذا نظرنا إليها مجتمعة باعتبارها تمثل ظاهرة، فإنها تشكل تحدياً فريداً من نوعه على المدى الطويل للحكومات وأصحاب القرار والسياسيين الغربيين ومبادئ القانون الدولي.

ومن خلال سعيهم إلى ترسيخ دورهم في النظام السياسي في أي بلد وامتلاك السيطرة الحصرية على شريحة من السكان، فإن هذه الجماعات تعرض الاستقرار الداخلي إلى الخطر. وعندما تلجأ إلى الإرهاب أو القرصنة أو التمرد أو غير ذلك من الوسائل من أجل تعزيز الأجندات الأيديولوجية أو العرقية أو القومية، فإنهم يشكلون تهديداً يتجاوز حدود الدولة التي يعملون على أرضها.

إن القانون الدولي الذي لا يزال يستند إلى نموذج ويستفاليا للدول القومية (الدولة الأمة)، لم يواكب هذا التحدي. والواقع أن الفجوة بين القانون الدولي والواقع المحلي تفضي إلى إحباط الجهود الرامية إلى معالجة المشكلات التي تسببها الجماعات الوسيطة هذه. ولعلاج الشلل الناتج من ذلك، يجب على الحكومات الغربية أن تعمل على مدى فترة من الوقت من أجل إعادة صياغة البيئة القانونية الدولية. وسوف تكون هذه العملية بطيئة. وفي الوقت نفسه، يجب عليها أن تغير نهجها في التعامل مع الجماعات الفاعلة هذه ممن تزعزع الاستقرار، وذلك من خلال إطلاقها جهداً منسقاً كرد مضاد للتصدي لشعبية تلك الجماعات في أوساط السكان المحليين.

السيطرة على الأرض

إن عديداً من الحكومات المركزية القائمة بين البحر الأبيض المتوسط ​​وسلسلة جبال كاراكورام ضعيفة بصورة لافتة للنظر. فكل من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان هي بلاد مؤلفة من خليط من الأديان والطوائف والقبائل والأعراق. وفي الحالات التي تم فيها تحقيق التوازن السياسي بين المجموعات، كما في لبنان، على سبيل المثال، فإن النتيجة دولة ضعيفة. وحيث تهيمن طائفة واحدة، تشعر المجموعات الأخرى بالحرمان من حقوقها. وفي بعض الحالات، مثل العراق تكافح الحكومة المركزية لكي تستمر في السيطرة على الأراضي. وفي أوضاع أخرى مثل الصومال، تفككت الدولة بالكامل، مما قاد إلى حالة من العنف الشامل.

إن مثل هذه البيئات مهيأة لظهور حركات وسيطة مماثلة. وغالباً ما تتعاطف المجتمعات المحلية المحرومة مع هؤلاء بفضل الانتماء الديني المشترك أو العرقي أو الشعور بالإحباط من الحكومة. ولأنهم لا يرون أن هناك فائدة ترجى من اللجوء إلى الدولة طلباً للمساعدة، فإنهم يشعرون بالصلة مع هذه الجماعات الوسيطة التي تعبر عن مظالمهم وتسعى لمعالجتها. ومن خلال اعتماد هذه التنظيمات على أذرعتها الخاصة بتقديم الرعاية الاجتماعية وأيضاً على الميليشيات التابعة لها، يكون بإمكانهم بناء الولاء واكتساب أرضية بطريقة تجد الحكومات صعوبة في اتباعها لبلوغ الغاية نفسها. وإن سهولة الوصول إلى هذه الجماعات وقدرتها على التكيف، تظهر الزعماء الوطنيين بالمقارنة معها غير متجاوبين ومهملين وفاسدين، كما قد يكونون كذلك بالفعل. ووجود الجذور العميقة في المجتمعات المحلية هي العلامة الفارقة لأنجح هؤلاء الجماعات.

ويعد "حزب الله" وهو المنظمة الشيعية المدعومة من إيران التي تهيمن على جنوب لبنان وأجزاء من بيروت، الأكثر تطوراً بين كل الجماعات الوسيطة. ولقد أصبح الحزب نموذجاً يحتذى به، وهو في هذا الصدد حل مكان جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية السنية في مصر، التي كانت ذات يوم النموذج الإقليمي الأولي [للمجموعات الوسيطة غير الخاضعة لسلطة الدولة]. إن "حزب الله" منظم بصورة جيدة، وامتلك زعيماً كاريزمياً هو حسن نصرالله. وخلافاً لمعظم المجموعات الأخرى، فإن "حزب الله" يمثل جمهوره في العمليات السياسية الوطنية. ويتمتع الحزب بإيرادات مالية كبيرة، كما يوفر التعليم والرعاية الاجتماعية والمساعدات الطارئة لأنصاره. ولديه جناح عسكري وأجهزة أمنية واستخباراتية. وقد أظهر أثناء حرب "تموز" عام 2006 أنه قادر على استعمال تكتيكات متقدمة واستخدام تكنولوجيا عسكرية متطورة. وكما قال روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي الأسبق في أبريل (نيسان) 2010، فإن "حزب الله" يملك من الصواريخ والقذائف أكثر مما تملكه غالب الحكومات.

ومن خلال الجمع بين الدين والأيديولوجية والرعاية الاجتماعية والسياسة والعنف الذي يستعمله من فترة إلى أخرى، اكتسب "حزب الله" الشرعية لدى المجتمعات المحلية وطور ممارسات مؤسسية متقدمة، الأمر الذي منحه القوة والمرونة. وهو في الوقت نفسه منظمة دينية وإغاثية وحزب سياسي وقوة شبه عسكرية. وهذا يجعل من الصعب على الحكومات أن تحدد كيفية تصنيفه ومواجهته. على سبيل المثال، تعد حكومة الولايات المتحدة "حزب الله" منظمة إرهابية وقد منعت عرض برامجه التلفزيونية ولا تسمح لأذرعه المالية أن تعمل ولأنشطته الخيرية أن تجرى في الولايات المتحدة. وتحظر الحكومة البريطانية الجناح العسكري فقط لـ"حزب الله"، بما في ذلك منظمة الأمن الخارجي، غير أنها تسمح للعناصر السياسية والاجتماعية وعناصر الرعاية الاجتماعية فيه بالمضي قدماً من دون عوائق. والواقع أن التفاوت بين التشريعات المحلية الخاصة بمكافحة الإرهاب في البلدان يساعد "حزب الله" لأنه يحول دون وجود استجابة غربية متسقة وموحدة حيال أنشطته.

ومعظم الجماعات الأخرى تعد أقل من "حزب الله" مرونة وتطوراً. في عام 2003، بدأ "جيش المهدي"، وهو حركة شيعية عراقية، في نشر الميليشيات والجماعات الإرهابية، فضلاً عن أذرعه السياسية والمعنية بمهام الرعاية الاجتماعية، في بغداد وجنوب العراق بغرض زيادة نفوذه بين الشيعة الأكثر فقراً هناك. غير أن القيادة الضعيفة، والتناقض الأيديولوجي، والمقاومة من جانب قوات التحالف والقوات العراقية قد أعاقت محاولاته لاستنساخ [تجربة] "حزب الله". إن العمل في منطقة صراع مثل العراق هو نعمة ونقمة في الوقت ذاته بالنسبة إلى الجماعات غير الخاضعة لسيطرة الدولة، إذ إن هذه البيئة توفر لهم الفرصة من أجل تعزيز ممتلكاتهم وأراضيهم وولاءاتهم، ولكنها تجعلهم أيضاً عرضة للقوة العسكرية الكاملة التي يتمتع بها خصومهم.

إن الجماعات هذه تجد نفسها في وضع أفضل عندما تكون قيادتهم ومرافقهم الرئيسة خاضعة للحماية بقدرات دفاعية فعالة، كما هي الحال مع "حزب الله" أو حينما يكون لديهم ملاذ آمن ودعم سياسي أو عسكري خارجي، مثلما هو الأمر مع "طالبان" الأفغانية. وتحمل هذه الأخيرة عديداً من سمات النموذج الكلاسيكي لمجموعة وسيطة. إن أيديولوجيتها السنية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقومية البشتون وثقافتهم المحليتين. أما أجنحتها السياسية والعسكرية فتبقى بمنزلة الغطاء الواقي للمؤسسات الفاسدة المدعومة من الخارج، التي تتخذ من كابول مقراً لها. ولديها قدرات إرهابية، كما أنها تستعمل تكنولوجيات يستخدمها متمردون، مثل الأجهزة المتفجرة بدائية الصنع، وتحصل على دخل ثابت من تجارة المخدرات، وتتمتع بدعم شبكة من المدارس الدينية. وهي تستفيد بصورة حاسمة من باكستان كملاذ آمن، تكون فيه قيادتها ومرافق الإمداد الخاصة بها خارج المدى الذي يمكن أن يصل إليه التحالف بصورة مباشرة، كما تستطيع المجموعة إبراز قوتها من ذلك الملاذ.

إن "طالبان" الباكستانية تتشارك مع "طالبان" الأفغانية في كثير من جوانب موقفها الديني، بيد أنها تركز جهودها على تحقيق أهداف باكستانية. والمنظمة تشكل مزيجاً من جماعات تابعة لها وتربطها علاقات فضفاضة مع بعضها بعضاً، ولكل منها أجنداتها المحلية. وهي تستخدم قاعدتها في المناطق القبلية في باكستان بهدف الهيمنة على بيشاور وأجزاء من منطقة خيبر بختونخوا (المعروفة سابقاً باسم إقليم الحدود الشمالية الغربية)، بيد أن الجيش الباكستاني لم يقر باحتلالها الحصري لتلك الأراضي، بل تنازع معها عليها واستعاد عام 2009 السيطرة على وادي سوات، وهو أحد أقاليم منطقة خيبر بختونخوا. وبناء على هذا، على رغم أن "طالبان" الباكستانية تشكل تهديداً خطراً وربما وجودياً للدولة، فإنها تفتقر إلى عنصرين لا بد لها منهما لكي تصبح في موقع جماعة وسيطة مؤثرة، وهما السيطرة على الأراضي والتماسك اللازم [بين أطرافها].

إن السيطرة الطويلة الأمد والثابتة على الأرض تشكل شرطاً ضرورياً من أجل بقاء الجماعات الوسيطة وتعزيز سلطتهم وتوسيع نطاقها. وقد فشل تنظيم "القاعدة" في تحقيق هذا الهدف في العراق، على رغم تطلعاته إلى إنشاء دولته هناك. واتخذت قوات التحالف من منع هذا الهدف مهمة لها وذلك من طريق تعزيز قوة حركة "الصحوة السنية" عام 2005، وتشجيع القبائل السنية للانضمام إليها ضد التمرد. وفي المناطق القبلية في باكستان، إذ يتقاسم تنظيم "القاعدة" الجغرافيا الوعرة مع "طالبان" الباكستانية وغيرها من الجهاديين والقبائل المضطربة، سعت الضربات الجوية الأميركية بواسطة المسيرات إلى حرمان التنظيم من الملاذ الآمن الذي يمكنه العمل انطلاقاً منه. لكن حتى تنظيم "القاعدة" يحتاج إلى بعض مظاهر الاستقرار المحلي لكي يزدهر، ولكن التنافس بين العشائر والميليشيات المحلية في الصومال قد منعه من ترسيخ وجوده هناك. ولم يتمكن من تحقيق ذلك في اليمن أيضاً، على رغم حقيقة مفادها أن بعض زعماء تنظيم "القاعدة" يمنيون وأن لدى الحكومة اليمنية سجلاً طويلاً لجهة تقديم تسويات تكتيكية معه.

وبصرف النظر عن الشكل الذي تتخذه الجماعات الوسيطة هذه، فإنهم بمجرد أن يفرضوا سيطرتهم شبه الحصرية في منطقة ما تراهم يميلون إلى التحول للاستبداد ومعاداة التعددية، ويعمدون إلى القضاء بلا رحمة على الجماعات المنافسة لهم. وتفتقر هذه الجماعات وزعماؤها إلى أي نوع من ثقافة المساءلة، كما أن حاجتها إلى الدخل المنتظم تجعلها عرضة للتورط في الفساد والجريمة المنظمة. وكثيراً ما يكون من الصعب على قوات مكافحة التمرد التمييز بين المجرمين وأولئك الذي تحركهم دوافع سياسية. ففي أفغانستان والعراق على سبيل المثال، يبدو أن قدراً كبيراً من العنف في الأعوام الماضية كان عبارة عن أعمال عصابات ارتكبت الميليشيات معظمها. إن الافتقار إلى المساءلة وقبول السلوك الإجرامي يخلقان مناخاً من الترهيب يروع المعارضة المحلية ويعزز سيطرة الجماعات الوسيطة النافذة على المجتمع.

الأفضلية

على رغم العقبات التي تواجه الجماعات الوسيطة عموماً في محاولتهم ترسيخ سلطتهم، فقد رجحت كفة الموازين لصالحهم في الشرق الأوسط وجنوب آسيا في الأعوام الأخيرة. وتمتعوا بالأفضلية بسبب أربعة عوامل: حيازتهم وسائل الاتصالات الحديثة والتكنولوجيا العسكرية الجديدة والدعم الحكومي وبقاؤهم في مأمن من التدقيق الخارجي.

لقد أدى انتشار تكنولوجيا الاتصالات الحديثة إلى تآكل إحدى المزايا التاريخية للدولة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهي السيطرة على المعلومات. كانت وسائل الإعلام التي تتحكم بها الدولة تسمح للحكومة بتقديم ما تراه مقبولاً فقط. غير أن الترابط على مستوى العالم، من خلال شبكات الأقمار الاصطناعية وفضاء الإنترنت الذي يتعذر نسبياً ضبطه، يسهل انتشار الأفكار عبر الحدود الوطنية. ويضعف موقف الحكومات بصورة أكبر لأن علاقاتها مع جيرانها تكون في الغالب سيئة، مما يجعل شعوبها عرضة للدعاية المعادية. وفي هذه الأثناء تستفيد الجماعات من تحسن القدرة العامة على الوصول إلى تكنولوجيا الاتصالات ذات الكلف الآخذة بالانخفاض. فلم يعد بوسع الحكومات أن تغلق بسهولة قنوات الاتصالات الجانبية بين المواطنين. وحتى إن الرسائل النصية البسيطة كانت سبباً في تعقيد الجهود التي بذلتها حكومات متباينة، مثل تلك الموجودة في اليونان وإيران وميانمار، لقمع التظاهرات المناهضة للحكومة في الأعوام القليلة الماضية.

 كما استفادت الجماعات الوسيطة من التحول في التكنولوجيا العسكرية التي تمنحهم أفضلية على القوات التقليدية. فالتكنولوجيات العسكرية الرخيصة نسبياً التي يسهل الوصول إليها، بما في ذلك أسلحة بدائية الصنع، تعطي التنظيمات شبه العسكرية أفضلية في إطار الصراع الذي أطلق عليه الجنرال البريطاني روبرت سميث اسم "الحرب بين الناس". ومن طريق استخدام وسائل غير متكافئة منخفضة الكلفة، يستطيع الانتحاريون أن يؤثروا بشكل خطر على طواقم الحكومة ومعنوياتها وصدقيتها. والحكومة التي لا تستطيع منع الهجمات الانتحارية لا تقدر أن تزعم أنها تضمن سلامة المواطنين اليومية. وحتى عندما يكون من الممكن حماية المرافق والقوات الحكومية من الهجمات الانتحارية، فإن الكلف تكون باهظة. إن بعض الجماعات الأكثر طموحاً، مثل تنظيم "القاعدة"، مصممون أيضاً على اكتساب التكنولوجيا المتطورة، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والنووية. وفي مواجهة مثل هذه التهديدات، لا تستطيع حتى أكثر وسائل الدفاع تقدماً لدى الدولة، مثل الطائرات من دون طيار وغيرها من أشكال المراقبة، أن تفعل الكثير. "حزب الله" مثلاً أصبح قادراً على إطلاق مسيرات حربية خاصة به.

لقد أصبحت التنظيمات التي لا تستطيع تطوير تكنولوجياتها العسكرية الخاصة قادرة بصورة متزايدة على الاعتماد منذ البداية على الدعم الحكومي الخارجي. وإيران لم تزود "حزب الله" فحسب بالتكنولوجيا العسكرية، بل قدمتها أيضاً لـ"جيش المهدي"، وحتى للحركات السنية مثل "طالبان" و"حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وذلك في محاولة لبناء مقاومة شعبوية إسلامية شاملة للغرب. ومن خلال تزويد هذه الجماعات الأسلحة، عملت طهران في الواقع على رفع مستوى التكنولوجيا المتوفرة للإرهابيين والمتمردين في كل مكان.

ومن طريق نشر علامتها التجارية الخاصة من الرأسمالية السياسية المغامرة، لعبت إيران دوراً رئيساً في تطوير أو تمكين عديد من الجماعات النافذة في المنطقة، ولكنها ليست الوحيدة التي فعلت ذلك. لقد استفادت باكستان بانتظام من إنكارها المسؤولية بشكل مقنع لاستخدامها جماعات وسيطة ضد معارضين محليين أو خارجيين. وقد يخدم هذا أهدافاً تكتيكية قصيرة الأجل، ولكنه يأتي غالباً على حساب الاستقرار على المدى البعيد. ومن أجل مكافحة السيطرة الهندية في كشمير، قام الجيش الباكستاني قبل عقدين من الزمن بإنشاء منظمة "عسكر طيبة"، وهي الجماعة المسؤولة عن الهجمات الإرهابية في مومباي عام 2008. والآن طورت "عسكر طيبة" قاعدة دعم مستقلة بفضل ذراعها المعنية بالعمل الخيري، الذي يدير برامج اجتماعية وتعليمية شعبية. وأصبح اليوم تمويل الجماعة قوياً، وباتت قدراتها الإرهابية هائلة، كما أن أيديولوجيتها تعد جذابة لدى كثيرين في كل أنحاء البلاد. ويواجه حالياً الجيش الباكستاني صعوبة بالغة في السيطرة عليها. وقد أدت العلاقات الشخصية بين العسكريين الباكستانيين وأعضاء "عسكر طيبة" إلى إضعاف تصميم الجيش على مواجهة الجماعة.

وتوضح الصعوبات التي تواجهها باكستان مع "عسكر طيبة" الأخطار التي تتعرض لها الدولة جراء رعاية جماعات لا تخضع لسيطرة الدولة على أراضيها. وتؤسس هذه الجماعات روابط عميقة يمكن أن تتخطى النيات الأصلية للحكومة. وحتى عندما تتعارض أنشطة الحركات هذه مع المتطلبات التكتيكية المباشرة أو الاستراتيجية الطويلة الأجل للدولة، يكون من الصعب التخلص منها. والواقع أن الحكومة الأميركية تدرك هذا الدرس جيداً: فقد سعت إلى استغلال "حركة الصحوة" كجماعة تابعة بهدف مواجهة تنظيم "القاعدة" في العراق. فإنها منذ ذلك الحين حققت نجاحاً متفاوتاً في إضعاف حلفائها السابقين وإعادتهم إلى الجيش العراقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والعامل الأخير الذي جاء في مصلحة الجماعات الوسيطة النافذة هو التدقيق المتزايد من قبل وسائل الإعلام الأجنبية والمجتمع الدولي، الذي يتعين على الحكومات أن تتحمله، وهذا ما يميل إلى جعلها أقل استعداداً للمخاطرة. إن الحركات هذه، من ناحية أخرى، تخضع إلى قدر محدود من المساءلة على المستويين المحلي والدولي، ولهذا السبب فهم يميلون إلى أن يكونوا مستعدين للمجازفة بصورة أكبر. وهم في العموم كتومون وقمعيون ولا يثقون في الغرباء، ولا يتسامحون مع وسائل الإعلام الغربية إلا عندما يكون بوسعهم استخدامها لأغراض الدعاية الخاصة بهم. وعموماً تكمن جماعات الوسيطة وقاداتهم خارج نطاق القانون الدولي، فيزعمون أنهم لا يخضعون إلا لقوانين الدولة التي تستضيفهم، مهما كانت حكومتها عاجزة عن تطبيق هذه القوانين. وعندما يتم تسليط الأضواء الدولية عليهم، فإن هذا الاهتمام عادة ما يكون مصدر إزعاج أكبر للدولة الراعية لهم. وهذا يفسر الموقف المحرج الذي اتخذته إسلام آباد بعد الهجمات الإرهابية التي شنتها جماعة عسكر طيبة في مومباي عام 2008. وحتى دمشق أبدت قدراً من الحساسية تجاه تحقيق الأمم المتحدة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الذي يشتبه في تورطها فيه.

وبسبب هذه المزايا، أصبحت مساحات واسعة من الأراضي في نحو 12 دولة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا الآن خارج سيطرة الدولة. وهنا تفشل الحكومات في توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها لأنها تفتقر إلى الموارد الكافية أو المهارات اللازمة أو الإرادة السياسية اللازمة لتأمين الخدمات لهم. وكثيراً ما تحول القيادة غير المتوازنة والصراعات الداخلية داخل الحكومات من دون اتخاذ إجراءات رسمية منسقة.

والواقع أن التفاوت بين كيفية عمل هذه الحكومات والطريقة التي يعتقد مواطنوها أنها ينبغي أن تتبعها في عملها، يؤدي إلى إذكاء خيبة الأمل بين عامة الناس. وتنظر عديد من المجتمعات إلى النخبة الحاكمة على أنها غير شرعية وعبارة عن واجهات فاسدة لمصالح عرقية أو طائفية بدلاً من كونها حكومات تعمل لصالح السكان بالكامل. وبسبب انعدام ثقتهم في الحكومة يلجأ الناس إلى الجماعات الوسيطة النافذة لحماية مصالحهم والحفاظ على مستويات معيشتهم. وهذا بدوره يسمح للفواعل بالزعم كما فعلت "القاعدة" و"حزب الله"، أن ضعف الدولة ذاته يستلزم وجودهم وأساليب عملهم ويضفي الشرعية عليها.

ولكن حتى الجماعات المنظمة تنظيماً جيداً التي تفشل في ترسيخ جذورها وفرض سيطرتها الحصرية على إقليم ما لن تنتصر في مواجهة حكومة مركزية قوية. في مصر وهي إحدى الدول القليلة ذات النظام المركزي تقليدياً في المنطقة، نجحت الحكومة في احتواء جماعة الإخوان المسلمين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كما تمكنت إيران وسوريا وهما دولتان أخريان تتمتعان بمركز قوي نسبياً، من قمع المعارضة في الداخل حتى في حين كانتا تنشران بلا هوادة تنظيمات مماثلة ضد جيرانهما. ولكنهما ليستا محصنتين ضد التهديد المحيط الذي تشكله الجماعات الوسيطة هذه: ففي مختلف أنحاء المنطقة أصبح العنف السياسي، بما في ذلك الاغتيالات والتفجيرات أمراً روتينياً.

وفي الدول الضعيفة، إذ حققت الجماعات الوسيطة السيطرة الحصرية على بعض الأراضي، فإن بوسعهم المشاركة في العملية السياسية في الدولة المستضيفة بطرق مختلفة. وقد يتحولون إلى حزب سياسي (كما فعل "حزب الله" في لبنان)، أو يشنون حملة من أجل الحصول على كيان مستقل داخل نظام فيدرالي فضفاض (مثل الجماعات الكردية في العراق)، أو يؤسسون كياناً سياسياً قائماً بذاته داخل دولة معطلة لا تعمل (على طريقة التنظيمات العاملة في الصومال، وأرض الصومال، وبونتلاند). قد يرفضون أيضاً إطار الدولة وينشقون عنها في وقت يقبلون فيه معظم المعايير الدولية (كما فعلت "حماس" في غزة) أو ينبذون كلاً من الدولة والنظام الدولي (مثلما فعلت "القاعدة").

نظامهم القانوني الخاص

إن الحكومة في كل من الأمثلة الموضحة أعلاه تظل مسؤولة عن الأفعال كافة داخل الأراضي التي تتمتع بالسيادة عليها، بما فيها ذلك التي تقوم بها الجماعات الوسيطة التي لا تخضع لسيطرتها. وترتكز هذه المسؤولية على مبدأ السيادة الإقليمية التقليدي الذي أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، الذي وجه بموجبه مجلس الأمن كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "منع تمويل وتدبير أي أعمال إرهابية في أراضيها من خلال كل الوسائل المشروعة، وقمعهما". ولكن هجمات الـ11 من سبتمبر 2001 كشفت عن العيوب التي تشوب المبادئ الراسخة المتمثلة في سلامة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى من دون موافقتها.

لم يكن المجتمع الدولي منزعجاً للغاية من عجز بعض الدول عن السيطرة على كامل أراضيها عندما كانت العواقب محلية فحسب. أما الآن فالفضاء غير القابل للضبط بات عرضة للاستغلال من قبل جماعات محلية نافذة من أجل شن هجمات إرهابية عابرة للحدود الوطنية أو التدخل في عمليات النقل الدولي أو زعزعة استقرار الحكومات، مما يؤدي إلى نتائج مدمرة للسلام والاستقرار الدوليين.

وقد وضع القانون الدولي في السابق قواعد لحركات التحرر الوطنية والحركات الانفصالية على افتراض أنها سترتقي إلى مستوى الدولة. ووفقاً للبروتوكولات الإضافية لعام 1977 لاتفاقيات جنيف، على سبيل المثال، فإن مثل هذه الحركات تتحمل الواجب نفسه لجهة حماية المدنيين كما هي الحال مع أي حكومة وطنية في زمن الحرب. غير أن الجهود التي كانت مستمرة بهدف تطوير مثل هذه القواعد قد تم إحباطها في وقت مبكر بسبب رغبة المجتمع الدولي في تجنب تفكك الدول القائمة ونظراً للخلافات حول كيفية التمييز بين الحركات القومية والمنظمات الإرهابية في حالات مثل حالة منظمة التحرير الفلسطينية.

ونتيجة لهذا، أصبح هناك الآن عدد متزايد من أشباه الدول التي لم تحصل على أي اعتراف رسمي بمكانتها لأسباب سياسية. ومن الأمثلة على ذلك أرض الصومال التي أعلنت استقلالها عن الصومال عام 1991، وبونتلاند التي أعلنت نفسها إقليماً صومالياً ذا حكم ذاتي في عام 1998. وتمارس الجماعات الحاكمة لأرض الصومال كل سلطات الحكومات العادية ومسؤولياتها. والأمر المهم هو أنهم يمارسون سيطرة ثابتة وقوية على أراضيهم، التي كانت لتكون غير قابلة للضبط لولا ذلك. ومع هذا لم يسمح لأرض الصومال بالارتقاء إلى مستوى دولة كاملة ولا تزال تعامل رسمياً كجزء من الصومال. وبونتلاند التي تنتظر ظهور حكومة صومالية فعالة لكي تدخل في اتحاد معها، أصبحت منصة انطلاق لعديد من هجمات القراصنة حول ممر الشحن الحيوي بين جيبوتي واليمن.

إن غياب حكومة صومالية فعالة يعني استحالة حصول المجتمع الدولي على موافقة رسمية على تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب أو القرصنة في سواحل الصومال أو قبالة سواحلها. ومن هنا فإن المجتمع الدولي أصبح عاجزاً عن الاستجابة بما يتفق مع القانون الدولي للتهديدات ذات المنشأ الصومالي. ولو استجاب المجتمع الدولي لكان قد تعرض إلى انتقادات مفادها أن مبادئ الضرورة والدفاع عن النفس و"المطاردة الحثيثة"، وهي مبررات للتدخل من دون موافقة الحكومة المحلية، لا تنطبق كلها على الصومال.

والواقع أن الوضع الهش في الصومال وعلى سواحله يشكل حافزاً قوياً للمجتمع الدولي لإعادة صياغة قوانينه بما يسمح بمعالجة التهديدات في وقت مبكر وبكل ثقة. ولا بد من تعديل مبدأ عدم التدخل بحيث يستبعد المناطق التي لا تخضع للسيطرة السيادية من جانب أي دولة، والتي تعد مصدراً لتهديد السلام والأمن الدوليين، مثل المناطق القبلية في باكستان أو اليمن. ومن الأفضل للحكومات أن تعمل حالياً على تطوير إطار قانوني جديد باعتباره مسألة استراتيجية عامة بدلاً من أن تترك الأمر في انتظار حل قانوني تكتيكي عندما تقع الأزمة التالية.

إن أي مراجعة للقانون الدولي القائم لا بد وأن تعترف أيضاً بأن نموذج العلاقات الدولية في منتصف القرن الـ20، الذي كان يميز بوضوح بين الحرب (التي ينطبق عليها قانون النزاعات المسلحة) والسلام (الذي ينطبق عليه القانون الدولي العادي)، قد عفا عليه الزمن. وكما تآكل التمييز بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية، فقد تحولت "الحرب بين الناس" إلى عنف تتم ممارسته بشكل روتيني. وتميل الجماعات الوسيطة غير الخاضعة لسيطرة الدولة إلى التخصص في هذا النوع من الحرب، وإذا كان من المقرر أن تتخذ الحرب في المستقبل شكل مكافحة التمرد في بيئات مدنية مقيدة، فلا بد وأن يعاد النظر في كيفية تعامل القانون الدولي مع قضايا من هذا النوع.

الانخراط والتدقيق

إن بذل جهود متضافرة لإعادة معايرة القانون الدولي سيستغرق بعض الوقت. وفي غضون ذلك، يتعين على الحكومات الغربية أن تعيد النظر في نهجها السياسي في التعاطي مع الجماعات غير الخاضعة لسيطرة الدولة. ومن مصلحة الغرب أن تكون حكومات الشرق الأوسط وجنوب آسيا قوية وخاضعة للمساءلة. ولكن عندما لا يكون الأمر كذلك، فإن الغرب يلحق الضرر بنفسه من خلال تجاهل هذه الجماعات على أساس افتراض خطأ مفاده أنهم عابرون وشاذون. وبدلاً من مساعدة الدول المستضيفة على استعادة السيطرة، فإن مثل هذا الموقف يطلق يد تلك التنظيمات ويمنحهم حرية التصرف مما يعزز التناقض بين القانون الدولي والحقائق الملموسة على الأرض.

ويتعين على صناع السياسات الغربيين أن يدرسوا نقاط الضعف التي تستغلها الحركات هذه في المجتمعات المحلية. وإذا كانت تلك الحركات تتبنى أهدافاً سياسية مشروعة، يجب حينها على الحكومات المحلية والغرب أن يعملوا على تحويلهم إلى أحزاب سياسية عادية من دون أذرع شبه عسكرية. وعندئذ يصبحون خاضعين لكل القيود التي تأتي مع المشاركة المنتظمة في العمليات السياسية. ومن خلال تشجيع الحوار السياسي، والاستثمار في التعليم والرعاية الاجتماعية، وتدابير مكافحة الفساد، والعدالة في العملية السياسية، يستطيع الغرب أن يساعد في الحد من تعاطف الناس مع الجماعات الوسيطة وتضامنهم معهم، مما يجعلهم زائدين عن الحاجة.

وسيكون لزاماً على الحكومات الغربية أن تميز بين الجماعات الذين يمكن التعامل معها، مثل تلك التي تحكم أرض الصومال وربما "حماس" و"حزب الله"، وبين الآخرين الذين لا يمكن احتواؤهم إلا بالقوة، كتنظيم "القاعدة" وجماعة "عسكر طيبة". ولن يكون هناك مفر لهذه الحكومات من التمييز بين المكونات المختلفة للجماعات هذه، والتعاون بنشاط مع الأجنحة السياسية في وقت تحظر فيه الأنشطة شبه العسكرية، وتكافح التمويل غير القانوني، وتقيد نشاطات الأفراد الذين يشكلون خطراً كبيراً. وسوف تكون هناك مناطق رمادية معقدة، إلا أن التعامل، بما في ذلك الاتصال بين الجماعات وممثلي الغرب، سيكون السبيل الوحيد للتمييز بين من يتمتعون بالمرونة سياسياً والمتشددين الذين لا يقبلون المساومة. إن المحرمات الحالية التي تفرضها بعض الحكومات الغربية على التعامل مع الجماعات التي لا تخضع لسيطرة الدولة لا تؤدي إلا إلى تعزيز أيديولوجيتهم المعادية للغرب وتعاطف الناخبين معهم.

ففي الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في يونيو (حزيران) 2009، أشار الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى دعمه الحوار مع المجتمعات الإسلامية وليس مع حكوماتها فحسب. والواقع أن التعاطي مع الجماعات النافذة هذه يمثل خطوة جيدة في هذا الاتجاه. إلا أنه يجب على الغرب أيضاً أن يطمئن الحكومات التي تعاني صعوبات مع هؤلاء الحركات إلى أن مثل هذا التعاطي مصمم من أجل تعزيز سلطة هذه الحكومات وليس لتقويضها. ولا بد من تشجيع هذه الحكومات على القيام بالإصلاحات السياسية التي من شأنها أن تساعدها على استعادة الأراضي والشرعية من التنظيمات. ومن شأن تحسين الحكم أن يزيل واحدة من أقوى أدوات التجنيد التي تستخدمها الجماعات لاستقطاب المؤيدين. ومن الممكن أن تشمل التدابير الأخرى مضاعفة المساعدات الصحية والتعليمية وزيادة المساعدات الطارئة حيث تدعو الحاجة، كما فعلت الولايات المتحدة في أعقاب زلزال كشمير في عام 2005. ولكي تستفيد الحكومات المستضيفة سياسياً من مساعدات كهذه، لا بد وأن ينظر إليها على أنها هي التي تنشرها.

قد لا تكون الدول الغربية قادرة على فعل كثير لمعالجة التغيرات التي طرأت على صورة الاتصالات ونوعية السلاح والتي كانت في مصلحة الجماعات الوسيطة في السنوات القليلة الماضية. ولقد بذل الغرب سلفاً جهوداً دبلوماسية كبيرة لمنع الدول من استخدام هذه التنظيمات ضد جيرانها. والواقع أن إخضاع هؤلاء الحركات إلى مزيد من التدقيق الدولي يشكل إحدى الطرق التي قد يبذل الغرب قدراً أكبر من الجهود من خلالها [للتعاطي مع المشكلة]. وهذا من شأنه أن يعرض التنظيمات المقصودة إلى تأثيرات خارجية ويجبرهم على تبرير أفعالهم. وقد تقود المساءلة المتعاظمة إلى التقليل من شهيتهم للمغامرة.

ومن المرجح أن يأتي الشكل الأكثر فاعلية من أشكال التدقيق من داخل الدول المستضيفة ومن المواطنين الذين هم قريبون من قاعدة دعم الجماعات الوسيطة، ولكنهم ليسوا جزءاً منها. وهؤلاء الناس هم في أفضل وضع لخوض معركة الرأي والقيم واستعادة الدعم للدولة. ومن الممكن أن تساعد حملة إعلامية موجهة بعناية من جانب الغرب في كشف الحقيقة المؤلمة عن الأعمال الأكثر قتامة التي تقوم بها هذه التنظيمات. وسيكون التآكل المتعمد لأساطير الحركات هذه وبدعة المقاومة أمراً حيوياً لتحقيق النجاح.

إعادة الهيكلة

ينشغل المعلقون وصناع السياسات الغربيون اليوم بزوال الهيمنة الأميركية وتحول القوة نحو آسيا. وإن النفوذ المتزايد للتنظيمات الخارجة عن سيطرة الدولة، وخصوصاً في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وأيضاً في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وخارجه، قد حظي بقدر أقل بكثير من الاهتمام [مما ناله زوال الهيمنة الأميركية]، ولكنه يمثل انتقالاً للقوة يتطلب إعادة تقييم السياسات الدولية. وينبغي على صناع السياسات الغربيين أن يسعوا إلى معالجة المشكلة بصورة منهجية، سواء على المستوى السياسي الاستراتيجي أو القانوني، بدلاً من الاستمرار في تتبع تدابير الاستجابة غير المترابطة على أساس كل حالة على حدة. وسوف يحتاج صناع السياسات إلى مواجهة التعقيدات الاستراتيجية بدلاً من التهرب منها.

وكما اضطرت واشنطن وغيرها من الحكومات الغربية إلى تحديث القانون المحلي في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر، فإن عليها الآن أيضاً أن تشرع في بذل الجهود لتجديد القانون الدولي بحيث يعالج مشكلة المساحات غير الخاضعة للحكم [الخارجة عن سيطرة الحكومات المركزية] والتمييز الذي عفا عليه الزمن بين الحرب والسلام. على الحكومات أن تشجع على تحسين الحكم في الشرق الأوسط وجنوب آسيا حتى تتمكن المجتمعات هناك من التعاطف مع حكوماتها وليس مع الجماعات الوسيطة. إن المشاركة السياسية والمراقبة الدقيقة هما أكثر ما يخشاه عديد من هؤلاء الحركات ومن يدعمهم، بمن في ذلك أولئك الداعمون في طهران. وهذا هو بالضبط ما ينبغي لبقية العالم أن يقدمه.

مايكل كراوفورد، زميل استشاري بارز في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن، خدم الحكومة البريطانية سابقاً في مصر وباكستان والسعودية واليمن.

جامي ميسيك هي رئيسة ونائبة رئيس شركة استشارات دولية "كيسنجر أسوشيتس" ونائبة مدير الاستخبارات السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

مترجم عن "فورين أفيرز"، 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2010

اقرأ المزيد

المزيد من آراء