ملخص
لم يعد يعتمد المغرب في تعاونه الاقتصادي على الشراكة الأوروبية فقط، حيث أسهم في نسج علاقات اقتصادية مع العديد من الدول من بينها الصين، وذلك عبر انضمامه في عام 2017 إلى "مبادرة الحزام والطريق".
أصدرت محكمة العدل الأوروبية يوم الجمعة الماضي، قراراً نهائياً غير قابل للطعن يقضي ببطلان اتفاقيتي الصيد البحري والمواد الزراعية، التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع المغرب في عام 2019، وذلك رداً على طعون تقدمت بها المفوضية الأوروبية على قرار مماثل سابق للمحكمة. وعللت الهيئة القضائية حكمها بأن "موافقة شعب الصحراء الغربية على تنفيذ الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لعام 2019، في هذه الأراضي غير المستقلة، هي شرط لصحة القرارات التي يوافق علها المجلس الأوروبي لمصلحة الاتحاد الأوروبي". وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت قرارات بإلغاء بعض الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب للسبب نفسه.
قرار غير مهم
من جهته، قلل المغرب من أهمية القرار، معتبراً أنه غير معني به، حيث أشارت وزارة الخارجية المغربية في بيان لها أن "المغرب ليس طرفاً في هذه القضية، التي تهم الاتحاد الأوروبي من جهة، و'البوليساريو' المدعومة من الجزائر من جهة أخرى"، مضيفةً أن "المغرب لم يشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة، بالتالي يعتبر نفسه غير معني بتاتاً بهذا القرار". وطالب البيان من المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة من أجل احترام التزاماتها الدولية، والحفاظ على مكتسبات الشراكة، وتمكين الرباط من الضمان القانوني الذي يحق لها التمتع به بطريقة شرعية، وذلك بصفتها شريكاً للاتحاد الأوروبي في العديد من الرهانات الاستراتيجية. وفي هذا السياق، جدد البيان "تأكيد المغرب على موقفه الثابت إزاء عدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية والوطنية".
من جانبه، اعتبر رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح، أن "قرار المحكمة منافٍ للموقف الأوروبي الرسمي (على مستوى الاتحاد الأوروبي) الذي يعترف عملياً بمغربية الصحراء من خلال مختلف الشراكات ذات البعد الاستراتيجي التي تجمعه مع المملكة التي تشمل الأقاليم الجنوبية، وتتعلق بمختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وأيضاً الأمنية والعسكرية"، موضحاً أنه "فضلاً عن ذلك، لا تعترف أي دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالكيان المزعوم (الجمهورية الصحراوية)، بل على العكس من ذلك، تؤيد ثمانية عشر دولة عضو في الاتحاد الاوروبي الموقف المغربي من قضية الصحراء، وتدعم مبادرته المتعلقة بمنح الحكم الذاتي لسكان الصحراء".
من ناحية أخرى، يوضح الناشط الصحراوي أن "محكمة العدل الأوروبية تعد هيئة استشارية، بالتالي فقراراتها غير ملزمة حتى بالنسبة للبلدان الأوروبية"، مضيفاً أن "الولاية القضائية لهذه المحكمة محصورة داخل فضاء الاتحاد الأوروبي، ولا تشمل أي حيز خارج ذلك الفضاء"، مذكراً بأن "المغرب يتصرف، في مجال الاتفاقيات الدولية، من منطلق سيادي على كامل ترابه الإقليمي، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية، وطبعاً هذه السيادة تشمل التصرف في الشأن الاقتصادي، بما في ذلك استغلال الثروات الطبيعية في الأقاليم الجنوبية، شأنها شأن بقية أقاليم البلاد".
انتصار تاريخي
وشكل ضم المغرب لإقليم الصحراء في عام 1975، بدايةً لنزاع طويل مع جبهة البوليساريو التي تدعي أحقيتها بالسيادة على الإقليم، حيث خاض الطرفان منذ ذلك الحين حروباً مسلحة، ومعارك شرسة داخل المنظمات الدولية والقارية.
ورأت الجبهة في قرار محكمة العدل الأوروبية "انتصاراً تاريخياً"، حيث قال زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي إن "أحكام المحكمة تشكل نصراً كبيراً للشعب الصحراوي، لا مثيل له في تاريخ تصفية الاستعمار، وتعزز نضاله من أجل الحرية والاستقلال... وأتت معبرة عن انتصار الشرعية الدولية على سياسة الأمر الواقع"، موضحاً أن "الجبهة هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي". وأضاف أنه "بالإشارة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/37، أيدت الغرفة العليا أحكام المحكمة العامة، وقضت بأن جبهة البوليساريو تمتلك الأهلية القانونية للتقاضي أمام محاكم الاتحاد الأوروبي"، وأنه "من خلال الجبهة، يتمتع الشعب الصحراوي الآن بوسيلة مضمونة للوصول إلى قضاء الاتحاد الأوروبي للطعن في أي قضية تتعلق بالسلامة الترابية للصحراء الغربية واستغلال مواردها الطبيعية، إن هذا الإنجاز الحاسم سيمنع أي تحايل مستقبلي على أحكام القضاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من هو الشعب الصحراوي؟
وبمجرد استقلاله في عام 1956، عمل المغرب جاهداً لإبطال محاولة إسبانيا المساس بإقليم الصحراء عند إنهائها لاحتلالها له في عام 1975، حيث قررت تقسيمه بين المغرب وموريتانيا، بموجب الاتفاق الثلاثي المنعقد في السنة ذاتها.
لكن المغرب، الذي يعتبر الإقليم جزءاً من أراضيه، اضطر في عام 1982 لقبول تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء ضمن إطار خطة أفريقية لوقف إطلاق النار في الإقليم، ومع فشل تلك الخطة عملت الأمم المتحدة في عام 1991 على اعتماد ترتيبات لتنظيم ذلك الاستفتاء، لكن الجهود الأمنية اصطدمت بالخلاف حول تحديد من يحق له المشاركة في الاستفتاء، وما إذا كان سيضم السكان الذين شملهم الإحصاء الإسباني لعام فقط 1974، أم أنه سيشمل 165 ألف نسمة المتحدرين من الإقليم، وبعد تعيين جيمس بيكر مبعوثاً أممياً للصحراء في عام 1997، واجه بدوره تحديات عدة جعلته يخلص إلى استحالة تنظيم الاستفتاء، واقترح خطة تقضي بأن يُمنح الإقليم حكماً شبه ذاتي لمدة أقصاها خمس سنوات، ومن ثم ينظَم استفتاء يخيَّر فيه الصحراويون بين الاندماج مع المغرب أو الاستمرار في ظل الحكم شبه الذاتي، وهو ما لم يتحقق بدوره.
من جانبه، يوضح رئيس "المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الانسان"، محمد سالم عبد الفتاح، أن "مفهوم 'الشعب الصحراوي' يتضمن مغالطة قانونية، بحيث أنه يفترض وجود كيان 'دولتي'، على اعتبار أن الشعب هو أحد العناصر الأساسية للدول، في حين أن الموقف الرسمي لا يعترف بوجود كيان انفصالي في الصحراء"، مضيفاً أنه من جهة أخرى، "لا تحظى الجبهة الانفصالية بأي تفويض قانوني من طرف سكان إقليم الصحراء الغربية الذين ينخرطون في العملية الانتخابية في المملكة، حيث ينتخبون ممثلين قانونيين وشرعيين لهم في الجماعات الترابية والجهوية، كما ينتخبون ممثلين لهم في الهيئة التشريعية المغربية على المستوى الوطني". وأكد الناشط الصحراوي أن "ما يوجد في الصحراء هو قبائل رحل تجمعها علاقات بيعة مع سلاطين الدولة العلوية، ولم يسبق لها أن استقرت، كما لم يسبق أن انتظمت في أي تجمع سياسي موحد، وظلت دائماً مرتبطة بمركز الدولة المغربية من خلال علاقات البيعة عبر شيوخها"، موضحاً أنه "منذ اندلاع هذا النزاع المفتعل لم يسبق أن حظيت الجبهة الانفصالية بأي شكل من أشكال التمثيل القانوني من خلال صناديق الاقتراع، كما لم يسبق لها أن نظمت أي استشارة شعبية، في حين تصادر كل الحقوق المدنية والاقتصادية في مخيمات تندوف التي لا تحتضن سوى أقلية قياساً للكتلة السكانية الموجودة في الأقاليم الجنوبية للمغرب".
تخوف من فقدان شريك مهم
من جهته، يصر الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على شراكته مع المغرب في ظل تنويع المملكة لشراكاتها الاقتصادية. وفي ذلك الاتجاه، قال كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان مشترك "إن الاتحاد الأوروبي يؤكد على الأهمية الكبرى التي يعيرها لشراكته الاستراتيجية مع المغرب، والتي تعتبر شراكة طويلة الأمد وواسعة وعميقة... وننوي أن ندفع (بالتعاون) إلى مستويات أعلى في الأسابيع والشهور المقبلة".
من جانبه، لم يعد يعتمد المغرب في تعاونه الاقتصادي على الشراكة الأوروبية فقط، حيث أسهم في نسج علاقات اقتصادية مع العديد من الدول من بينها الصين، وذلك عبر انضمامه في عام 2017 إلى "مبادرة الحزام والطريق"، التي تضمن دعم العملاق الآسيوي لتطوير المبادلات التجارية والتعاون في دعم البحث العلمي في مجالات من بينها الزراعة والطاقة، إضافة إلى دعم الاستثمار في مجالات الطيران وصناعة السيارات والتكنولوجيا.
وكانت مبادرة "الحزام والطريق" قد حددت مبلغ 153 مليار دولار لدعم البنية التحتية في القارة الأفريقية.
وفي إطار تدعيم شراكته مع روسيا، أصبح المغرب ثاني أكبر شريك عربي لها، وثالث أكبر شريك اقتصادي لها على المستوى الأفريقي، ومن بين أوجه ذلك التعاون توقيع الطرفين اتفاقية للصيد البحري.
ومن ذلك المنطلق وفي ظل وجود خيارات أخرى في مجال الشراكة الاقتصادية، أصبح المغرب يضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل احترام سيادته الترابية، بالتالي من المحتمل أن يؤثر قرار محكمة العدل الأوروبية على العلاقة بين الطرفين.