Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزوح اللبنانيين يدفع العاملات الأجنبيات إلى شوارع بيروت

يفترشن الحدائق ولا مراكز إيواء تجمعهن بعد هرب الأسر من القصف

لا تستقبل مراكز الإيواء العاملات لأن الأولوية للبنانيين (اندبندنت عربية)

ملخص

بين مليون و200 ألف نازح بسبب القصف عاملات أجنبيات أصبحن دون مأوى، ولجأن إلى الشارع بعد أن أقفلت كل الأبواب في وجوههن، أما السفارات فلا خطة واضحة لها حتى اللحظة.

على إثر القصف المتواصل وظروف الحرب الصعبة تخطى عدد النازحين في لبنان مليوناً و200 ألف اضطروا إلى مغادرة قراهم ومنازلهم بحثاً عن أماكن آمنة، وجدها معظمهم في مراكز الإيواء التي خصصت لهم في مختلف المناطق اللبنانية.

وبين النازحين تبرز معاناة العاملين والعاملات الأجانب التي لا تقل صعوبة عن تلك التي تواجه أي نازح آخر، فهؤلاء لم يجدوا أي مأوى لهم واضطروا إلى البحث بأنفسهم عن حلول بما أن مراكز الإيواء تعطي الأولوية للنازحين اللبنانيين، وعندما فرضت ظروف الحرب والقصف على اللبنانيين ترك المنازل والقرى سواء للهجرة أو للانتقال إلى أماكن أخرى أكثر أماناً، تركوا العاملات الأجنبيات في منازلهم.

وكثيرة هي القصص التي تروي معاناتهن بعد أن أصبحن أمام قدر مجهول والقصف يحيط بهن من كل صوب وهن لا يملكن مصدر رزق وأي دعم مادي أو سند، فكان الحل الوحيد أمام العشرات من العاملات الأجنبيات أن يفترشن الطريق بانتظار أن يهدأ القصف للحصول على أي نوع من المساعدة.

معاناة في الشوارع

في وسط بيروت، افترش عشرات العاملين الأجانب الأرض في إحدى الحدائق بعد أن أقفلت الأبواب كلها في وجوههم. إذ أرغم القصف العاملات على ترك منازلهن كما أرغم الأسر التي كان قسم منهن يعمل لديها على التخلي عنهن في المنازل أو في الطرقات، وانتقلن من مركز إيواء إلى آخر لعل أياً من هذه المراكز يستقبلهم لكن دون جدوى، فكان الجواب نفسه في كل مرة بأن المركز لا يستقبل أجانب بل الأولوية للنازحين اللبنانيين.

هذا ما تنقله أماني عن معاناتها في رحلة النزوح التي قامت بها مع والدتها بعد أن غادرتا بلدة جويا الجنوبية، إذ تعمل والدتها لدى إحدى الأسر مقابل أجر شهري، إلا أن الأسرة هاجرت من دون سابق إنذار ومن دون إعلامهما حتى، لذلك بقيتا من دون مصدر رزق وفرض عليهما القصف المتواصل على البلدة النزوح والتنقل من مركز إيواء إلى آخر من دون جدوى ومن دون أن تجدا مكاناً للإقامة، هذا، إلى أن وصلتا إلى وسط بيروت بعد التواصل مع صديقات لهما، وهما كباقي العاملات في إحدى الحدائق حيث افترش الكل الأرض وسط ظروف غاية في الصعوبة.

وتؤكد أماني أنها لن تتمكن ووالدتها من المكوث في المكان عينه، فبالنسبة إلى خريجة الجامعة لا يمكن الاستمرار بهذه الظروف الصعبة، ويبدو التعرض لخطر القصف أخف وطأة من الذل الذي تعيشانه والمعاناة، لذلك، وتنتظران أقرب فرصة للمغادرة والعودة إلى بلدة جويا، ولو استمر القصف فيها فيبدو هذا أسهل لهما من المكوث في هذه الظروف.

أما روز من الجنسية السريلانكية التي تعمل في لبنان منذ 12 عاماً، فكانت تقطن مع زوجها وطفليها في الضاحية الجنوبية حيث تعمل في خدمة تنظيف المنازل قبل أن يرغمها القصف على الهرب من نحو 10 أيام، وتحديداً خلال اليوم الذي اغتيل به الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله.

 

 

حاولت العائلة التوجه إلى مراكز عديدة من دون جدوى ووجد أفرادها أنفسهم في الطريق من دون نقود ويفتقدون إلى الحاجات الأساس، بما أنهم غادروا منزلهم سريعاً من دون أن يتسنى لهم جمع أغراضهم، وتنوي العائلة الانتظار حتى يهدأ القصف للعودة إلى المنزل الذي لم يتضرر في القصف، فالظروف التي هم موجودون فيها حالياً داخل إحدى الحدائق في غاية الصعوبة، والأصعب أنهم مقبلون على الشتاء إذ يمكن أن تزيد الأمور صعوبة من دون سقف تحتمي تحته العائلة.

ولا تنكر روز أن الوجود داخل المنزل في الضاحية كان مرعباً أثناء القصف العنيف والمتواصل على المنطقة، وأن الانتقال لاستئجار منزل داخل منطقة أخرى كان في غاية الصعوبة بما أنهم لا يملكون المال، ويأملون أن تتأمن المساعدة لهم بأسرع وقت ممكن ليتخطوا هذه المحنة.

أيضاً كانت وينشات الإثيوبية الجنسية التي تعيش في لبنان منذ 17 عاماً تسكن في منزل على طريق المطار وتعمل في خدمة تنظيف المنازل، وتركت منزلها بعد أن اشتد القصف ولا تعرف مصيرها خلال الفترة المقبلة، ولأن طفلها يخاف كثيراً ولها بيت قديم كانت تخشى أن يسقط في القصف، هربت من دون أن تأخذ نقوداً أو أغراضاً.

وعندما هربت مع طفلها لم تفكر إلا بأن تجد مكاناً آمناً، ونصحتها صديقاتها بالتوجه إلى وسط بيروت حيث اجتمع الكل بانتظار أن تتضح الأمور ويهدأ القصف، وبما أنه لا خيار آخر أمامها فهي تتمنى أن تنتهي الحرب لتعود إلى منزلها لأنه لا مكان آخر تذهب إليه ولا مال لديها.

وحالياً، تكتفي بالاعتماد على ما تقدمه بعض الجمعيات من مواد غذائية، علماً أنها كانت تعمل لدى إحدى السيدات في تنظيف منزلها مرات عدة في الأسبوع قبل أن يشتد القصف، وقد غادرت السيدة منزلها من دون أن تخبرها فوجدت نفسها من دون مصدر رزق لها ولطفلها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت نور تعيش أيضاً في الضاحية وغادرتها منذ أكثر من أسبوع، ولم تجد مكاناً تقصده إلا الشارع في وسط بيروت بعد أن نزحت السيدة التي كانت تعمل لديها، كما فعلت الأسر كافة في المنطقة وتركت العاملات لمصيرهن المجهول.

ومن شدة الخوف تركت نور المنزل مباشرة في الضاحية الجنوبية للعاصمة وتوجهت إلى مراكز إيواء عدة رفضت استقبالها، وما يتأمن لها ولكل رفيقاتها حالياً هو المواد الغذائية فحسب من جمعيات تأتي لتساعد كل من يوجد في المكان، إلا أنه لا نقود لديها لتتمكن من تدبير أمورها، وهي تنتظر في العراء حيث تنام حتى تجد مصدر رزق وتعود إلى منزلها عندما يتوقف القصف.

لا خطة واضحة للسفارات

وتكثر حالات العاملات المنزليات اللواتي رحل كفلاؤهن وتركوهن لمصير مجهول. وبحسب رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة لقسم مناهضة الاتجار بالبشر في منظمة "كفى" المحامية موهانا إسحق وصلت عاملات كثيرات يجهلن إلى أين يذهبن، كما سمع القيمون على المنظمة عن حالات كثيرة هاجر فيها الكفلاء أو غادروا الجنوب وتركوا وراءهم العاملات لديهن، و"وهؤلاء العاملات توزعن على الطرقات في مناطق عدة داخل لبنان بانتظار أن تنجلي الأمور لأنه لا تتوافر لهن مراكز إيواء، علماً أنه للمنظمة مركز إيواء لكن لا قدرة استيعابية لهذا العدد الكبير من العاملات اللاتي لا مأوى لهن، إضافة إلى اللاتي يعملن بتعاقد حر وهربن من المناطق التي تتعرض للقصف".

ولا مراكز إيواء رسمية لكل العاملات، خصوصاً أن مراكز الإيواء التي فتحتها الدولة للنازحين تعطي الأولوية للبنانيين، وفق ما أشارت عاملات أجنبيات حاولن التوجه إلى مراكز إيواء ولم يتم استقبالهن، ومنهن مجموعة حُولت إلى مركز إيواء في طرابلس ولم يستقبلهن أيضاً.

ويبدو اليوم الوضع أسوأ بما أن معظم مراكز الإيواء تخطت قدرتها الاستيعابية خصوصاً في المناطق القريبة من بيروت، مما يفرض توجههن إلى مراكز خارج بيروت لا يتم أيضاً استقبالهن فيها، مما يولد أزمة كبيرة لأنه لا يمكن لأحد أن يستقبل هذه الأعداد الكبيرة من العاملات، ومنهن من تركن منازلهن مع عائلاتهن وأصبحن في الشوارع على أبواب فصل الشتاء.

ولا يستوعب مركز الإيواء في المنظمة إلا عدداً محدوداً جداً من العاملات، ولا يمكن استقبال مزيد بعد حضور مجموعة عانت ظروف النزوح، ومنهن حالات تركهن الكفيل على الطريق، وقد أتى اتصال طلباً للمساعدة، ومنهن من أعطت العائلة لهن مالاً طالبة منهن تدبر أمورهن بمفردهن، حتى إن بعض العائلات تركت عاملات لديهن محتجزات في المنازل بعد المغادرة، وكان من الممكن أن تتواصل عاملات في وضع مماثل مع "كفى" طلباً للمساعدة.

 

 

ومن العاملات من اتصل كفلاؤهن قبل النزوح أو الهجرة لطلب المساعدة من أجل العاملات لديهم لأنهم لن يصطحبوهم معهم، ومعظم العاملات الموجودات في الطرقات اليوم هن من اللواتي لا كفلاء لهن ولم يعد لهن مصدر رزق وتركن منازلهن بسبب القصف المتواصل. وحالياً هناك مبادرات فردية أو جمعيات تتبرع لتأمين مأوى لهن بصورة عفوية وغير منظمة بعد أن تركن لمصير مجهول.

في مثل هذه الحالات، تتوجه الأنظار نحو سفارات العاملات باعتبارها المعنية أولاً بتولي أمور العاملات الأجنبيات وتقديم الرعاية اللازمة لهن، لكن حتى اللحظة لم تكن هناك استجابة فاعلة تجاه الأزمة، ولم تضع السفارات والقنصليات حتى الآن خطة واضحة لمساعدتهن بصورة فاعلة، وفق ما توضحه إسحق، علماً أنه لدى بعض السفارات مراكز إيواء لكن لم تتقدم مساعدة جدية ولم يتم إيواء عاملات بأعداد كبيرة فيها، لذلك، تتركز المساعي حالياً على تشجيع السفارات للقيام بدورها بما أن لها الدور الأساس في هذه الأزمة، في ظل شح قدرات الدولة اللبنانية وعدم استطاعتها الاستجابة لكل هذه الحاجات.

وتشدد إسحاق على أهمية تحرك السفارات بفاعلية وسرعة استجابة لهذه الأزمة، أما ترحيل العاملات فغير ممكن حالياً، لكن من الممكن أن تقدم "كفى" الدعم لقسم منهن للسفر على قدر الإمكانات المتاحة، فيما على السفارات أن تلعب دورها في عملية إجلاء سريعة حتى لا يستمر هذا الوضع المأسوي الذي هن فيه دون مأوى وبخاصة مع قدوم فصل الشتاء، إلا أن كثيرات ممن هن موجودات في الشارع الآن لا يرغبن في السفر، بل ينتظرن إلى أن يهدأ الوضع لمتابعة العمل في لبنان.

وتشير إسحاق إلى أن النزوح حصل بصورة لم يكن أحد حاضراً لها وفي ظل قدرات محدودة جداً، لذلك على السفارات التي لها قدرات كبرى أن تقوم بواجباتها وأيضاً المنظمات الدولية، وإلا فنحن ننتظر كارثة خصوصاً مع قدوم فصل الشتاء والأمراض التي يمكن أن تنتشر بمعدلات كبرى في حال عدم الاستجابة السريعة على المستويات كافة، وستكون هناك كوارث صحية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير