ملخص
بلغ التوتر بين تل أبيب والأمم المتحدة حد إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش شخص غير مرغوب فيه داخل إسرائيل، مما يعني منعه دخول البلاد.
في عام 1996 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد التجديد لولاية ثانية للأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي، ليصبح الدبلوماسي المصري الأمين العام الوحيد آنذاك للهيئة الأممية الذي لم يُنتخب لولاية ثانية في المنصب.
وكان القرار الأميركي مدفوعاً بالغضب من "تقرير قانا" الذي أعده غالي حول جرائم إسرائيل خلال "مجزرة قانا" جنوب لبنان في أبريل (نيسان) 1996 عقب المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 106 أشخاص خلال قصف إسرائيلي على البلدة، فأجرت الأمم المتحدة تحقيقاً رسمياً انتهى إلى إدانة إسرائيل، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تل أبيب انتهكت القوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين خلال الحرب، مما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون على حد سواء.
ولم يكن الغضب في شأن "تقرير قانا" السبب الوحيد في الإطاحة بغالي، فثمة علاقة متوترة جمعت بين الدبلوماسي المصري وإدارة كلينتون حول عمليات حفظ السلام في الصومال وراوندا والحرب الأهلية البوسنية، وبعد رحيله من الأمم المتحدة نشر غالي كتابه الشهير "خمس سنوات في بيت من زجاج" وفيه يروي تجربته داخل المنظمة الأممية.
ممنوع من دخول إسرائيل
واليوم يتكرر النزاع مع الأمين العام للأمم المتحدة الحالي الذي يرفض جرائم إسرائيل في قطاع غزة، إذ بلغ التوتر بين الإسرائيليين وأنطونيو غوتيريش حد إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي أن غوتيريش شخص غير مرغوب فيه داخل إسرائيل، مما يعني منعه من دخول البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي رداً على عدم إدانة غوتيريش الهجوم الصاروخي الإيراني على تل أبيب الأسبوع الماضي، ومع ذلك فإن الأمر يتعلق بتوتر مشتعل بين الطرفين واتهامات للأمين العام للأمم المتحدة بالتحيز منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فكانت أولى الانتقادات التي وجهت إلى غوتيريش عندما دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة إلى استقالة الأمين العام للأمم المتحدة بعد أن قال إن هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 الذي قُتل فيه 1400 شخص "لم يحدث في فراغ".
وقال غوتيريش، وفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الـ 23 من أكتوبر 2024، بعد أن أعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل أكثر من 700 فلسطيني خلال 24 ساعة من الغارات الجوية الإسرائيلية: "لقد تعرض الشعب الفلسطيني لـ 56 عاماً من الاحتلال الخانق، لكن مظالم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تبرر الهجمات المروعة التي تشنها 'حماس' وتلك الهجمات المروعة لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني".
وبعد التصريح نشر سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردن عبر حسابه على منصة "أكس" واصفاً خطاب غوتيريش بأنه "صادم"، وأضاف أن "الأمين العام منفصل تماماً عن الواقع في منطقتنا، ولا مبرر ولا جدوى من الحديث مع أولئك الذين يظهرون التعاطف مع أفظع الفظائع التي ارتكبت ضد مواطني إسرائيل والشعب اليهودي"، كما أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين آنذاك أنه "لن يلتقي غوتيريش بعد الآن".
نتنياهو لا يرد على اتصالات غوتيريش
وفي مقابلة مع وكالة "رويترز" في سبتمبر (أيلول) الماضي، كشف غوتيريش أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض تلقي مكالماته الهاتفية منذ هجوم السابع من أكتوبر2023، وقال الأمين العام "لم أتحدث مع نتنياهو لأنه لا يرد على مكالماتي الهاتفية، لكن لا سبب لدي لعدم التحدث إليه، ولذا إذا جاء إلى نيويورك وطلب مقابلتي فسأكون سعيداً جداً بمقابلته".
وعلى رغم أن نتنياهو ذهب بالفعل إلى نيويورك وقدم خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدها بأيام قليلة، لكنه لم يلتق غوتيريش.
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي
وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في غزة في وقت سابق من العام، قال غوتيريش إن "الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تهدد الشرق الأوسط"، مؤكداً التزامه بقرار الجمعية العامة لـ "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي"، على حد تعبيره.
وفي مارس (آذار) الماضي انتقد كاتس غوتيريش وكتب عبر منصة "إكس"، "تحت قيادته أصبحت الأمم المتحدة هيئة معادية للسامية ومعادية لإسرائيل تؤوي الإرهاب وتشجعه"، وذلك تعليقاً على إدانات الأمم المتحدة العنف الإسرائيلي داخل قطاع غزة، فيما قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه إن "الضربات الإسرائيلية تثير قلقاً عميقاً إزاء عدم التزامها بالقانون الدولي، وإن تبين أنها لم تكن متناسبة فقد تمثل جرائم حرب".
وشنت الصحافة الإسرائيلية حملتها ضد غوتيريش، وقالت إنه لم يكن قط يحب إسرائيل، ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً في الـ 27 من أكتوبر 2023 يقول "إن الأشخاص الذين يعرفون غوتيريش منذ أعوام يقولون إن موقفه ينعكس أيضاً خلال الاجتماعات المغلقة التي يعقدها، فهو لا يُظهر أي تعاطف مع إسرائيل، لكن بيانه الأخير في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صدم حتى أولئك الذين يعرفونه جيداً بالفعل". وكتب الكاتب الإسرائيلي إتمار إشمر يقول إن السياسي البرتغالي ينتمي إلى "اليسار الأوروبي" باعتباره زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي في البرتغال ورئيس المنظمة الاشتراكية الدولية، وأنه لا يحب القيادة الإسرائيلية الحالية، وكان دائماً يفضل الفلسطينيين على إسرائيل ويعتبرهم الطرف الأضعف وإسرائيل قوة احتلال.
الفترة الثانية والأخيرة
ويعتبر الإسرائيليون أن المشكلة تنبع من حقيقة أن هذه هي الفترة الثانية والأخيرة لغوتيريش على رأس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي يشعر بحرية أكثر خلال التعبير عن توجهاته، فهو لا يدين بأي شيء لأحد وليس لديه ما يخسره، وفي سن الـ 74 أكمل غوتيريش مسيرته السياسية بالفعل، ولا يحتاج إلى موازنة تصريحاته لكسب دعم أميركا أو أي طرف آخر.
وكان تورط بعض موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في هجمات السابع من أكتوبر 2023 عاملاً في مزيد من التوتر بين إسرائيل والهيئة الأممية، وقد مرر الكنيست الإسرائيلي الأحد الماضي مشروع قانون يحظر أنشطة "أونروا" في إسرائيل، وينص على "مصادرة جميع أموال وممتلكات وعقارات 'أونروا' في إسرائيل والضفة والقطاع، وتحويل الأموال لصندوق تعويض المتضررين جراء الاعتداءات الإرهابية".
وكتب الأمين العام للأمم المتحدة إلى نتنياهو الأحد الماضي في رسالة عاجلة يناشده عدم التصديق على مشروع القانون، معرباً عن قلقه العميق إزاء التشريع، ومحذراً من أنه في حال إقراره فلن تتمكن "أونروا" من مواصلة عملها، وستحتاج بعد ذلك إلى إثارة القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.