Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الناخب الأميركي المتدين في خطاب ترمب وعقل هاريس

يعتقد البعض أن الواحد في المئة المسلمين سيصوتون لهاريس أو أي مرشح ديمقراطي لكن واقع الحال يشير إلى تأرجح كبير

ترمب متوسطاً حلقة صلاة مع زعماء دينيين خلال فعالية حملة "إنجيليون من أجل ترمب" في 3 يناير 2020 في ميامي بولاية فلوريدا (أ ف ب)

ملخص

على رغم أن الدين لا يتبوأ مكانة صريحة على قائمة الموضوعات مثار الشد والجذب في الحملات الانتخابية لهاريس وترمب فإن مواقفهما وثيقة الصلة بالدين، وكلاهما يلعب على أوتار الناخبين "المتدينين".

لن يرفع المرشح الجمهوري دونالد ترمب شعار "المسيحية هي الحل" أو "الرب غايتنا ويسوع قدوتنا والإنجيل دستورنا، والوصول إلى البيت الأبيض أسمى أمانينا". كما لا يتوقع أن تصيح كامالا هاريس في ما تبقى من حملات انتخابية "المسيحية والهندوسية واليهودية يد واحدة". وغالب الظن أن الناخب الأميركي لن يبحث عن عدد المرات التي يتردد فيها هذا المرشح على دور العبادة، أو مقدار القرب أو البعد لتلك المرشحة من الكتب المقدسة والطقوس المنصوص عليها في الكتب المقدسة. وعلى رغم ذلك يدق الدين باب الانتخابات الرئاسية الأميركية، أو ربما تدق الانتخابات بابه.

الدين والحزب

كلا المرشحين ينتهج ويتعامل ويبني قاعدته الانتخابية في ضوء حفنة من القضايا والملفات التي لا تؤثر فقط في رأي الناخب وتوجهاته ومن ثم اختياراته، بل يختار على أساسها لأي من الحزبين الأميركيين الرئيسين ينتمي، ولأي من مرشحيهما يصوت. وتبقى هناك كتلة لم تحسم أمرها بعد، إما تكون صورة عن المرشح الأفضل لها خلال أشهر الحملات، أو خلال الأيام القليلة السابقة للتصويت.

الاقتصاد والرعاية الصحية وتعيينات القضاة في المحكمة العليا والجريمة والأسلحة والإجهاض والمساواة، والعنصرية والتعليم والهجرة هي قضايا الانتخابات الأميركية المقبلة، وكل انتخابات. وعلى رغم أن الدين لا يتبوأ مكانة على قائمة الموضوعات والملفات مثار الشد والجذب وموضوع الملفات ومحور الاختيارات، فإنه حاضر وبقوة.

موقف كل من المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس من الدين، والدور الذي يجب أو لا يجب أن يلعبه في إدارة البلاد، وأثر هذه المواقف على الناخبين على اختلاف توجهاتهم الدينية تفرض نفسها بصورة واضحة هذه المرة.

النمط التقليدي للتصويت في الانتخابات الأميركية يشير إلى أن الناخب الأقل تديناً والأكثر تمسكاً بعدم الزج بالدين في السياسة وإدارة شؤون الدولة يختار المرشح الديمقراطي، والعكس صحيح جمهورياً.

ويمنع التعديل الأول للدستور الأميركي الحكومة من "ترسيخ دين بعينه"، أي إنه لا يحق لأية حكومة أميركية أن تعزز أي دين أو تقره أو تحظره. والاعتقاد العام أن أميركا دولة علمانية من ألفها إلى يائها، إذ لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وحرية الاعتقاد وعدمه مكفولتان. لكن الواقع يشير إلى أن العلمانية المعلنة غارقة في الدين والتدين، وأن الانتخابات الرئاسية على رغم عدم تطرقها إلى الدين والأديان بصورة مباشرة وعبر البرامج وفي المناظرات والوعود الانتخابية، فإنها لا تخلو من مكون ديني يشعر به الجميع ويؤثر في مجرى الانتخابات، لكن لا يكون محل نقاش أو نزاع أو اتفاق في التحضير للانتخابات.

الفصل بين الدين وأميركا

هذا الوضع الملتبس للدين في المشهد السياسي الأميركي يتجلى بصورة واضحة مرة كل أربعة أعوام، وذلك عبر الحضور الخافت لكن اللافت للدين في الانتخابات الرئاسية. ويكفي هذا الكم المذهل من استطلاعات وقياسات الرأي والدراسات والكتب التي تقيس وتحلل دور الدين في السياسة الأميركية، فيخرج بعضها مؤكداً بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداداً متزايدة من الأميركيين يميلون إلى التدين، ويحبذون إدماج قيم الدين في السياسة والحياة العامة، في حين يخرج البعض الآخر ليعلن أن موجات البعد من الدين ونبذ التدين في ارتفاع مستمر، ومعها الدعوة إلى الفصل التام بين الدين وأميركا.
"قياس الفجوة الإلهية بين الدين والسياسية في الانتخابات الأميركية" و"استراتيجية الله في اختيار الرئيس" و"كيف أصبح الدين سلاحاً سياسياً في أميركا؟"، و"أثر الإيمان في نتائج الانتخابات" و"أثر البعد من الدين في اختيار الرئيس" وقائمة العناوين التي تبحث في جدلية العلاقة بين الرئيس واختياره والدين وآثاره طويلة، وتصل أقصاها هذه الآونة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي.
وعلى رغم التحول الكبير الذي يشهده المجتمع الأميركي ويبدو بالعين المجردة "ابتعاداً من الدين المنظم"، فإن الخطاب الديني يشهد تكثيفاً في الساحة السياسية التي اقتربت من نقطة اختيار الرئيس المقبل. مزيج الدين والسياسة حاضر.


دور الدين يتقلص

الغالبية المطلقة من الأميركيين البالغين يرون أن دور الدين يتقلص في المجتمع وهي النسبة الأعلى في تاريخ هذه الاستطلاعات، بحسب مؤسسة "بيو" لقياسات الرأي العام (2024). وغالب من قالوا إن تأثير الدين آخذ في التقلص ليسوا سعداء بذلك. وفي الوقت نفسه قال ثمانية في المئة إن تأثير الدين يزيد وإن هذا أمر جيد.
نحو 57 في المئة من الأميركيين البالغين يعدون تأثير الدين في الحياة العامة أمراً جيداً. ويرى نصف المواطنين تقريباً أنه من المهم "جداً" أو "إلى حد ما" أن يكون لديهم رئيس لديه معتقدات دينية قوية، حتى لو كانت تلك المعتقدات مختلفة عن معتقداتهم، لكن عدداً قليلاً نسبياً ينظر إلى أي من المرشحين الرئاسيين الرئيسين على أنه متدين للغاية.
المتدينون للغاية لن يصوتوا على الأرجح إلا لمرشح الحزب الجمهوري، ويتصادف أنه الرئيس السابق دونالد ترمب. وتاريخياً، يشكل الناخبون المتدينون وبخاصة المسيحيين، كتلة تصويت رئيسة في الحزب الجمهوري.

التدين الجمهوري

المتخصص في علم الاجتماع في جامعة ميشيغان الأميركية فرانك نيو بورت يقول إن "واقع الحال في أميركا يشير إلى أنه كلما كان الفرد أكثر تديناً، زادت احتمالات ميله إلى الحزب الجمهوري، والعكس صحيح، إذ كلما كان الناخب أقل تديناً مال صوب الحزب الديمقراطي". ويقول نيو بورت في مقال عنوانه "سياسة الدين" (2023) إن "الهوية السياسية للأميركيين تشكل ارتباطاً قوياً بمجموعة كبيرة من المواقف والسلوكات، وبخاصة في ما يختص بالقضايا السياسية والاجتماعية الساخنة. وهذه الهوية السياسية وثيقة الصلة بالموقف من الاقتصاد الوطني ومؤسسات الأمة ومشكلاتها والسعادة وغيرها. لذلك، ليس مستغرباً أن تكون الهوية السياسية مرتبطة بالدين أيضاً".

ويرصد نيو بورت صعود ظاهرة الأشخاص الذين يعرفون توجهاتهم الدينية بـ"لا يوجد" أو None بصورة واضحة وكبيرة خلال العقود القليلة الماضية، وكيف أن غالب هؤلاء يميلون إلى الحزب الديمقراطي في اختياراتهم السياسية، حتى أصبح البعض يلقبه بـ"حزب اللا يوجد".

وبلغة الأرقام فإن 56 في المئة من الجمهوريين أو المتعاطفين مع الحزب أو مرشحه بروتستانت، مقابل 38 في المئة من الديمقراطيين. و11 في المئة من الجمهوريين "لا توجد" لهم انتماءات دينية، في مقابل 26 في المئة بين الديمقراطيين. أما الكاثوليك فنسبتهم متساوية تقريباً في الحزبين بـ25 في المئة داخل الحزب الجمهوري و23 في المئة بالحزب الديمقراطي.

الانتماء الديني والميل السياسي

ويطرح المتخصص في علم الاجتماع نيو بورت تفسيرات عدة لشرح العلاقة "الغريبة" بين الانتماء الديني والميل السياسي، لكن أغربها تشير إلى احتمال أن تكون الهوية السياسية هي التي توجه الهوية الدينية لبعض الأميركيين، وليس العكس. بمعنى آخر، يطرح نيو بورت احتمالية أن يكون بعض الديمقراطيين ابتعدوا من الدين كرد فعل مناهض للربط بين الدين وسياسة الحزب الجمهوري والميل إلى المحافظة، أي إن ظاهرة "لا يوجد" الدينية يمكن اعتبارها معارضة رمزية مناهضة لليمين.

ويشار إلى أن المستشارة الروحية لترمب القسيسة باولا وايت كاين وهي إحدى أشهر المبشرين التلفزيونيين الإنجيليين قالت في عظة مذاعة على شاشات التلفزيون خلال عام 2020 "حين تقول لا للرئيس ترمب، فكأنك قلت لا لله"!
وايت كاين كانت أول امرأة تتلو الصلاة في مراسم تنصيب الرئيس الأميركي خلال عام 2017. وهي صاحبة القول الشهير "حين أطأ أرض البيت الأبيض، فإن الله يطأ أرض البيت الأبيض. لدي كامل الحق والسلطة لأعلن البيت الأبيض أرضاً مقدسة لأنني كنت أقف هناك، وكل مكان أقف فيه هو مكان مقدس". ووقع اختيار ترمب عليها خلال عام 2020 قبل خروجه من البيت الأبيض بأشهر قليلة لترأس "مبادرة البيت الأبيض للإيمان والفرص".

ماذا يقول الله؟

وخلال يونيو (حزيران) الماضي قالت وايت كاين أمام تجمع ديني في واشنطن إن ترمب حين بدأ يفكر في خوض مضمار السياسة عام 2011 طلب مقابلتها، وأخبرها أنه لا تعجبه الطريقة التي تسير فيها البلاد وأنه يفكر في الترشح للرئاسة، فأخبرته برأيها، ثم استدار وقال لها "حسناً، وماذا يقول الله؟"، وقالت وايت كاين إنها صلت مع العشرات من الأصدقاء قبل أن تقدم له الإجابة "سيدي، ستصبح رئيساً يوماً ما، ولكن هذا لن يأتي من دون ثمن باهظ"، وهو الثمن الذي قالت في التجمع إن ترمب وعائلته وكثراً من الأميركيين دفعوه.
وفي هذه الانتخابات ما زال ترمب يقدم نفسه أو يتم تقديمه أو يحب "متدينون" اعتباره "حامي حمى المسيحية". وبحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس تقول أستاذة الدين والسياسة في جامعة واشنطن في سانت لويس ماري غريفيث إنه يسود اعتقاد بين البعض بأن هناك ثقافة إنجيلية بيضاء "تعتني بأبنائها" لكنها ترى أن "الغرباء الليبراليين أشرار". وتقول غريفيت إن القادة الإنجيليين يدفعون بفكرة أن ترمب "هو رجل الله، ولا يمكننا ولا يجب أن نسأل لماذا؟ ولا يهم إذا كان أخلاقياً أو متديناً، أو حتى إذا كان يكذب بصورة قهرية. المهم هو إعادة انتخابه من أجل الصالح العام".


ترمب هو الحل

وعلى غرار شعارات جماعات الدين السياسي، ومنها مثلاً "الإخوان المسلمين" إذ "الإسلام هو الحل"، هناك من يروج "دينياً" لفكرة أن "ترمب هو الحل"، وبخاصة أن "الله تدخل أثناء محاولة اغتياله لأن أميركا أمة في ظل الله، ولأن بلدنا أفضل بفضله (ترمب)"، بحسب ما قالت حاكمة ولاية أركنسو سارة هاكابي ساندرز المسيحية المحافظة والمتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض، قبل أيام.
ويشار إلى أن ولاية أركنسو ضمن "الحزام الإنجيلي" وهو المسمى الذي يطلق على ولايات تقع في جنوب أميركا وتشمل كارولاينا الشمالية والجنوبية وجورجيا وألاباما ولويزيانا ومسيسيبي وتينيسي وكنتاكي، وأركنسو وميسوري وكانساس وأوكلاهوما وتكساس. ويرتبط التصويت فيها بصورة كبيرة بالدين والتوجهات الدينية.

المسيحيون وحرب غزة

من جهة أخرى، قال تسعة من كل 10 أميركيين شملهم استطلاع للرأي أجرته "لايف واي" للبحوث (التابعة لمجمع كنائسي مسيحي)، إنهم يتابعون الحرب بين "حماس" وإسرائيل، وثلثا المسيحيين الذين يداومون على الذهاب إلى الكنيسة قالوا إنهم يصلون من أجل السلام في إسرائيل.
وعلى رغم أن الغالبية من المسيحيين الأميركيين تعتقد أن السلام الدائم يجب أن يتحقق عبر اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن الغالبية قالت أيضاً إنها تؤيد العمل العسكري الذي تقوم به إسرائيل ضد "حماس".
ومعروف أن الإنجيليين الأميركيين دعموا بصورة كبيرة "دفاع" إسرائيل عن نفسها في أعقاب عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ويشير استطلاع للرأي أجرته "لايف واي" خلال عام 2017 إلى أن 80 في المئة من الإنجيليين يؤمنون بأن إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 هو تحقيق لنبوءة الكتاب المقدس.
ولكن يظل الرأي العام الأميركي منقسماً حول مجريات حرب إسرائيل في غزة، وأخيراً في لبنان.

انتخبوني وإلا ستمحى إسرائيل

وقبل أيام، قال ترمب أمام جمهور من اليهود في نيويورك إن "إسرائيل ستمحى من على وجه الأرض" إذا لم يفز في الانتخابات. الفعالية التي انعقدت تحت عنوان "محاربة معاداة السامية" دقت على أوتار اليهود والمسلمين والاضطهاد وفلسطين وغزة و"حماس"، وجميعها يؤثر سلباً أو إيجاباً في أصوات الناخبين اليهود والمسلمين، خصوصاً بعد أن تلونت القضية الفلسطينية في موجة العنف الحالية باللون الديني على اعتبار أنها "يهود في مواجهة مسلمين"، وليس محتلاً في مواجهة واقعين تحت الاحتلال.
ووصل الأمر بترمب إلى درجة المقارنة بين ما عده "اضطهاداً" يعانيه، والاضطهاد الذي يقول إن إسرائيل واليهود يعانونه. ولم يفته بالطبع أن يضرب عصفوري استعادة تأييد الناخب اليهودي ومهاجمة غريمته هاريس بحجر واحد، وهو "حماس". ودعا ترمب هاريس إلى "التنصل من دعم كل المتعاطفين مع ’حماس‘ والمعادين للسامية وكارهي إسرائيل في الجامعات وفي كل مكان".

تهمة التعاطف مع "حماس"

وصوب ترمب سهام "الاتهام" بالتعاطف مع "حماس" إلى زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (وهو يهودي). وقال ترمب "لا أعرف ماذا حدث له بحق الجحيم. إذا دعمته فأنت مجنون". وكان ترمب قال إن "أي يهودي يصوت للحزب الديمقراطي يحتاج إلى فحص رأسه".
وكشفت نتائج استطلاع رأي أجراه "المجلس الديمقراطي اليهودي الأميركي" قبل أيام أن 91 في المئة تقريباً من الناخبين اليهود في أميركا يشعرون بالقلق جراء تنامي معاداة السامية في أميركا، وأنهم بصورة عامة يثقون بهاريس أكثر من ترمب في القدرة على مواجهة هذا العداء.


وراثة الدعم اليهودي

وأشارت مجلة "نيوزويك" (سبتمبر/أيلول 2024) إلى أن هاريس لم تكتف بوراثة الدعم اليهودي من الرئيس الحالي جو بايدن، بل وسعت قاعدته بصورة ملحوظة منذ أصبحت المرشحة الديمقراطية.
الغريب أنه على رغم تكرار طرح قضايا مثل الحرب في غزة ومعاداة السامية في الحملات الانتخابية لكل من ترمب وهاريس، وعلى رغم تأكيد 75 في المئة من الناخبين اليهود مشاعرهم القوية تجاه إسرائيل، فإن ما يتعلق بإسرائيل من قضايا جاءت في المرتبة التاسعة ضمن قائمة الـ11 قضية الأكثر أهمية في تشكيل توجهاتهم التصويتية. وكان ترمب قال علناً إن هاريس "كانت سيئة للغاية في ما يتعلق بإسرائيل. وكانت سيئة وقليلة الاحترام تجاه الشعب اليهودي".

تدين هاريس

هاريس التي يصفها الإعلام الأميركي بـ"معمدانية متأثرة بمارتن لوثر كينغ جونيور، والتقاليد الدينية المتصلة بالهندوسية، ديانة والدتها، وكذلك "الكنيسة السوداء" إلى حد ما، ناهيك بكون زوجها يهودياً"، لا تهدف إلى دغدغة أصوات "المتدينين" بالضرورة، لكنها اتصلت برجل الدين (القس) عاموس سي براون الذي تتواصل معه وذلك طلباً للصلاة ما إن انسحب بايدن من سباق الرئاسة. كنيسة هاريس -وغالب المترددين عليها من السود وهي سمة الكنائس السوداء- يترأسها براون المعروف بتبنيه قضايا العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية خصوصاً. وربما يكون اسمه وأيديولوجيته عاملاً محفزاً في جذب نوعية معينة من الناخبين.
عامل مساعد في جذب أصوات ضمن عوامل أخرى يختلف تماماً عن المحرك الرئيس في تشكيل قاعدة أصوات. ويبدو أن زمن الفوز في الانتخابات بفضل أصوات السود "المتدينين" انتهى، هكذا يرجح مقال أستاذ تاريخ الدين الأميركي والسياسة في جامعة آشلاند في أوهايو "دانيال كي. ويليامز" في مقال عنوانه "لا يمكن للديمقراطيين أن يعتمدوا على الكنيسة السوداء بعد الآن" (سبتمبر 2024).

ويؤمن ويليامز بأن مرحلة الفوز بأصوات الأميركيين من أصل أفريقي لمصلحة المرشح الديمقراطي عبر كنائس السود انتهت. لماذا؟ لأن عديداً من تلك الكنائس تقلصت وتضاءلت أدوارها وتقدم أعضاؤها في العمر ومنهم براون نفسه (قس هاريس) البالغ من العمر 83 سنة. ولم تعد الكنيسة تحمل القدر نفسه من الأهمية للسود من جيلي "الألفية" و"زد" التي كانت تمثله لأجدادهم. وأقل من ثلث هذا الجيل من السود يذهب إلى كنائس السود التي تتعرض لضغوط هائلة من قبل القوى المطالبة بالعلمانية الكاملة. وكانت الكنيسة بالنسبة إلى غالب السود خصوصاً في الخمسينيات والستينيات تمثل ملجأً لهم من العنصرية والعداء في المجتمع، وقائدة في مجال الإصلاح السياسي والديني والقانوني والتعليمي والاجتماعي.

خيارات السود

اليوم، أصبح للأجيال الأصغر من السود عديد من الخيارات ناهيك بالتغيرات الكثيرة التي حدثت في المجتمع الأميركي، ومنها على سبيل المثال الـ"سوشيال ميديا" التي أعطت كثراً المنصة والوسيلة والصوت، ولم تعد الكنيسة وحدها القادرة على إمدادهم بالشعور بالقوة والقيادة والزعامة.
والنتيجة –كما يؤكد ويليامز- خسارة الحزب الديمقراطي لطريقة كانت سهلة وشبه مضمونة للوصول إلى الناخبين السود. والناخبون السود لم يعودوا كتلة تصويتية واحدة، منهم من هجر الحزب الديمقراطي ومال إما إلى "الجمهوري" أو اختار أن يبقى بعيداً من ثنائية الاختيار إلى حين موعد الانتخابات.
ويرى ويليامز أن هاريس نفسها تعرف أن التغيرات الدينية بين الأميركيين من أصل أفريقي أضعفت الشبكات التي تربطهم بالحزب الديمقراطي. وعلى رغم أنها تحدثت غير مرة عبر "الكنيسة السوداء" خلال حملتها الانتخابية، فإنها لا تعتمد عليها بصورة كبيرة لحشد الناخبين السود الشباب.
وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" العام الماضي، فإن ثلاثة بين كل أربعة أميركيين قالوا إنهم ينتمون إلى عقيدة دينية ما. نحو 68 في المئة قالوا إنهم يعتنقون المسيحية (33 في المئة بروتستانت و22 في المئة كاثوليك و13 في المئة طائفة مسيحية أخرى أو قالوا إنهم مسيحيون فقط). وقال سبعة في المئة إنهم ينتمون إلى ديانة غير المسيحية، إذ اثنان في المئة يهود، وواحد في المئة بوذيون، وواحد في المئة مسلمون وآخرون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الواحد في المئة المسلمون

لمن يصوت الواحد في المئة المسلمون؟ يعتقد البعض أن الإجابة البديهية يجب أن تكون هاريس أو أي مرشح ديمقراطي. لكن واقع الحال يشير إلى تأرجح كبير مع عدم وجود مؤشرات واضحة ترجح كفة مرشح وليس الآخر.
ويرى مراقبون أن المسلمين غالباً سيصوتون لترمب، ليس من قبيل الانتماء للحزب الجمهوري أو تأييداً لبرنامجه، ولكن انتقاماً من هاريس وكذلك من سلفها بايدن الذي يرى كثر من المسلمين والعرب أنه خذل غزة وأهلها، ويخذل الآن لبنان وأهلها.
وجهة نظر أخرى معضدة باستطلاع رأي أظهر أن الناخبين الأميركيين العرب والمسلمين الغاضبين من موقف أميركا من حرب غزة قد يتحولون صوب مرشحة حزب الخضر جيل ستاين. وعلى رغم علم مسبق بأن احتمالات فوزها شبه مستحيلة ومعدومة، فإن الغرض ربما يكون حرمان هاريس من الفوز في ولايات حاسمة قادرة على تحديد مصير الانتخابات.

مسلمون ومسيحيون وعرب

ويشير تقرير لـ"رويترز" إلى أن بايدن فاز خلال عام 2020 بأصوات المسلمين، إذ حصل على تأييد ما يراوح بين 64 و84 في المئة منهم، إلا أن دعم المسلمين للديمقراطيين انخفض بصورة كبيرة منذ بدأت حرب غزة.
ويشار أن 60 في المئة من العرب الأميركيين قالوا إن غزة هي الاختيار الأهم من بين ثلاث قضايا قالوا إنها ستؤثر في تصويتهم، وذلك بحسب استطلاع للرأي أجري خلال مايو (أيار) الماضي. ووقتها قال 80 في المئة منهم إن رأيهم في بايدن سلبي في حين قال 55 في المئة إن رأيهم سلبي في ترمب.
كما أن غالب الإحصاءات تلفت إلى أن عدد الأميركيين من أصول عربية من المسيحيين تفوق أقرانهم من المسلمين، وهو عكس الاعتقاد الشائع الذي يعد الأميركيين العرب مسلمين بالضرورة.
كما أن غالب الأميركيين المسلمين ينتمون إلى أصول جنوب شرقي آسيا وأبرزها باكستان وأفغانستان والهند وبنغلاديش (20 في المئة)، يليهم المسلمون من أصول عربية (14 في المئة)، ثم المسلمون من أصول آسيوية أخرى أبرزها إيران (13 في المئة)، فالمسلمون من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (خمسة في المئة)، وأوروبا والأميركتان (باستثناء الولايات المتحدة)، (اثنان في المئة لكل منهما، وواحد في المئة لآخرين).

وجه مختلف لمخاطبة المسلمين

ويبدو أن إدارة حملة هاريس حاولت الدفع بوجه مختلف في محاولة لاستمالة أصوات المسلمين التي باتت في مهب رياح غزة ولبنان والغاضبة من تعامل كل من بايدن ومعه هاريس ودعمهما القوي لإسرائيل والباهت للفلسطينيين، فدفعت بوجه آخر للقيام بالمهمة.
وقدم المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيسة تيم وولز قبل أيام وعداً باسمه والرئيسة (حال فوزها) بالدفاع عن حقوق المسلمين الأميركيين، مع مواصلة البيت الأبيض التنديد بكل الصور المشاعر والتصرفات المعادية للإسلام والعرب "التي يقودها ويقوم بها دونالد ترمب"، مع التأكيد أن المسلمين سيشاركون في الإدارة الأميركية المقبلة.

وكان وولز يتحدث أمام منظمة "إمغيدج" (Emgage) (مظلة تجمع عدداً من منظمات أميركية إسلامية) والتي أعلنت دعمها لهاريس. لكن تجدر الإشارة إلى أن منظمات إسلامية أخرى دعت أنصارها إلى عدم دعم هاريس، وبخاصة بعد أن رفضت حملتها الانتخابية عدداً من الطلبات بإعطاء الفرصة لمتحدث فلسطيني في مؤتمر الحزب خلال أغسطس (آب) الماضي.


وللهندوس الأميركيين صوت

وإذا كانت أصوات العرب والمسلمين الأميركيين مهمة في الانتخابات الأميركية، في الأقل على مستوى ترجيح الكفة أو تصعيب الفوز أو التعجيل بالخسارة وليس الحسم، فكذلك الحال بالنسبة إلى أصوات الهندوس الأميركيين والذي يشكلون النسبة المئوية نفسها التي يشكلها المسلمون.

إحدى المنظمات الهندوسية في أميركا وهي "أميركا أولاً" أعلنت دعمها لترمب قبل أسابيع قليلة، وإنها ستعمل على مناهضة هاريس أثناء الحملات الانتخابية، وحجتهم في ذلك أن موقف ترمب من العلاقات الأميركية الهندية جيد، بما في ذلك العلاقات الدفاعية إضافة إلى اعترافه بالاضطهاد الذي يتعرض له الهندوس في العالم. أما هاريس فستؤدي غالباً إلى زعزعة العلاقات، بحسب ما يقولون. وتظل هذه المنظمة واحدة من منظمات عدة ولا تمثل كل الأميركيين من أصول هندية أو هندوسية.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي أشار في خطابه داخل الكونغرس العام الماضي إلى نائبة الرئيس بايدن باعتبارها واحدة من ملايين الأميركيين ممن لهم جذور في الهند، مضيفاً أن "بعضهم يجلس بفخر في هذه القاعة، وهناك شخص خلفي مباشرة صنع التاريخ"، مشيراً إلى هاريس.
تاريخياً، يميل الأميركيون الهنود ليكونوا ضمن كتلة التصويت للحزب الديمقراطي. كما أنهم دائماً يوصفون بـ"الكتلة التصويتية الموثوقة" نظراً إلى نسبة المشاركة المرتفعة في الانتخابات. وعلى رغم ذلك، وبلغة العلوم السياسية وخبراء الانتخابات لا يشكلون قوة سياسية في الانتخابات الأميركية، مثل غيرهم من الأميركيين من أصول مختلفة. ويرى البعض أن الأميركيين من أصول عربية أو المسلمين بصورة عامة أيضاً ضمن الكتل التصويتية غير المؤثرة في الانتخابات، في الأقل بالمعنى المباشر.

أميركا المتأرجحة

هكذا تتأرجح السياسية في أميركا، لا في الولايات المتأرجحة فقط حيث لا توجد غالبية لأي من الحزبين الرئيسين ومرشحيهما في الانتخابات، ولكن في مواقف فئة عريضة من الناخبين الحائرين بين رئيس متدين دون الزج بالدين في السياسة، ورئيس ليس متديناً بالضرورة لكن يحمل قيماً أخلاقية دينية جيدة إلى المشهد السياسي، وكذلك في مواقف المنتمين للديانات والطوائف المختلفة ونظرتهم للمرشح الأكثر دعماً لأهدافهم ومصالحهم أو الأكثر قدرة على درء الضغوط والاضطهاد الذي يقولون إنهم يرزحون تحته.
وتتأرجح أميركا خلال الأسابيع القليلة السابقة لعملية التصويت في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بين أقلية دينية تبحث عن انتقام من هذه المرشحة عبر التصويت لغيرها، وأخرى تبحث عن المصالح الأكبر التي يمكن تحقيقها عبر أحد المرشحين للدولة الأم. ويستمر أثر التأرجح على خلفية الدين وانتماءاته مع تنامي فئة "لا يوجد" بين كثيرين، إما يعزفون عن ذكر انتمائهم الديني لأنهم يؤمنون بالفصل التام بين الدين والدولة، أو لأنهم بالفعل تخلوا عن الانتماء لدين بعينه فوجدوا أنفسهم مؤيدين لمرشح حزب "لا يوجد".

المزيد من تقارير