ملخص
أثار تصريح خالد مشعل من أن خسائر حرب غزة تكتيكية وخسائر الجيش الإسرائيلي استراتيجية غضب سكان القطاع واعتبروا أنه لا يبالي بهموم المدنيين، مما كشف عن مدى فقدان حركة "حماس" شعبيتها.
في مقهى شعبي كان شكري يسمع كلمة لرئيس حركة "حماس" في الخارج خالد مشعل ويستمع لكلامه باهتمام عله يعرف خبراً عن وقف الحرب أو طريقة لتخفيف معاناة سكان غزة، لكنه فجأة ثار وغضب وأخذ يكيل بانتقادات لاذعة لقيادات الحركة، وشاركه بذلك معظم الحضور وعم ضجيج في المكان لدقائق معدودة.
حديث مشعل الذي قال فيه، "الذي هزم هو نتنياهو وإسرائيل وليست (حماس)... (حماس) انتصرت والمقاومة انتصرت، خسائر الاحتلال كبيرة وعظيمة، أما خسائرنا فتكتيكية"، أثار غضب سكان القطاع وجعلهم يشعرون بأن قادة "حماس" لا يهتمون لمعاناة النازحين في الخيام ولا للجائعين في شمال غزة، حيث يعيشون ظروفاً صعبة غير مسبوقة.
تصريح مشعل
تصريحات مشعل التي جاءت بمناسبة مرور عام على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بدت بعيدة من واقع غزة، وجاء فيها، "أثمان باهظة دفعت بعد (طوفان الأقصى) في إسرائيل، لقد لحقت بهم خسائر استراتيجية ليس على صعيد الاقتصاد فحسب، وإنما على مستوى الساحة الدولية"، وقال مشعل أيضاً "ربما نجحت إسرائيل في القيام بعملية عسكرية معينة واغتيال قائد هنا وهناك، لكن كل هذه الخسائر تكتيكية ليس إلا، وربما أيضاً فقدنا الآلاف من الفلسطينيين، لكن الشعوب تضحي بأرواحها من أجل أوطانها ومقدساتها". وأوضح مشعل أن مشهد الخسارة والدمار لا يدل على الألم، وأن حرب "طوفان الأقصى" أعادت الحياة إلى غزة وليس الموت، مشبهاً "المقاومة" بالسمك في البحر، وأن البحر هو الشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاتلين ولا يهتم للمجازر والمذابح والتشريد والتجويع.
هذه التصريحات، وبخاصة وصف خسائر الغزاويين بأنها "تكتيكية"، والحديث عن أن الحرب جلبت الحياة لغزة وليس الموت، سببت حالة من الاستياء والغضب لدى سكان غزة، إذ كانت بعيدة من المعاناة غير المسبوقة التي يعيشها المدنيون بسبب استمرار الحرب بين إسرائيل و"حماس".
غضب شعبي
يقول المواطن شكري، "مثل هذه التصريحات تمنح سكان غزة شعوراً بأن معاناتهم لا قيمة لها لدى قيادة حركة (حماس) السياسية والعسكرية، مما ولد حالة من الغضب الشديد في أوساط المدنيين على (حماس)". ويضيف، "كنت أعتقد أن مشعل سيثني على تضحيات الغزاويين ويعرض خطة إنسانية تخفف معاناتهم، لكن للأسف لم يبالِ بوجع السكان، لذلك المطلوب من قيادة الحركة تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني، وليس الاستمرار في التصريحات الاستفزازية التي تؤكد رفضهم الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها على مدار سنوات".
في المقهى نفسه، ضحك رأفت كثيراً بعدما سمع حديث مشعل، وقال، "هذا الحديث يدل إلى أن (حماس) تعطي الأولوية لأجنداتها السياسية والحزبية وتحالفاتها الإقليمية على حساب الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه سكان غزة المطحونين بين الدمار والركام والأنقاض ونقص الطعام". ويضيف، "تجاهل الحركة معاناة السكان ستكون له تأثيرات كارثية عليهم، ربما سيخلق هذا الأمر حالة غضب تتطور لحرب أهلية، هنا السكان في حاجة لمن يقدم لهم خدمات الإغاثة وليس الخطابات الرنانة التي تحمل جملاً وعبارات مستفزة".
انفصال عن الواقع
وبينما كان يتداول سكان غزة تفسيرات وتحليلات لحديث مشعل، يوضح الشاب حكيم أن تصريحات قادة "حماس" تظهر انفصالهم عن الواقع، "وأنهم يعيشون في قصور ويأكلون ما لذ وطاب ويسافرون ويتمتعون ولا يشعرون بألم البطون الخاوية". ويضيف أن "الخسائر التكتيكية" ليست مدعاة للاستياء والغضب فحسب، بل حديث في منتهى الخطورة، "وهو ليست زلة لسان، وإنما تعبير حقيقي عن أيديولوجية وفكر (حماس)، الذي يعكس نظرة الحركة لقضايا الوطن بأنه من دون قيمة، وأن الشعب مشروع شهادة، والمهم بقاء من يحملون الفكر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التضحيات أهم من "حماس"
ويقول عمر شعبان، "السيد مشعل، نحن نعرف بعضنا، لم أكن أتوقع منك تصريحاً كهذا، قتل كثر من أفراد عائلتي في حرب لم يستشروا بها، هم ليسوا خسائر تكتيكية، بل هم خسائر قيمة جداً لن تعوض أبداً، هم بالنسبة إليَّ مقدسون أكثر من القضية". ويتساءل شعبان، "هل سقوط أكثر من 40 ألف فلسطيني، ونحو 100 ألف جريح، عدا الحجم الهائل من الإعاقات ودمار قطاع غزة بالكامل وخسارة كل ما تم بناؤه على مدار عقود طويلة من بنية تحتية واقتصاد وحياة بكل تفاصيلها، وعودة الاحتلال بأبشع صوره للقطاع، يعد خسارة تكتيكية، وليست ذات مغزى؟".
ويغضب إسماعيل عندما يسمع مقطع مشعل ذاك، ويقول بسخرية، "الناس نسوا طعم اللحم والفاكهة والراحة والأمان، وصار حلم الجميع هو الهجرة، والآن هم غير قادرين على تحقيقه، كل هذا خسائر تكتيكية! والدعم الأميركي والغربي المطلق للطرف الثاني هو خسارة استراتيجية لهم؟ اللهم خسارات استراتيجية لنا وتكتيكية لأعدائنا".
ويقول رجل عجوز اسمه زاهر، "لم يزر مشعل غزة منذ سنوات طويلة جداً، هل جرب أن يعيش يوماً حياتنا الحالية، في خيمة يأكل مرة واحدة، يومياً يلبس الثياب نفسها، لمدة أسبوع، لا يدخل الحمام إلا بعد طابور طويل، إنه يعيش في قصر، وهذا يجعله لا يعرف معنى كلمة خسائر تكتيكية".
استطلاعات رأي
ووفقاً لمراكز البحوث المسحية فإن الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة أسهمت في تراجع شعبية "حماس"، وبحسب "الباروميتر العربي"، وهي شبكة بحثية مستقلة غير حزبية، فإن شعبية الحركة انخفضت إلى 15 في المئة في أوساط سكان غزة.
ويقول رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي "ليس هناك شك في أن الدعم لـ(حماس) يتراجع في غزة، لأن مزيداً من الناس يشعرون بأن الحركة تتحمل جزءاً من مسؤولية الألم الذي يعانونه".
"فتح" غاضبة و"حماس": ما زالت شعبيتنا كبيرة
في السياق قال محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، "الشعارات الكاذبة لن تحقق مصلحة أو تحمي مواطناً، و(حماس) تتاجر بالقضية الفلسطينية وعليها الإحساس بالمسؤولية تجاه المدنيين المرهقين من الحرب".
من جهة حركة "حماس"، قال القيادي فيها باسم نعيم، "الانتقادات الموجهة للحركة تصريحات محدودة وتصدر نتيجة الشعور بالألم، ولا شيء آخر، في المقابل الدعم الشعبي لـ(حماس) لا يقل عن 50 في المئة، بالطبع هناك أشخاص في غزة يلومون (حماس)، لكن ذلك طبيعي، في أي مجتمع، هناك معارضة".