Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما معرض بصري لتسويق تكنولوجيا الجاسوسية

ظهرت خلالها البصمة كلمة سر والساعة المزودة بجهاز تتبع ونظارات الأشعة السينية قبل أن تعرفها الأسواق

الممثل الاسكتلندي شون كونري في دور "العميل 007" (رويترز)

ملخص

بعد الحرب الباردة تحول التركيز إلى الهجمات السيبرانية لاختراق شبكات الخصوم وسرقة البيانات الحساسة وقرصنة المؤسسات الحكومية العسكرية والأمنية، ثم أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تحليل المعلومات بسرعة وفعالية لتحديد الأشخاص المشتبه فيهم وتتبعهم عبر تقنيات التعرف إلى الوجه، أو تلك التي تتيح اختراق الهواتف الذكية للأشخاص المستهدفين بما فيها موقعهم الجغرافي.

تشتهر سلسلة أفلام جيمس بوند بأدوات وآلات التجسس المبتكرة والفريدة من نوعها منذ انطلاق هذه السلسلة التشويقية، وأصبحت هذه الأدوات جزءاً من هوية العميل الاستخباراتي حامل رقم "007"، وفتحت شهية شركات التكنولوجيا وصناعة الأسلحة وآلات التجسس والاستخبارات على تصنيع هذه الأدوات المبتكرة التي نستسهل وجودها في فيلم سينمائي هوليوودي، لكن من دون أن نتخيل تطبيق بعضها في أرض الواقع.

 إلا أنه تم تحقيق ابتكارات الخيال العلمي السينمائية في أرض الواقع داخل عوالم التجسس بين الدول الحليفة وغيرها. كان السباق الدولي في دفع القدرات الاستخباراتية نحو أقصاها بدأ منذ بدايات القرن الـ20 حتى اليوم، وتطورت هذه الأدوات بصورة متدرجة حتى وصلت إلى قدرات خيالية لن يصدق رجل استخبارات عاش أواسط القرن الـ20 وجودها في الواقع كما هي حالها اليوم بعد تطور التقنيات على نحو واسع بدَّل في نوع عمليات الاستخبارات ليقل الاعتماد على الدور البشري وتتفوق الآلة والتقنية وشبكات التواصل الحديثة.

في أول فيلم من سلسلة جيمس بوند لم يكن هناك كثير من الأدوات التقنية، وكانت سيارة بوند مزودة بمدافع رشاشة ومقاعد قاذفة وألواح واقية ضد الرصاص وجهاز التتبع الذي كان في عام 1964 مجرد فكرة خيالية ثم صار موجوداً اليوم.

في عام 1969 ظهر جهاز صغير لفتح الأقفال الإلكترونية التي كانت بدورها إقفالاً غير معروفة لدى الجميع وتستخدم فقط في المنشآت السرية أو الأمنية المهمة في المؤسسة العسكرية الأميركية.

وحمل بوند في ذلك العام الساعة المزودة بجهاز تتبع تتيح له تعقب الأشخاص أو المواد والآليات. والتعقب بواسطة جهاز كان أمراً خيالياً فحسب في ذلك الحين، ويقول بعض المهتمين إن أفلام جيمس بوند كانت تنقل للمشاهدين ما سيصبح متوافراً في الأسواق بعد وقت قصير، وكأنه تحضير للمشاهدين لاستقبال الاختراعات الغريبة والتعرف إلى كيفية استخدامها، لأنه لا يمكن إنزال آلات كانت جزءاً من الخيال العلمي فجأة إلى الأسواق من دون إخطار الجمهور بها ولو عبر فيلم سينمائي.

في عام 1971 حمل العميل "007" جهاز تغيير موجات الصوت لتغيير صوته وتزييف هويته أثناء المكالمات الهاتفية. وبعدها بثلاث سنوات ظهرت السيارة الطائرة التي يمكن تحويلها إلى طائرة خفيفة للهرب، وبعدها ظهرت السيارة الغواصة.

في عام 1979 استخدم جيمس بوند أسلحة كانت بمثابة انفجار تخييلي في عالم الصراعات من أجل الوصول إلى المعلومات أو لتحييد شخصيات خطرة على السلام الدولي، وهي أسلحة الليزر التي عرفها الجمهور للمرة الأولى في ذلك الفيلم. وما زالت الأبحاث الهادفة إلى تطوير أسلحة الليزر تعمل في هذا المجال على رغم استعمال بعضها في المعارك الواقعية.

وفي ذلك العام عرفنا عن القلم القاذف لغاز الأعصاب القاتل. وفي عام 1985 ظهر في عالم جيمس بوند أداة حربية مهمة وغير متوقعة وهي نظارات الأشعة السينية التي مكنت بوند من رؤية الأسلحة المخفية تحت الملابس.

وكان التصوير بالأشعة السينية للعظام أو للأعضاء الداخلية في أول استخداماته بالقطاع الطبي، وهو التطور التقني الذي طور قدرات الأطباء على علاج كثير من الحالات التي كانت مستعصية قبل اكتشاف الأشعة السينية.

وفي عام 1989 بدأ استخدام البصمة كمفتاح أو كلمة سر لبندقية بوند الخاصة التي لا تطلق النار إلا حين تلمس بصمته زنادها.

 

وظهر هاتف ذكي متطور في عام 1997 يمكنه التحكم بسيارة بوند، ويحوي ماسح بصمات وأداة فتح الإقفال، مع العلم أنه في ذلك العام لم يكن الهاتف الخلوي الذي يحمله كل شخص تقريباً في هذه الأيام قد ظهر بعد، بل لم يكن أحد ينتظر ظهوره. وهذا ما ينطبق على النظارات المزودة بتقنية الواقع الافتراضي التي تساعده على محاكاة البيئات وتحليل التهديدات التي ظهرت في فيلم عام 1999.

كذلك لم تكن محاكاة الواقع افتراضياً أمراً مطروحاً ليصبح أدوات مستخدمة في عوالم التجسس الواقعية، ليصبح بعد ذلك بسنوات بين يدي المستهلكين في جميع أنحاء العالم بواسطة أدوات عدة إلكترونية تباع في متاجر التكنولوجيا المنتشرة في كل مكان اليوم.

أدوات العميل "007" في الواقع

كانت سلسلة أفلام جيمس بوند تقوم بعملين واضحين، الأول تحفيز عالم الجواسيس وشركات التكنولوجيا على تطوير تقنياتها وتحويل الخيال العلمي إلى واقع، وعمل آخر، هو نقل ما تقوم المختبرات العلمية بإجراء الأبحاث والتجارب عليه واستخدامه في الأفلام لتقريبه من معارف المشاهدين قبل أن يصبح بين أيديهم لاستخدامه. وشهد عالم التجسس والاستخبارات خلال العقود الأخيرة تحولاً جذرياً فانتقل من الأساليب التقليدية المعتمدة على البشر إلى أحدث الابتكارات التكنولوجية، وكان بوند في أفلامه يستخدم أدوات تجسس حديثة تتفوق على ما كانت تستخدمه أجهزة الاستخبارات في أيامه.

في السابق، كان التجسس البشري هو الركيزة الأساسية لجمع المعلومات الاستخباراتية. وكان الاعتماد يقع على عملاء سريين يعملون داخل دول أو تنظيمات معادية لتسريب المعلومات، كما كان يعتمد على العملاء المزدوجين لجمع معلومات دقيقة. ولكن مع تقدم التكنولوجيا انخفض الاعتماد على العنصر البشري في العمل الاستخباراتي لمصلحة الأدوات التكنولوجية المتطورة.

على سبيل المثال، ظهرت اليوم نظارات ذكية للتعرف إلى قسمات الوجه وربطه بقواعد البيانات الأمنية. هذه النظارات تجمع المعلومات بصورة أسرع وأكثر دقة مما كان يجمعه العملاء السريون عبر المشاهدة الميدانية أو المراقبة الشخصية.

أما على صعيد الشيفرة والتشفير الذي لا يزال جزءاً مهماً من عمل الاستخبارات، فقد كان الاعتماد في الماضي على الرسائل المشفرة التي تنقل المعلومات بين العملاء، مثل استخدام آلة "إنجما" خلال الحرب العالمية الثانية.

أما اليوم فقد دخلت الحرب السيبرانية كمجال جديد ضمن الاستخبارات لاختراق أنظمة الأعداء أو الدفاع ضد الهجمات السيبرانية، فيما كان على الجواسيس السابقين الاعتماد على فك الشفرات يدوياً.

وفي مجال أدوات التنصت التي كانت في الماضي تعتمد على اعتراض المكالمات اللاسلكية أو الهواتف التقليدية فقد أصبح الذكاء الاصطناعي أساساً لتحليل البيانات والتجسس على الاتصالات مما يمنح العملاء الميدانيين تفوقاً كبيراً في جمع المعلومات واتخاذ القرارات الفورية، وهي قدرة لم تكن متاحة سابقاً.

 وكانت أدوات الاستخبارات تعتمد على الأجهزة والمعدات التي تتطلب مهارات خاصة للاستخدام، وكانت أجهزة التنصت تحتاج إلى تقنيات معقدة وتدريب طويل على استخدامها، واليوم أصبحت الأدوات أصغر حجماً وتمنح العملاء مرونة كبيرة في تنفيذ مهامهم بسرية تامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبناء على هذه التطورات يقال إنه ستظهر في الأسواق التجارية بعض الأدوات التي استخدمها الجواسيس ورجال الاستخبارات مثل العدسات اللاصقة المزودة بكاميرات متناهية الصغر وتقنية الواقع المعزز، التي يمكنها تحويل ما يراه مستخدمها إلى جدول من المعلومات، مع القدرة على ترجمة النصوص مباشرة والتقاط الصور وحتى إرسال معلومات سرية أو إشارات استغاثة مشفرة.

وقد يظهر بالأسواق القلم المزود بسلاح ليزر قادر على قطع المعادن وتدمير الأبواب المصفحة، ويمكن استخدامه بصورة دقيقة لتجنب أنظمة الإنذار عند اختراق الأماكن المحصنة.

 وهناك البدلة الأنيقة لرجال الاستخبارات والجواسيس والمصنوعة من مواد نانوية تجعلها مقاومة للرصاص والسكاكين، ومزودة بمستشعرات لتتبع الحالة الصحية لمرتديها، وتحوي نظام تدفئة أو تبريد للحفاظ على اعتدال حرارة الجسم في البيئات القاسية.

الذكاء الاصطناعي وعالم الاستخبارات

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية للاستخبارات وتقديم المعلومات للحكومات، ويمكنه تحليل كميات هائلة من البيانات المجمعة من مصادر مختلفة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والكاميرات والأقمار الاصطناعية والاتصالات.

 يمكنه كذلك تحديد التهديدات المحتملة أو الأشخاص المستهدفين. ومن المنتظر أن يساعد في تنفيذ عمليات التجسس الإلكتروني عبر تحليل حركة البيانات على الإنترنت وكشف الثغرات الأمنية واختراق الأنظمة بهدف جمع معلومات حساسة. ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة التعرف إلى الوجوه والأصوات، أو حتى السلوكيات غير الطبيعية وتحليل الخرائط الجغرافية والصور التي تلتقط بواسطة الأقمار الاصطناعية لتحديد تحركات القوات وتدمير البنى التحتية أو حتى رصد العمليات العسكرية في الوقت الحقيقي.

وخلال الفترة الأخيرة تستخدم الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تنفيذ مهام الاستطلاع وجمع المعلومات والهجوم العسكري، ويمكن لهذه الطائرات التحليق بصورة مستقلة وتحليل البيئات المحيطة وتحديد الأهداف ثم ضربها. وقد رأينا قمة تطور هذه التكنولوجيا في الحرب الأميركية على العراق وعلى تنظيم "داعش" ثم في الحرب الإسرائيلية الدائرة حالياً على غزة ولبنان.

خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914 و1918 استخدمت أجهزة الاستخبارات العسكرية برقيات مشفرة لنقل الأوامر والتقارير العسكرية. وكانت الرسائل المشفرة تشكل جزءاً مهماً من الاتصالات العسكرية. واعتمدت أيضاً على العملاء البشريين الذين يجمعون المعلومات من العدو من طريق التجسس في الخطوط الأمامية والتنكر والاندساس في صفوف القوات. وظهرت الطائرات والبالونات الاستطلاعية لجمع المعلومات من الجو عن تحركات القوات والخطوط الدفاعية للعدو. وكذلك تمت مراقبة التنصت على كابلات التليفونات والتليغراف من قبل الجواسيس، مما سمح بجمع المعلومات العسكرية المهمة.

في الحقبة النازية ظهرت واحدة من أشهر أدوات الاستخبارات في تلك الفترة، وهي آلة التشفير "Enigma" التي استخدمتها القوات النازية لتشفير اتصالاتها. واستخدم النظام النازي الجواسيس المزدوجين لاختراق الاستخبارات الأجنبية، كما جندت الدول الأخرى الجواسيس داخل النظام النازي لجمع المعلومات.

وطور الرايخ الثالث شبكة تجسس عالمية. ولكن مع تقدم الحرب أصبحت بريطانيا وحلفاؤها مثل الولايات المتحدة أكثر فاعلية في اعتراض المعلومات الألمانية بفضل فك شفرة "إنجما" الشهيرة والمستعصية في ذلك الحين.

أما زمن الاتحاد السوفياتي فقد بدأ الاعتماد على الأقمار الاصطناعية لجمع المعلومات الاستخباراتية من الجو ولرصد التحركات العسكرية الأميركية. وزرعت أجهزة التنصت والميكروفونات في السفارات والمباني الحساسة. وكان السوفيات خبراء في زرع أجهزة التنصت السرية للحصول على معلومات دبلوماسية وعسكرية حساسة.

خلال الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة طائرات "يو2" التي تحمل كاميرات تجسس متطورة للحصول على معلومات استخباراتية حول المواقع العسكرية السوفياتية، ثم بدأت في تلك الفترة بتطوير طائرات من دون طيار لجمع المعلومات من بعد في المناطق الخطرة.

وكانت الاستخبارات الغربية والسوفياتية تسابق الزمن للحصول على معلومات عن تقدم الأبحاث النووية والتكنولوجية والفضائية، وكان السباق للوصول إلى الفضاء وتطوير الصواريخ النووية جزءاً مهماً من عمل رجال الاستخبارات والجواسيس في هذه الفترة.

بعد الحرب الباردة، تحول التركيز إلى التجسس والهجمات السيبرانية لاختراق شبكات الخصوم وسرقة البيانات الحساسة وقرصنة المؤسسات الحكومية العسكرية والأمنية، ثم أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تحليل المعلومات بسرعة وفعالية لتحديد الأشخاص المشتبه فيهم وتتبعهم عبر تقنيات التعرف إلى الوجه، أو تلك التي تتيح اختراق الهواتف الذكية للأشخاص المستهدفين، والحصول على معلومات شخصية، بما في ذلك الرسائل والمكالمات والموقع الجغرافي.

ومع تقدم علم الأحياء الجزيئية البيولوجية ظهرت أدوات جديدة يمكن استخدامها في عمليات التجسس. وعلى رغم كل هذا التطور التقني ما زالت دول مثل الصين وروسيا تستخدم التجسس الصناعي لتحقيق قفزات تكنولوجية من خلال سرقة الملكية الفكرية من الشركات الغربية، وقد أدت مثل هذه السرقات إلى توترات دبلوماسية وتجارية كثيرة لا تزال تفاعلاتها جارية حتى اليوم.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات