ملخص
خلال الأعوام القليلة الماضية تعالت الأصوات المحذرة من تراجع إقبال وقدرة طلبة الجامعات والمدارس في الغرب على القراءة، المتهم الأول في هذا وفق تقارير مختلفة هو التكنولوجيا التي سهلت الحصول على المعلومة، لكنها في الوقت ذاته حدت من قدرة الطلبة على محاكمة وتقييم المعلومات وتوظيفها في مقاربات ومناقشات بحثية.
قال أستاذ في جامعة أكسفورد إن طلاب الأدب الذين كانوا قبل سنوات يقرأون ثلاثة كتب أحياناً في الأسبوع باتوا اليوم يكافحون لإنهاء واحد كل ثلاثة أسابيع. وحذر محاضر الأدب الإنجليزي بالجامعة الإنجليزية والعلوم الإنسانية البيئية بجامعة ولاية أريزونا السير جوناثان بيت من تداعيات تراجع قدرات الطلاب على القراءة وتعثرهم في إنجاز فروض بحثية تقوم على مقارنة ما يقرأونه على أسس ومعايير أكاديمية.
وبيت يدرس في الجامعات البريطانية والأميركية منذ 40 عاماً ويستذكر عندما بدأ التعليم في كامبريدج قبل عقود كيف كان الطلبة يمارسون القراءة بنهم بينما يكافحون الآن في مطالعة الكتب، لافتاً إلى أن عديداً من شباب اليوم لم يقرأوا على نطاق واسع قبل الجامعة، وغالباً ما يواجهون صعوبات في القيام بذلك خلال دراستهم.
ويعزو بيت انحسار قدرة الطلبة على الانتباه إلى استخدام الهواتف والأجهزة الذكية قائلاً إن "تركيز الشباب يستنزف في متابعة منشورات ومقاطع فيديوهات قصيرة وفورية الدوبامين"، وهذه المتابعة يلفت إليها كتاب "أمة الدوبامين" كنوع من أنواع الإدمان التي أفرزها تطور التكنولوجيا وارتباطها بعادات الناس وسلوكهم اليومي.
المحاضر في جامعة أكسفورد العريقة يرى أن المشكلة تبدأ من المدارس الثانوية ومراحل ما قبل التعليم الجامعي، إذ باتت الاختبارات الفكرية تنزح نحو الاختصار فيختار المعلمون المراجع والمصادر القصيرة لخدمة هذا الغرض لتجدهم مثلاً يحثون الطلبة على قراءة "عن الرجال والفئران" بدل "عناقيد الغضب" لجون شتاينبك.
والحال في المدارس الحكومية البريطانية أسوأ من الخاصة من وجهة نظر بيت، فمؤسسات القطاع العام التعليمية لم تعد تهتم بالكيفية في التدريس والاختبارات بقدر ما تركز على التنظيم والإدارة، أما المدارس الخاصة بنسبة كبيرة منها، فتحرص على دعم القراءة وتشجيع الطلبة على مطالعة كتب شكسبير وأشعار "الإلياذة" و"الأوديسة" وأعمال كبيرة مثل "الجحيم" لدانتي وروايات على غرار "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي.
قبل أشهر فقط نشرت مجلة "وقائع التعليم العالي" الأميركية مطولة تحت عنوان "هل حانت نهاية القراءة"، تصف فيها معاناة الأكاديميين مع تراجع رغبة وقدرة الطلبة على هذا الفعل، ليس فقط على مستوى قصر فترة المطالعة التي يمارسونها، وإنما أيضاً في انحسار إمكاناتهم على تحليل ومحاكمة ما يقرأون لتوظيفه في اختباراتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفق المجلة المتخصصة لاحظ عديد من الأكاديميين في الغرب ما لفت إليه أستاذ أكسفورد وتقول إن الحد الأدنى لما بات يعده الطلاب اليوم قدراً معقولاً من العمل والقراءة قد انخفض بصورة واضحة خلال السنوات الماضية، وباتوا يكافحون لكتابة مقالة مكونة من 750 كلمة بينما كانت الجامعات تشترط 1400 كلمة في الأقل.
تلفت أستاذة السينما والإعلام في كلية ويليسلي نيكولاس جوتيريز إلى أن عجز الطلبة عن إتمام واجباتهم في القراءة دفع ببعض المدرسين في الجامعات إلى تقليص تكليفات المطالعة، لكن نتائج هذا كانت سيئة مع مرور الوقت، إذ ازداد ضعف الشباب واليافعين في التركيز على ما يقرأون، واتسع عدم الاهتمام بالبحث عن المعلومة.
وما أصاب الطلبة من مشكلات في القراءة لم يقتصر على طلبة الاختصاصات الأدبية فحسب وإنما العلمية أيضاً، فتشير أستاذة مشاركة في علم الأحياء بكلية ديفيدسون صوفيا سارافوفا إلى أن الشباب اليوم بات يعاني حتى من تنظيم المعلومات القليلة التي يحصل عليها من مواقع الإنترنت وتحولت إدارة البيانات إلى أزمة مثل القراءة.
ثمة جانب آخر يشير إليه الأستاذ المشارك في الدراسات الدينية بكلية ويليام وماري، أندرو توبولوفسكي، تتمثل بغياب دور المستشارين التربويين في مشكلة تراجع قدرة الطلبة على القراءة، منوهاً إلى ضرورة البحث عن أدوات من أجل إعادة تأهيل الشباب للقراءة وتحفيزهم على التركيز الأطول والأعمق قبل أن يفوت الأوان.
وبحسب دراسة صدرت عام 2023 عن مركز "إيدويك" لأبحاث التعليم كان للوباء دور في تراجع رغبة الطلبة بالقراءة والتحصيل العلمي في المدارس والجامعات، فيما نقلت "وقائع التعليم" عن أكاديميين أن ثقافة الاختبار لا تشجع على القراءات الطويلة، وإنما تنمي الاهتمام بالملخصات والمصادر المختصرة للمعلومات والبيانات.
ثمة دراسة نشرت عام 2000 تقول إن 20 في المئة فقط من طلبة الجامعات في ذلك العام أنجزوا وظائف القراءة التي كلفوا بها مقارنة بـ80 في المئة عام 1981، وهذا يعني وفق المجلة المتخصصة أن تراجع الرغبة والقدرة على مطالعة الكتب مشكلة اتسعت على امتداد سنوات تطورت فيها التقنية شيئاً فشيئاً إلى مصدر سهل للمعلومات.
حتى عدد الطلبة الذين يقرأون بغرض المتعة قد انحسر وفقاً لاستطلاع التقييم الوطني العلمي في الولايات المتحدة عام 2020، إذ تراجعت نسبة اليافعين الذين يأخذون المطالعة كهواية إلى 17 في المئة مقارنة بـ27 في المئة عام 2012 وما يعادل 35 في المئة عام 1984 الذي بدأت فيه عمليات التقييم السنوي للتعليم الحكومي.