Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زواج القاصرات في الجزائر معاناة صامتة

المشرّع أورد استثناء على سن أهلية الزواج وسمح بعقد القران عبر رخصة من القاضي وشروط أهمها توافر المصلحة أو الضرورة والقدرة

تسعى القبائل الجزائرية إلى ستر الفتاة قبل بلوغها سن المراهقة (أ ف ب)

ملخص

تورد الأرقام المتضاربة استقبال المحاكم ما بين 600 و2000 حالة "زواج قاصرات" سنوياً بعضها مرحب به، ولا سيما من المناطق الداخلية المحافظة لاعتبارات عدة، أهمها ستر المرأة قبل بلوغها سن المراهقة وما قد تسببه من مشكلات شرف تؤدي في كثير الأحيان إلى مآس وانزلاقات عائلية وقبلية، بينما تبقى حالات مغضوب عليها لوقوعها خارج الإطار الشرعي أو استجابة لخطيئة الجنس المؤدي إلى الحمل.

يعتبر زواج القاصرات ظاهرة خفية تنتشر بشكل لافت في مناطق الجزائر الداخلية، حيث يلجأ الأولياء إلى تزويج بناتهن في سن باكرة، غير أن الخطوة وإن كانت عادية في الأوساط المحلية فإنها تترتب عنها انعكاسات سلبية على حياة الزوجة القاصر ثم المجتمع، ولا سيما أن هناك حالات تحدث خارج الإطار الشرعي في المدن الكبرى.

صمت مجتمعي وغياب أرقام

وأمام الصمت المجتمعي وغياب أرقام وإحصاءات رسمية، تستمر ظاهرة زواج القاصرات في الانتشار بين المعلوم والخفي، إذ ترتبطن شرعياً وتبقين معلقات قانوناً بسبب عدم بلوغهن السن المحدد بـ 19 سنة، والذي يؤهلهن لحيازة عقد مدني.

وتورد الأرقام المتضاربة استقبال المحاكم ما بين 600 و2000 حالة "زواج قاصرات" سنوياً، بعضها مرحب به، ولا سيما من المناطق الداخلية المحافظة لاعتبارات عدة، أهمها ستر المرأة قبل بلوغها سن المراهقة وما قد تسببه من مشكلات شرف تؤدي في كثير الأحيان إلى مآس وانزلاقات عائلية وقبلية، بينما تبقى حالات "مغضوب عليها" لوقوعها خارج الإطار الشرعي أو استجابة لخطيئة الجنس المؤدي إلى الحمل.

زواج مسموح لكن برخصة

إلى ذلك يرى الحقوقي نور الدين فلفول أن القانون الجزائري يسمح بزواج القاصرات لكن برخصة من القاضي ويكون سبب الزواج مبرراً، مشيراً إلى أن الرخصة تعني الظروف الاستثنائية التي دفعت إلى هذا الزواج، لكن القانون لم يحدد صفة القاضي الذي يمكنه أن يقدم الرخصة لتزويج القاصر، كما أن النص القانوني لم يحدد الظروف القاهرة التي يمكن بفضلها منح الرخصة بعيداً من جريمة الاغتصاب التي تتعرض لها الفتاة.

ويعتبر سن أهلية الزواج شرطاً جوهرياً لصحة الزواج الذي اعتبره المشرع الجزائري عقد رضائي، إذ إنه وفقاً لقانون سابق كان سن الزواج محدد بين 21 سنة بالنسبة إلى الرجل و18 سنة بالنسبة إلى المرأة، لكن أدخل تعديل يوحد سن الزواج بـ 19 سنة.

لكن المشرّع أورد استثناء عن سن أهلية الزواج، إذ يمكن لمن هم دون السن القانونية قاصر أن يبرم عقد زواجه بجملة من الشروط والقيود، أهمها توافر المصلحة أو الضرورة والقدرة، إذ تمنح الرخصة وفقاً للسلطة التقديرية للقاضي.

ويتحدث القانون الجزائري عن أنه يمكن تقديم طلب الزواج من طرف أي شخص لم يبلغ سن الرشد القانونية لإبرام عقد الزواج من خلال تحرير طلب مكتوب من طرف ولي الأنثى أو الذكر مع التوقيع والتاريخ وشهادة ميلاد وطابع جبائي، ثم شهادة طبية تثبت أهلية القاصر فيسيولوجياً، ومنه تقديم الملف إلى رئيس المحكمة الذي يقع سكن المعني بالأمر في دائرة اختصاصه.

المجتمعات المحلية بريئة

ولم تعد الظاهرة مرتبطة بالمجتمعات المحلية المحافظة بل امتدت إلى المدن الكبرى، إذ تتفشى مختلف الظواهر السلبية وبعض الحريات الشخصية وتسقط التقاليد والأعراف.

وتشير أستاذة علم النفس كريمة موساوي إلى أن العولمة وطبيعة المدن الكبرى تجعلان ظواهر عدة تنتشر مثل النار في الهشيم من دون إرباك المجتمع، إذ تقع في صمت متعمد.

وأضافت أن زواج القاصرات في المدن الكبرى أو المناطق الحضرية ظاهرة لا يمكن إنكارها في ظل العلاقات العاطفية الطائشة المنتشرة بصورة رهيبة وعلى جميع المستويات، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى ارتكاب الخطيئة، مما يحرج العائلات ويدفعها إلى البحث عن ستر الفضيحة عبر الزواج.

وتواصل موساوي أن تراجع التقاليد والأعراف لمصلحة العولمة التي لا يمكن كبح سرعتها، كما أن تغير نمط معيشة الجزائريين مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية جعلا دور الأولياء في متابعة الأبناء ضعيفاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت إلى أن اللجوء إلى زواج القاصرات يعتبر حلاً موقتاً قد يؤزم الأوضاع أكثر مع مرور الوقت، إذ إن عدم الاستعداد للارتباط يفتح الأبواب لمشكلات كبيرة مادية وصحية ونفسية تنتهي بالانتحار أو الطلاق، وختمت أن متابعة وتوعية الأبناء يبقى الحل الوحيد الذي يجنب القصّر ارتكاب أخطاء تفسد مستقبلهم وحياتهم.

مشكلات صحية

وتواجه الأمهات القاصرات جملة من المشكلات الصحية، فإذا كانت متابعة العلاج أثناء الحمل أمراً عادياً فإن عملية الولادة تبقى كابوساً جراء رفض المستشفيات والعيادات تحمّل المسؤولية في ظل الأخطار التي تحدق بالأم القاصر، وأولها الوفاة أو فقدان الجنين، مع الحاجة الكبيرة إلى كميات كبيرة من الدم بسبب عدم قدرة أجسادهن الصغيرة على التحمل.

وبحسب الطبيبة المتخصصة في أمراض النساء عاطف حسينة فإن معظم الأمهات القاصرات "لا يعرفن كيف يزحمن لإخراج الجنين، وليست لهن القوة الكافية لذلك عادة"، مشيرة إلى أن فقدان مزيد من القاصرات على طاولات التوليد عرّض عدداً من أطباء التوليد إلى المساءلة القانونية وفقدان مناصبهم، "لهذا لا يرحب بهن لا في القطاع العام ولا الخاص، ولا يستقبلن إلا للضرورة على رغم حقهن الكامل في ذلك".

وأوضحت حسينة أن نحو 65 في المئة من أبناء الأمهات القاصرات يحتاجون إلى حاضنات بسبب عدم قدرة الأم على مواصلة الحمل إلى غاية اكتمال التسعة أشهر، وهو الشرط الذي لا توافره غالبية مصالح التوليد في الجزائر، عمومية كانت أم خاصة.

وأبرزت أن الفتاة تسمى قاصراً نظراً إلى كونها غير مكتملة النمو، فجسم المرأة لا يكون قادراً على أداء كل الوظائف كما يجب، وبذلك فهن الأكثر عرضة لأصناف معينة من السرطان والعدوى الخطرة المرتبطة بالجهاز التناسلي بعد الحمل أو الولادة.

المسكوت عنه

من جانبه يقول أستاذ علم الاجتماع أحمد ضياف إن زواج القاصرات لا علاقة له بمسألة العوز والحاجة والفقر مثلما تروج أطراف عدة، مؤكداً أن العائلات تستعجل تزويج البنات بسبب الخوف من الخطأ الذي قد ترتكبه القاصر وبخاصة في المجتمعات المحافظة في المناطق الداخلية، كما أن شبح العنوسة يدفع الآباء إلى تزويج بناتهن دون رعاية السن، بخاصة إذا كانت لديهن أخوات فاتهن قطار الزواج وقد بلغن سن الـ 40.

وأضاف أن هذه المعتقدات لا تزال سارية المفعول في بعض الجهات، وإن تقلص حجمها فتبقى من أسباب الظاهرة، مشيراً إلى أن تغيّر الأوضاع المعيشية في ظل التكنولوجيا التي أماطت اللثام على كل خفي، وأمام استجابة السلطات لانشغالات المواطنين بإنجاز مختلف المشاريع التنموية، أصبحت المناطق المحافظة في توسع حضري جعلها على أبواب التمدن، مما غيّر المفاهيم والعادات والتقاليد بعد أن باتت المرأة تخرج للدراسة والعمل والتسوق والتجوال وممارسة الرياضة التي كانت إلى وقت قريب مستحيلة، بل كان خروج المرأة من البيت أمراً يخضع لترتيبات عدة، وبالتالي تراجعت التبريرات المحافظة لمصلحة الأسباب العصرية.

ويتابع ضياف أن حالات زواج القاصرات في الجزائر من الملفات التي لا تتداول ومسكوت عنها، على رغم أنها تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، موضحاً أن التمدن والعولمة فعلت فعلتها وأصبحت العلاقات العاطفية تمس كل فئات العمرية وفي توسع لافت من دون علم الأولياء، مما جعل ترتيب اللقاءات الغرامية التي تتحول إلى أخطاء جسيمة أمراً سهلاً، مبرزاً أن إخفاء الفضيحة يكون عبر اللجوء إلى الزواج من دون الاكتراث بعامل السن.

مؤثرة تشجع على زواج القاصرات

وفي السياق أحدثت منذ أسبوع مؤثرة جزائرية معروفة تدعى سلطانة شيرين ليتيسيا جدلاً واسعاً بعد إعلانها خطوبة ابنتها (13 سنة) من مراهق يكبرها بعامين، ولم يمر تداول الفيديو مرور الكرام إذ لاقى كثيراً من الانتقادات والتهديدات برفع شكوى للهيئات والمنظمات التابعة لحقوق الطفل، مما دفع المؤثرة إلى حذف الفيديو، خصوصاً بعدما أبدى بعضهم استياءهم ودعوا إلى فتح تحقيق في قضية هذه المؤثرة وما تفعله مع أبنائها، وإلى تدخل السلطات المعنية الرسمية لإنقاذ الفتاة من والدتها وسحبها منها، فيما اعتبر كثيرون أن الفيديو يشجع على زواج القصّر.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي