Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإيزيدية "فوزية سيدو".. هذه هي علاقة "داعش" بغزة

كشفت مصادر لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل إنقاذ الشابة الإيزيدية بعد طلب عائلة زوجها الداعشي تسليم 50 ألف دولار لوسيط في مصر

لقطة من فيديو لفوزية سيدو عقب إنقاذها ولقاءها بأقاربها (اندبندنت عربية)

ملخص

وفق مصدر عراقي وثيق الصلة بعملية إنقاذ الشابة تحدث إلى "اندبندنت عربية" شريطة عدم ذكر هويته مكتفياً بذكر الأحرف الأولى (د.ج)، فإن إحدى الخطط الأولية كانت تنطوي على تهريب فوزية إلى مصر عبر رفح، لكن مع تصاعد حدة الحرب تم إغلاق المعبر وبات هناك حاجة لخطة بديلة. 

ضجت وكالات الأنباء الأسبوع الماضي، بخبر يفيد بتحرير شابة إيزيدية تبلغ من العمر 21 سنة من قطاع غزة، وهي واحدة من آلاف الضحايا الإيزيديين الذين اختطفهم مسلحون من تنظيم "داعش" في العراق قبل أكثر من عقد، حيث كان من المعروف أن التنظيم الإرهابي تداول أولئك الفتيات في نطاق العراق وسوريا من خلال بيعهم لأعضائه، مما أثار علامات الاستفهام في شأن العلاقة بين "داعش" وقطاع غزة، وكيفية وصولها إلى القطاع المحاصر.

حصلت "اندبندنت عربية" على تفاصيل في شأن عملية تحرير "فوزية أمين سيدو"، التي خُطفت من سنجار في أغسطس (آب) 2014 عندما كان عمرها 11 سنة فقط، وانتقالها من سوريا إلى قطاع غزة في 2020 من خلال عصابات التهريب التي نقلتها أولاً إلى تركيا ثم مصر بعد استخراج وثيقة سفر وهمية لها. وكشف اثنان من المصادر الوثيقة الصلة بعملية إنقاذ فوزية عن تعاون بين ثلاث دول في المنطقة بوساطة أميركية لتسهيل هرب الشابة من منزل عائلة زوجها الداعشي، حيث كانت تعيش مع طفليها. 

تحدثنا أولاً مع رجل الأعمال الكندي ومؤسس منظمة "تحرير النساء والأطفال المسيحيين والإيزيديين في العراق" التي تتخذ من مونتريال مقراً لها، ستيف مامان. بدأ مامان نشاطه بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل في العراق عام 2014، إذ عمل من خلال شبكة من الوسطاء على تحرير النساء والأطفال الذين وقعوا ضحايا للتنظيم الإرهابي الذي ارتكب فظائع في العراق وسوريا وأقام أسواقاً لبيع سباياه. 

وأوضح مامان أن منظمته حصلت على إشارة استغاثة من الشابة الإيزيدية قبل أكثر من عام، لكن ظروف حرب غزة جعلت عملية الإنقاذ شاقة للغاية واستغرقت أشهراً طويلة من التخطيط والمحاولات التي فشلت إحداها. وبيعت "فوزية" لأحد المقاتلين في سوريا الذي أعاد بيعها لمقاتل داعشي آخر، ثم أخيراً لفلسطيني كان يقاتل ضمن صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي اتخذها زوجة وأنجب منها طفلين، وهو ما علمت به عائلة الشاب الداعشي في غزة بعد مقتل نجلهم في سوريا وسعت  إلى نقل الأطفال مع أمهما إلى داخل القطاع. 

وصول فوزية إلى قطاع غزة

ووفق مامان فإن عائلة الشاب الداعشي وبالتعاون مع عناصر تنظيم "داعش" في سوريا قاموا بنقل "فوزية" إلى تركيا، حيث حصلت هناك على وثيقة سفر مزورة وانتقلت بها إلى مصر ومنها إلى غزة من طريق عصابات التهريب عام 2020. ويشير رجل الأعمال الكندي إلى أن الفتاة في ذلك الوقت كانت تعاني "متلازمة ستوكهولم"، فلم تستطع أن تطلب المساعدة أو تحاول الفرار خلال طريق تهريبها من سوريا إلى غزة لأنها في ذلك الوقت لم تكن تعرف سوى خاطفيها، ويقول "كانت طفلة لا تتجاوز 11 سنة عندما أبلغوها أن جميع أفراد عائلتها قُتلوا وأن لا أحد لها في الدنيا سوى أولئك الإرهابيين.. تعرضت للاغتصاب في طفولتها مراراً.. أصبحت مسلوبة الإرادة تفعل ما يقولونه لها وإذا خالفت شيئاً كانت تتعرض للضرب وطوال رحلتها عبر تركيا ومصر وصولاً إلى غزة كان هناك من يرافقها من ’داعش‘".

خُطفت فوزية عام 2014 مع اثنين من أشقائها، اللذين كانا يبلغان من العمر سبع و10 سنوات في ذلك الوقت، وعلى رغم أن الأخوين وجدا طريقة للهرب، فإن الفتاة قضت أعواماً تعاني العنف والظلم والاغتصاب من قبل مقاتلي تنظيم "داعش". وبحلول أوائل عام 2015، نقلت إلى مدينة الرقة السورية حيث تم بيعها مرتين لمقاتلين من "داعش" واغتصابها قبل "تزويجها" قسراً بمقاتل فلسطيني ينتمي إلى التنظيم في سوريا كان يبلغ من العمر 24 سنة آنذاك. وذكرت الشابة في مقابلة مع قناة روداو الكردية في أغسطس 2023 من داخل غزة، أن زوجها الفلسطيني الذي قُتل في سوريا كان يقوم بتخديرها قبل اغتصابها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد حوالى عام من وصولها إلى الرقة، اتخذت حياة "فوزية" منعطفاً آخر عندما أنجبت ولداً، وهو الأول من طفلين أنجبتهما من زوجها الداعشي الفلسطيني. وبحلول نهاية عام 2018، عندما طردت القوات الكردية بقيادة الولايات المتحدة "داعش"، فقدت الفتاة التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 15 سنة، الاتصال بزوجها الفلسطيني، الذي فر من شمال شرقي سوريا إلى محافظة إدلب في شمال غربي البلاد.

عاشت فوزية في مخيم الهول حتى نقلت إلى إدلب عام 2019. وفي أوائل عام 2020، بدأت رحلتها إلى غزة حيث عاشت مع طفليها (ولد وبنت)، في منزل عائلة الزوج الداعشي، لتواجه حلقة جديدة من المعاناة. فهناك تعرضت لمعاملة سيئة واتهامات بالكفر. وأخيراً، تمكنت من طلب الإغاثة من طريق بعض الأشخاص في العراق الذين سرعان ما تواصلوا مع منظمة "تحرير النساء والأطفال المسيحيين والإيزيديين في العراق" التي تولت الأمر. 

كانت عملية الإنقاذ، التي علمت بها "اندبندنت عربية" منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مرهقة وصعبة واستغرق الأمر أشهراً من مامان ومساعديه واتصالات واسعة مع مستويات رفيعة على الصعيدين السياسي والعسكري في إسرائيل والولايات المتحدة والعراق. 

يشير مامان إلى أن التحدي الأكبر الذي واجهه كان تحقيق التنسيق بين العراق وإسرائيل نظراً إلى عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين. وقال "كان علي تقسيم المهمات والتعامل مع كل طرف على حدة". فمن الجانب الإسرائيلي، تولى رجل الأعمال الكندي التواصل مع الحكومة وأجهزة الأمن التي لعبت دوراً محورياً في إخراج فوزية من غزة. أما من الجانب العراقي، فقد كانت وزارتا الداخلية والخارجية مسؤولتين عن إصدار الأوراق الثبوتية وجواز السفر للشابة لتتمكن من دخول العراق بعد إنقاذها. في هذه الأثناء، لعبت السفارة الأميركية لدى القدس دور الوسيط، كما تعاونت السلطات الأردنية التي استقبلت الشابة في طريقها للعودة إلى العراق.

50 ألف دولار تُسلم في مصر 

في البداية، عندما تواصلت منظمة "تحرير أطفال العراق" مع العائلة التي كانت تحتجز الشابة الإيزيدية في غزة، طلب شقيق الزوج (محمد .ب) دفع 50 ألف دولار للسماح لفوزية بالمغادرة لكن من دون طفليها. ووفق مصدر عراقي وثيق الصلة بعملية إنقاذ الشابة تحدث إلى "اندبندنت عربية" شريطة عدم ذكر هويته مكتفياً بذكر الأحرف الأولى (د.ج)، فإن إحدى الخطط الأولية كانت تنطوي على تهريب فوزية إلى مصر عبر رفح، لكن مع تصاعد حدة الحرب تم إغلاق المعبر وبات هناك حاجة لخطة بديلة. 

ويقول مامان "بينما كنا على وشك تنفيذ خطة تهريب فوزية لمصر، شددت السلطات المصرية سيطرتها على حدودها مع غزة، مما جعل عبورها صعباً للغاية".

 وفي هذه الأثناء، طلب شقيق زوج فوزية إرسال الأموال إليه من طريق وسيط موجود في مصر، ووفقاً للمصدر العراقي "أعطاني رقم هاتف مصرياً، هاتفته وكان الهاتف يبدو أنه يتعلق بمكتب أو شركة.. أوهمته بأنني سوف أرسل الأموال من طريق أحد الأشخاص لتسليمهم له.. كما طلبت منه صورة جواز سفره للتأكد من المعلومات قبل تسليم الأموال، إضافة إلى رقم الهاتف الشخصي لفوزية."  بعدما أرسل شقيق الزوج جواز سفره، بدأ مامان مساومته ورفض دفع الأموال، ليبدأ تنفيذ خطة أخرى لمساعدة فوزية على الهرب.

حصلت "اندبندنت عربية" على صورة ملتقطة عبر الهاتف للصفحة الرئيسية من جواز السفر الخاص بالشخص المزعوم داخل غزة وهو من مدينة "دير البلح".

عند هذه المرحلة، كان على فوزية الاختيار بين أمرين كلاهما مرير، فإما البقاء مع أطفالها وتحمل الإساءة والعنف من الأسرة الفلسطينية أو الهرب من دون طفليها الذين يرفض أهل الأب تركهم لأم غير مسلمة وأهلها يرفضونهم في الوقت نفسه لأن الزعيم الروحي للطائفة الإيزيدية أصدر فتوى قبل أربعة أعوام تُحرم قبول الأطفال الناتجين من الاغتصاب على يد عناصر "داعش"، داخل المجتمع الإيزيدي. 

بعد فرارها من منزل عائلة زوجها الداعشي في مايو (أيار) الماضي، يقول المصدر المسؤول عن التواصل مع فوزية أثناء تحركاتها داخل غزة، أنها كانت تعاني حالة نفسية سيئة ولم ترغب في المغادرة من دون طفليها، "لكنها اضطرت أخيراً بعدما وعدتها بالعمل إلى إخراج طفليها من غزة لاحقاً". غادرت فوزية رفح واختبأت في منزل يبعد حوالى كيلومترين عن الجيش الإسرائيلي عند معبر كرم أبو سالم، ثم انتقلت إلى خان يونس. وخلال هذه الرحلة، واجهت أخطاراً عدة، كان من بينها تعرضها مجدداً للاعتداء الجنسي.

داخل سيارة إسعاف

استغرق الأمر من مامان وفريق صغير من الناشطين العراقيين أشهراً عدة من الضغط المستمر على المسؤولين العراقيين والأميركيين والإسرائيليين. لجأ مامان إلى التواصل مع مكتب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للتوسط لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التعاون لإنقاذ الشابة، موضحاً "كنا نحاول العمل مع مكتب نتنياهو لتجاوز البيروقراطية المحيطة بهذا الوضع السياسي لأنها ضحية.. لم تكن داخل غزة بإرادتها، بل لأنها ضحية". في النهاية، تمكن مامان من تنسيق الجهود بعد التواصل مع السفارة الأميركية، التي قامت بتنسيق التحركات مع الأطراف الإسرائيلية والأردنية والعراقية.

كان الحصول على جواز سفر لفوزية أحد أكبر التحديات التي واجهتها، إلا أن المصدر العراقي أوضح أن مدير مكتب وزير الخارجية العراقي سلوان سنجاري، كان متفهماً للوضع وقام بدور رئيس في تسهيل إصدار جواز السفر. وبفضل جهود سنجاري، تم الحصول على جواز سفر لها باستخدام صورة من مكالمة فيديو عبر تطبيق "واتساب".

وفقاً لما ذكره مامان، فإن ما دفع المسؤولين الأميركيين في المنطقة إلى القيام بمحاولة إنقاذها الأخيرة كان "حادثة مقلقة للغاية" حدثت قبل يوم واحد فقط من إنقاذها. "كانت تسير بمفردها عندما تعرضت لهجوم من مجموعة من الرجال". وأوضح مامان أن الأميركيين هم الذين نسقوا الاتصالات بين الأطراف المعنية كافة، وتولوا نقلها بسيارة إسعاف تابعة للأمم المتحدة إلى معبر كرم أبو سالم. من هناك، نُقلت إلى سيارة تابعة للسفارة الأميركية لدى القدس، وبعد ساعات قليلة انتقلت إلى الأردن عبر معبر جسر اللنبي، ومن ثم إلى السفارة العراقية لدى الأردن، وأخيراً سافرت إلى العراق صباح اليوم التالي. في بغداد، تم احتجاز فوزية لمدة ساعتين من قبل الاستخبارات العراقية للتحقيق معها، ثم نُقلت إلى مطار أربيل، حيث خضعت لاستجواب آخر في كردستان قبل أن تجتمع بعائلتها أخيراً.

المزيد من تقارير