ملخص
على رغم الأخطار التي تثيرها الأسلحة النووية، فإن الحروب أظهرت كيف يمكن أن تكون الأسلحة التقليدية مدمرة بصورة مروعة للمدنيين، وكيف يردع التهديد باستخدام الأسلحة الذرية التصعيد العسكري بالتالي، يخدم السلام.
عندما فاز هنري كيسنجر بجائزة نوبل للسلام عام 1973 أعلن توم ليرر عن تقاعده لأن عبثية الواقع جعلت السخرية زائدة على حدها.
لذلك، سيرحب الأشخاص من أصحاب النيات الحسنة بمنح جائزة السلام لعام 2024 للمجموعة اليابانية نيهون هيدانكيو التي أسسها الناجون من القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي عام 1945. فهم يحذرون من أهوال الحرب النووية ويروجون لنزع السلاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن لنا أن نكون على ثقة بأنهم لن يحذوا حذو بعض السياسيين ممن حصلوا أخيراً على جائزة نوبل للسلام، والذين اعتبروا في كثير من الأحيان أنها قد أضفت شيئاً من القدسية عليهم وعلى طموحاتهم السياسية، بما في ذلك استخدام القوة.
ألا تذكرون الطريقة التي سوغ بها الخطيب المفوه باراك أوباما، في [كلمة ألقاها] في أوسلو بعد حصوله على جائزة نوبل، لجوء الولايات المتحدة إلى القوة بهدف الدفاع عن قيمها وفرض هذه القيم، وذلك قبل قصف ليبيا؟
ومنذ فترة قريبة، أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في عداد الحائزين جائزة نوبل للسلام في حين كانت بلاده الشاسعة والمعقدة على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية بين أفراد مكوناتها العرقية.
دعونا نتغاضى حتى عن ذكر أولئك الذين نالوا الجائزة في الشرق الأوسط...
لقد أزهقت أرواح كثيرة في خضم الحروب "التقليدية" التي شنت منذ عام 1945، إلى درجة أن هناك عجزاً يثير الشكوك على المستوى الأخلاقي ويتمثل في التركيز على خطر نهاية العالم، التي لم تحدث بعد [في وقت] تترك فيه المذابح اليومية لتتواصل كما تشاء.
ولا تزال التجربة تكذب حتى تحذير ألبرت أينشتاين الشهير (وإن كان شبه ملفق) من أنه إذا تم استعمال أسلحة نووية في حرب عالمية ثالثة، فعندئذ يمكننا أن نكون على ثقة من أن القتال في الحرب الرابعة سيكون بالعصي والحجارة.
عندما اشتبك المقاتلون التابعون للقوتين النوويتين، الهند والصين، في يونيو (حزيران) 2020، على طول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، ضبط الجنود أنفسهم إلى حد أنهم لم يستخدموا أي سلاح آخر ضد بعضهما بعضاً سوى الهراوات والحجارة التي تراشقوا بها.
إن الحاجة إلى تجنب [تصعيد التوتر] يفضي إلى استعمال سلاح نووي قد منعت كلاً من بكين ونيودلهي من خوض حرب حدودية مريرة على شاكلة تلك التي دارت بينهما في المناطق القاحلة الجليدية عام 1962، عندما لم يكن أي منهما يملك القنبلة النووية.
وعلى الجانب الغربي للهند، يظل إحلال السلام في كشمير احتمالاً بعيد المنال، في حين يدعم المتمردون المسلمون باكستان التي تملك أسلحة نووية. لقد خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب خطرة بين عامي 1947 و1971، عندما لم تكن أي منهما تملك قنبلة نووية، إلا أنهما استطاعتا الاستمرار في احتواء تنافسهما تحت عتبة الحرب النووية منذ أن حازت كلاهما أسلحة نووية بعد عام 1998.
وحتى نظام كوريا الشمالية لم يستخدم قنبلته التي تعرضت لعقوبات كثيرة، في حين يعتقد أن إيران غير النووية وإسرائيل النووية على وشك الدخول في حرب شاملة.
لقد خاضت الدول غير النووية حروباً مع قوة عظمى تملك أسلحة نووية من دون أن يعمد مالك القنبلة إلى استخدام سلاح ذري. هكذا قاتلت كل من كوريا الشمالية وفيتنام الشمالية الأميركيين في الماضي، واليوم تقاوم أوكرانيا الغزو الروسي. ويتحسر الأوكرانيون على إزالة الرؤوس الحربية، التي بقيت في تسعينيات القرن الماضي [من مخلفات] الحقبة السوفياتية في أراضيهم، مقابل ضمانات ورقية جاءتهم من الغرب [فهم يعتقدون أن ذلك] أدى إلى خسارتهم القدرة على الردع، فإن كييف لم تكن تسيطر على تلك الرؤوس فعلياً. والمهم هو أن الكرملين لم يقصف كييف.
وقد اعترف الرئيس بايدن في الآونة الأخيرة بمخاوفه من أن فلاديمير بوتين كان ليستخدم الرؤوس الحربية النووية الروسية عام 2022، إذ كان حينذاك غزوه لأوكرانيا يسير على نحو سيئ للغاية. وقد تلقى بوتين من حليفته الصين ومن الأميركيين، تحذيرات من مغبة اللجوء إلى أسلحة نووية. ولكن تبين أن [حيازة هذه الأسلحة] ليست الورقة الرابحة بالنسبة إلى المعتدي، وذلك لأن نظراءه النوويين يريدون الحفاظ على تحريم استخدام القنبلة، وحتى ضد الضعفاء.
ليس هناك ما يضمن أن الردع سينجح على الدوام، ولكن تأمل في مدى ضبط النفس الذي مارسه حتى السفاحون مثل ماو تسي تونغ، والمنظرون المجانين كريتشارد نيكسون أو تلميذه دونالد ترمب، ممن سيطروا في وقت ما على "الرادع النهائي". لقد أظهرت الحروب الأكثر كارثية وتدميراً منذ عام 1945 من كوريا إلى غزة كيف يمكن أن تكون الأسلحة "التقليدية" نذير شؤم مروع بالنسبة إلى المدنيين.
لذا ألا تستحق القنبلة النووية أن نشكرها بشدة؟
© The Independent