Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تغيب الإحصاءات الرسمية في سوريا؟

أقمار اصطناعية ومسيرات وروبوتات حول العالم وعطل في موقع المكتب الرسمي

تنعدم شروط اتباع المنهجية الأكاديمية في وضع الإحصاءات في سوريا (أ ف ب)

ملخص

"أحياناً نصدر إحصاءات لا يمكن أن تمر على طفل صغير، كمثل تعداد سكان سوريا مثلاً، فنحن سنوياً نرفع التعداد بالملايين من دون أسس منهجية وعلمية وأكاديمية وحتى إحصائية، إذ تأتينا أرقام جاهزة لنشرها".

تعتبر عملية الإحصاء في سوريا واحدة من أكثر العمليات تعقيداً وسرية أحياناً، وبنسب عالية تتسم بانعدام الشفافية، إذ لا يمكن للباحث المتخصص أو الشخص العادي معرفة حتى عدد السكان الحقيقي بدقة بين عام وآخر بين مدينة وأخرى، وكذلك نسبة الدمار الفعلي في الحرب، وعدد العائدين لما تبقى من تلك الأحياء وخلافه.

وكذلك تستحيل معرفة أعداد المهجرين أو القتلى من أي طرف كانوا، على رغم اجتهادات الأمم المتحدة في هذا الشأن ومعها بعض الجمعيات غير الحكومية، وكلها في مجملها تبدو عاجزة عن تقديم أرقام حقيقية ما لم تصدر تلك الأرقام عن سلطات النظام المعنية.

الجيش والقوات المسلحة

وفي هذا الإطار تبرز أيضاً استحالة معرفة الرقم الدقيق لعناصر الجيش وضباطه وملتحقيه والمحتفظ بهم والاحتياطيين خلال الحرب وبعدها،

وتورد مصادر مفتوحة يصعب التحقق منها أن تعداد الجيش السوري كان يبلغ عام 2010 نحو 300 ألف مقاتل و200 ألف من الاحتياط، وبذلك يعتبر واحداً من أكبر جيوش الشرق الأوسط، وكذلك يمتلك أكثر من 5 آلاف دبابة وترسانة صاروخية من بين الأقوى عالمياً.

فيما تورد وكالة "رويترز" في إحدى إحصاءاتها مطلع الحرب عام 2011 أن قوام الجيش السوري مكون من 295 ألف عنصر وضابط نظامي، و314 ألف ضابط وجندي احتياط، وفي عام 2013 أصدر المعهد الدولي الإستراتيجي في لندن دراسة قال فيها إن "تعداد الجيش السوري يبلغ الآن نظرياً 178 ألف جندي منهم 110 آلاف في سلاح البر، و5 آلاف في سلاح البحر، و27 ألفاً في سلاح الجو، و36 ألفاً للدفاع الجوي"، مضيفاً "كان تعداده قد بلغ 325 ألفاً عام 2009، منهم 220 ألفا في سلاح البر".

تحديث تجاوزه الدهر

يعجز الباحث عن إيجاد أرقام دقيقة توردها وزارة الدفاع السورية، إذ تكتفي عبر موقعها الرسمي بالإشارة إلى تاريخ القوات المسلحة منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ثم تقفز بالزمن لتشير إلى أن القوات المسلحة شهدت تطوراً كبيراً للغاية مع وصول الأسد الابن إلى الحكم في سوريا.

ويعتبر مثال القوات المسلحة والجيش واحداً من أبرز الأمثلة عن غياب الشفافية في التعاطي مع الأرقام الرسمية التي تشير إليها الدول والجماعات والمنظمات وحتى الميليشيات بصورة واضحة وجلية ومباشرة، وقد يكون لذلك أسبابه في سوريا.

أبعاد إستراتيجية

وعن تلك الأسباب يشير العقيد المتقاعد جبران محمد قائلاً "تعتمد سوريا بوصفها دولة مواجهة على التكتم الشديد وسرية المعلومات مهما بدت بسيطة وبديهية، وهي جزء من الحرب النفسية والإعلامية، وعلى رغم أن دولة كإسرائيل نفسها تعلن عن قوامها لكن سوريا تحتفظ بمعلوماتها لنفسها وقد تخفيها عن حلفائها حتى ضمن سياسة عسكرية إستراتيجية طويلة الأمد ومتبعة منذ أيام حافظ الأسد".

ويتابع "على رغم أن حزباً مثل 'حزب الله' أعلن عن قوامه وكذلك 'الحشد الشعبي' وإيران وصدام حسين الذي كان يتباهى دائماً بقوامه العسكري، فأن سوريا تمتلك نظرياتها في هذا الشأن، وبرأيي أن هذا الأمر لم يعد مجدياً اليوم في ظل التطور التكنولوجي والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة والعملاء على الأرض".

كشف أسرار بالمجان

ويبين العقيد أن "دول الإقليم أو العالم إلى حد ما ومرحلة ما لم تكن لديها معلومات كافية ووافية عن قوام الجيش وضباطه وعناصره وأسمائهم وتشكيلاتهم، لكن مواقع التواصل الاجتماعي فضحت كل شيء"، وذلك على اعتبار أن جداول التنقل والترفع للضباط تجيء مطلع العام مرة ومع بداية يوليو (تموز) مرة أخرى، وفي هاتين المناسبتين يبدأ السوريون بالمباركة للضباط مع وضع صورهم ورتبهم على 'فيسبوك' وكذلك يفعل الضباط أنفسهم مما سهل لأعداء سوريا مراقبتها بأبسط الطرق عبر أدوات داخلية غير متعمدة، وسط صمت عسكري سوري مطبق حيال هذا".

تخمينات

والأمر ذاته ينسحب على معرفة تعداد سكان مناطق الأكراد والعشائر العربية أو الحكومة، أو مستوى البطالة الدقيق، أو حجم عمالة الأطفال، أو التضخم وفق منهجية علمية رسمية، وهل تلك النسب الصادرة صحيحة من الأساس؟ وهذا سؤال تسهل الإجابة عنه بالنفي غالباً في كثير من المواقع والقطاعات لانعدام شروط اتباع المنهجية الأكاديمية في وضع الإحصاءات خارج التخمينات.

الترتيب المتوقع

في عام 2022 احتلت سوريا المرتبة ما قبل الأخيرة في مؤشر الفساد العالمي بحسب منظمة "الشفافية الدولية"، وفي عام 2023 حافظت على مركزها قبل الأخير، بحسب المنظمة ذاتها، والأرقام ذاتها وفق ناشطين حقوقيين تنطبق على الشفافية في سوريا وفق معايير المنظمة الدولية التي تراعي النزاهة أولاً.

وترى "مجموعة البنك الدولي" أن "الطلب على البيانات الإحصائية ذات الجودة العالية مستمر في الارتفاع، وتعتبر الإحصاءات الموثوقة المتاحة في الوقت المناسب مقومات لإستراتيجية التنمية بمفهومها الواسع، كما أن تحسينات البيانات كماً وكيفاً والخاصة بالتنمية في جوانبها كافة تعتبر ضرورية إذا أردنا تحقيق غاية وجود عالم خال من الفقر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير قابل للطعن أو النقاش

وعن كيف تستغل السلطات تلك الإحصاءات كسلاح فعال في اتجاهات عدة، فبحسب مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن المشكلة الأساس في عمل "المكتب المركزي السوري الرسمي للإحصاء" مثلاً أنه ممول من الحكومة مباشرة مما يجعله جزءاً منها لا مؤسسة مستقلة، وبالتالي يمكن الضغط عليه لإصدار إحصاءات تخالف الواقع مثل تلك المتعلقة بنسب التضخم مثلاً.

مصدر في مكتب الإحصاء المركزي، فضل عدم الكشف عن هويته، بيّن في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الإحصاءات التي تصدر عنهم مغايرة للواقع في معظم الأوقات والملفات، وبأنهم محكومون بالتوجيهات الحكومية غير القابلة للطعن أو المناقشة.

ويقول "أحياناً نصدر إحصاءات لا يمكن أن تمر على طفل صغير، مثل تعداد سكان سوريا مثلاً، فنحن سنوياً نرفع التعداد بالملايين من دون أسس منهجية وعلمية وأكاديمية وحتى إحصائية، إذ تأتينا أرقام جاهزة لنشرها".

مبالغات سياسية

المستشار الاقتصادي كرمان عبود يؤكد ما ذكره المصدر في مركز الإحصاء، لكنه يشرح أسباب ذلك إستراتيجياً ودولياً بقوله "اليوم نحن والأمم المتحدة متفقون أن نسبة من هم تحت خط الفقر في سوريا تجاوز 90 في المئة، وحقيقة هم أصبحوا 99 في المئة فعلياً، وحين تقول لدي 10 مليون سوري في الداخل ليس مثل حين تقول لدي 30 مليوناً، إذاً أنت تضغط على الأمم المتحدة وجمعياتها العاملة في سوريا لزيادة المساعدات".

ويضيف أنه "من البديهي أنه ليس هناك اليوم 30 مليون سوري مقيمون داخل سوريا بعد عقد ونصف من الحرب وهجرة 7 ملايين أساساً، مع الأخذ في الاعتبار أن تعدادنا كان نحو 20 مليوناً عام 2011، فكيف هذه الزيادة الكبيرة؟ الإحصاءات لدينا سياسية واجتماعية واقتصادية وليست أرقاماً حقيقية بالتأكيد، ورأينا ذلك بالمبالغة المهولة بتعداد المتضررين من زلزال السادس من فبراير (شباط) 2023 بغية تحصيل أكبر كم من المساعدات".

تقاطع جهات

ويؤكد الباحث الاقتصادي نصر سلوم لـ "اندبندنت عربية" أن مكتب الإحصاء الرسمي افتتح عام 2005 بصورة رسمية، وقبله بعام واحد كانت هناك دراسة سكانية إحصائية على أن يتم الإحصاء كل 10 أعوام، وحصل ذلك عام 2014 على رغم استحالته نظرياً بسبب ضراوة الحرب، ثم جاء إحصاء 2024 ليخبرنا أننا أصبحنا تقريباً 30 مليون سوري، فكيف ذلك؟ وماذا عن مناطق إدلب والأكراد والمهجرين؟

ويضيف الباحث أنه "يتم الإحصاء من طريق الاستعانة بهيئة التخطيط والتعاون الدولي ووزارات الإدارة المحلية والبيئة والكهرباء، إضافة إلى وزارة التجارة الداخلية عبر معرفة تعداد البطاقات الذكية الأسرية التي تشرف عليها، ومن الممكن الاعتماد على وزارة الداخلية أيضاً من خلال سجل الأحوال المدنية وحركة الدخول والخروج لإحصاء المسافرين غير المهاجرين والموجودين بصورة دائمة".

أرقام غير متناغمة

وحصلت "اندبندنت عربية" على معلومات من مركز الإحصاء المركزي تفيد بأن عدد قاطني سوريا كان عام 1950 نحو 5 ملايين، وفي عام 1980 نحو 10 ملايين، وفي 2004 تقريباً 20 مليوناً، وفي عام 2014 بحدود 24 مليون، وبعدها بـ 10 أعوام، أي في عام 2024، أصبح الساكنون 30 مليوناً.

وبمقارنة تلك الأرقام وتطوراتها يتضح جلياً وجود مشكلة إحصائية سكانية فعلية غير متناغمة أو معقولة مع موجات هجرة مليونية بين عامي 2011 و2024، وعلى مراحل عدة براً وبحراً وجواً.

"جرب لاحقاً"

"الموقع غير متاح، جرب لاحقاً"، هي أكثر جملة تواجه زائر موقع مكتب الإحصاء على الإنترنت، وفي حال نجح في الولوج إليه فإنه سيجد أمامه خوارزمية معقدة لا يمكن تفكيكها أو فهمها عبر دمج القديم بالجديد من المعلومات من دون وضوح مفهوم، وقد يكون تعقيد موقع المركز نوعاً من الحال المراد إيصالها، وهي ألا يصل الباحث إلى معلومة يبنى عليها.

ليس الحال أفضل في أماكن أخرى

ولا يبدو الأمر أفضل بكثير في مناطق سيطرة الأكراد شمال شرقي سوريا، حيث يصدرون بياناً إحصائياً سنوياً يشمل معطيات عدة أهمها النفط، وهو البيان الذي يصعب تحليله وفهمه حتى على المتخصصين، وترفق به الموازنة السنوية، وكل تلك الأمور تبدو من منظور الأكراد أسراراً قومية يجب عدم الإفصاح عنها، والأمر ذاته ينطبق على مناطق نفوذ "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمال حلب، ومناطق نفوذ "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، إلا أن أقرب الأرقام التي تقدمها منظمات غير حكومية هناك هي وجود نحو 4 ملايين شخص، وهو أمر مستبعد لضيق الحيز الجغرافي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير