ملخص
اكتسب شهرة كبيرة كزعيم في السجن وبرز كبطل شعبي بعد أن قضى 22 عاماً داخل السجون الإسرائيلية لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين. ثم ارتقى سريعاً إلى قمة صفوف قيادة "حماس".
يقول أشخاص على اتصال بيحيى السنوار إن زعيم حركة "حماس" غير نادم على هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على رغم أنها أشعلت فتيل حملة عسكرية إسرائيلية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتحويل غزة إلى أنقاض، ووجهت ضربات قاصمة لحليفته جماعة "حزب الله" اللبنانية.
وقال الجيش الإسرائيلي اليوم الخميس إنه يتحقق من احتمال مقتل السنوار (62 سنة) العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر 2023، التي شنتها "حماس" عبر الحدود على جنوب إسرائيل.
إلا الكفاح المسلح
وأفاد أربعة مسؤولين فلسطينيين ومصدران من حكومات في الشرق الأوسط خلال الأسابيع التي سبقت مرور عام على اندلاع الحرب في غزة، بأن السنوار لا يرى إلا الكفاح المسلح سبيلاً لفرض قيام دولة فلسطينية.
وأسفرت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عن مقتل 1200 شخص معظمهم من المدنيين، واحتجاز 250 رهينة وفقاً لإحصاءات إسرائيلية في أشد الأيام دموية منذ إعلان قيام دولة إسرائيل.
وردت إسرائيل بشن هجوم واسع النطاق أسفر عن مقتل أكثر من 42 ألفاً ونزوح 1.9 مليون فلسطيني، بحسب السلطات الصحية الفلسطينية وإحصاءات الأمم المتحدة.
وامتد الصراع الآن إلى لبنان، حيث وجهت إسرائيل ضربات قاصمة لجماعة "حزب الله" المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك قتل معظم قاداتها. وقد تنجر طهران التي تدعم حركة "حماس" إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل.
وقال المؤلف والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن حسن إن السنوار جر إيران و"محور المقاومة" بأكمله -الذي يضم "حزب الله" والحوثيين في اليمن وجماعات مسلحة عراقية- إلى صراع مع إسرائيل.
وأضاف حسن "ما نشهده الآن هو تبعات ’السابع من أكتوبر‘. مقامرة السنوار لم تنجح"، مشيراً إلى أن محور المقاومة قد لا يتعافى أبداً.
وأضاف حسن "ما فعلته إسرائيل بـ’حزب الله‘ خلال أسبوعين يعادل تقريباً عاماً كاملاً من إضعاف ’حماس‘ في غزة. ففي جماعة ’حزب الله‘ تم القضاء على ثلاثة مستويات من القيادة وتقليص قيادتها العسكرية واغتيال زعيمها البارز حسن نصرالله".
صانع القرار الوحيد
لكن قبضة السنوار على "حماس" ظلت محكمة على رغم بعض العلامات على المعارضة بين سكان غزة.
واختير السنوار زعيماً للحركة بعد مقتل إسماعيل هنية خلال يوليو (تموز) الماضي في ضربة يشتبه أن إسرائيل نفذتها أثناء زيارة كان يقوم بها إلى طهران. ولم تؤكد إسرائيل ضلوعها في الضربة.
ويعمل السنوار الذي أطلقت عليه إسرائيل وصف "وجه الشر" في الخفاء ويغير أماكنه باستمرار ويستخدم رسلاً موثوقاً بهم في الاتصالات غير الرقمية، وفقاً لثلاثة مسؤولين من "حماس" ومسؤول إقليمي. ولم يظهر السنوار علانية منذ السابع من أكتوبر 2023.
وعلى مدى أشهر من المحادثات التي لم يحالفها النجاح لوقف إطلاق النار بقيادة قطر ومصر والتي ركزت على مبادلة سجناء فلسطينيين بالرهائن الإسرائيليين، كان السنوار هو صانع القرار الوحيد، بحسب ما ذكرت ثلاثة مصادر من "حماس". وكان المفاوضون ينتظرون أياماً للحصول على ردود تمر عبر سلسلة سرية من الرسل.
وبدا استعداد السنوار لتحمل المعاناة سواء لنفسه أو للشعب الفلسطيني في سبيل القضية حين ساعد في التفاوض على تبادل 1027 سجيناً فلسطينياً من بينهم هو نفسه مقابل جندي إسرائيلي مخطوف داخل غزة عام 2011. وأدت عملية الخطف التي قامت بها "حماس" إلى هجوم إسرائيلي على الجيب الساحلي ومقتل آلاف الفلسطينيين.
وقال ستة أشخاص يعرفون السنوار لـ"رويترز" إن عزيمته تشكلت بفعل أعوام طفولة فقيرة قضاها داخل مخيمات اللاجئين في غزة، و22 عاماً داخل سجون إسرائيل من بينها فترة قضاها في عسقلان المدينة التي يصفها والداه بأنها موطنهما الذي فرا منه بعد حرب 1948.
وأجمعت كل المصادر -الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم كي يتحدثوا بحرية عن الأمور الحساسة– على أن مسألة مبادلة السجناء بالرهائن مسألة شخصية جداً للسنوار، فقد قطع على نفسه عهداً بإطلاق سراح جميع المحتجزين الفلسطينيين في إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانضم السنوار إلى حركة "حماس" بعد فترة وجيزة من تأسيسها خلال الثمانينيات، متبنياً الأيديولوجية الإسلامية الأصولية للجماعة التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في فلسطين التاريخية وتعارض وجود إسرائيل.
ولا ترى هذه الأيديولوجية في إسرائيل مجرد منافس سياسي بل تنظر إليها على أنها قوة احتلال لأراضي المسلمين. ويقول متخصصون في الحركات الإسلامية إنه من هذا المنظور كثيراً ما يعد السنوار وأتباعه المصاعب والمعاناة جزءاً من الجهاد الذي يتطلعون إلى أن يؤجروا عليه.
وقال مسؤول كبير في "حماس" طلب عدم الكشف عن هويته إن قوة العقيدة والإصرار على الهدف هما الأساس في تكوين عزيمته، وإنه متقشف وزاهد يرضى بالقليل.
نحو مراتب الزعامة
وقبل الحرب كان السنوار يحكي أحياناً عن حياته المبكرة في غزة خلال عقود من الاحتلال الإسرائيلي، وقال ذات مرة إن والدته كانت تحيك الملابس من الجوالق (الأجولة المتبقية بعد تفريغ المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة) بحسب ما ذكره وسام إبراهيم وهو أحد سكان غزة ممن التقوا السنوار.
وفي رواية كتبها في السجن في ما يشبه السيرة الذاتية وصف السنوار مشاهد للقوات الإسرائيلية وهي تدمر المنازل الفلسطينية كوحش يسحق عظام فريسته، قبل انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.
وكان السنوار شديد الحدة والصرامة عندما عهد إليه بمهمة معاقبة الفلسطينيين المشتبه في تجسسهم لمصلحة إسرائيل.
واكتسب شهرة كبيرة كزعيم في السجن وبرز كبطل شعبي بعد أن قضى 22 عاماً داخل السجون الإسرائيلية لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين. ثم ارتقى سريعاً إلى قمة صفوف قيادة "حماس".
وقال أربعة صحافيين وثلاثة مسؤولين من "حماس" إن تفهمه للصعوبات اليومية والواقع المضني في غزة أكسبه شعبية لدى سكان القطاع وجعل الناس يشعرون بالارتياح، على رغم سمعته كشخص مهيب الجانب وغضبه القابل للانفجار.
ويعد مسؤولون عرب وفلسطينيون أن السنوار هو مهندس استراتيجية "حماس" وقدراتها العسكرية التي تعززت عبر علاقاته القوية مع إيران التي زارها عام 2012.
وقبل إشرافه على تنفيذ هجوم "السابع من أكتوبر" لم يخف السنوار رغبته في ضرب عدوه بقوة. ففي خطاب ألقاه خلال العام السابق للهجوم تعهد بإرسال طوفان من المقاتلين والصواريخ إلى إسرائيل، ملمحاً إلى حرب قد توحد العالم لإقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، أو تترك إسرائيل معزولة على الساحة العالمية.
ووقت إلقاء الخطاب كان السنوار والضيف قد أعدا بالفعل خططاً سرية للهجوم. بل كانا يجريان تدريبات علنية تحاكي مثل هذا الهجوم.
لكن أهدافه لم تتحقق. صحيح أن القضية عادت إلى صدارة قائمة الأولويات العالمية لكن احتمالات إقامة دولة فلسطينية أصبحت بعيدة المنال كما كانت دوماً. ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصورة قطعية أية خطة لغزة بعد الحرب تتضمن جدولاً زمنياً محدداً لإقامة دولة فلسطينية.
رأسه مثل الحجر
اعتقل السنوار عام 1988 وصدرت ضده أربعة أحكام بالسجن المؤبد لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين، يشتبه في تجسسهم لمصلحة إسرائيل.
وقال نبيه عواضة وهو ناشط شيوعي لبناني سابق سجن مع السنوار في عسقلان بين عامي 1991 و1995، إن زعيم "حماس" كان يعد معاهدة أوسلو دماراً، في إشارة إلى اتفاقات السلام عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وخديعة من إسرائيل التي قال إنها لن تتخلى عن الأراضي الفلسطينية إلا بالقوة، وليس من طريق المفاوضات.
وأوضح عواضة "كان يقول إن المواجهات هي التي يمكن أن تحقق إنجازات، وهو أعند من نتنياهو ورأسه مثل الحجر".
ووصف عواضة السنوار بأنه صلب العقيدة وقوي العزيمة، قائلاً إن وجه زعيم "حماس" كان يتلألأ فرحاً كلما سمع عن هجمات ضد الإسرائيليين من "حماس" أو جماعة "حزب الله" اللبنانية، فبالنسبة إلى السنوار "الطريق الوحيد لتحرير فلسطين هو طريق المقاومة".
وأضاف عواضة أن السنوار كان "ديناميكياً وكاريزماتياً" وله تأثير في كل الأسرى حتى على الذين لم يكونوا إسلاميين أو متدينين.
وقال المسؤول السابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) مايكل كوبي الذي استجوب السنوار لمدة 180 ساعة في السجن، إنه كان يتمتع بحضور واضح بسبب قدرته على الترهيب والقيادة.
وسأل كوبي ذات مرة السنوار الذي كان يبلغ من العمر حينذاك 28 أو 29 سنة لماذا لم يتزوج. وقال كوبي إن السنوار "قال لي إن ’حماس‘ هي زوجتي وولدي. بالنسبة إليَّ هي كل شيء". وتزوج السنوار بعد إطلاق سراحه من السجن عام 2011 وأنجب ثلاثة أطفال.
وقال عواضة إنه واصل في السجن مهمة ملاحقة الجواسيس الفلسطينيين، وهو ما يتطابق مع تقارير محققي جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).
وتابع أن ذهنه المتقد وتوخيه لأقصى درجات الحذر مكناه من كشف عملاء "الشين بيت" المندسين في السجن.
وأضاف أن قيادة السنوار لعبت دوراً محورياً في إضراب عن الطعام عام 1992 تزعم فيه أكثر من 1000 سجين للعيش على الماء والملح فحسب. وتفاوض السنوار مع سلطات السجن ورفض التسوية مقابل تنازلات جزئية. واستغل فترة سجنه لتعلم اللغة العبرية بطلاقة.
وقال عواضة إن السنوار كان يتذكر من حين إلى آخر أن عسقلان التي سجنا فيها معاً هي مسقط الرأس والبلد الأم لعائلته. وحين كان يلعب تنس الطاولة في باحة سجن عسقلان التي أصبحت جزءاً من إسرائيل اليوم، كان السنوار يلعب في كثير من الأحيان حافي القدمين.
ويقول عواضة "كان عندما يلعب الـ’بينج بونج، يكون حافياً من دون حذاء. فأسأله لماذا أنت حاف فيقول ’إني ألمس أرضي.. أرض فلسطين‘". مضيفاً "كان يقول لنا أنا لست بالسجن أنا في أرضي. هنا أنا في بلدي".