Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء وحدة الجهود الإنسانية الإسرائيلية في غزة؟

من صلاحياتها مشاريع إعادة الإعمار وتنسيق دخول المساعدات ونقلها إلى السكان والاستعداد للشتاء

يحتاج قطاع غزة إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة أو ما يعادلها يومياً لسد الحاجات الأساسية (أ ف ب)

 

ملخص

أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن الجيش الإسرائيلي يحاصر في الأقل 400 ألف شخص شمال القطاع.

على رغم أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي منذ بدء العملية العسكرية على منطقة جباليا ومخيمها في شمال قطاع غزة قبل أسبوعين، يرفض سامر نزال (40 سنة) ترك خيمته التي نصبها في أحد مراكز الإيواء والهرب للنجاة بنفسه كما فعل كثر، فبعد أن فقد منزله ومعظم أفراد عائلته بمن فيهم زوجته وثلاثة من أبنائه لم يعد يكترث للأخطار المحدقة من حوله.

ويعاني السكان المحاصرون في جباليا والمناطق المحيطة شمال قطاع غزة نقصاً حاداً في المياه والغذاء، بعد أن منع الجيش الإسرائيلي إدخال المعونات والوقود لهم، واستهدافه كثيراً من آبار المياه، كما منعهم من النزوح إلى مدينة غزة المجاورة، وأمرهم بالنزوح فقط عبر شارع "صلاح الدين" الممتد على طول شرق القطاع من شماله إلى جنوبه. وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن الجيش يحاصر في الأقل 400 ألف شخص شمال القطاع.

الوضع الإنساني المزري شمال غزة تحديداً، أثار حالاً من القلق في أنحاء العالم، وفي إحدى أقوى الرسائل الأميركية لإسرائيل منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام، حذر وزيرا الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن، حكومة بنيامين نتنياهو في رسالة رسمية، من أنه في حال لم تتوقف، خلال 30 يوماً، عن منع إدخال مساعدات إنسانية أميركية إلى قطاع غزة، فإن البيت الأبيض سيعمل بموجب "مذكرة الأمن القومي" ويمنع نقل أسلحة إلى إسرائيل عملاً بقانون المساعدات الخارجية.

جهود إنسانية

وفقاً لمراقبين، فإن التحذيرات الأميركية الأخيرة تمنح إسرائيل حيزاً زمنياً لاستكمال تنفيذ "خطة الجنرالات" التي تهدف إلى تحويل شمال غزة إلى منطقة عسكرية مغلقة، وإجلاء سكانها خلال أسابيع قليلة بذريعة "منع حركة ’حماس‘ من استعادة قوتها بالمنطقة"، خصوصاً أن المبعوثة الأميركية الخاصة للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط ليز غراندي، أكدت خلال اجتماعها مع رؤساء أكثر من 12 منظمة إغاثة، أن الولايات المتحدة لن تفكر في حجب الأسلحة عن إسرائيل بسبب منعها دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، خصوصاً في ظل احتمال حدوث تصعيد حاد وخطر بين إسرائيل وإيران.

 

 

وأكد تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو"، أمس الخميس، أن المخاوف التي أثارها ممثلو المنظمات الإغاثية حول الطرق التي تمنع بها إسرائيل الوصول إلى غزة، وتأكيداتهم أنها تنتهك القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر على نطاق واسع على البلدان تقييد أو منع المساعدات الإنسانية أو حركة العاملين في المجال الإنساني في مناطق الصراع، يثير الشكوك بجدية التهديدات الأخيرة التي أطلقتها إدارة بايدن للقيام بذلك على وجه التحديد. كيف لا والمبعوثة الأميركية تتحدث عن أنه ما دامت المنظمات الدولية تعمل تحت إشراف مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة، التابع للجيش، فسنجد صعوبة في تغيير العمليات على الأرض. وانتقد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ما تبدو أنها مهلة شهر كامل منحتها الولايات المتحدة لإسرائيل لتحسين الكارثة الإنسانية في غزة، قائلاً إنه خلال ذلك الوقت، سيموت عدد كبير جداً من الناس.

وحدة جديدة

مع توسع سيطرة الجيش الإسرائيلي بصورة متزايدة على مناطق داخل قطاع غزة وازدياد ضغوط واشنطن بصورة متكررة على حكومة نتنياهو لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، خصوصاً مع تضاؤل قدرة الجيش على إدارة الشؤون المدنية، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت نهاية أغسطس (آب) الماضي عن إقامة جسم مقابل للإدارة المدنية لكنه يعمل في القطاع تحت مسمى "وحدة الجهود الإنسانية - المدنية في قطاع غزة" يهدف إلى تنسيق وإدارة عمليات بعض أهم الحاجات المدنية التي تخص الفلسطينيين، ووضعها تحت المسؤولية المباشرة للجيش الإسرائيلي، بحيث ستصبح حاجات سكان غزة الإنسانية من طعام وعلاج ورعاية وإعادة إعمار، وعلاقتهم بالمجتمع الدولي، تحت إدارة وتحكم الجيش الإسرائيلي، وهو ما يشير وفق محللين إلى بداية عودة الاحتلال المباشر لقطاع غزة وجعل إدارة شؤون الفلسطينيين هناك كأحد سيناريوهات "اليوم التالي" للحرب.

ووفقاً للصفحة الرسمية "لوحدة الجهود الإنسانية" تلتزم إسرائيل القانون الدولي في عملياتها الرامية إلى القضاء على مسلحي "حماس" المختبئين في الأنفاق وبين السكان المدنيين في غزة. وستركز الوحدة بالتنسيق مع المجتمع الدولي لإدارة وترتيبات إدخال شحنات المساعدات مثل الغذاء والماء والأدوية والوقود والغاز وتطوير مسارات بديلة للتوزيعات اللوجيستية. إلى جانب إدارة برامج التطعيم ونقل المدنيين المصابين والمرضى إلى المستشفيات، والعمل مع منظمات الإغاثة الدولية لإعادة بناء النظم المدنية بما يضمن الشرعية الدولية للعمليات العسكرية في قطاع غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب بيانات رسمية وأممية، يرفض الجيش إدخال نحو 45 في المئة من الشاحنات، بينما يفرض شروطاً لوجيستية حول دخول وتوزيع نحو 15 في المئة منها. ووفق الاتحاد الأوروبي، يحتاج قطاع غزة إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة أو ما يعادلها يومياً لسد الحاجات الأساسية واليومية لنحو مليوني نسمة، وسط تفاقم حملة التجويع التي تشنها إسرائيل على سكان القطاع شمالاً وجنوباً، في حين أكدت الأمم المتحدة أن قطاع غزة يواجه حالياً ما يرجح أنها أسوأ قيود على دخول المساعدات الإنسانية منذ بدء الحرب الإسرائيلية قبل أكثر من عام، على الإطلاق. وحذرت من تداعياتها المدمرة على الأطفال خصوصاً.

وأفاد الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" جيمس إلدر بأن النقص الشديد في المساعدات، مصحوباً بالقصف المتواصل وحقيقة أن نحو 85 في المئة من غزة خاضعة لأمر إخلاء إسرائيلي من نوع ما، يجعل القطاع "غير صالح للعيش".

شرعية دولية

يتحتم على وحدة الجهود الإنسانية، وفقاً لما هو معلن، الاستعداد لفصل الشتاء المقبل، والتحضير للبنية التحتية التي دمرت والتمهيد لمشاريع إعادة الإعمار. وبحسب البيانات التي رصدها مكتب الأمم المتحدة حتى بداية أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فإن الحرب دمرت نحو 60 في المئة من المنشآت السكنية بصورة شاملة، ونحو 80 في المئة من المنشآت التجارية، و68 في المئة من شبكة الشوارع، و70 في المئة من إمدادات المياه.

وأظهرت الأرقام أن 87 في المئة من المباني المدرسية تحتاج إلى إعادة تأهيل كبير خصوصاً في ظل افتقار نحو 625 ألف طالب إلى التعليم. وأوضح التقرير الأممي أن 19 من أصل 36 مستشفى لا يعمل، وأن 43 في المئة من مراكز الرعاية الصحية تعمل جزئياً فحسب.

وبينت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن تعيين العميد إلعاد غورين رئيساً لوحدة الجهود الإنسانية والمدنية في قطاع غزة لإدارة شؤون مليوني فلسطيني، يوازي منصب رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهو ما يشير وفقاً لمحللين، إلى أن المنصب معد لفترة طويلة، ويرمز بصورة أو بأخرى إلى استمرار احتلال غزة لسنوات عدة وفق المخطط الإسرائيلي. وكشفت الصحيفة عن أن هذا الإجراء اتخذ بهدف "إعطاء الجيش شرعية دولية لمواصلة الحرب على غزة من دون أن تتأثر الجوانب الإنسانية كحدوث مجاعة أو أزمة إنسانية".

 

 

في حين لفتت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى أن أحد أسباب استحداث هذا المنصب هو أنه سيعد خطوة وصفتها "بالمصيرية" في النصر على "حماس"، وتمهيد الطريق أمام الصفقة، مضيفة أن خطوة من هذا النوع "تعد تحولاً جوهرياً في رؤية الجيش الملف الإنساني في قطاع غزة"، ووفق الصحيفة قرر الجيش إجراء هذه الخطوة بمصادقة المستوى السياسي، لتيسير عمليات إدخال المساعدات "بما يخدم مصالح إسرائيل". وهو ما يعني لكثر وخصوصاً من سكان القطاع أن استحداث هذه الوحدة جاء لتلبية حاجات تكتيكية ومهام عسكرية.

ويعارض مسؤولون أمنيون في الجيش الإسرائيلي فرض إدارة عسكرية في قطاع غزة، ليس لأنها ستعرض حياة الجنود للخطر وحسب، بل لما سيتطلبه ذلك من موازنة ضخمة، إضافة إلى الحاجة إلى تخصيص قوات كبيرة. وبحسب التقديرات التي نقلتها هيئة البث الإسرائيلية عن محللين ومسؤولين في الجيش، فإن فرض إدارة عسكرية في القطاع يحتاج إلى 20 مليار شيكل (نحو 5.5 مليار دولار) سنوياً، و400 وظيفة إضافية بالجيش وخمس فرق عسكرية دائمة.

 تخوفات وأخطار

في المقابل، طالب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قبل أيام بنقل مسؤولية تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجيش، في إطار قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه يرمي إلى تحقيق خطتهما للاستيطان في غزة. وأشارت إلى أن سموتريتش "لا يبالي بالكلف الاقتصادية الباهظة وحسب، بل لا يكترث للتحذيرات التي تتخوف من تعريض الجنود للخطر. وأضافت أن الوزيرين متمسكان بخطتهما لاستغلال ما يعتبرانه فرصة تاريخية للشعب اليهودي".

 

 

وعلى رغم التحذيرات الأميركية أخيراً لإسرائيل من احتمالية أن تتأثر المساعدات الأميركية لها بما في ذلك المساعدات العسكرية، فإن نتنياهو، رفض اقتراح الوزيرين، مؤيداً موقف الأجهزة الأمنية التي عارضت هذه الخطوة واستبدال وضع خطوات طارئة فورية بها، لتحسين الوضع الإنساني في القطاع على المدى القصير. ووفقاً لما أفادت به هيئة البث العام الإسرائيلية "كان 11"، فإن سموتريتش وبن غفير طرحا دراسة إمكانية إشراك شركة أمن مسلحة خاصة في توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة تحت إشراف إسرائيلي. بالنسبة إلى محللين، فإن خطوات تعزيز الحكم العسكري في غزة، سواء كان موقتاً أو دائماً، يفتح الباب للمستوطنين على مصراعيه لاستغلال الوضع وتعقيد الأمور بصورة دائمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير