Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخططات سموتريتش لضرب الاقتصاد الفلسطيني

مطالبه الفنية تتعلق بتدقيق طرف ثالث للنظام المصرفي الفلسطيني كشرط لتمديد التصاريح لمدة عام

طالب وزير المالية الإسرائيلي بتدقيق طرف ثالث للنظام المصرفي الفلسطيني كشرط لتجديد التصاريح لمدة عام (اندبندنت عربية)​​​​​​

ملخص

لا تقتصر سياسات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على احتجاز عائدات الضرائب التي تحصلها إسرائيل نيابةً عن السلطة الفلسطينية، بل في تجديد تهديداته بإلغاء نظام الحماية الذي يصدر بشكل سنوي عن الحكومة الإسرائيلية.

مذ وضع بتسلئيل سموتريتش يده على حقيبة وزارة المالية الإسرائيلية وأصبح الآمر الناهي في هذا المجال، يعيش الاقتصاد الفلسطيني بكل مكوناته على رجل واحدة، فسياسات الرجل المدفوعة باعتبارات سياسية وأمنية وأيديولوجية، أثرت وبشدة في النظام النقدي الفلسطيني، ولم تقتصر على احتجاز عائدات الضرائب التي تحصلها إسرائيل نيابةً عن السلطة الفلسطينية وفق اتفاق باريس، وتسببت بعجز مالي كبير للسلطة الفلسطينية، مما جعلها تتأخر في دفع رواتب موظفيها وتوفير الخدمات لمواطنيها، بل في تجديد تهديداته بإلغاء نظام الحماية الذي يصدر بشكل سنوي عن الحكومة الإسرائيلية لكل من بنك "ديسكاونت" وبنك "هبوعليم"، ويكفل لهما عدم مواجهة أي دعاوى قضائية جنائية أو مدنية نتيجة علاقاتها مع المال الفلسطيني وما قد تنطوي عليه بعض من هذه المعاملات من شبهة غسيل الأموال. وقد حظي القطاع المصرفي الفلسطيني بهدنة موقتة من هذه التهديدات في مارس (آذار) الماضي مع سماح سموتريتش بتمديد عقد الحماية لكلا البنكين لثلاثة أشهر فقط، بعدما كان يتم على أساس سنوي، وهو ما ينذر بفصل السلطة الفلسطينية عن العالم المصرفي الدولي، وقطع روابط الفلسطينيين وتعاملاتهم التجارية بالبنوك الدولية والعربية، وحرمانهم من أي طرق لتمويل مشاريعهم أو استلام حوالاتهم من الخارج أو مواصلة تجارتهم الدولية، خصوصاً أن بنكي "ديسكاونت" و"هبوعليم" هما الصلة الوحيدة بين العالم المصرفي والبنوك الفلسطينية. ويحاول سموتريتش في الوقت الراهن تمرير قانون جديد يُحكم من خلاله قبضته على القطاع المالي الفلسطيني، وقدم بعض المطالب الفنية التي تتعلق بتدقيق طرف ثالث للنظام المصرفي الفلسطيني كشرط لتمديد التصاريح لمدة عام، لتكون بديلاً من التعامل مع القطاع المالي الفلسطيني عن البنكين الإسرائيليين اللذين يقومان بهذه المهمة حالياً. وهو ما قد يتيح للقانون الجديد التحكم بشكل مباشر في العديد من العمليات المالية الفلسطينية، ورفضها أو المصادقة عليها بشكل مباشر من الحكومة الإسرائيلية.

وفقاً للملحق الاقتصادي لاتفاقية أوسلو عام 1994، أو ما يعرف "برتوكول باريس"، أُعطي الفلسطينيون في المادة الرابعة منه صلاحية تشكيل سلطة النقد الفلسطينية، وأُفردت بنود تتناول تحويل بنك إسرائيل المركزي الفائض من الشيكل لدى البنوك الفلسطينية إلى العملات الأجنبية، وذلك وفقاً لمعدلات التبادل التجاري بين الاقتصاديين، بما يشمل ما يتم تحصيله من أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل. وتعتمد السلطة الفلسطينية تحت هذا البروتوكول على الشيكل الإسرائيلي كعملة رسمية للتداول في المناطق الفلسطينية.


تحذيرات دولية

ومع اقتراب انتهاء مدة تفويض المراسلات المصرفية مع نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تحذر واشنطن من تبعات عدم التمديد على الأمن الإسرائيلي. وبحسب ما أفاد به موقع "واللا" الإسرائيلي فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وحلفاءها في مجموعة الدول السبع (G7) أعربت عن قلقها الشديد من قطع سموتريتش الصلة بين البنوك الفلسطينية والنظام المالي الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي في الضفة الغربية. وعبرت الجهات ذاتها عن خشيتها من "مطالب جديدة لا علاقة لها بالنظام المصرفي ولكن لها علاقة كبيرة بتوسيع المستوطنات".
وحذرت الولايات المتحدة من أن الضفة الغربية قد تتحول إلى "اقتصاد نقدي"، واعتبرت أن "هذا الوضع يمكن أن يفيد الجماعات الإرهابية التي تعتمد بشكل كبير على الأموال النقدية". وأضاف مسؤولون في مجموعة الدول السبع أنه "إذا انهارت البنوك، فإن قوات الأمن الفلسطينية ستصبح أضعف ولن تكون قادرة على مكافحة الإرهاب"، مما قد يؤثر في استقرار المجتمع الفلسطيني بأكمله ويحد من وصول المواطنين الفلسطينيين إلى الغذاء والخدمات الأساسية. وبحسب ما كشف موقع "أكسيوس" فإن الولايات المتحدة والمجموعة درست إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش بسبب أفعاله التي تهدد الاستقرار في الضفة. وأفادت وزارة المالية الأميركية في وقت سابق بأن فصل البنوك الفلسطينية سيؤدي إلى خسارة صفقات تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار سنوياً للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك شراء الكهرباء والمياه والوقود والغذاء. وأن خطوة كهذه ستجر وراءها كارثة إنسانية في مناطق السلطة، ستضر أيضاً بأمن إسرائيل.


تخوفات إسرائيلية

هذه التهديدات التي لا تخيف سموتريتش بحسب خبراء، دفعت "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب للتحذير قبل أيام، من أن سياسة حكومة بنيامين نتنياهو والعقوبات التي تنفذها ضد السلطة في أعقاب ضلوعها في الدعاوى ضد إسرائيل في محكمتي لاهاي، واعتراف عدد من الدول بالدولة الفلسطينية، من شأنها أن تؤدي إلى انهيارها وتصاعد الفوضى وصولاً إلى اندلاع انتفاضة تكبد إسرائيل خسائر اقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة. خصوصاً أن تل أبيب تحمل حكومة رام لله مسؤولية عدم قمع التنظيمات المسلحة في الضفة، وبفقدان السيطرة على بعض المخيمات والمناطق، في ظل موافقة السلطة على التنسيق الأمني مع إسرائيل. وقدم جهاز الأمن العام الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) تحذيراً استراتيجياً للمستوى السياسي وجهاز الأمن من سيناريو انهيار اقتصادي، ذكر فيه أن تقليص رواتب أجهزة الأمن الفلسطينية بشكل كبير، من شأنه أن يشجع تسربهم إلى تنظيمات إرهابية وتراجع فاعلية عمليات الإحباط التي ينفذونها ضد حماس" في الضفة الغربية. وتظهر استطلاعات فلسطينية نُشرت في الأشهر الأخيرة تراجعاً كبيراً في شرعية السلطة وقيادتها بنظر الجمهور الفلسطيني، لدرجة بروز تأييد واسع جداً لاستقالة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. وبحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، فإن الوضع الحالي في الضفة "يقترب من نقطة الغليان". ونقل التقرير عن مسؤولين إسرائيليين إن التوترات المتزايدة في الضفة ترجع إلى أوضاع السلطة الفلسطينية، التي تعاني من ضائقة مالية وتكافح لفرض سيطرتها، إضافة إلى تزايد عمليات تهريب الأسلحة. وقد وجد البحث الذي أجراه بنك إسرائيل في فترة الانتفاضة الثانية، صلة بين نسبة البطالة في مناطق الضفة الغربية، ونسبة أعمال العنف فيها.
وبحسب معطيات البنك الدولي، فإن السلطة الفلسطينية فقدت تقريباً 300 ألف مكان عمل منذ اندلاع الحرب، و200 ألف مكان عمل في غزة، وارتفع الفقر في مناطق السلطة إلى 12 في المئة (64 في المئة في غزة) وانخفض دخل الفرد 12 في المئة (28 في المئة في غزة) ووصل إلى 3300 دولار سنوياً. وحذر البنك من أن الأراضي الفلسطينية تقترب بالفعل من "السقوط الاقتصادي الحر"، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي لغزة بنسبة 86 في المئة في الربع الأول من العام الحالي على أساس سنوي، فيما تواجه السلطة فجوة تمويلية قدرها 1.86 مليار دولار هذا العام وأخطاراً متزايدة من "الفشل النظامي". ووفقاً لأحدث مسح للأسر المعيشية صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن انزلاق سكان غزة إلى الفقر المدقع بسبب الحرب، زاد معدلات الفقر في الضفة الغربية أيضاً بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة. في حين قدرت بيانات منظمة العمل الدولية، خسارة الدخل اليومية بسبب فقدان الوظائف، بمبلغ 21.7 مليون دولار يومياً، والذي يرتفع إلى 25.5 مليون دولار يومياً عند الأخذ في الاعتبار انخفاض مداخيل موظفي القطاعين العام والخاص. ومن المتوقع وفقاً لأحدث تقرير للبنك الدولي، في ظل ضبابية المشهد وعدم اليقين بشأن آفاق عام 2024 أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني بشكل أكبر هذا العام. ووفق تحليلات معهد الأمن القومي الإسرائيلي، فإنه في حال انهيار السلطة الفلسطينية، "ستتكبد إسرائيل عبئاً ثقيلاً بتحملها المسؤولية عن تأمين الحاجات المدنية والنظام العام في الضفة الغربية، بتكلفة اقتصادية تبلغ نحو 57 مليار شيكل سنوياً (15 مليار دولار) وتشكل 5 في المئة من الناتج الإسرائيلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تدهور خطير

وأدى حجب ومصادرة إسرائيل مبالغ كبيرة من مخصصات الضرائب والجمارك للسلطة الفلسطينية التي تجبيها عوضاً عنها وتُعرف بالمقاصة، إلى تفاقم عدم الاستقرار المالي الفلسطيني، حيث بلغت الاقتطاعات الإسرائيلية من عائدات المقاصة تحت مسمى "مخصصات قطاع غزة"، منذ بداية الحرب وحتى يوليو (تموز) الماضي نحو 2.55 مليار شيكل (671 مليون دولار)، إضافة إلى الاقتطاعات الإسرائيلية تحت مسمى "مخصصات عائلات الشهداء والأسرى"، التي بلغت منذ فبراير (شباط) من عام 2019 وحتى يوليو الماضي 3.48 مليار شيكل (916 مليون دولار). وإلى جانب تلك المبالغ، ما زالت إسرائيل ترفض تحويل عائدات السلطة الفلسطينية من ضريبة المغادرة على المعابر باتجاه الأردن والتي تراكمت منذ سنوات وتجاوزت 900 مليون شيكل (287 مليون دولار)، ليقترب المبلغ الكلي للاقتطاعات نحو 7 مليارات شيكل (قرابة 2 مليار دولار).

وأدى هذا الحجز إلى أزمة سيولة في القطاع المصرفي الفلسطيني وانخفاض الودائع والمعاملات الحكومية التي تهدد بزيادة أخطار الإفلاس، خصوصاً أن ما يقرب من 40 في المئة من القروض التي تقدمها البنوك الفلسطينية هي للحكومة الفلسطينية. وقد يؤدي عجر السلطة عن سداد ديونها لأن تواجه البنوك أخطاراً متزايدة بسبب التخلف عن السداد، إذ إن أزمة السيولة هذه تعيق قدرة القطاع الخاص على الحصول على الائتمان، وتخنق النمو الاقتصادي وتزيد من البطالة. وحذر صندوق النقد الدولي من أن استمرار الضغط المالي قد يؤدي إلى انهيار النظام المالي للسلطة الفلسطينية. وأدت سياسات سموتريتش عبر تعطيل سوق العمل الفلسطينية وفرض قيود على حركة العمال، إلى انخفاض تدفقات التحويلات المالية الأساسية لأسرهم، والتي تسببت بزيادة كساد النشاط الاقتصادي في الضفة وقطاع غزة، كيف لا وكان نحو 150 ألف عامل يدعمون الاقتصادات المحلية الفلسطينية من خلال الاستهلاك والاستثمار.


فائض الشيكل

بدورها، حذرت سلطة النقد الفلسطينية، من تداعيات استمرار امتناع الجانب الإسرائيلي عن استقبال الشيكل المتراكم لدى البنوك العاملة في الأسواق الفلسطينية والذي يبلغ سنوياً أكثر من 22 مليار شيكل (5.7 مليار دولار)، فيما تلزم قوانين البنوك المركزية، "بنك إسرائيل"، باستقبال الفائض لأنه مصدر العملة. وأكدت في بيان أن البنوك العاملة في فلسطين لن تكون قادرة على تمويل عمليات التجارة ودفع أثمان السلع والخدمات للشركات والموردين الإسرائيليين، خلال الأيام القليلة المقبلة، محذرةً من أن استمرار رفض الجانب الإسرائيلي شحن الشيكل يحرم البنوك الفلسطينية من تغذية حساباتها في بنوك المراسلة الإسرائيلية وسيترك أثراً مباشراً على قدرة القطاعين العام والخاص على تمويل عمليات استيراد السلع والخدمات الآتية من إسرائيل". وأوضحت سلطة النقد أن هذا سيحرم الفلسطينيين من سلع وخدمات حيوية لأنهم سيكونون غير قادرين على دفع أثمانها عبر القنوات المصرفية الرسمية.
ويرى المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم أن "هناك ضرورة ملحة للتحرك الفلسطيني العاجل على الصعيد الدولي لرفع دعوى قانونية على اسرائيل لقرصنتها الأموال الفلسطينية، وعدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة". وأضاف أن "هناك ضرورة للانفكاك الاقتصادي التدريجي عن اسرائيل، من خلال استراتيجية وطنية، تقوم على تعزيز المنتج المحلي، كونه سيخفف من الاعتماد على إيرادات المقاصة، وسيوفر فرص عمل في السوق الفلسطينية".

تعويض القتلى

في خضم كل تلك التهديدات والتحذيرات والتخوفات، أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي في مارس الماضي، بالقراءة النهائية، مشروع قانون يجيز للمتضررين من عمليات نفذها فلسطينيون، تقديم دعاوى تعويضات من الجهات الداعمة للعمليات. وتبعاً لنصوص القانون فإن هذا "حق" للمتضررين من العمليات أو عائلاتهم. إذ يدعو القانون لتعويض عن كل قتيل بمبلغ لا يقل عن عشرة ملايين شيكل (2.75 مليون دولار). وفي حالة ضرر جسدي، يحق للمتضرر أن يطلب تعويضاً مالياً بنصف القيمة، إلا أن حيثيات القانون، بينت أنه في حال صدر قرار تعويضات من المحاكم الإسرائيلية، فإن على الحكومة الإسرائيلية أن تقتطع هذه الأموال من أموال الضرائب الفلسطينية، بسبب استمرار السلطة الفلسطينية في دفع مخصصات مالية لأسر الذين قُتلوا خلال تنفيذهم عمليات ضد إسرائيليين وللسجناء والمحررين من السجون الاسرائيلية وعائلاتهم. وقد دخل القانون حيز التنفيذ في يونيو (حزيران) الماضي، وتبعاً للبيانات المتوافرة، فقد تقدمت (195) عائلة إسرائيلية حتى الآن بدعاوى أمام المحاكم الإسرائيلية للتعويض، وتبلغ القيمة الإجمالية لتلك الدعاوى، بحال إقرارها والحكم لمصلحتها، نحو 5 مليارات شيكل (1.3 مليار دولار) الأمر الذي ينذر وفق محللين بتصفية إيرادات المقاصة. ويخشى مراقبون أن يذهب القانون إلى أبعد من ذلك، وتحميل السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولية غير مباشرة عن كل العمليات التي استهدفت إسرائيليين منذ السابع منذ أكتوبر الماضي وحتى الآن، وبأثر رجعي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير