Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حركة معارض الكتب العربية تدحض أرقام اليونسكو

الإحصاءات تؤكد أن فئة الشباب العربي هي الأكثر إقبالاً على استهلاك الكتاب

جيل الشباب العربي وخياراته (أف ب)

ملخص

ما إن انتهى معرض الرياض للكتاب 2024، وهو من التظاهرات الثقافية المهمة عربياً، انطلق معرض عمان للكتاب وبموازاته معرض طرابلس - ليبيا، وبعد أيام ينطلق معرض الشارقة للكتاب وهو من المعارض المهمة أيضاً، ثم معرض الكويت وهلم جرا... في حركة توحي بأن عالم نشر الكتاب العربي في ذروة ألقه وعافيته.

لعل من المهم أن ندقق في النتائج العميقة ل "الحراك الثقافي" الذي ينجم عن معارض الكتب العربية، ونتأمل في العلاقة بين الإنتاج والاستهلاك، وهذا أمر يمكن للأرقام أن تفصح عنه أكثر من "النيات" والرغبات.

إذا افترضنا أن نحو 16 معرضاً للكتاب تقام في مدن عربية في مختلف أشهر السنة، فمعنى ذلك أننا إزاء حركة لا تنقطع. وهي بالأساس حركة تجارية يطرح أقطابها منتجاً ويأتي الزوار لاستهلاكه، أي أن الطرفين متفقان، بلا تخطيط مسبق ربما، على أداء هذه المهمة/ الوظيفة/ الدور.

لنذهب إلى الوقائع وما تستبطنه، ولنا في معرض الرياض والشارقة والقاهرة وسواها أمثلة عدة تصلح أن تكون معياراً لحسم إشكالية الكتاب والقراءة، وهل أن الأعداد الكمية تعكس بالضرورة تحولات نوعية، وماذا عن الأرقام المفزعة التي تصدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، أو مؤسسة الفكر العربي عن معدلات القراءة لدى الفرد العربي؟

يبلغ معدل زوار أحد المعارض وهو الشارقة على سبيل المثل، زهاء مليوني زائر، توزعوا، بحسب إحصائية صادرة عن المعرض قبل ثلاثة أعوام، على فئات عدة، فهناك 1.3 في المئة من الفئة العمرية أقل من 15 سنة، و52.2 في المئة من الفئة العمرية بين 16 و30 سنة، و35.5 في المئة من الفئة العمرية بين 31- 45 سنة، و11.1 في المئة من الفئة العمرية أكثر من 46 سنة. وجاء حضورهم جميعاً بنسبة 90.2 في المئة بتسجيل من أرض المعرض، و9.8 في المئة عبر المنصات الرقمية.

ومن المفيد أن نركز على الفئة العمرية الأعلى في ما سبق، التي تراوح أعمارها ما بين 16 و30 سنة، والتي تشكل أكثر من 52 في المئة من زوار المعرض، ومن ثم (وهذا افتراض منطقي) من مستهلكي الكتب ومشتريها. وقد بلغت مبيعات المعرض في إحدى الدورات ما يناهز 50 مليون دولار.

إقبال الشباب

وبتحليل أولي للأرقام، نجد أن فئة الشباب العربي هي الأكثر إقبالاً على استهلاك الكتب. وإجمالاً (وهذا من مراقبة الكاتب الشخصية المباشرة لآخر 10 معارض في الأقل) يندر أن تجد أحداً يخرج من المعرض بلا كيس مملوء في الأقل بخمسة كتب. إذا كان المراقب متشائماً إلى أقصى الحدود، فلا يمكنه أن ينكر أن نحو مليون شخص جلهم من الشباب سيكونون، بصورة أو بأخرى، على تماس مع الكتب والمؤلفين والناشرين، بما يجعل تعاطيهم لهذه السلعة أكثر حميمية، مما يستدعي ترجمة هذه الحميمية إلى اقتناء، ولو على سبيل الذكرى.

الأنكى في مصيدة الأرقام هذه، أن المخرجات تتعارض جذرياً مع المدخلات، بمعنى أن من شأن الكتب المشتراة، ولو كانت بمعدل كتاب واحد لكل زائر أن تفعل فعلها الرائد المؤثر في عقلية المتلقين، وهذا يشمل، وفقاً لمبدأ القياس، زوار المعارض العربية الأخرى الـ16، بمعنى أنه في المعدل، ثمة خمسة عقود، في الأقل، من عمر انعقاد معارض الكتب، أفضت إلى نتيجة مفادها أن معدل قراءة الشخص العربي لا يتجاوز ربع صفحة في السنة، مقابل معدل قراءة للفرد الأميركي يصل إلى 11 كتاباً في السنة الواحدة. ويقرأ الطفل العربي سبع دقائق سنوياً، بينما يقرأ الطفل الأميركي ست دقائق يومياً.

 منظمة اليونسكو التي خلصت إلى هذه النتيجة، أوضحت أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز ثلاثين كتاباً، مقابل 854 كتاباً لكل مليون أوروبي. وعلى قاعدة "لا يموت الذيب، ولا تفنى الغنم"، وهو مثل شعبي شائع، فإن علينا أن نتقبل، بروح رياضية، تقرير اليونسكو، الذي دعمته تقارير لمؤسسات بحث ونشر عربية، وفي الطرف الآخر يتعين أن نصدق حجم مبيعات وعدد زوار معرض بوزن الشارقة للكتاب. وفي ضوء هذا التراضي، يمكننا أن نخلص إلى نتيجة أولية مخيبة للآمال، وهي أن زائر المعارض العربية يقتني الكتب ولا يقرأها، وقد تكون كثيرة بما يستدعي وضعها على أرفف وفي خزانات، وجعلها جزءاً من أثاث المنزل يصلح لالتقاط صور، بما يوحي أن المصور، بحر علوم، بل محيط معرفة!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما على الطرف الآخر من المشهد، فثمة افتراض أن الكتب المشتراة من معارض الكتب العربية الـ16، وليس من المكتبات والمعارض الدائمة، يتم قراءة 10 في المئة منها، مما يرفع من شأن النسبة التي ظل يعيدها ويكررها استبيان مؤشر القراءة العربي. ولأن تبني هذا الافتراض أو نقضه يحتاج إلى أدوات منهجية، فإننا نحاول أن نؤاخي بين الأرقام، ونستخلص نتائج غير علمية قد تكون مؤسسة على التمني أكثر من الصيرورة الواقعية الصلبة.

أما "سؤال المليون" عن طبيعة الكتب التي يقبل عليها المستهلكون و"يتعاطونها" فهذا أمر يقع في صلب المعضلة الثقافية لطبيعة الذائقة المعرفية، لا سيما أن النسبة الأعلى من مستهلكي الكتب، بحسب الأرقام السابقة، تشير بالغلبة إلى من هم في عمر 16 إلى 30 سنة، وهذا يعني، ربما، أن هؤلاء لا يملكون، بمفردهم، سلطة تمييز غث الكتب من سمينها، وهذا أمر سجالي يحتاج ربما إلى مقام آخر.

بيد أن كتاب التاريخ يسعفنا بوقائع قد تنسحب على لحظتنا الراهنة. فقد روي أن المؤرخ أبا بكر السيوطي (المتوفى عام 911 هجري)، قد ترك حين وفاته "كنزاً ثميناً من الكتب والمؤلفات" في مختلف المعارف، وجاءت بعض عناوينها باعثة على الطرافة والتندر: "طرح العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة" و"بلوغ المآرب في أخبار العقارب"، و"الطرثوث في فوائد البرغوث"، و"منهل اللطائف في الكنافة والقطائف"، وكذلك "طي اللسان عن ذم الطيلسان"، و"أزهار العروش في أخبار الحبوش"، و"بلوغ المآرب في قص الشارب"، إضافة إلى "الشماريخ في علم التاريخ"، وسواها من كتب وعناوين، قد تجد سبيلها إلى أكياس الخارجين، بعنفوان، من معارض الكتب.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة