ملخص
معوقات عدة تبرز أمام مسألة الدمج هذه، وفي صدارتها اختلاف العقيدة بين عناصر "حزب الله" الذين يضعون الأهداف الإيرانية في صدارة اهتمامهم، فيما تنص عقيدة الجيش اللبناني على حماية لبنان أولاً من دون الخضوع لأي محور.
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الذي دخل حيز التنفيذ فجر الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ترك الباب مفتوحاً أمام التفسيرات والتأويلات في شأن ما سيحل بسلاح "حزب الله" ومنظومته العسكرية في الداخل، فبنود الاتفاق نصت صراحة على "تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية كافة، ومصادرة كل الأسلحة غير المرخصة بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، مما يوحي بأن نزع السلاح غير الشرعي لن يقتصر على الجنوب بل قد يشمل لبنان بأسره.
ووسط الغموض المحيط بكيفية تطبيق الاتفاق وعما إذا كان سيفضي فعلاً إلى نزع سلاح "حزب الله" في الجنوب أولاً ثم لبنان كله لاحقاً، خرجت في بعض الصحف أنباء نقلت عن مصدر في وزارة الخارجية الإيرانية قوله إن طهران قدمت مقترحاً لبيروت ينص على تسليم سلاح "حزب الله" للجيش اللبناني على أن يدمج عناصر الحزب في الجيش ويصبحوا تحت أمرته، وإثر ذلك وردت أنباء مضادة تفيد بأن واشنطن ترفض هذه الفكرة، فهل دمج عناصر "حزب الله" في الجيش اللبناني أمر قابل للتطبيق؟
معوقات عدة
الكاتب والمحلل السياسي سمير سكاف يشير إلى معوقات عدة أمام مسألة الدمج هذه، وفي صدارتها اختلاف العقيدة بين عناصر "حزب الله" الذين يضعون الأهداف الإيرانية في صدارة اهتمامهم، فيما تنص عقيدة الجيش اللبناني على حماية لبنان أولاً من دون الخضوع لأي محور.
كما يسلط سكاف الضوء على المخاوف التي تساور قسماً من اللبنانيين الذين يخشون أن "يستخدم 'حزب الله' الجيش اللبناني كحصان طروادة للعودة للجنوب ببدلة الجيش"، متحايلاً على القرار الدولي 1701.
ويتحدث الكاتب والمحلل السياسي عن المعوقات التقنية غيرالعقائدية في هذا الطرح والمتعلقة بـ "قدرة الجيش على استيعاب عناصر 'حزب الله' على المستوى التنظيمي والتجهيزي وحتى المالي"، وما العدد الذي للجيش إدماجه، وإضافة إلى ذلك يشير سكاف إلى الحاجة لقرار سياسي في شأن هذه المسألة، موضحاً أن قرار دمج كهذا "يتطلب حكومة جديدة ورئيس جمهورية جديد وقائد جيش جديد، وربما حتى مجلس نواب جديد".
ويضيف أن "هذا الموضوع سيكون صعباً جداً على المستوى السياسي وسيواجه معارضة كبيرة في الداخل كي لا تجري السيطرة على الجيش اللبناني وقراره العسكري من الداخل"، وفي ضوء ذلك يرى سكاف أنه "بمعزل عما يريده الأميركيون فلا أعتقد أن هناك سهولة لتطبيق هذا النوع من القرارات السياسية العسكرية" في لبنان.
حساسية المسألة الطائفية
بدوره يرى الخبير العسكري عادل مشموشي أن مسألة دمج عناصر "حزب الله" في الجيش اللبناني غير محبذة لاختلاف الأيديولوجيا والعقائد التي بني عليها كل طرف، ولا سيما أن الأمر متعلق "بحزب لديه أيديولوجيات ذات خلفية دينية ومذهبية، وهذا الأمر ينطوي على درجة كبيرة من الحساسية" في لبنان.
ويوضح مشموشي أن "إدخال عدد كبير من فئة أو طائفة واحدة في الوقت نفسه إلى الأجهزة الأمنية التي تعاني في الأساس خللاً في التوازنات الطائفية"، سيشكل مشكلة جديدة للبنان الغارق في أزماته ذات البعد الطائفي.
ويضيف الخبير العسكري أن التجارب المماثلة التي عاشها لبنان سابقاً أظهرت أن "العناصر التي أدمجت في الأجهزة الأمنية والعسكرية لم تكن على مستوى الجنود الأساسيين نفسه، لا من حيث المستوى العلمي أو الكفاءة أو التقيد بالمناقبية والقوانين والأخلاقيات السلوكية".
ويرى مشموشي أنه قبل اتخاذ قرار مماثل فلا بد أولاً من إجراء دراسة ميدانية تجمع البيانات حول عناصر "حزب الله"، فتحدد مستوياتهم العلمية وأعمارهم وخبراتهم وغيرها من العوامل، ومن ثم يمكن أن يخضعوا لدورات تدريبية متخصصة في مهن أو حرف معينة يمكن أن يمارسوها ويعتاشوا منها بكرامة، أما إذا اتخذ قرار بإدماجهم في المؤسسات العسكرية الرسمية فيشدد مشموشي على ضرورة إخضاعهم لدورات متخصصة لنقلهم من الأيدلوجيا الطائفية المذهبية إلى الأيديولوجيا الوطنية، كي لا ينعكس تفكيرهم ومنهجيتهم خلال الممارسة على باقي العناصر الأمنية في الأجهزة الرسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التجربة العراقية
من جهته يقول الكاتب والصحافي قاسم قصير المقرب من "حزب الله" إنه لا توجد معلومات دقيقة في شأن اقتراح إيراني بدمج عناصر الحزب في الجيش اللبناني، مستبعداً حصول الأمر حالياً.
أما في ما يتعلق بالموقف الأميركي تجاه هذا الاقتراح، فيوضح المستشار السابق في وزارة الدفاع الأميركية كاظم الوائلي أن ثمة تحفظاً في واشنطن حول فكرة الدمج، لأن عناصر "حزب الله" عقائديون وولاؤهم للحزب ومذهبهم وليس للوطن، ولذلك تنظر الولايات المتحدة إليهم بعين الشك".
ويضيف أن الولايات المتحدة وفرنسا اللتين تدعمان الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد تتخوفان من "أن "يقع هذا السلاح بيد المواليين لـ 'حزب الله' ومن ثم إيران"، ويقول الوائلي إن النقطة الأهم في خطة الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار هي "دفع الجيش اللبناني للتعامل مباشرة مع الجيش الإسرائيلي لحماية ومراقبة الحدود المشتركة، وهذا ما لن يرضى به 'حزب الله' لسببين، الأول لأنه يعتبر اعترافاً بإسرائيل، والثاني أنه اعتراف من قبل 'حزب الله' بالجيش اللبناني على أنه القوة الشرعية الحامية لحدود لبنان"، مما يفقده الدور الذي يزعم القيام به في الجنوب.
ويشير الوائلي إلى أن الأميركيين حاولوا سابقاً في العراق دمج "جيش المهدي" و"قوات الصحوة" داخل الجيش العراقي بين عامي 2004 و2008، لكنهم "فشلوا فشلاً ذريعاً بسبب ولاء تلك القوات للعشائر والمذاهب".