Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللاجئون السودانيون في إثيوبيا... من الحرب إلى ضائقة الانتهاك

تقرير "هيومن رايتس ووتش" يحث الحكومة على الوفاء بالتزاماتها عبر حمايتهم ونقلهم إلى مناطق أكثر أمناً

في حال عدم قدرة السلطات الإثيوبية على توفير الحماية للاجئين السودانيين فإن المفوضية الأممية تتحمل مسؤولية ترحيلهم إلى بلد ثالث (أ ف ب)

ملخص

في أواخر يوليو (تموز) 2024 نقلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والسلطات الإثيوبية آلاف اللاجئين إلى مخيم جديد في أفيتيت، ومع ذلك فإن الاعتداءات لم تتوقف داخل المخيمات الجديدة، فيما تساءل ناشطون عن "سبب إصرار أديس أبابا على إبقاء المخيمات في إقليم يشهد حرباً مفتوحة مع النظام المركزي؟

كشف تقرير جديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عن أن اللاجئين السودانيين في إقليم أمهرة الإثيوبي تعرضوا لحوادث مختلفة من عنف واختطاف وعمل قسري، وسط الصراع المستمر بين القوات الحكومية وميليشيات "فانو" المتمردة.

ويغطي التقرير الذي صدر في الـ 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري التحقيقات التي أجريت بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول) 2024، ويوثق كثيراً من الحوادث الأمنية التي أثرت في اللاجئين الذين فروا من الصراع في السودان منذ أبريل (نيسان) 2023.

وقالت نائبة مدير قسم أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" ليتيسيا بدر "لقد كان اللاجئون السودانيون في إثيوبيا هدفاً للانتهاكات لأكثر من عام من قبل جهات مسلحة مختلفة"، مشيرة إلى أن اللاجئين الذين فروا من الانتهاكات المروعة التي تقع في بلادهم بحاجة ماسة إلى الحماية لا مزيداً من التهديدات لحياتهم".

وسلط التقرير الضوء على تعرض اللاجئين في مخيمي "أولالا" و"كومر" في منطقة غرب قوندر لهجمات متكررة بما في ذلك القتل والعمل القسري.

وفي مايو الماضي احتج أكثر من 1000 لاجئ على الانتهاكات المستمرة، لكن الشرطة الإثيوبية منعتهم.

العمل القسري

ووثق التقرير وقوع حوادث عدة أهمها الحادثة التي حصلت في الـ 17 من يوليو (تموز) الماضي عندما هاجم أفراد مسلحون "مخيم كومير" مما أسفر عن مقتل عدد غير محدد من اللاجئين، فيما لقي 10 ضباط من الشرطة الفيدرالية الإثيوبية حتفهم خلال المواجهات، فيما أكدت هيئة اللاجئين والعائدين الإثيوبية أن 11 ضابطاً إضافياً أصيبوا خلال الهجوم.

وأشار التقرير إلى أن عدداً من المنظمات الناشطة في شؤون اللاجئين سجلت 347 حالة من العمل القسري خلال عامي 2023 و2024، كما تضمن تقرير المنظمة شهادات عدة لضحايا تعرضوا لمختلف أنواع الانتهاكات، بينهم لاجئ سوداني يبلغ من العمر 43 سنة قال في شهادته إن الميليشيات تسلب نقودهم وهواتفهم النقالة، وإذا لم يجدوا شيئاً فإنهم يجبرونهم على "العمل في المزارع من من دون أجر".

وفي أواخر يوليو الماضي نقلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والسلطات الإثيوبية آلاف اللاجئين إلى مخيم جديد في أفيتيت، ومع ذلك فإن الاعتداءات لم تتوقف داخل المخيمات الجديدة.

وكشف تقرير "هيومن رايتس ووتش" أن الوضع تدهور خلال أغسطس (آب) وسبتمبر الماضيين مع تصاعد الاشتباكات بين ميليشيات "فانو" والقوات الفيدرالية قرب مواقع اللاجئين، ففي الـ 21 من أغسطس الماضي ورد أن جنوداً إثيوبيين وميليشيات محلية أجبروا اللاجئين على الانتقال إلى مركز ميتيما للعبور، وعندما قاوم اللاجئون دمروا ملاجئهم الموقتة واستخدموا العنف ضدهم، وفقاً لتقرير "هيومن رايتس ووتش".

وأشارت المنظمة إلى أن كثيراً من اللاجئين شعروا بأنهم مجبرون على العودة للسودان وكثيراً ما انفصلوا عن عائلاتهم في هذا الإجراء، وعلى رغم أن المسؤولين الإثيوبيين زعموا أن هذه العودة كانت طوعية، فقد توصل تحقيق "هيومن رايتس ووتش" إلى حالات شعر فيها اللاجئون بالإكراه.

وحث التقرير الحكومة الإثيوبية على الوفاء بالتزاماتها بحماية اللاجئين ونقلهم إلى مناطق أكثر أمناً، ورأت أن على "الحكومة الإثيوبية الوفاء بالتزاماتها بحماية اللاجئين في أراضيها ونقلهم حيثما أمكن بعيداً من مناطق الصراع".

نفي إثيوبي

من جهتها ردت السلطات الإثيوبية أمس الأول السبت ما ورد في تقرير المنظمة الدولية عبر بيان صادر من دائرة اللاجئين والعائدين التابعة للحكومة من مزاعم الانتهاكات والقتل والنهب من قبل القوات الإثيوبية، ووصفتها بأنها "لا أساس لها من الصحة وخاطئة".

وأكد البيان أن الحكومة تنتهج سياسة "عدم التسامح مطلقاً" مع الإساءة إلى اللاجئين، مضيفاً أنه "لم تكن هناك حالات نقل قسري من قبل الحكومة أو أي كيان آخر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين لم ينكر البيان الإثيوبي إمكان تعرض اللاجئين إلى اعتداءات من قبل بعض الميليشيات والعصابات التي تعمل خارج القانون، إلا أنه اعتبر أن ما ورد في التقرير "فيه كثير من التضخيم والمبالغة من حيث العدد أو الكيفية التي صُورت من خلالها الانتهاكات"، وأكد أن الحكومة الإثيوبية تتعقب الجماعات التي تتعرض للاجئين مذكراً بعدد من الحالات التي سقط فيها عناصر من الجيش النظامي خلال مواجهتهم الميليشيات التي شنت هجوماً على بعض المخيمات التابعة للاجئين.

مشاريع ضحايا

بدوره قال الناشط الإثيوبي في شؤون اللاجئين ملكياس نانو إن الحدود السودانية - الإثيوبية تشهد مواجهات مسلحة بين مجموعات "فانو" المتمردة والجيش النظامي، مما يجعل اللاجئين الفارين من أتون الحرب المشتعلة في بلادهم "مشاريع ضحايا حتى قبل وصولهم إلى الأراضي الإثيوبية".

وأضاف نانو أن المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق اللاجئين أصدرت بيانات مشتركة من أجل إجلاء السودانيين الفارين من بلادهم نحو مناطق أكثر أمناً، بالتنسيق بين المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة والسلطات الإثيوبية ممثلة في دائرة اللجوء والعودة.

ويوضح الناشط الإثيوبي أنه "في حال عدم قدرة السلطات الإثيوبية على توفير الحماية للاجئين فإن المفوضية الأممية تتحمل مسؤولية ترحيلهم إلى بلد ثالث، إلا أن اللجوء إلى هذا الخيار يتطلب تدابير عدة، ومنها أن تتطور الحالات الحالية للاعتداءات إلى ظاهرة، وهذا ما ينبغي أن تؤكده أو تنفيه المنظمات الأممية العاملة في المجال، وأن تعترف الدولة المضيفة بعدم قدرتها على تحمل كلفة حماية اللاجئين لأسباب أمنية أو لوجستية، وأن يوافق اللاجئون على خيار البلد الثالث".

ويُقدر نانو أن قضية اللاجئين السودانيين في إثيوبيا لم تجد الحيز الكافي من الاهتمام الدولي نتيجة التعتيم الإعلامي القائم في الإقليم على خلفية الحرب الدائرة هناك، أو لمحدودية وجود المنظمات الدولية نتيجة التضييق الرسمي على نشاطاتها، مما يضطرها إلى التعامل عن بعد وقد يؤدي إلى حدوث بعض الأخطاء في بياناتها وتقاريرها.

ويشير نانو إلى أن المنظمات المحلية التي تعنى بحقوق الإنسان وشؤون اللاجئين تعاني محدودية الدعم المادي واللوجستي، ومن ثم تقتصر أعمالها غالباً على إصدار البيانات وتنوير الرأي العام، فيما تبدو تحركاتها الميدانية ضعيفة، لافتاً إلى أن ذلك يحدث بشكل ممنهج من السلطات المحلية والمركزية.

ويرى الناشط الإثيوبي أن التقرير الأخير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" بمثابة تجميع للبيانات والمعلومات والأرقام التي حصلت عليها الجمعيات المحلية والناشطون المستقلون الذين ينشطون ميدانياً في إقليم أمهرة عموماً ومخيمات اللاجئين بخاصة، متوقعاً أن "تفتقد بعض المعلومات إلى الدقة والتحديد، لكن ذلك لا ينفي ضخامة الانتهاكات التي ترتكب بحق السودانيين في إثيوبيا".

ويرى أن أمام السلطات الإثيوبية طرقاً عدة لتجاوز الإدانات الدولية، أهمها نقل اللاجئين إلى مناطق أكثر أمناً وفتح المجال أمام المنظمات الدولية والمحلية للقيام بمهماتها الإغاثية أو الحقوقية، مشيراً إلى أن غلق المجال أمام المنظمات والتوسع في تطبيقات قانون الطوارئ لن يزيد الأمر إلا تعقيداً.

غريزة الانتقام

بدوره يرى الناشط الحقوقي السوداني حسين المعتصم أن إثيوبيا تعد من بين الجهات الأكثر خطراً على حياة اللاجئين راهناً، بخاصة في ظل النزاعات القومية المتفرقة والحروب التي تشهدها المناطق الحدودية.

ونوه إلى أن ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً أن بين الميليشيات القومية الناشطة في إقليم أمهرة الإثيوبي والسودان تاريخ من الكر والفر، بخاصة في المناطق المتنازع عليها في مثلث الفشقة، إذ يقدم الفانو نفسه كراع لحقوق المزارعين الإثيوبيين، وقد خاض مواجهات عدة ضد الجيش السوداني والمواطنين القاطنين في الفشقة، مما يجعل غريزة الانتقام عالية تجاه اللاجئين السودانيين الذين لجأوا إلى إثيوبيا في ظل عدم قدرة الدولة على السيطرة على بعض أقاليمها.

وتساءل الناشط السوداني "لماذا تصر أديس أبابا على إبقاء المخيمات مفتوحة في إقليم يشهد حرباً مع النظام المركزي؟ فضلاً عن تمتعه بقدر عال من رغبة الانتقام والثأر من السودانيين على خلفيات تتعلق بنزاعات الحدود وامتلاك المزارع؟".

معايير مزدوجة

ويضيف المعتصم أن هناك تجاهلاً رسمياً سودانياً أيضاً لمأساة اللاجئين في إثيوبيا، إذ إن الخلافات السياسية القائمة وحال الحرب جعلا هؤلاء في ذيل الأولويات الرسمية، فيما تهتم المنظمات المعنية بحقوق وحماية اللاجئين في مناطق أكثر تأثيراً وثراء، كما هو الحال مع لاجئي أوكرانيا.

ويضيف الناشط السوداني أن الأمر لا يتعلق بالازدواجية في تقديم الإعانات الإغاثية وحسب، بل حتى في تسليط الضوء بصورة كبيرة على المأساة والسعي إلى إيجاد بدائل في سبيل توفير الحماية الكافية للاجئين.

تقرير "مهم"

ويقرأ الناشط السوداني تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأخير باعتباره كاشفاً لجوانب مهمة من واقع اللاجئين السودانيين في إثيوبيا، ويشير المعتصم إلى أن التقرير تضمن توثيق عدد محدود من الحالات والوقائع، فيما الأوضاع الحقيقية أكثر قتامة في غياب حماية المخيمات ورفض السلطات الإثيوبية نقلهم إلى أقاليم أخرى أكثر أمناً.

ويرجح أن "تسهم البيانات والتقارير الدورية التي تصدرها المنظمات الدولية في لفت النظر نحو واقع اللاجئين السودانيين، بخاصة وأن التقرير الأخير أثار الرأي العام المحلي والدولي، ودفع الحكومة الإثيوبية إلى إصدار بيان للرد على ما ورد فيه، مما يعني أن لهذه التقارير أثراً واضحاً، وقد يؤدي الضغط المتزايد إلى تغيير سياسات أديس أبابا تجاه اللاجئين".

ويضيف المعتصم أن المحظوظين من اللاجئين الذين وصلوا إلى المدن الإثيوبية الكبرى مثل أديس أبابا يواجهون بدورهم نوعاً آخر من الانتهاكات، أهمها الابتزاز المالي والإداري.

ويختم الناشط السوداني حديثه إلى "اندبندنت عربية" بأن دور المنظمات الدولية ينبغي ألا يقتصر على إصدار التقارير والبيانات، على رغم أهميتها، بل ينبغي الضغط على المجتمع الدولي والدول الكبرى  والمنظمات الدولية لاتخاذ قرارات حاسمة تجاه قضايا الحماية، وبخاصة للاجئين داخل مناطق النزاعات.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات