Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصومال يحاول فتح كوة في جدار الخلاف الإقليمي مع إثيوبيا

اشترط إلغاء اتفاقية المنفذ البحري مع صوماليلاند لبقاء القوات الإثيوبية ضمن قوة "أتميس"

جانب من تظاهرة في مقديشو لرفض الاتفاق بين إثيوبيا وصوماليلاند في شأن المنفذ البحري (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أن الإدارة الصومالية تحاول إحراج إثيوبيا، إذ إنها تدرك مسبقاً أن الأخيرة لن تقبل بعرض إلغاء اتفاقية المنفذ البحري، وتعتبر مذكرة التفاهم الموقعة مع "هرجيسا" (عاصمة إقليم صوماليلاند) مكسباً مهماً لتحقيق مصالحها القومية على السواحل الصومالية.

في تطور جديد لملف الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، أعلن وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، أن بلاده قد تقبل ببقاء القوات الإثيوبية العاملة ضمن مهمة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال "أميصوم"، في حال وافقت أديس أبابا على إلغاء مذكرة التفاهم التي وقعتها مع إقليم صوماليلاند (أرض الصومال) حول إيجاد منفذ بحري لها على السواحل الصومالية. 

ونشرت مواقع إثيوبية وصومالية عدة تصريح الوزير الصومالي، معتبرةً ذلك "بادرة حسن نية" مقدمة من مقديشو تجاه أديس أبابا، لتخفيف التوتر القائم بين البلدين منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.  

ويأتي هذا التحول في السياسة الصومالية، بعد تصاعد الأزمة بين مقديشو وأديس أبابا، بخاصة بعد طلب الأولى عدم التجديد لقوات "أميصوم" التابعة للاتحاد الأفريقي والعاملة في الصومال منذ عام 2006، واستبدالها ببعثة انتقالية جديدة للاتحاد الأفريقي، سُمّيت "أتميس" ATMIS على أن تتشكل من قوات دول أفريقية ليس من بينها القوات الإثيوبية، نظراً لتعارض المصالح بين البلدين، لا سيما بعد توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم مع إقليم صوماليلاند غير المعرف به دولياً في شأن الوصول إلى البحر، الأمر الذي اعتبرته مقديشو مساساً بسيادتها، وتجاوزاً للقانون الدولي، مرحبةً في الوقت ذاته بمشاركة القوات المصرية في البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي، بجانب توقيع كل من مقديشو والقاهرة اتفاقية دفاع مشترك، تسمح بوجود نحو 5 آلاف جندي مصري في الصومال خارج إمرة البعثة الأفريقية، الأمر الذي اعتبرته أديس أبابا تهديداً لمصالحها وللسلم والأمن الإقليميين، بخاصة بعد انتشار أنباء ومقاطع فيديو لنقل القاهرة شحنة معدات عسكرية إلى الصومال إيذاناً بنقل قسم من قواتها إلى مقديشو، ما دفع أديس أبابا إلى تحريك آليات عسكرية ثقيلة على الحدود المشتركة مع الصومال في إقليم أوغادين. 

التحول الصومالي وموقف إثيوبيا 

وعلى رغم الدعوة التي وجهها وزير الدفاع الصومالي في خطابه الأخير، إلا أن أديس أبابا لم تصدر أي رد رسمي حول هذا العرض، في حين لم تعلق مصر على هذا التوجه.

ويرى مراقبون أن الإدارة الصومالية تحاول إحراج إثيوبيا، إذ إنها تدرك مسبقاً أن الأخيرة لن تقبل بهذا العرض، وتعتبر مذكرة التفاهم الموقعة مع "هرجيسا" (عاصمة إقليم أرض الصومال) مكسباً مهماً لتحقيق مصالحها القومية على السواحل الصومالية. 
كما أن ثمة تقسيماً للأدوار بين أعضاء الحكومة الصومالية، إذ أتى تصريح وزير الدفاع بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، اعتبر فيها أن "بقاء القوات الإثيوبية في الصومال بعد نهاية عام 2024 سيعد احتلالاً عسكرياً وسنتعامل معه بكل إمكاناتنا المتاحة". 

بدوره، رأى الباحث السياسي الصومالي، عيدي محمد، أن تصريحات وزير الدفاع تأتي في إطار منح الفرصة الأخيرة لأديس أبابا لنزع فتيل الأزمة المتصاعدة وتجنيب المنطقة نزاعاً مسلحاً".

ويُقدر عيدي أن الدعوة تتضمن "طرحاً جدياً لتجاوز الأزمة المفتعلة"، مشيراً إلى أن "وزير الخارجية الإثيوبي كان قد طالب إثر اجتماعه بالمبعوث الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي، مايك هامر، ببقاء قوات بلاده في الصومال، وتكييف وجودها مع البعثة الجديدة "أتميس"، وجاء رد مقديشو بالإيجاب من خلال تصريح وزير دفاعها لكن بشرط إلغاء مذكرة التفاهم غير القانونية الموقعة مع إقليم صومالي لا يتمتع بالسيادة القانونية والسياسية لإبرام اتفاقات تتعلق بالسيادة الصومالية". 


الفرصة الاخيرة 

ويرى الباحث الصومالي أن "القوات التابعة للاتحاد الأفريقي بدأت بالفعل بترتيبات الانسحاب التي ستنتهي بحلول ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وأمام القوات الإثيوبية الآن الفرصة الأخيرة للبقاء وفق الشروط الصومالية أو الرحيل مع قوات أميصوم المنسحبة من الصومال". ويؤكد عيدي أن "هذا الأمر يستوجب إجراءات سياسية وبروتوكولية من قبل أديس أبابا تجاه مجلس الأمن والسلم الأفريقي". 

وفي رده على سؤال لـ "اندبندنت عربية"، حول موقف مصر من التوجه الصومالي الجديد، يقول عيدي إن "القاهرة لن تعترض على هذه الدعوة، إذ إنها تتقاطع مع رؤيتها المتعلقة بوحدة الأراضي الصومالية وحماية سيادة واستقرار الصومال". ويضيف أن "الموقفين المصري والعربي عموماً يدينان مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وهرجيسا، ويعتبرانها أصل الأزمة القائمة، باعتبارها مذكرة غير قانونية تفرط في سيادة الصومال ووحدة أراضيه، بالتالي فإن المبادرة التي أعلن عنها وزير الدفاع الصومالي قد تكون أتت بعد مشاورات مع القاهرة، بخاصة بعد الحملة الدعائية والدبلوماسية التي شنتها إثيوبيا أخيراً حول مشاركة مصر في قوات أتميس، فضلاً عن توقيعها لاتفاق التعاون العسكري مع مقديشو، لتأتي الخطوة الصومالية لإبطال الادعاءات حول استهداف مصر للمصالح الإثيوبية". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تضارب التصريحات والمصالح 

من جهته، يرى الباحث السياسي الإثيوبي، محاري سلمون، أن "ثمة تضارباً واضحاً في التصريحات بين أعضاء حكومة مقديشو"، لافتاً إلى أن "ذلك قد يكون مؤشراً إلى خلافات بين المؤسسة العسكرية الصومالية والإدارة السياسية التي يقودها الرئيس حسن شيخ محمود". 

ويعتبر سلمون أن "ثمة تناقضاً بين تصريحات وزير الخارجية الصومالي الذي اعتبر أي وجود عسكري إثيوبي بعد ديسمبر (كانون الأول) 2024 في الصومال بمثابة احتلال عسكري لبلاده، وبين التصريح الأخير لوزير الدفاع الصومالي". 

ويُقدر الباحث الإثيوبي أن "الإدارة السياسية في مقديشو قد لا تدرك حجم الأخطار التي يمكن أن تجلبها سياساتها الأخيرة تجاه إثيوبيا، بخاصة بعد استقدامها لقوات دول من خارج المنطقة، على رأسها مصر وتركيا". 

ويرجح سلمون أن "يكون وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، ونظراً لخلفيته العسكرية أكثر قدرة على إدراك حجم الأخطار الماثلة أمام جيشه، بخاصة في حال تطور الأحداث إلى حرب إقليمية". 

ويوضح أن "الرئيس الصومالي الآتي من خلفية أكاديمية لم يُبلَّغ بشكل كافٍ بتعقيدات الوضع العسكري في منطقة القرن الأفريقي، إذ اقتصر نشاطه السابق في المجال التعليمي كمدرب في معهد تأهيل المعلمين بالصومال، إلى جانب عمله كمستشار لعدد من المنظمات الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسف، والمؤسسة الدولية لتحالف بناء السلام، بالتالي فإنه يفتقر إلى الحساسية السياسية والعسكرية". 

ويضيف المختص الإثيوبي أن بلاده "كثفت خلال الفترة الأخيرة حملتها الدبلوماسية، لتجنيب منطقة القرن الأفريقي نزاعات إقليمية كبرى، بخاصة بعد التحالفات العسكرية التي عقدتها مقديشو أخيراً مع كل من مصر وتركيا وإريتريا". 

وفي رده على سؤال "اندبندنت عربية"، حول أسباب الصمت الإثيوبي تجاه تصريحات وزير الدفاع الصومالي، قال محاري سلمون إن بلاده "لديها تقاليد دبلوماسية راسخة ولا يمكنها الرد على تصريحات إعلامية متضاربة يطلقها الوزراء الصوماليون في مناسبات مختلفة"، مشيراً إلى أن "على مقديشو تقديم رؤيتها الجديدة للاتحاد الأفريقي في شأن الدول المشاركة في قوات حفظ السلام في الصومال، إذ سبق وتحفظت على مشاركة إثيوبيا ضمن قوات أتميس، وإذا ما طوّرت رؤيتها الآن، ولديها مبادرة جديدة في هذا الشأن، فإن عليها التوجه إلى مجلس الأمن والسلم الأفريقي وتقديمها بشكل رسمي". 

ورجح أن "التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الصومالي لا تحظى بالإجماع داخل المجلس الوزاري في مقديشو، بالتالي لا يمكن الاعتداد بها كمبادرة صومالية حقيقية تمثل رؤية الإدارة الصومالية الحالية". 

وتابع أن "حكومة حسن شيخ محمود، وبعد استقبالها معدات عسكرية ثقيلة من القاهرة، وسماحها للقوات التركية بالوجود على السواحل الصومالية بذريعة حماية أعمال التنقيب عن النفط، لا يمكنها اتخاذ قرارات سيادية من دون العودة إلى القاهرة وأنقرة".

 نزع الذريعة 

بدوره، اعتبر المتخصص المصري في العلاقات الدولية، محمد السيد علي، أن "الدعوة التي أطلقها وزير الدفاع الصومالي أبطلت كل الحجج الإثيوبية بشأن مشاركتها في قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، إذ نزعت الذريعة السياسية التي لطالما استخدمتها أديس أبابا، لإبقاء قواتها في الصومال خارج تفويض مجلس الأمن والسلم الأفريقي". 

وأشار إلى أن "الوجود المصري في الصومال يأتي في إطار تفويض الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين البلدين، وهو وجود لا يستهدف أي دولة في الإقليم بقدر ما يلتزم بتفويض مجلس الأمن والسلم الأفريقي، كما كانت الحال بالنسبة إلى القوات الإثيوبية خلال الـ 18 سنة الماضية، بجانب موجبات التعاون العسكري الثنائي بين دولتين عضوين في الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وتربطهما علاقات سياسية ودبلوماسية وتاريخية". وأضاف السيد أن "الدفاع عن سيادة الصومال على كافة أراضيه يعد دفاعاً عن مواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وهو جزء من التزامات الدول الأعضاء في هذه المنظمات الدولية والإقليمية والقارية، وهو التزام قانوني وسياسي دافعت عنه القاهرة حتى قبل توقيعها اتفاقية التعاون العسكري مع مقديشو، بالتالي فإن الحملات الإعلامية والدبلوماسية التي تقودها أديس أبابا ضد الوجود المصري، تتناقض نصاً وروحاً مع هذه المواثيق والتزاماتها هي تجاهها".

ونفى المتحدث ذاته أن تكون القاهرة ممتعضة من تصريحات الوزير الصومالي، مؤكداً أن "مصر أعلنت منذ البدء رفضها أي اتفاقات تُبرم مع جهات غير معترف بها دولياً، وتستهدف سيادة ووحدة الأراضي الصومالية، بالتالي فإن اشتراط إلغاء مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وهرجيسا يتقاطع مع المصالح الصومالية التي تدافع عنها مصر".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير