Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السنوار مات لكن "حماس" باقية

قد يتيح مقتله فرصة لتحقيق السلام والتحدي الحقيقي يتمثل في أنه لا يوجد أحد الآن يمكن التفاوض معه

زعيم "حماس" يحيى السنوار في تظاهرة مناهضة لإسرائيل في غزة، أكتوبر 2022 (محمد سالم/ رويترز)

ملخص

لن ينهي موت السنوار حركة "حماس" لأنها متأصلة في قلب كل من عاش الويلات في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي عليها منذ أكثر من عام. فالقمع والقتل والجوع والتدمير لا يمكن أن تولد إلا مزيداً من الحقد والرغبة بالانتقام.

يمثل مقتل زعيم "حماس" يحيى السنوار نقطة تحول في الحرب بين إسرائيل و"حماس" وفي الصراع الذي يعصف بمنطقة الشرق الأوسط الأوسع، وكثير من الناس يحتفلون بهذا الحدث بصورة مبررة. فالسنوار لم يكتفِ بالإشراف شخصياً على إزهاق روح أكثر من 1200 إسرائيلي بريء خلال هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بل عرض عمداً حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين للخطر، معظمهم من النساء والأطفال، وكان يعلم أنهم سيعانون ويموتون إذا ردت إسرائيل على الهجمات بالطريقة التي توقعها. بالنسبة إلى الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين الذين لا يدعمون "حماس"، يعد موت السنوار عدالة محققة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن هل سيؤدي ذلك إلى إنهاء "حماس"؟ كان الهدف المعلن لإسرائيل هو تدمير الجماعة الإرهابية لكي تستعيد إسرائيل الردع وتعيد ضمان سلامة المواطنين الإسرائيليين. لقد تضررت قدرات "حماس" العسكرية بشدة بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية، إذ تزعم الحكومة الإسرائيلية أن قوات دفاعها قضت على أكثر من 17 ألف مقاتل من "حماس" من أصل عدد إجمالي يراوح بين 25 ألفاً و35 ألف مقاتل. كذلك، ركزت إسرائيل بصورة كبيرة على مطاردة قادة "حماس"، في محاولة لتوجيه ضربة حاسمة تزيل التهديد الذي تشكله الجماعة.

إن استراتيجية "قطع الرأس" هذه، التي تعني هزيمة جماعة إرهابية من خلال القضاء على قياداتها، يمكن أن تكون فعالة، ولكن في البحث الذي أجريته حول مسارات 457 حملة ومنظمة إرهابية على مدار 100 عام، وجدت أن الجماعات التي تنجح استراتيجية قطع الرأس في إنهائها تميل إلى أن تكون صغيرة، وذات هيكل هرمي، وتتميز بعبادة الشخصية، وعادة ما تفتقر إلى خطة خلافة قابلة للتطبيق. وفي المعدل، هي تبقى ناشطة لمدة تقل عن 10 سنوات. أما الجماعات الأقدم والأكثر ترابطاً، فهي قادرة على إعادة تنظيم صفوفها والاستمرار.

ولهذا السبب، مثلما كتبت في وقت سابق من هذا العام في "فورين أفيرز"، فإن "حماس" لا تعد هدفاً ملائماً لاستراتيجية قطع الرأس. فهي منظمة مترابطة للغاية ولديها أجندة سياسية متطرفة تعتمد على الدعم الدولي وتستهدف الجمهور العالمي عمداً. وهي أيضاً جماعة راسخة، عمرها أكثر من 40 عاماً، ولديها مكاتب خارج غزة تساعدها على الصمود، إضافة إلى ذلك، تحظى "حماس" بدعم كبير من إيران، ولم تنتهِ أي جماعة إرهابية مدعومة من دولة قط لمجرد وفاة قائدها. ببساطة، قتلت إسرائيل زعيم "حماس" في غزة، ولكن من المرجح أن تظل الجماعة وأجندتها السياسية صامدة ومستمرة.

كيف تستمر "حماس"؟

لو كانت "حماس" قابلة للهزيمة من خلال استهداف قياداتها [اتباع استراتيجية "قطع الرأس"]، لقُضي عليها منذ زمن. فإسرائيل تقتل زعماء "حماس" منذ عقود، بدءاً من عمليات الاغتيال المبكرة التي استهدفت صانع القنابل يحيى عياش (في عام 1996)، ومؤسس الحركة أحمد ياسين (في عام 2004)، وخليفته عبدالعزيز الرنتيسي (أيضاً عام 2004)، وصولاً إلى عمليات الاغتيال الأحدث هذا العام التي استهدفت صالح العاروري ومروان عيسى وإسماعيل هنية ومحمد ضيف، وغيرهم، بيد أن الجماعة لم تستسلم لهذا النهج على مر العقود منذ تأسيسها عام 1987، ولن تفعل ذلك الآن. فـ"حماس" معتادة على عملية خلافة القادة، وكان النمط المتكرر هو أن الخلف يثبت في كل مرة أنه أكثر تطرفاً وخطورة من الهدف الأصلي.

لقد أدى مقتل عديد من قادة "حماس" في العام الماضي إلى تعزيز مكانة السنوار داخل المجموعة وزيادة قوته. لذلك كان موته يمثل ضربة خطرة للحركة. ومن الجوانب المثيرة للاهتمام في عملية الاغتيال هذه أن السنوار لقي حتفه في اشتباك عادي [وتبادل روتيني لإطلاق النار]، وليس في عملية قتل مستهدفة، وهي حقيقة من شأنها أن تلمع صورته كمقاتل شهيد مات إلى جانب مقاتليه. ويبدو أن شقيقه الأصغر، محمد السنوار، على استعداد لتولي دوره، وسوف يستفيد من مكانة شقيقه الشهير.

لا أحد أفضل من الإسرائيليين في الاغتيالات المستهدفة، لكن السؤال الرئيس هو ما إذا كانت حكومة نتنياهو تمتلك خطة سياسية للتخفيف من التهديد الذي سيشكله بالتأكيد الجيل القادم من قادة "حماس". قبل إطلاق سراحه في صفقة لتبادل الأسرى عام 2011، كان السنوار قد أمضى 23 عاماً في سجن إسرائيلي، غذى خلالها حقداً عميقاً على آسريه تجلى بوضوح عندما خطط لهجمات السابع من أكتوبر. كم من الأشخاص الذين دفنوا آباءهم أو أشقاءهم أو أطفالهم في غزة سيتحولون إلى "سنوار" مستقبلي [سيمشون على خطى السنوار في المستقبل]؟ كم من الغزاويين الجائعين والمشردين، الذين يفتقرون إلى فرص العمل أو أي آفاق خارج الشبكات الإجرامية لـ"حماس"، تتملكهم الآن رغبة في الانتقام؟

قد يشكل مقتل السنوار فرصة حاسمة لتغيير المسار السلبي الذي يسود حالياً في المنطقة.

إن مصدر قوة "حماس" يكمن في روايتها التي تزعم فيها أنها تقاوم العدوان الإسرائيلي ببسالة وتمثل المصالح الفلسطينية بصدق. هذه السردية زائفة بوضوح، بيد أن وجهة نظر "حماس" تجاه إسرائيل تكتسب شعبية في مختلف أنحاء العالم وتؤدي إلى تراجع الدعم السياسي للبلاد، بما في ذلك بين الناخبين الأصغر سناً في الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل. ووفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" أخيراً، فإن عدد الأميركيين الذين يعبرون عن آراء سلبية تجاه حكومة نتنياهو والحملة الإسرائيلية في غزة يفوق عدد الذين يحملون آراء إيجابية. إذاً، فاغتيال القادة ليس حلاً فعالاً لمشكلة جوهرية ذات أبعاد سياسية واستراتيجية.

مع ذلك، قد يشكل مقتل السنوار فرصة حاسمة لتغيير المسار السلبي الذي يسود حالياً في المنطقة. فعلى رغم الجهود الدبلوماسية الدؤوبة التي تبذلها الولايات المتحدة وقطر ومصر، فإن الوضع يتصاعد نحو الحرب الإقليمية نفسها التي كانت الدبلوماسية قد صممت لمنع اندلاعها. في الحقيقة، كان يحيى السنوار يريد للحرب أن تستمر وكان يشكل عقبة أساسية أمام أي اتفاق لإنهائها. وقد تسفر عملية اغتياله عن نتيجة سياسية مرغوبة إذا دفعت حكومة نتنياهو لإيجاد حل سياسي للحرب بين إسرائيل و"حماس"، التي تؤجج الاضطرابات الإقليمية. وسيتطلب تحقيق ذلك سعياً جدياً للتوصل إلى اتفاق في غزة من شأنه أن يؤدي إلى عودة 101 رهينة إسرائيلي (سواء أحياء أو أموات) وتقديم مساعدات إنسانية كثيفة للمدنيين في غزة، الذين يعاني كثر منهم التشرد والجوع والموت المحتمل.

ويتمثل التحدي الحقيقي، بالطبع، في أنه لا يوجد أحد الآن يمكن التفاوض معه في شأن وقف إطلاق النار. ومن خلال قتل السنوار، ربما لم تفشل إسرائيل في هزيمة "حماس" فحسب، بل زادت أيضاً من احتمال ألا يكون أمامها من خيار سوى مواصلة حربها المدمرة والمفتقرة إلى هدف استراتيجي في غزة. وهذه الحرب ستغذي على المدى الطويل العداء بين الفلسطينيين الذي استغله السنوار، وسيستغله أولئك الذين سيخلفونه أيضاً.

     أودري كورث كرونين هي مديرة معهد كارنيغي ميلون للاستراتيجية والتكنولوجيا ومؤلفة كتاب "كيف ينتهي الإرهاب: فهم تراجع الحملات الإرهابية وزوالها" (How Terrorism Ends: Understanding the Decline and Demise)

مترجم من "فورين أفيرز"، 19 أكتوبر (تشرين الأول)، 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء