ملخص
يقول مراقبون إن ثمة مؤشرات توحي بأن الحكومة تدرس فعلياً إعادة التجنيد الإجباري منذ عام 2020 في سياق تعزيز القوى الدفاعية والاحتياطية.
ما بين البطالة والتهديدات الإقليمية تبرز الحاجة الأردنية لتعزيز القوى العسكرية ودعم الاستقرار الداخلي والتعامل مع أية تهديدات محتملة على المديين القصير والمتوسط.
يترقب الأردنيون قراراً حكومياً بإعادة العمل بالتجنيد الإلزامي في الجيش بعد أكثر من 30 عاماً من التجميد لأسباب سياسية واقتصادية.
وعلى وقع الأحداث السياسية والعسكرية المتلاحقة في المنطقة ودول الجوار بات من الضروري بحسب خبراء "الاستعداد لما هو أسوأ"، وبخاصة مع جملة مؤشرات إلى استهداف الأردن إسرائيلياً وإيرانياً ومحاولة إدخالها عنوة في الصراع القائم بينهما.
ويقول مراقبون إن عودة التجنيد الإجباري قد تكون جزءاً من استراتيجية شاملة لمواجهة تحديات داخلية مثل البطالة، وأخرى خارجية مثل التهديدات الأمنية الإقليمية.
ويربط هؤلاء بين هذا التوجه والتصريحات التي أطلقها ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله خلال مايو (أيار) الماضي، ودعا فيها إلى ضرورة إعادة خدمة العلم ليكون الجيل الجديد منضبطاً ومرتبطاً بأرضه.
قرارات تمهيدية
وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية دعت الذكور الأردنيين الراغبين في السفر خارج البلاد إلى ضرورة مراجعتها لتأجيل دفتر خدمة العلم، وهو إجراء روتيني منذ تجميد التجنيد الإلزامي.
وقال مدير الإعلام العسكري العميد الركن مصطفى الحياري إن قرار تأجيل دفتر خدمة العلم لم يكن مفاجئاً واتخذ قبل نحو خمسة أشهر، مشيراً إلى أن رئاسة الوزراء أصدرت تعميماً خلال الـ24 من سبتمبر (أيلول) الماضي جرى بموجبه مطالبة جميع الخاضعين لخدمة العلم للتوجه إلى أقرب مركز للتعبئة والجيش الشعبي من أجل استصدار دفتر خدمة علم ساري المفعول، ووقتها لم يحدث تجاوب مع التعميم، مما اضطر القيادة العامة للقوات المسلحة إلى إعادة التعميم.
ويوضح الحياري أن الغاية من "خدمة العلم" إيجاد شباب منضبط ومرتبط بأرضه، إذ ينص القانون على أن كل أردني ذكر أتم الـ18 من عمره وحتى سن الـ40 سنة مكلف الخدمة لمدة تراوح ما بين عام وعامين، أو بحسب ما ترتئيه القيادة العامة في واحدة من وحدات وتشكيلات القوات المسلحة.
ويضيف أنه بعد ذلك ينتقل المكلف تلقائياً إلى الخدمة الاحتياطية لوحدات وتشكيلات القوات المسلحة العاملة، وتكون مدة الاحتياط خمسة أعوام لا يشترط فيها الخدمة الفعلية، وبعد إتمام هذه المدة ينتقل تلقائياً ليصبح جزءاً من الجيش الشعبي.
من التجنيد إلى التجميد
صدر عام 1976 قانون للتجنيد الإلزامي المتعارف عليه في الأردن باسم "خدمة العلم" وجرى تعديله عام 1986 إلى أن جمدت العمل به عام 1991، تمهيداً لاتفاق السلام مع إسرائيل في "وادي عربة".
ويقول مراقبون إن ثمة مؤشرات توحي بأن الحكومة تدرس فعلياً إعادة التجنيد الإجباري منذ عام 2020 في سياق تعزيز القوى الدفاعية والاحتياطية.
وفي حينه، أطلقت الحكومة الأردنية برنامجاً جديداً يستهدف تدريب الشباب الأردني وتطوير مهاراتهم المهنية، وهو برنامج يشبه خدمة العلم التقليدية، لكنه ليس إلزامياً كالسابق ويرمي إلى مكافحة البطالة وإعادة تأهيل الشباب الأردني بصورة عامة، لكن هذا البرنامج لم يتم تنفيذه وبقي حبيس الأدراج وبخاصة مع دخول جائحة كورونا إلى البلاد.
وشهد عام 2011 عودة للمطالبة بإحياء خدمة العلم على أن تُسمى "خدمة الوطن"، وكان يفترض أن تكون مدة الخدمة 12 شهراً، يتم خلالها منح المكلف مبلغاً شهرياً مقداره 100 دينار (140 دولاراً) يتلقى فيه المكلفون تدريباً عسكرياً مدته ثلاثة أشهر.
أسباب اقتصادية وأمنية
وتقول أوساط حكومية لـ"اندبندنت عربية" إن التجنيد الإجباري في الأردن توقف رسمياً عام 1992 لأسباب تتعلق بالتحول الاقتصادي الذي تبنته الحكومة خلال تلك الفترة، وفي سياق برنامج إصلاح اقتصادي مدعوم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحيث كان من الصعب الاستمرار في التجنيد الإجباري كونه لا يتماشى مع التوجهات الجديدة الرامية لتشجيع الشباب على دخول سوق العمل وتطوير المهارات المهنية، كما أن التهديدات الأمنية في ذلك الوقت تراجعت نسبياً بعد اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1994، إذ تراجعت الحاجة إلى الاحتفاظ بجيش كبير يعتمد على التجنيد الإجباري.
ويرى اقتصاديون أن من شأن إعادة التجنيد الإجباري خلال هذا الوقت أن يزيد الأعباء المالية على الدولة ويحملها كلفاً مالية كبيرة، إضافة إلى ذلك فإن سحب عدد كبير من الشباب من سوق العمل سيؤثر في الاقتصاد المحلي بصورة عامة، إذ قد تُعطل بعض الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على فئة الشباب.
وهنا يؤكد المتخصص الاقتصادي عامر الشوبكي أن "التجنيد الإجباري مسألة سيادية تمس صلب الأمن القومي والاقتصادي والمجتمعي"، مشيراً إلى بعض الجوانب الاقتصادية إذ يمكن للتجنيد الإجباري أن يسهم في تخفيف معدلات البطالة بين الشباب.
غالبية مؤيدة
ويتوقع أن يحظى القرار حال إقراره رسمياً بتأييد قطاعات واسعة من الأردنيين، لكن قد يواجه أيضاً رفض قطاعات أخرى ترى في التجنيد الإجباري عبئاً غير ضروري.
إذ أظهر استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن الغالبية العظمى من الأردنيين (72 في المئة) يعتقدون أنه يجب إعادة العمل بخدمة العلم، ويعتقد 47 في المئة منهم أنه لا يجب أن تقل مدة الخدمة عن عامين.
بينما يبدي عدد كبير منهم عدم قناعتهم بفعالية البرامج البديلة عن الخدمة العسكرية، ويرى آخرون أن الخدمة في الجيش من شأنها تعزيز ثقافة الانضباط والالتزام لدى الشباب، وغرس مفاهيم المواطنة وتحمل المسؤولية والمشاركة المجتمعية.
رسائل داخلية وخارجية
ويقول المتخصص الأمني والاستراتيجي عمر رداد إن الحديث عن عودة التجنيد الإلزامي في الأردن فيه رسائل داخلية وخارجية، ووجود تعليمات تجديد دفتر الخدمة للمكلفين والمطلوبين للتجنيد، هي مرحلة أولى باعتقادي تمهد لمرحلة مقبلة.
ويضيف الرداد "الجيش الأردني لديه استعداد كاف وإن احتاج لتغيير مواقفه وخططه العسكرية فلديه احتياط استراتيجي".
ويرى مراقبون آخرون أنه ومع تزايد الضغوط الأمنية والسياسية في المنطقة، قد تشعر القيادة الأردنية بالحاجة إلى تعزيز قواها العسكرية لدعم الاستقرار الداخلي والتعامل مع أية تهديدات محتملة على المديين القصير والمتوسط.
وبدوره يدعو الوزير السابق ممدوح العبادي إلى تجنيد الإناث أيضاً خصوصاً أن لدى إسرائيل خدمة تجنيد للإناث إلزامية، وذلك في ظل الأوضاع الراهنة التي تحصل في المنطقة، وبخاصة الحرب الدائرة في كل من غزة ولبنان وما تبعها من تهديدات صريحة للأردن على لسان مقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكن الأبعاد والتداعيات الأمنية والجيوسياسية المتلاحقة فضلاً عن التوترات الإقليمية المتزايدة، وتدهور الأوضاع في غزة والضفة الغربية ولبنان، قد تدفع بالأردن لتعزيز جهوزيته العسكرية لمواجهة أية تهديدات محتملة على حدوده.
إذ تبرز التهديدات الإسرائيلية المتعلقة بضم أجزاء من الضفة الغربية وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار في الأردن نظراً إلى الروابط الجغرافية والديموغرافية، واحتمال أن يؤدي ذلك إلى موجات لجوء، بموازاة تهديدات علنية أطلقها مسؤولون ووزراء إسرائيليون قالوا فيها صراحة إن "إسرائيل تفكر باحتلال الأردن تنفيذاً لخطة إسرائيل الكبرى".
كما أن استمرار الحرب في غزة ولبنان يزيدان من احتمالات اندلاع مواجهات على حدود الأردن، من ثم قد ترى الحكومة الأردنية أن التجنيد الإجباري يمثل أداة لزيادة جاهزية القوات المسلحة.