ملخص
مع وجود كونغرس منقسم ستظهر تناقضات في السياسة الخارجية، إذ يدفع مجلس النواب والشيوخ بأجندات متنافسة في شأن الإنفاق الدفاعي والتجارة والاتفاقات الدولية.
وقد يستغل الحلفاء والخصوم العالميون هذه الانقسامات، ويختبرون عزم الولايات المتحدة ويخلقون حالاً من عدم اليقين في العلاقات الدولية.
في حين تشير استطلاعات الرأي كافة إلى تساوي فرص فوز ترمب وهاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يظل التساؤل المثير للاهتمام هو من سيفوز بالسيطرة على كل من مجلسي الشيوخ والنواب؟ وكيف يمكن أن تتأثر الرئاسة المقبلة لأي من المرشحين الجمهوري أو الديمقراطي بنتيجة انتخابات مجلسي الكونغرس من حيث تنفيذ وعودهم الانتخابية وتمرير أجندتهم التشريعية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون الحكومة المنقسمة المتوقعة عائقاً أمام الرئيس الجديد في البيت الأبيض؟
جمود وترقب
مع بقاء 11 يوماً على موعد الانتخابات العامة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، تظل السباقات التي ستقرر الحزب الذي سيسيطر على الرئاسة الأميركية والكونغرس متقاربة للغاية، إذ تظل تقديرات استطلاعات الرأي في الولايات السبع المتأرجحة التي ستقرر تصويت الهيئة الانتخابية، وبالتالي الفائز النهائي في الانتخابات متقاربة للغاية، وضمن هامش الخطأ باستمرار، وهذا يعني أن معظم إن لم يكن جميع هذه الولايات تظل غير مؤكدة بنسبة معقولة لكلا المرشحين، بما في ذلك الولايات الحاسمة للغاية مثل بنسلفانيا وجورجيا ومتشيغان.
وفي ظل عدم وجود مزيد من المناظرات الرئاسية المقررة، واتخاذ معظم الناخبين بالفعل نواياهم في التصويت، من المتوقع أن يظل السباق في حال جمود وترقب حتى يوم الانتخابات، إذ سيكون للناخبين المترددين ودرجة الإقبال في الولايات المتأرجحة التأثير الأكبر في نتائج الهيئة الانتخابية، وسيظل مسار الانتخابات عرضة لعدد من العوامل، بما في ذلك الأحداث غير المتوقعة، التي قد تشكل آراء هؤلاء الناخبين بين الآن ويوم الانتخابات، لكن من المرجح أن تشكل ثلاث قضايا سلوك الناخبين بدرجة أكبر، وهي حالة الاقتصاد الأميركي وحقوق الرعاية الصحية للنساء والصراع في الشرق الأوسط.
ومع عدم قيام بعض الولايات، بما في ذلك جورجيا وبنسلفانيا، بالإبلاغ عن نتائجها الكاملة في يوم الانتخابات بسبب القواعد المتعلقة بموعد وكيفية فرز الأصوات، فقد يستغرق الأمر أياماً عدة قبل أن يتضح الفائز النهائي. ومع رفض ترمب تأكيد أنه سيقبل خسارة الانتخابات، فقد تكون لديه فرصة لإعلان النصر إذا اختار ذلك، لأن هاريس من غير المرجح أن يكون لديها عدد كاف من أصوات المجمع الانتخابي للفوز من دون جورجيا أو بنسلفانيا، ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يولد حالاً من عدم الاستقرار السياسي.
كونغرس منقسم
وبغض النظر عما إذا كانت هاريس أو ترمب سيفوز في الانتخابات الرئاسية، تظل نتيجة انتخابات الكونغرس مهمة للغاية من حيث تأثيرها في قدرة المرشح الرئاسي الفائز على تنفيذ سياساته الداخلية والخارجية التي تعهد بها للناخبين، إذ يخوض جميع أعضاء مجلس النواب وعددهم 435 الانتخابات كما الحال كل عامين، فيما يخوض ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعددهم في هذه الدورة 34 انتخابات حاسمة يتوقع أن تعيد رسم خريطة التوازنات السياسية.
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية، يظل الكونغرس المنقسم هو الأكثر ترجيحاً بحسب معظم التوقعات، وهذا من شأنه أن يفرض عقبات أكبر على هاريس مقارنة بالرئيس السابق دونالد ترمب إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ.
وفي كل الأحوال يبقى الاعتقاد السائد هو أن الديمقراطيين أو الجمهوريين لن يفوزوا بغالبية كبيرة في الكونغرس المقبل، بسبب الاستقطاب الشديد للناخبين ووجود عدد صغير من السباقات التنافسية، مما يعني أن الأحزاب لن تكون لديها فرصة كبيرة لتوسيع هوامش تقدمها الهزيلة الحالية، إذ يسيطر الديمقراطيون الآن على مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد (51 مقعداً في مقابل 49 للجمهوريين)، بينما يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب بهامش ضئيل (220 مقعداً في مقابل 212 للديمقراطيين وثلاثة مقاعد شاغرة).
وعلى رغم أن الرئيس المقبل ربما لن يتمكن من ترجمة أجندته السياسية الكاملة إلى تشريعات، إلا أن الانقسام الحزبي بين المجلسين سيكون مهماً، حتى لو ظلت الغالبية ضئيلة، مما يخلق سيناريوهات مميزة لأي حزب يسيطر على الرئاسة.
السيناريو الأول
يتمثل السيناريو الأول فيما يسمى انقلاب الغالبية، أي تتحول الغالبية في كل مجلس إلى الحزب الآخر، فيسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب والجمهوريون على مجلس الشيوخ، وهو أمر أكثر احتمالاً في مجلس الشيوخ بالتحديد. إذ من المؤكد أن الجمهوريين سيحصلون على مقعد في مجلس الشيوخ في ولاية ويست فرجينيا المحافظة للغاية، بعد تقاعد جو مانشين، الديمقراطي الذي تحول إلى مستقل، ويعني هذا أن الجمهوريين على بعد مقعد واحد فقط من استعادة المجلس، وربما يأتي هذا من خلال فوز مرتقب في ولاية مونتانا، إذ يواجه السيناتور الديمقراطي الحالي جون تيستر معركة شاقة ضد خصمه الجمهوري تيم شيهي الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أن احتمالات فوزه كبيرة جداً، كما أن السيناتور الديمقراطي شيرود براون يواجه أيضاً معركة صعبة في ولاية أوهايو.
وفي الوقت نفسه يبدو الديمقراطيون في وضع جيد لقلب المقاعد القليلة اللازمة للسيطرة على مجلس النواب، ومن المنتظر أن تعمل التنافسات القوية في ولاية كاليفورنيا، الولاية الزرقاء التي تنتمي إليها هاريس، وتأثير قضية الإجهاض، كما حدث خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، لصالح الحزب الديمقراطي.
وسيعني وجود حكومة منقسمة أن التشريعات الأساسية، بما في ذلك تمويل الحكومة الفيدرالية وتجنب التخلف عن السداد، ستواجه جموداً حزبياً وتأخيراً، ولن يكون لدى هاريس ولا ترمب كثيراً من الفرص لتنفيذ أجندتهما التشريعية، ومع ذلك ستواجه هاريس العبء الأكبر، نظراً إلى أن مجلس الشيوخ الجمهوري من شأنه أن يمنع أي تعيينات وزارية أو قضائية يعتبرها تقدمية للغاية، وعلى العكس من ذلك فإن تعيينات ترمب لن تواجه عوائق تذكر، وهذا من شأنه أن يحمل عواقب مهمة على التوازن الأيديولوجي للمحكمة العليا الأميركية إذا ظهر منصب شاغر بها قبل انتخابات التجديد النصفي عام 2026.
السيناريو الثاني
ويتمثل السيناريو الثاني فيما يسمى "الاكتساح الثلاثي"، أي فوز حزب واحد بالرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ، وعلى رغم أن فرص حدوث ذلك أقل احتمالاً، إلا أنه لا يزال من الممكن أن يسيطر الحزب الفائز في الانتخابات الرئاسية على الكونغرس بمجلسيه، بخاصة وأن هذه كانت القاعدة التي سارت عليها الانتخابات الأميركية منذ عام 1989.
ويقدر مدير أبحاث السياسات في مؤسسة "بي تي آي جي" الاستشارية إسحق بولتانسكي أن هناك فرصة بنسبة 23 في المئة فقط لتأمين الجمهوريين السيطرة على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات نوفمبر في مقابل فرصة قدرها خمسة في المئة فقط لفوز الديمقراطيين بها، وهذا يعني أن هناك احتمالاً بنسبة 72 في المئة أن يواجه الرئيس الجديد مجلس شيوخ أو مجلس نواب يديره الحزب المعارض.
لكن خبراء الانتخابات والمحللين في مؤسسة "رايموند جيمس" لا يعتقدون أن الحكومة المنقسمة مرجحة إلى هذا الحد، فهم يرون أن فرصتها لا تتجاوز نسبة 40 في المئة، ويعتقدون أن هناك فرصة بنسبة 15 في المئة لأن يصبح ترمب رئيساً بينما يستعيد الديمقراطيون مجلس النواب، وفرصة بنسبة 25 في المئة لأن تفوز هاريس بالرئاسة، بينما يسيطر الحزب الجمهوري على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، ويتوقعون بنسبة 35 في المئة اكتساح الجمهوريين للرئاسة والمجلسين، في مقابل فرصة أقل قدرها 25 في المئة لاكتساح الديمقراطيين.
ومن المحتمل أن يمنع غياب الغالبية الكبيرة في الكونغرس الرئيس الجديد في البيت الأبيض من سن العناصر الأكثر حزبية في أجندته الانتخابية، مثل زيادة معدل الضرائب على الشركات من هاريس، أو إلغاء قانون الرعاية الميسرة من ترمب، لكن العناصر الأكثر اعتدالاً في برامجهم سيكون من الأسهل تمريرها، بخاصة إذا كان الاتفاق بين الحزبين ممكناً مثل فرض ضوابط على الأسعار وكلفة المعيشة التي اقترحتها هاريس أو تمديد وزيادة بعض التخفيضات الضريبية السابقة التي أقرها ترمب.
المتوقع مع فوز هاريس
إذا فازت المرشحة الديمقراطية بالبيت الأبيض، ولم يفز الديمقراطيون بالكونغرس، فإن إدارتها ستواجه الجمود نفسه والخلل الذي تواجهه اليوم وستضطر هاريس، التي يكبلها الجمهوريون في الكونغرس، إلى الحكم مثل نسخة أكثر اعتدالاً من الرئيس جو بايدن، وسيعطي الجمهوريون في الكونغرس الأولوية لمنع مبادرات هاريس الأكثر تقدمية، وبخاصة في ما يتعلق بالمناخ والرعاية الصحية والضرائب، ولن يوفروا لها أموالاً لبرامج جديدة ضخمة مثل خطط بايدن للطاقة الخضراء والبنية التحتية، وربما تمضي فترة ولايتها في إيجاد أرضية مشتركة من أجل مكاسب أصغر مثل الإعانات لشراء منزل جديد.
وتوقعت شركة "أف جي أس غلوبال"، وهي شركة استشارية عالمية للشؤون العامة تقدم المشورة في شأن نتائج الانتخابات، أن تواجه أجندة هاريس المناخية معارضة كبيرة في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، إذ من غير المرجح أن تمرر التشريعات الرئيسية لمكافحة تغير المناخ، وستكون قدرة هاريس على دفع إصلاحات المناخ واسعة النطاق محدودة، مما يؤدي إلى إبطاء التقدم في مجال الطاقة الخضراء وخفض الانبعاثات، لكن هاريس قد تسعى إلى إجراء تغييرات تنظيمية من خلال الوكالات التنفيذية.
وسيكون توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية، وهو حجر الزاوية في برنامج هاريس، نقطة خلاف رئيسة، إذ من المرجح أن يعرقل الجمهوريون الجهود الرامية إلى توسيع قانون الرعاية الميسرة، لكن هاريس قد تركز على الحفاظ على برامج الرعاية الصحية القائمة وإجراء تغييرات تدريجية، وربما تعتمد على الإجراءات التنفيذية لتعزيز أحكام قانون الرعاية الميسرة.
معارك كثيرة
وستصبح السياسة الاقتصادية ساحة معركة أخرى، إذ ستدفع هاريس نحو زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء، في حين سيعمل الجمهوريون على الحفاظ على التخفيضات الضريبية التي أقرها ترمب، ومن المتوقع أن تشهد السياسة الاقتصادية مواجهات كبرى في شأن الموازنة والسياسة الضريبية، وستكون مفاوضات الموازنة مثيرة للجدال، إذ يتوقع أن يهدف الجمهوريون إلى خفض الإنفاق الفيدرالي، وبخاصة على البرامج الاجتماعية، وهناك احتمال كبير لتهديدات الإغلاق الحكومي بسبب الخلافات حول الموازنة، وربما تؤدي معارك الموازنة إلى عدم الاستقرار في العمليات الحكومية، مع التهديدات الدورية بالإغلاق والتأخير في تمويل البرامج الرئيسة.
وإذا سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ، فإن قدرة هاريس على تعيين القضاة ستكون محدودة بشدة، ومن المرجح أن يمنع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون أو يؤخروا التصديق على تعيين القضاة التقدميين، وبخاصة لمحاكم الاستئناف والترشيحات المحتملة للمحكمة العليا، وإذا منع مجلس الشيوخ الجمهوري ترشيحات القضاء، فسيحافظ ذلك على الغالبية المحافظة في المحاكم، ويحد من قدرة هاريس على التأثير في النتائج القانونية طويلة الأجل في شأن حقوق الإنجاب والرعاية الصحية والهجرة.
وفي ما يتعلق بقضية الهجرة ومراقبة الحدود، سيجبر الكونغرس الجمهوري هاريس على الحفاظ على الموقف الأكثر تشدداً في شأن أمن الحدود الذي توقعته خلال حملتها الانتخابية، ومن المرجح أن يكون إصلاح الهجرة الشامل خارج الحسبان، لكن هاريس ربما تدفع الكونغرس إلى تبني صفقة مشروع قانون الحدود الذي توافق عليه الحزبان، قبل أن يسهم الرئيس السابق ترمب في إجهاضه في وقت سابق، ومن دون دعم من الكونغرس، ستكون قدرة هاريس على إجراء إصلاحات ذات مغزى لقانون الهجرة محدودة، مما يؤدي إلى استمرار المعارك القانونية حول سياسة الهجرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صراع السياسة الخارجية
وعلى الساحة الدولية من المرجح أن تواصل هاريس السياسة الخارجية للرئيس بايدن في تعزيز التحالفات وإعادة التعامل مع المؤسسات المتعددة الأطراف، إذ من المرجح أن تعطي الأولوية لتعميق العلاقات مع حلفاء "الناتو"، والحفاظ على موقف صارم تجاه الصين وروسيا، والتركيز على التعاون العالمي في شأن تغير المناخ والأمن السيبراني وحقوق الإنسان وتعزيز الأمن السيبراني ونزع السلاح النووي.
لكن من المرجح أن يتحدى الجمهوريون في الكونغرس جوانب سياستها الخارجية، وخصوصاً ما يتعلق بالإنفاق الدفاعي والتجارة، إذ يتوقع أن يدفع الجمهوريون نحو نهج أكثر تشدداً مثل الإصرار على زيادة الإنفاق الدفاعي، وبخاصة استجابة للتوترات مع الصين وروسيا، وربما يقاومون أيضاً جهود هاريس لتقليص التدخل العسكري في الشرق الأوسط.
تحقيقات ودعاوى قضائية
يمكن لمجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون أن يطلق تحقيقات لإدارة هاريس، مع التركيز على سوء الإدارة المزعوم، أو انتهاكات الأخلاقيات أو الإجراءات التنفيذية غير الشعبية، مع إبطاء عملية التشريع. ومن المحتمل أن تواجه الإجراءات التنفيذية لهاريس دعاوى قضائية من الولايات والصناعات التي يقودها الجمهوريون، لاسيما في ما يتعلق باللوائح البيئية والرعاية الصحية والهجرة.
ويمكن للمعارك السياسية المتكررة والتحديات القانونية أن تخلق حالاً من عدم الاستقرار، مما يجعل من الصعب على هاريس تحقيق إصلاحات دائمة، وزيادة التوترات الحزبية في جميع أنحاء أميركا.
المتوقع مع فوز ترمب
أما إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترمب بالانتخابات وسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، فإن واشنطن ستنغمس في صراع ملحمي على السلطة، إذ يتوقع استمرار الاحتكاك بين ترمب والديمقراطيين، الذين سيستخدمون سلطاتهم الرقابية للتحقيق في إدارته وتحديها وفرض معاركهم القضائية الخاصة، وهو ما قد يدفع ترمب إلى اختبار حدود جديدة للعمل الأحادي، والاعتماد على المحاكم المحافظة لدعمه.
وفي ظل سيناريو صراع القوة، في ظل حكومة منقسمة مع ترمب في البيت الأبيض وسيطرة الديمقراطيين على مجلس واحد في الأقل من الكونغرس، ستعتمد إدارة ترمب بصورة كبيرة على الأوامر التنفيذية لدفع وعوده الرئيسة، ويمكن أن تشمل هذه التحركات عودة ظهور الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى عكس سياسات عصر بايدن، وبخاصة في إنتاج الطاقة والتنظيم البيئي ومتطلبات السياسة الاجتماعية، في شأن إنفاق البنية التحتية والتراجع عن قواعد المناخ وتقييد الهجرة وتخفيف القيود التنظيمية للشركات والتركيز على مراقبة الحدود والترحيل والقيود المفروضة على الهجرة القانونية.
ولكن من دون دعم الكونغرس، فإن عدداً من مشاريع ترمب الأكثر طموحاً، مثل إصلاح الهجرة على نطاق واسع وتنفيذ تخفيضات ضريبية شاملة ستكون محدودة، وربما يؤدي الاعتماد على الأوامر التنفيذية إلى خلق مشهد قانوني متقلب، مع التحديات القضائية المستمرة من الديمقراطيين.
أم المعارك
ستكون للحكومة المنقسمة آثار هائلة في أكبر معركة سياسية في واشنطن منذ أعوام، مع انتهاء صلاحية تريليونات الدولارات من التخفيضات الضريبية لترمب في نهاية عام 2025، إذ من المرجح أن يمنع الديمقراطيون تمديد الإعفاءات الضريبية للطبقة الغنية الأميركية، لكن السماح بانتهاء صلاحية قانون 2017 بالكامل يعني ضرائب أعلى للغالبية العظمى من البلاد، ومن المتوقع أن يقايض الديمقراطيون في الكابيتول هيل بدلاً من ذلك على تمرير أولوياتهم الخاصة مثل تجديد إعانات قانون الرعاية الميسرة، التي تنتهي أيضاً العام المقبل، ويمكن أن تشمل القواسم المشتركة في المفاوضات توسيع ائتمان ضريبة الأطفال وإلغاء الضرائب على الإكراميات، التي يدعمها كل من حملتي هاريس وترمب.
وعلى عكس هاريس سيعمل مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بصورة وثيقة مع ترمب لدفع التعيينات القضائية المحافظة، مما يضمن استمرار القضاء الفيدرالي في التحول نحو اليمين، ويعزز القضاء اليميني الذي يمكن أن يؤثر في القرارات في شأن قضايا رئيسة مثل الإجهاض وحقوق التصويت والسلطة التنظيمية، لكن لو سيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، وهو سيناريو بعيد الاحتمال، فسيحد ذلك بصورة كبيرة من جهود ترمب.
ومع ذلك فإن حجم أية غالبية في مجلس الشيوخ سيكون له أهمية كبيرة، إذ لا يزال هناك حاجز 60 صوتاً من المطلوب تأييدهم لتمرير غالبية المشاريع التشريعية في مجلس الشيوخ. لكن سيعمل مجلس الشيوخ كجدار حماية لترمب، إذ يمنع التحقيقات التي يقودها الديمقراطيون أو الجهود الرامية إلى إدانته في أية محاكمة تستهدف عزله من الحكم مثلما حدث مرتين خلال دورة حكمه الأولى.
حروب الثقافة
من المتوقع أن يستمر ترمب في خوض حروب حول القضايا الثقافية مثل الجنس وحرية التعبير، وربما يستهدف الإجراءات التنفيذية لتقييد حقوق المثليين وتقييد التمويل للبرامج التي تعزز التنوع والمساواة والإدماج. ومن المحتمل بدرجة كبيرة أن يستخدم ترمب منبره الرئاسي للرد على ما يعتبره سياسات "الاستيقاظ" الليبرالية، وسيدفع الجمهوريون بالتشريعات التي تمنع تقديم أنواع الرعاية التي تتعلق بالنوع الاجتماعي، ومبادرات التنوع في الشركات، وتدريس نظرية العرق النقدية، لكن التقدم التشريعي سيكون محدوداً من الديمقراطيين.
في المقابل سيرد مجلس النواب الديمقراطي بالتحقيق في تصرفات ترمب وتحديها، وسيعقد جلسات استماع حول تعامل ترمب مع البرامج الفيدرالية والصراعات على المصالح واحتمال مزيد من تحقيقات المساءلة التي تستهدف العزل، ولهذا سيكون هناك كثير من الضوضاء، ولكن قليل من التقدم التشريعي، لأنه لن يكون لدى أي من الجانبين القدرة على سن إصلاحات شاملة من دون تعاون الطرف الآخر، وستجد الشركات نفسها عالقة بصورة روتينية في مرمى المعارك الثقافية.
السياسة الخارجية
ستظل السياسة الخارجية لترمب تركز على "أميركا أولاً"، لكن الكونغرس المنقسم قد يحد من قدرته على تمرير تشريعات السياسة الخارجية المهمة. وبدلاً من ذلك يمكن توقع أن يعتمد ترمب على الاتفاقات التنفيذية والصفقات الثنائية لإعادة تشكيل العلاقات العالمية للولايات المتحدة، إذ من المتوقع أن يواصل ترمب اتخاذ موقف صارم تجاه الصين، مع فرض مزيد من التعريفات الجمركية والعقوبات المحتملة، وقد يحاول أيضاً إعادة التفاوض على الصفقات التجارية مع حلفاء مثل الاتحاد الأوروبي، ولكن من دون دعم الكونغرس.
غير أن علاقة ترمب بحلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالفات الدولية الأخرى قد تصبح أكثر توتراً، إذ يعطي ترمب الأولوية للدبلوماسية في التعامل الثنائي على التعاون المتعدد الأطراف، ومع وجود كونغرس منقسم ستظهر تناقضات في السياسة الخارجية، إذ يدفع مجلس النواب والشيوخ بأجندات متنافسة في شأن الإنفاق الدفاعي والتجارة والاتفاقات الدولية.
وقد يستغل الحلفاء والخصوم العالميون هذه الانقسامات، ويختبرون عزم الولايات المتحدة ويخلقون حالاً من عدم اليقين في العلاقات الدولية.