Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قاسم حداد يفوز بجائزة الأركانة بوصف شعره "علامة مضيئة"

تجربة الشاعر البحريني الغزيرة عرفت تحولات كبيرة منذ بداية السبعينيات

الشاعر قاسم حداد (صفحة الشاعر - فيسبوك)

ملخص

باتت جائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر في المغرب واحدة من أكثر الجوائز أهمية في مجال الشعر، وقد فاز بها هذه السنة الشاعر البحريني قاسم حداد.

تقترن أهمية جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يمنحها بيت الشعر في المغرب، بالأسماء التي حصلت عليها تباعاً منذ دورتها الأولى. ومن الشعراء المعروفين الذين فازوا بها من جغرافيات متباعدة: الصيني بيي ضاو والإسباني أنطونيو غامونيدا والفرنسي إيف بونفوا والأميركي تشارلز سيميك والإيطالي جوزيبي كونتي والنيجيري محمد ين خواد والألماني فولكر براون والبرتغالي نونو جوديس والأميركية مارلين هاكر، ومن الشعراء العرب: محمود درويش وسعدي يوسف ووديع سعادة، فضلاً عن الشعراء المغاربة: محمد السرغيني ومحمد الأشعري ومحمد بنطلحة.

تتخذ جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يمنحها بيت الشعر بشراكة مع مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير بتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، طابعاً تكريمياً، بحيث لا يتبارى الشعراء على الجائزة ولا يتقدمون إليها بأعمالهم، بل تجتمع لجنة مشكلة من نقاد ومترجمين ودارسين للشعر وتتوافق على اسم يحظى بشهرة كبيرة في بلده، فضلاً عن مراكمته لتجربة مهمة في الكتابة الشعرية.

واختارت الجائزة في دورتها الأخيرة أن تنحاز إلى الحداثة الأدبية في شكلها الأكثر راهنية في العالم العربي، بحيث أعلن بيت الشعر في المغرب أخيراً تخصيص جائزة الأركانة في دورة 2024 للشاعر البحريني قاسم حداد باعتباره "علامة مضيئة في سجل الشعر العربي والإنساني، أسفر منجزه الإبداعي، الذي يمتد منذ سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، عن أزيد من 40 ديواناً وكتاباً، علاوة على حضور وازن في الحياة الثقافية والأدبية". وأشاد بيان الجائزة بالأثر الذي خلفه صاحب "أخبار مجنون ليلى" في المشهد الثقافي البحريني منذ مساهمته في تأسيس "أسرة الأدباء والكتاب في البحرين" عام 1969 وانفتاحه المبكر على عالم الإنترنت، وإمكاناته في نشر الثقافة عبر تأسيسه لموقع "جهة الشعر". كما نوه تقرير الجائزة بانخراط الشاعر في "عدد من التجارب الإبداعية المشتركة مع كتاب وشعراء وفنانين، اقتسم معهم الحاجة إلى الذهاب إلى الشعر بأعناق محررة".

رغبة دائمة في التجديد

يعتبر قاسم حداد رائداً للكتابة الشعرية الحديثة في بلدان الخليج العربي، إذ انتبه باكراً لما تعرفه القصيدة من تحولات في بلدان عربية كانت سباقة إلى الكتابة الجديدة مثل لبنان وسوريا والعراق ومصر، وعمل على المواكبة والمتابعة حتى لا تكون قصيدته متأخرة عن الانتماء إلى الأفق الذي فتحته المختبرات الشعرية العربية منذ منتصف القرن الماضي. فسبق للشاعر عباس بيضون أن أشار في مقالة له عام 1985 إلى هذه الرغبة المتجددة لدى صاحب "عزلة الملكات" في أن تتسم كتاباته بالجدة والراهنية، وأن يكون لها موقع في الصفوف الأمامية للحداثة الأدبية، إذ قال بيضون قبل 40 سنة: "كتب قاسم حداد يوم عرفنا بداياته من السقف الذي بلغه شعر أدونيس، واليوم يكتب من السقف الذي بلغته القصيدة النثرية".

تراوح قصيدة قاسم حداد مكانها باستمرار، فهي توجد على الدوام خارج مناطق الهدوء والسكينة. إنها كتابة تستمد توهجها من متاخمة مناطق التوتر واقتحامها، وهي في عز هذه المراوحة لا تغرق في التجريب، ولا تنساق وراء الاشتغالات اللغوية على حساب ما تحمله من معان ودلالات، بل إننا أمام تجربة تتوق باستمرار إلى التحول والابتكار، من دون أن تنخفض فيها حرارة التجربة الإنسانية.

انتبه صاحب "فتنة السؤال"باكراً إلى سؤال الشكل، في زمن طغت فيه الأسئلة المرتبطة بالمضامين، لذلك كان مشغولاً بضبط المسافة بين المعنى وبين الطريقة التي سيقول بها هذا المعنى، أي بين الفكرة أو الشعور وطريقة تجليهما في النص الشعري. حمل قاسم حداد نصوصه ودخل بها إلى ورشته الخاصة، وأعمل فيها المطارق والأزاميل كي تتخذ أشكالاً جديدة لم يعهدها القارئ في أعماله الأولى التي ولج بها أرض الكتابة: "البشارة" 1970، و"خروج رأس الحسين من المدن الخائنة" 1972. وعبر ما عرفته تجربته من قطائع فكرية وفنية تراجعت كل الأصوات الخارجية في نصوص قاسم حداد ليعلو صوت واحد، هو صوت الشعر، وهو الصوت الذي سيخلص له الشاعر في كتاباته اللاحقة، إذ سيحس قارئ ومتابع تجربته أنه متفرغ تماماً للشعر ومهووس بهذه الجماليات اللامنتهية التي يتيحها للشاعر قبل القارئ، وأن ما يشغله من الشعر هو بهجته وما يخلفه من طاقات وأحاسيس يعجز الشاعر عن توصيفها خارج القصيدة، كما لو أنه يؤمن بأن "الشعر هو السبب الوحيد الذي يستحق أن نكتب لأجله في هذا الليل المدلهم الذي يسجننا" وفق الشاعر الفرنسي إيف بونفوا، وبأن "الإقامة أينما كنا موقتة، غير أنها دائمة في الشعر" كما قال أدونيس.

يكتب قاسم حداد عن أثره في الحياة، وأثر الحياة فيه، عن أمه وعن عناء الكتابة وعذابات الذاكرة، عن الصمود والجموح، عن الأشباح التي تنبعث من الماضي، عن الخذلان وموهبة النسيان، عن تراكم الجراح وهندسة الجسد، عن الخطيئة والعالم الذي لم يعد في هيئته، عن الأمل والصبر والأحلام المنتهية، وعن المواضيع التي تتقاطع مع أشجاننا وأسرارنا الدفينة التي لا نريد أن نفصح عنها لأحد، كأن يده الشعرية تملك الطول الذي يجعلها تلمس أعماقنا.

مسار ثري

وصل قاسم حداد إلى أرض الكتابة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، إذ أسهم في تأسيس "أسرة الأدباء والكتاب في البحرين"، وتولى رئاسة تحرير مجلة "كلمات" الصادرة عن الهيئة ذاتها، ومع مطلع السبعينيات أسهم في تأسيس فرقة "مسرح أوال"، ومع مطلع الثمانينيات أصدر كتاباً عن المسرح البحريني، وكتاباً آخر عن الشعر العامي، ثم توالت أعماله لتبلغ 50 إصداراً، ينتمي معظمها إلى جنس الشعر. وحظيت تجربته بمواكبة نقدية كبيرة، فضلاً عن الترجمة إلى عدد من اللغات، كما حصل على جوائز تقديرية أبرزها جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس وجائزة السلطان العويس، إضافة إلى جائزتي محمد الثبيتي بالسعودية وأبي القاسم الشابي بتونس، ثم نال لاحقاً جائزة ملتقى القاهرة الدولي للشعر. كما حصل على عدد من المنح والإقامات الأدبية في أوروبا، أبرزها منحة الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي وإقامة نادي القلم في ميونخ، ومنحة زمالة جان جاك روسو في شتوتغارت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تصريح خاص بـ"اندبندت عربية" يشرح رئيس بيت الشعر مراد القادري حيثيات اختيار قاسم حداد، ويقول في هذا الصدد: "بسفرها وجهة البحرين، واستحقاق الشاعر الكبير قاسم حداد لها، تكون جائزة الأركانة العالمية للشعر صانت المعنى النبيل الذي أحدثت من أجله عام 2002، بما هي جائزة للصداقة الشعرية، وتحية للشعر عندما تكون جهته الدهشة والحلم ووجهته الإنسان وحاجته إلى الذهاب إلى الشعر والحياة برقبة محررة".

وأشاد القادري بالمسار الثري للشاعر المحتفى به، ومدى إسهامه في الذهاب بالقصيدة العربية الحديثة إلى وجهات رحبة، وتقديمه لنموذج حي من الكتابة العربية في البلدان التي يسافر إليها بشعره وفي اللغات التي انتقل إليها هذا الشعر. يضيف رئيس بيت الشعر في المغرب: "أنا سعيد بهذا التتويج الذي نالته وشرفت به شجرتنا المغربية الأصيلة ’الأركانة‘، كما أنني سعيد بأن ينضم اسم قاسم حداد إلى سجل شعراء الجائزة، التي رسمت دوماً سقفاً عالياً لأفق اهتمامها واحتفائها بالمنجز الشعري الأكثر إضاءة في المشهد الشعري العربي والعالمي، ننتظر قاسم حداد في الرباط، ننتظره بيد مفتوحة للتحية الشعرية والأخوية. ننتظره كي نتقاسم معه حبنا للشعر، وسهرنا عليه بما يليق من الأرق والألق الشعريين".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة