Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تستعين بـ"مقاولي الحروب" لإدارة شؤون غزة

تنشط في 100 بلد وتوظف أكثر من 14 ألف شخص اكتسبوا خبرتهم في أفغانستان والعراق وأكثرهم خدموا في الـ "سي آي أي"

يرى كبار المسؤولين والعسكريين في الجيش الإسرائيلي أن حُكم الحركة في القطاع يشكل تحدياً أكثر تعقيداً من نشاطها العسكري (رويترز)

ملخص

في ظل تعثر فكرة إرسال قوات دولية إلى قطاع غزة لإدارة الشؤون الحياتية في مرحلة ما بعد الحرب، يجري الحديث حالياً عن تلزيم المهمة لشركة خاصة تضم عناصر خدموا في الـ "سي آي أي" وأجهزة الاستخبارات البريطانية ومقاتلين أكراداً.

في وقت يسلط العالم جل اهتمامه على الرد الإسرائيلي المرتقب على إيران، ومجريات الحرب مع "حزب الله" في الجبهة الشمالية، تسعى إسرائيل، على رغم غياب أي تصورات واضحة للتخطيط لكل ما هو مرتبط بـ "اليوم التالي" للحرب بالنسبة إلى قطاع غزة.
فبعد أن قطعت يد المؤسسات الإغاثية الإنسانية، بما فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من توزيع الخيام وأكياس النوم والمعدات الطبية والمواد الغذائية لنحو 400 ألف فلسطيني مهددين بـالموت جوعاً وعطشاً شمال القطاع، ورفضها أي اقتراح لدمج السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، لم يعد بمقدور تل أبيب المخاطرة بجنودها لاستلام هذه المهمة الحساسة والمعقدة التي ستضع مسؤولية أكثر من مليونَي نسمة على عاتقها. ومع تصاعد القتال، وانقضاض شبح المجاعة من جديد على شمال غزة، جراء قرار إسرائيل منع وصول مساعدات أو بضائع إليه منذ أسابيع عدة، بينما يواصل جيشها هجوماً واسعاً هناك داعياً السكان إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً عبر "محور نتساريم"، يدرس المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) إيكال المهمة بكل تعقيداتها لشركة أمنية أميركية، لتهيئة الظروف لنشوء قيادة بديلة من حركة "حماس" في القطاع، خصوصاً أن الكثير من التقارير والتحليلات، أشارت إلى أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية واجهت رفضاً دولياً واسع النطاق عندما طرحت مسألة الحاجة إلى "توفير مسؤولية دولية عن قطاع غزة"، التي قدمها كبار المسؤولين في الجيش.
وعلى رغم تعرض الجناح العسكري لـ "حماس" لضربات قاسية، يرى كبار المسؤولين والعسكريين في الجيش الإسرائيلي، أن حُكم الحركة في القطاع يشكل تحدياً أكثر تعقيداً من نشاطها العسكري، كيف لا وقد أشارت المنظومة الأمنية الإسرائيلية أكثر من مرة، إلى أن "حماس" لا تزال هي السلطة الوحيدة في المجالات المدنية لأن المساعدات الإنسانية في نهاية المطاف تصل إلى يدها وهي المسؤولة عن توزيعها على الأرض. وسبق أن عرضت إسرائيل على وجهاء عائلات في غزة التعاون معها لتأمين توزيع المساعدات، لكنهم رفضوا ذلك، وأبدوا استعدادهم للتعاون بإدخال وتوزيع المساعدات شرط التنسيق مع أجهزة الأمن بغزة. وواصلت المنظمات الدولية التحذير من "سلاح التجويع" الذي تستخدمه إسرائيل في حربها على القطاع. وقالت منظمة "‏هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، إن "النزوح القسري واستخدام التجويع سلاح حرب يرقيان إلى جرائم حرب". على النحو ذاته، حذر المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان من مقره في جنيف، في بيان، من أن نحو 400 ألف فلسطيني مهددون بـالموت جوعاً شمال القطاع، جراء الحصار الإسرائيلي ومنع وصول المساعدات.


تجربة أولية

ووفقاً لما كشفته "القناة 13" الإسرائيلية، فإن الشركة الأمنية الأميركية التي ستدخل إلى قطاع غزة، للإشراف على توزيع المساعدات وصولاً لإعادة إعمار غزة، ستخضع للتجربة، بشكل أولي، في حي العطاطرة شمال قطاع غزة. وبحسب القناة، فإن الخطة الأميركية تقوم على إدخال ألف عنصر أميركي، أكثرهم خدموا في جهاز "سي آي أي" إلى الحي في بيت حانون، والسماح لسكان الحي بالعودة إليه، وتقديم المساعدة لهم لإعادة بناء منازلهم والمباني العامة، وتعيين شخصية عشائرية في منصب رئيس المجلس في الحي. وأضافت القناة أن العمل في الحي سيخضع للتقييم، وفي حال نجاح التجربة فستكون النموذج التجريبي لإعادة إعمار غزة، بما قد يؤدي إلى "تحييد" السلطة المدنية لـ"حماس" في قطاع غزة. وأوضحت أن الخطة حصلت على موافقة حكومة نتنياهو، كذلك فإن مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، ناقش التفاصيل النهائية للخطة مع أصحاب الشركة الأميركية في الأيام الأخيرة. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن الشركة التي يُفترض أن تتولى هذا الدور مملوكة لرجال أعمال إسرائيليين وأميركيين، ومتخصصة في العمل في مناطق الحروب والكوارث اكتسبت خبرة في أفغانستان والعراق وأوكرانيا، وتنشط في 100 بلد وتوظف أكثر من 14 ألف شخص، ويُفترض أن تؤمّن وصول قوافل المساعدات الإنسانية ومنع الاستيلاء عليها. وأشارت إلى أن الخطة تهدف إلى إنشاء "فقاعات إنسانية" في غزة، لا يتواجد بداخلها إلا السكان الذين يعيشون في الحي، بعد الحصول على موافقة من خلال تحديد الهوية البيومترية (التعرف الآلي على الأفراد استناداً إلى سماتهم البيولوجية والسلوكية).
واعتبر النائب السابق لرئيس الساحة الفلسطينية في قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، أفرايم غانور في مقال نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن فكرة استقدام شركات أمنية أميركية خاصة للسيطرة على الجوانب المدنية في غزة "أفضل حل إسرائيلي لمعالجة الفشل في الحد من استمرار سيطرة حماس مدنياً على القطاع، على رغم مرور أكثر من عام على الحرب"، مشيراً إلى أن "هذا الحل الانتقالي يهدف إلى منع تحول الاحتلال المدني الإسرائيلي إلى واقع دائم، وضمان استمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة، مع رفض استعداد أي قوة دولية لتحمل الأخطار في غزة بينما لا تزال حماس تسيطر على أجزاء منها". وأكد غانور أن "الشركة ستعمل في مناطق إنسانية محددة، معزولة عن مناطق القتال، تحت إشراف إسرائيلي يقتصر على توفير غطاء أمني شامل في القطاع بما سيمكنها من إدارة توزيع المساعدات وقطع صلة حماس بالسكان"، موضحاً أن "هذا النهج يتيح لإسرائيل الحفاظ على سيطرتها الأمنية من دون أن تتورط في تفاصيل الحياة اليومية لسكان غزة، مما يحول دون تحول الحل الموقت إلى وضع دائم".


مدمنو حرب

وفقاً لما هو معلن، ستقوم الشركة الأمنية، التي تتكون من مقاتلي "أسود البحر"، و"قوة دلتا"، ووحدات نخبة بريطانية، ومقاتلين أكراد، بتأمين القوافل الإنسانية لسكان القطاع، وستعمل بموجب القانون الدولي والتواصل مع الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية. وقال موطي كهانا، مالك شركة "جي دي سي"، التي اختارتها تل أبيب وواشنطن، لتولّي مهمة توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، في حديث لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، "نحن لا نأتي من أجل استبدال الجيش الإسرائيلي، والبحث عن عناصر حماس وقتلهم، وإنما لحماية المساعدات الإنسانية والحرص على أن تصل إلى المدنيين الغزيين"، زاعماً أن "هذا سيمنح مستقبلاً جيداً لسكان غزة"، مؤكداً ضم "عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين من جهاز الموساد ووحدة اليمام وغيرهم"، ليكونوا مسؤولين عن غرفة القيادة الأمامية، بحجة تفادي وقوع أخطاء تسفر عن تبادل لإطلاق النار بين قوات الجيش الإسرائيلي وقوات الشركة. وتحدث كهانا، الإسرائيلي – الأميركي، عن تأمين "فقاعات إنسانية"، ستكون "أشبه بأحياء محمية محاطة بجدران، ومعقّمة من الإرهابيين"، على حد تعبيره. وأضاف أن الشركة "مكوّنة من مدمني حرب، ممن يحبون قتال الأشرار، ويؤمنون بأن هذا هو الأمر الصحيح لفعله". وذكرت الصحيفة أن "الاتصال بين الشركة ووزارة الأمن الإسرائيلية، والولايات المتحدة، بدأ منذ سبعة أشهر، ولكنه نضج في الآونة الأخيرة. وفي حديثه عن كيفية التعامل مع احتمال محاولة الاستيلاء على قوافل المساعدات، قال كهانا "في حال كانت هناك محاولة لسرقة القوافل، فهناك فريق أولي يصل مع وسائل دفاعية غير قاتلة، من رصاص مطاط ومياه، وإطلاق نار بالهواء. وفي حال حدوث شيء، سنوصل رسالة إلى سكان غزة: يجب ألا تعبثوا معنا". وأضاف "سيكون في الحي الكثير من الطعام ومدارس رائعة، وسريعاً سترغب كل غزة أن تبدو على هذا النحو. وسنبني حياً بعد آخر. نحن أولئك الذين سنعدّ لليوم التالي في غزة".
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن محللين إسرائيليين قولهم إن "تكتيكات حرب العصابات التي تنتهجها حماس في شمال غزة تجعل من الصعب هزيمتها". وأضافت أن "قتل الحركة عقيداً إسرائيلياً في شمال غزة قبل أيام، أكد كيف أن جناحها العسكري لا يزال يشكل تأثيراً عبر حرب عصابات قوية، ولديه ما يكفي من المقاتلين والذخائر لتوريط الجيش الإسرائيلي في حرب بطيئة وطاحنة وغير قابلة لتحقيق انتصار حتى الآن". وبينت الصحيفة إنه "بعد أكثر من عام من القتال المسلح، من المرجح أن يكون مقاتلو حماس المتبقون معتادين الآن على اتخاذ القرارات ذاتياً، بدلاً من تلقي الأوامر من هيكل قيادة مركزي"، لافتةً إلى أن الجماعة جندت أيضاً خلال الصيف مقاتلين جدداً، وإن كان لا يُعرف عددهم، أو مدى جودة تدريبهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


شكوك وأخطار

من جهته، يرى المحلل السياسي عصمت منصور أن "غياب الرقابة عن أداء الشركات الأمنية خطير ولا يضمن التزامها بالقانون الدولي الإنساني أثناء توزيعها المساعدات". وأضاف أن "نتنياهو يبحث عن أي بدائل وفرص من شأنها إزاحة السلطة الفلسطينية عن المشهد كلياً بما يعزز الانقسام بين الضفة وغزة ويبسط الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية في القطاع كحل دائم". من جانبه، اعتبر الحقوقي صلاح موسى أن مضمون هذه الخطة "يحيّد السلطة والحكومة الفلسطينية تماماً عن المشهد في قطاع غزة، وقد يكون مقدمة للقضاء على وجودها في الضفة بأشكال أخرى". وأضاف "في السابق كانت الوكالة الأميركية للتنمية أو شركات مقاولات أميركية تعمل لتعبيد الشوارع والبنى التحتية وبناء المدارس، لكن هذه المرة، شركة أمنية لديها مهمات عسكرية وأمنية وشرطية واستخبارية وإدارية من خلال تعيين مختار (حاكم)". ويرى موسى، أن "قانون الشركات الذي فرضه البنك الدولي على الفلسطينيين والذي يتيح لأي شركة أن تعمل في فلسطين من دون أي قيود، قد يكون مفتاحاً لعمل هذه الشركة وغيرها من دون أي رقابة، بخاصة إن كانت ربحية، أو حصلت على وضع خاص نظراً لطبيعة القانون وسهولة إجراءات التسجيل". ووسط شكوك بنجاح الشركة في أداء مهماتها، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية تقريراً قالت فيه إن كثيرين تلقوا خطط إسرائيل لخلق "فقاعات" خالية من "حماس" بنوع من السخرية. وأن الإعلان قريباً عن الخطة التجريبية "للفقاعات الإنسانية"، في مناطق العطاطرة، وبيت حانون، وبيت لاهيا، هي نسخة عمّا تتخيله إسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب. وأشارت الصحيفة إلى أن "أهم عقبة أمام نجاح المبادرة هي حكومة بنيامين نتنياهو التي تعارض أي مشاركة من السلطة الوطنية التي تمارس تأثيراً محدوداً، وأُجبرت على الخروج من غزة في عام 2007". واستبعد نتنياهو أي فكرة عن قيام دولة فلسطينية في المستقبل. وكرّر موقفه في الأسابيع الماضية، بقوله "لست جاهزاً لإنشاء دولة فلسطينية هناك ولست جاهزاً لتسليمها إلى السلطة الوطنية".


دعم أميركي

وفي الوقت الذي يتعنت فيه نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف في مسألة إشراك السلطة الفلسطينية في مستقبل غزة، متسببين بإثارة جدل واسع بين واشنطن وتل أبيب، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في يوليو (تموز) الماضي، أن إسرائيل وافقت بدعم أميركي على تولي مَن وصفتهم بعناصر "سيئة الصيت والسمعة" من السلطة الفلسطينية، إدارة معبر رفح البري كنتيجة مباشرة لليوم التالي للحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام. وكشفت أن قوة تدربها الولايات المتحدة وتدعمها دول عربية معتدلة تضم نحو 2500 من أنصار السلطة الفلسطينية سيتولون الأمن في قطاع غزة. وأشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن العناصر الـ 2500 الذين يتم الحديث عن تجنيدهم لإدارة الأمن في قطاع غزة موقتاً هم عناصر من السلطة تم تجنيدهم قبل سيطرة حركة "حماس" عليه بوقت قصير، ولم يتم دمجهم في الأجهزة الأمنية والشرطية. وأفادت "القناة 13" الإسرائيلية بأنها حصلت على معلومات تؤكد أن "لدى واشنطن خطة لتأهيل وتدريب عناصر محلية من سكان غزة، لتصبح النواة الأولى لجهاز الشرطة كبديل لشرطة حركة حماس"، وأن تلك الرؤية تتبلور في واشنطن بالتنسيق مع ما قالت إنها "مصادر رفيعة المستوى في السلطة الفلسطينية في رام الله". وفيما ذكر الاتحاد الأوروبي أنه على استعداد لإعادة دوره في مراقبة معبر رفح، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية يؤكد مسؤولون إسرائيليون أن نتنياهو يُصر على عدم تولي السلطة المسؤولية عن قطاع غزة في اليوم التالي للحرب. كيف لا وقد صادق الكنيست الإسرائيلي في يوليو (تموز) الماضي على قرار ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية، وذلك للمرة الأولى في تاريخه. ووصف القرار إقامة دولة فلسطينية في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 بأنها "مكافأة للإرهاب" وستكون خطراً وجودياً على إسرائيل، مشيراً إلى أن حركة "حماس" ستستولي على الدولة الفلسطينية في وقت قصير وتحولها إلى "قاعدة إرهابية إسلامية متطرفة". وقال القرار أيضاً، إن "هذا من شأنه أن يديم الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ويزيد من زعزعة الاستقرار".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات