ملخص
قال سكان طوباس إن الاشتباكات بين المسلحين والسلطة الفلسطينية هذا الشهر اشتملت على استخدام رشاشات ثقيلة وقنابل في بعض من أسوأ أعمال العنف التي يتذكرونها.
في محاولة لإظهار قدرتها على المساعدة في تشكيل مستقبل الفلسطينيين بعد الحرب في قطاع غزة، تلقي السلطة الفلسطينية القبض على مسلحين في مدينة طوباس بالضفة الغربية يتطلعون إلى قتال إسرائيل وتحدي حكمها.
ودفعت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بقوات إلى مدينة طوباس، قائلة إن الهدف من ذلك هو منع الفوضى وحرمان إسرائيل من الذرائع لمداهمة المدينة الواقعة في الأراضي المحتلة.
ويقول خصما عباس، وهما حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، إن السلطة الفلسطينية تخدم أجندة إسرائيل التي تتعقب مقاتلي الحركتين في الضفة الغربية في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب في غزة، مما يؤدي إلى تعميق انقسامات قديمة بين الحركتين المسلحتين والرئيس الفلسطيني.
وقال سكان طوباس إن الاشتباكات بين المسلحين والسلطة الفلسطينية هذا الشهر اشتملت على استخدام رشاشات ثقيلة وقنابل في بعض من أسوأ أعمال العنف التي يتذكرونها.
ويسلط هذا الضوء على المكانة غير الراسخة للسلطة التي أسست في 1994 لتكون بمنزلة حجر الأساس لإقامة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الاحتمال الذي يبدو بعيداً أكثر من أي وقت مضى على رغم أنه عاد ليكون محل التركيز الدولي في الآونة الأخيرة كوسيلة لإحلال السلام.
ظلت السلطة الفلسطينية مسيطرة على غزة حتى 2007 عندما هزمت "حماس" القوات الموالية لعباس، لكنها الآن تقتصر على إدارة أجزاء من الضفة الغربية تحت أعين القوات الإسرائيلية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل هجومها على غزة بهدف القضاء على "حماس"، قالت الولايات المتحدة إنها تريد أن ترى القطاع والضفة الغربية موحدين تحت حكم سلطة فلسطينية خضعت للإصلاح والتجديد.
"يد من حديد"
وقال مسؤولون من "فتح" ومصادر أمنية إن من أهداف حملة طوباس بالنسبة إلى عباس البالغ من العمر 88 سنة إضعاف القبضة التي أحكمها خصماه المسلحان على شمال الضفة الغربية، وهو أمر تعتبره حركة "فتح" محاولة مدعومة من إيران لتقويض موقفها.
وقال مسؤول أمني سابق في السلطة الفلسطينية ومحلل إن الأمر يتعلق أيضاً بحرمان المنتقدين من أي ذرائع يستندون إليها في وصف السلطة الفلسطينية بأنها غير فعالة، وهي السمعة التي ظهرت واضحة خلال الاتصالات الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة في شأن الدور الذي قد تؤديه السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف في غزة.
ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية التعليق على عملية طوباس، لكنه أقر بأن التعاون الأمني الأميركي مع السلطة الفلسطينية يشمل التمويل والتدريب والمعدات.
وقال محافظ طوباس أحمد أسعد إن السلطة الفلسطينية قررت أن تضرب "بيد من حديد" على ما وصفه بالانفلات الأمني والفوضى.
وأصيب اثنان من أفراد أمن السلطة الفلسطينية خلال اشتباكات مع عناصر من "كتيبة طوباس"، وهي المجموعة المسلحة التي تهيمن عليها حركة "الجهاد الإسلامي"، وقبضت القوات على ثلاثة في الأقل من أعضاء الكتيبة، بما في ذلك قائدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواجهة
قال أسعد إن السلطة الفلسطينية تستجيب لحالة القلق العامة، وضرب مثالاً على ذلك بقنبلة زُرعت أخيراً قرب مدرسة، استعداداً في ما يبدو لهجوم على قوات إسرائيلية. وأضاف "لا نريد (...) تحت أي شعار أن ندمر بلدنا وأن ندمر محافظة طوباس".
وقامت السلطة بإدخال تعديلات على عملها في مجموعة من المجالات، وهو ما أدى إلى تهدئة بعض المخاوف التي عبرت عنها البلدان التي تقدم المساعدات. وقال دبلوماسي أوروبي "بشصورة إجمالية حظيت جهود التجديد باستقبال جيد إلى حد كبير".
وأشار مصدر مطلع إلى أن عشرات من عناصر الأمن الفلسطينيين حاصروا السبت مبنى قرب طوباس كان يتحصن فيه مسلحان من الكتيبة، وهدد أحدهما، وهو عبادة المصري، بتفجير نفسه.
وقال والده عبدالمجيد المصري الذي استدعي إلى مكان الحادثة للمساعدة في إقناع ابنه بتسليم نفسه "بعد مرور خمس ساعات من المفاوضات ابني قرر يسلم نفسه".
وأضاف أن ابنه وافق في نهاية المطاف بعد أن حصل على ضمانات بأنه سيُحتجز في طوباس بدلاً من سجن آخر تابع للسلطة الفلسطينية كان مسجوناً فيه سابقاً وعانى سوء المعاملة.
وعبر عبدالمجيد عن ارتياحه لأن ابنه تم احتجازه لدى السلطة الفلسطينية بدلاً من قتله على يد القوات الإسرائيلية، التي كانت تداهم أيضاً مدينة طوباس بحثاً عن مسلحين، وسبق أن سجنت ابنه لمدة ثلاث سنوات.
وذكر أن ابنه "اختار طريق النضال لتحرير فلسطين"، رافضاً اتهامات السلطة الفلسطينية بأن أعضاء الكتيبة متورطون في أعمال خارجة عن القانون. ونددت حركة "الجهاد الإسلامي" بالعملية.
"ثمار دانية"
حين زارت "رويترز" طوباس هذا الأسبوع كانت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية منتشرة بكثافة مع وجود نقطة تفتيش على طريق يؤدي إلى داخل المدينة التي كان يعمها الهدوء.
وقال خبير شؤون السلطة الفلسطينية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، غيث العمري، إن حملة طوباس محاولة تحتاج إليها السلطة الفلسطينية بشدة لتأكيد وجودها في جزء من الضفة الغربية كانت سيطرتها فيه "غائبة عملياً".
أضاف العمري، وهو مستشار سابق للرئيس الفلسطيني، أن السلطة الفلسطينية تدرك أن الجميع يرون أنها غير قادرة على إدارة غزة، ويستشهدون بحقيقة أنها لا تستطيع حتى إدارة شمال الضفة الغربية.
لكنه تابع أن عملية واحدة لا تصنع سمعة، مشيراً إلى أن طوباس تمثل "ثماراً دانية" وأن الجماعات المتشددة هناك أضعف مما هي عليه في جنين في الشمال أيضاً.
وأُعيد تشكيل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وقوامها 35 ألف فرد بدعم من الولايات المتحدة بعد سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة عام 2007.
ومع ذلك، قال معهد واشنطن في مذكرة سياسية في يوليو (تموز) إنه لكي تتولى السلطة الفلسطينية الحكم في غزة فإنها ستحتاج إلى تجنيد موسع ومعدات وتدقيق وتدريب وهي عملية قال إنها ستستغرق سنوات.
وأحجم المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على دور محتمل لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، لكنه أكد أن السلام المستدام في القطاع "يتعين أن يشمل حكماً بقيادة فلسطينية واتحاد غزة مع الضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية".
والقضية الكبرى في الضفة الغربية، حسبما يرى العمري، هي أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية "ليست لها شعبية كبيرة بالفعل في الشمال".
وأظهر استطلاع للرأي في سبتمبر (أيلول) أن 89 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية يريدون استقالة عباس، وأن تأييد "حماس" أكبر من تأييد حركة "فتح" هناك. وتظهر استطلاعات للرأي يجريها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن مروان البرغوثي، القيادي في حركة "فتح" المسجون في إسرائيل، سيفوز في أي انتخابات رئاسية.
وقال العمري إنه ليكون لديك أمن فعال فإنك تحتاج كذلك إلى الصدقية والشرعية.