Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مطلوب دوليا ربما أصبح الأمل الأفضل لأفغانستان

يسعى سراج الدين حقاني إلى تقديم نفسه كرجل دولة برغماتي ودبلوماسي لديه رؤية للتغيير

وزير داخلية طالبان سراج الدين حقاني (أ ف ب)

ملخص

 يظهر حقاني باعتباره منافساً لأمير طالبان رئيس الدولة أخوندزاده، رجل الذين المتطرف الذي أدى قمعه لحقوق المرأة إلى عزل أفغانستان على الساحة العالمية، بينما يمارس حقاني ضغوطاً خاصة للسماح للفتيات بالعودة للمدرسة واستئناف النساء العمل في المكاتب الحكومية، وفقاً لعدد من مسؤولي طالبان وأجانب. 

في عام 2008 أعلنت الخارجية الأميركية إدراج القيادي الطالباني سيف الدين حقاني ضمن قائمة المطلوبين بتهم الإرهاب، ورصدت مكافأة تبلغ 5 ملايين دولار باعتباره العقل المدبر لهجوم استهدف فندق وسط العاصمة كابول، وأسفر عن مقتل أميركي بين سبعة آخرين، وفي عام 2014 زادت واشنطن المكافأة إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض على حقاني. 

وبعد أكثر من عقدين من مطاردة الإرهابي الدولي وثلاث سنوات على عودة حركة طالبان للسيطرة على أفغانستان عقب انسحاب أميركي كارثي، بدت هناك مؤشرات على أن حقاني الذي يتولى وزارة الداخلية يسعى إلى تقديم نفسه كرجل دولة يمكنه أن يعدل المسار المتطرف الذي أرساه زعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زاده

جسر بين كابول والغرب

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز"، بناء على مقابلات أجرتها مراسلتها كريستينا غولدبام مع عشرات الدبلوماسيين والخبراء والمسؤولين الأفغان وحتى سراج الدين حقاني نفسه، إنه منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة طالبان للسلطة يصور حقاني نفسه على أنه رجل دولة براغماتي ودبلوماسي موثوق به، بل صوت معتدل نسبياً في حكومة غارقة في التطرف الديني. ويظهر حقاني باعتباره منافساً لأمير طالبان ورئيس الدولة أخوندزاده، رجل الذين المتطرف الذي أدى قمعه لحقوق المرأة إلى عزل أفغانستان على الساحة العالمية، بينما يمارس حقاني ضغوطاً خاصة للسماح للفتيات بالعودة للمدرسة واستئناف النساء العمل في المكاتب الحكومية، وفقاً لعدد من مسؤولي طالبان وأجانب. 

ويقدم حقاني نفسه جسراً بين كابول والغرب، إذ قام بجولات دبلوماسية وأجرى محادثات خلف الكواليس لتبني رؤيته الأكثر قبولاً وتعزيز المصالح المشتركة، مثل إبقاء الجماعات الإرهابية على الأراضي الأفغانية تحت السيطرة. وقال مسؤولون أجانب إنه بنى علاقات مع بعض الأعداء السابقين في أوروبا، وكذلك مع الدول الإسلامية وروسيا والصين. فيما صرح حقاني للصحيفة الأميركية في وقت سابق من العام الحالي في كابول، وهي المقابلة الثانية على الإطلاق مع صحافي غربي: "لقد قادتنا 20 عاماً من الجهاد إلى النصر، لقد فتحنا الآن فصلاً جديداً من المشاركة الإيجابية مع العالم، وأغلقنا فصل العنف والحرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول الصحيفة إن عدداً من الدبلوماسيين الغربيين صدموا بتحول حقاني، ويتساءلون عما إذا كان يمكن تصديقه، فضلاً عن أنه يمثل لغز، فبينما يعمل كسياسي متعطش للسلطة فإنه جهادي ملطخ بالدماء، حتى التاريخ الدقيق ومكان ميلاده غير واضحين. كما أن الوعد باستعادة حقوق المرأة قد لا يكون مرتبطاً بالإصلاح الشخصي، بقدر ما هو مرتبط بحسابات لجلب الدول الغربية إلى جانبه في تحديه لأخوندزاده. 

وينحدر حقاني المولود عام 1979 من عائلة جهادية، فوالده هو الملا جلال الدين حقاني أحد أبرز قيادات حركة طالبان الذي عينته الحركة وزيراً للشؤون القبلية في حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية. والمفارقة أن الأب كان على صلة قوية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، التي وفرت السلاح وأمدته بآلاف الدولارات في إطار الحرب ضد السوفيات في ثمانينيات القرن الماضي. والتقت مراسلة "نيويورك تايمز" بسراج الدين حقاني مطلع العام الحلي في قصره الذي يقع على أطراف المنطقة الخضراء القديمة المحصنة في كابل، إذ تحدث عن نشأته والمعاملات السرية بين عائلاته ومسؤولين أميركيين وقراراته القاسية ضد القوات الأميركية. 

رؤية وتحد للأمير المتطرف

وفي حديثه أيضاً أكد حقاني طموحه لأفغانستان بتخليصها أخيراً من العنف والحرب، وهى رؤية مثيرة لبلد عانى عشرات الانقلابات والحرب الأهلية والغزو من قوتين عظميين خلال القرن الماضي. لكن ما يجعلها أكثر إثارة هي أنها تأتي من رجل مسؤول عن مئات، إن لم يكن آلاف القتلى، أثناء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان. وتقول غولدبام إن حقاني كان حذراً وحريصاً عندما تحدث عن سياسة طالبان الداخلية والخارجية، فقد كان يتوقف قليلاً بعد كل سؤال ويناقش بعض النقاط قبل أن يجيب. 

يفصح هذا الحذر عن ديناميكيات القوة الدقيقة لطالبان ومكانة حقاني غير المستقرة داخلها، ففي حين أعطت الحركة الأولوية للوحدة خوفاً من أن يؤدي أي انقسام إلى إعادة البلاد للحرب، لكن ثمة صراع بعيداً من أنظار العامة، يكشف عن شخصيات أكثر براغماتية مثل حقاني في مواجهة الأمير المتشدد الشيخ هبة الله الذي فرض قبضة حديدية على البلاد في غضون أشهر من استيلاء طالبان على السلطة قبل ثلاث سنوات. 

وفي المقابلة نفى حقاني وجود أي انقسام في الحكومة، قائلاً إن قيادة طالبان نجحت في تأمين إنجاز كبير من خلال إنشاء "حكومة مستقلة بقانون واحد وزعيم واحد"، ولكن الدبلوماسيين والمحللين يقولون إنه لا يزال من بين القلائل الذين ما زالوا يتحدون هيمنة الشيخ هبة الله، الذي برز قبل أقل من عقد من الزمان نائباً لأمير الحركة في ذلك الوقت، إلى جانب حقاني. 

وبينما لا تعترف أية دولة بحكومة طالبان، يسعى حقاني إلى إقامة علاقات مع الدول الأخرى. ووفق مسؤولين أجانب تحدثوا للصحيفة الأميركية، فإن حقاني بنى علاقات عمل قوية مع مسؤولي الأمم المتحدة والدول الأوروبية، كما أعطى الضوء الأخضر للاستثمار الصيني وطور علاقات وثيقة مع روسيا. وفي تقديم نفسه كشريك موثوق وعملي، حاول حقاني أن يهز الأسطورة التي تحيط به باعتباره العقل المدبر للإرهاب والعدو اللدود للولايات المتحدة، وهي السمعة التي اكتسبها على مدى 20 عاماً من الحرب.

ومع ذلك فإن حقاني يسير على خط رفيع، فيحاول تنمية العلاقات مع العالم، بما في ذلك الغرب، مع تجنب تقديم مادة خصبة لرجال الدين المتشددين في طالبان الذين ينظرون إلى العلاقات مع الدول الغربية باعتبارها خيانة للقيم الإسلامية، وربما السيادة الأفغانية.

عدم الثقة محفور بالدماء

وحتى الآن رفضت الولايات المتحدة إلى حد كبير الجهود التي يبذلها مسؤولو طالبان لإقامة أية علاقات رسمية مع إدارتهم، ورسمت خطاً أحمر في شأن حقوق المرأة. ولا تزال الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ هائل، فهي أكبر مانح للمساعدات الأجنبية للبلاد، وتساعد عقوباتها في تحديد تدفق الأموال والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، وهي تسيطر فعلياً على مليارات الدولارات من الأصول المجمدة التي تخص البنك المركزي الأفغاني.

وفي حين أن نفوذه في ما يتصل بالقيود المفروضة على النساء محدود، تقول "نيويورك تايمز" إن حقاني حاول في محادثات خلف الكواليس مع دبلوماسيين غربيين الاستفادة من قضية يتمتع فيها بنفوذ وهي الإرهاب العالمي. وتعهدت شبكة حقاني باحتواء التهديد ليس فقط من تنظيم "داعش"، الذي نفذ هجمات في جميع أنحاء أفغانستان، ولكن أيضاً من تنظيم "القاعدة"، الذي لا تزال شبكة حقاني تحافظ على علاقات وثيقة معه، وفق قول مسؤولين مطلعين على المناقشات.

وتساءل بعض الدبلوماسيين الغربيين عما إذا كان الإرهاب المنبعث من أفغانستان يشكل تهديداً عالمياً حقيقياً، مما قد يقلل من الحافز للتعامل مع حقاني، كما أن الشعور بانعدام الثقة لا يزال هو المهمين على الموقف تجاه طالبان. ويقول السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة منير أكرم، في إشارة إلى طالبان في أفغانستان، "إنهم ماهرون للغاية من الناحية التكتيكية"، وعلاقتهم بالمتشددين تتعلق بالأيديولوجية والاستراتيجية "لتأمين نفوذ أكبر على الدول المجاورة".

فيما يرى هانز جاكوب شندلر، وهو منسق سابق لدى الأمم المتحدة لمراقبة تنظيمي "داعش" و"القاعدة" وطالبان، أن فكرة العمل مع حقاني "خطرة"، قائلاً "إنك لا تعرف إلى أي جانب سيقفون في اليوم الذي تتعامل فيه معهم، إلى جانبك أم إلى جانبهم أم إلى جانب الإرهابيين الدوليين".

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن عدم الثقة في حقاني محفور في الدماء، لكن ترى الصحيفة أن سمعة أعضاء شبكة حقاني بين المسؤولين الأميركيين باعتبارهم من أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة والأعداء المعلنين ربما تكون واحدة من المفاهيم الخاطئة العديدة التي ساعدت في إبقاء الولايات المتحدة في أفغانستان لمدة عقدين من الزمان. فيعتقد بارنيت روبين، الدبلوماسي السابق للأمم المتحدة والولايات المتحدة لدى أفغانستان، أن عداء حقاني لأميركا لا يتعلق فقط بالأيديولوجية، ولكن لأنهم كانوا ينظرون للأميركيين باعتبارهم غزاة. 

على أية حال يبدو أن جهود سراج الدين حقاني بدأت تؤتي ثمارها، ففي يونيو (حزيران) الماضي أزالت الأمم المتحدة موقتاً اسم حقاني من القائمة السوداء للسفر، وإضافة إلى زيارته لأبو ظبي سافر إلى مكة لأداء فريضة الحج. ولكن في الوقت الحالي تحافظ الولايات المتحدة على مسافة من ذلك، إذ يتفق المراقبون أن إقحام واشنطن نفسها في السياسة الأفغانية سيكون مقامرة ملطخة بـ20 عاماً من الحرب التي كلفت آلاف الأرواح ومليارات الدولارات، فقط لتنتهي بعودة طالبان.

المزيد من تقارير