Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقول الألغام في "سفوح الموت" تتربص بالتونسيين

تستخدمها الجماعات المتشددة كوسائل إنذار في حال ملاحقتها من قبل القوات الأمنية

وضعت الجماعات الإرهابية الألغام بهدف منع الجيش والأمن التونسيين من التقدم صوبها (رويترز)

ملخص

أسفرت المعارك بين قوات الأمن التونسية والجماعات المتشددة عن عشرات القتلى من الجانبين، وعلى رغم توقف العمليات الإرهابية فإن الألغام ما زالت تحصد أرواح التونسيين.

خلال وقت نجحت فيه الأجهزة الأمنية والعسكرية التونسية في تحقيق مكاسب مهمة على مستوى مكافحة الإرهاب الذي شن هجمات دموية خلال الفترة بين عامي 2012 و2016، فإن الألغام التي زرعها الإرهابيون في جبال مثل الشعانبي وسلوم في مدينة القصرين غرب البلاد لا تزال تحصد أرواح التونسيين.

وأصيبت أخيراً امرأة إثر انفجار لغم في منطقة العثمانية المتاخمة لجبل السلوم داخل القصرين في حادثة ليست الأولى من نوعها، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف بقاء هذه الألغام على رغم تكبيد الجماعات الإرهابية خسائر فادحة.

وكانت جبال القصرين وجبال ورغة في مدينة الكاف وغيرها ملاذاً تحصنت فيه الجماعات المتشددة المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" خلال العشرية السابقة، وهي جماعات شنت هجمات أدت إلى مقتل العشرات من رجال الأمن والجنود والمدنيين أيضاً.

عملية معقدة

ولا يوجد في تونس إحصاءات حكومية حول أعداد ضحايا انفجارات الألغام، لكن وثيقة حكومية سربت عام 2023 أفادت بأن عدد الضحايا في ولاية القصرين وحدها بلغ 17 قتيلاً و21 جريحاً من المدنيين.

وفي أنحاء البلاد كافة، أُحصي نحو 48 قتيلاً حتى عام 2018 جراء انفجارات الألغام بحسب ما أفاد تقرير لـ"مرصد الألغام الأرضية". ومنذ سبتمبر (أيلول) عام 2012 باتت الجبال التونسية وجهة للجماعات الإرهابية التي حاولت التواري عن الأنظار وترتيب صفوفها من هناك، وهو أمر تفطنت له قوى الأمن والجيش التي نجحت في التصدي لذلك. وأسفرت المعارك على عشرات القتلى من الجانبين، وعلى رغم توقف العمليات الإرهابية فإن الألغام لا تزال تحصد أرواح التونسيين.


ألغام متجددة

وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير إن "هذه الألغام موجودة في أماكن محددة خصوصاً تلك التي تحصنت فيها أطراف إرهابية ووضعت تلك الألغام بصورة عشوائية، وهناك عديد من الأسباب التي يمكن أن نفسر من خلالها صعوبة نزع هذه الألغام منها تجددها وصعوبة التضاريس".

واعتبر عبدالكبير أنه يبدو أن "الألغام تجدد، إذ شهدنا تكرر انفجارات في مناطق خلال أكثر من مناسبة، مما يشكل دليلاً على عودة عناصر إرهابية أخرى وقيامها بزرع الألغام، وهو ما يعني أن الجبال لم تخل بصورة نهائية من الجماعات الإرهابية التي تعد تفخيخ المسالك جزءاً مهماً من استراتيجيتها، إذ تمنع الآليات العسكرية من التحرك في المناطق التي تختبئ فيها ولا تمكن من خلالها حتى السكان المتعاونين مع قوات الأمن من متابعتهم ونقل معلومات للسلطات".

وشدد المتحدث ذاته على أنه "عندما يصاب فلاح أو راع يزرع ذلك الخوف في نفوس البقية، لأن الإرهابيين يرون أن هؤلاء الرعاة أو المواطنين وكأنهم وشاة أو مجندون من طرف الأمن، ومن جانب آخر اليوم ليس هناك أولوية بالنسبة إلى الجيش لنزع هذه الألغام".

وخلص عبدالكبير إلى أن "عملية نزع هذه الألغام تشكل بالفعل خطورة على أفراد الجيش والأمن، ناهيك بأن العملية تتطلب إمكانات كبيرة لذلك هي معقدة بصورة كبيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مشكلة قائمة

ويرتاد الجبال في تونس كثيرون ممن يقتاتون منها سواء من خلال تربية المواشي مثل الأغنام والماعز، أو جمع نباتات طبيعية لبيعها خلال مرحلة أخرى مثل الإكليل وغير ذلك، وهو ما يجعل هؤلاء كمن يسير في حقل من الألغام.

ويكتنف الغموض ما إذا كانت السلطات التونسية وضعت استراتيجية لنزع الألغام من الجبال التي تمركزت فيها عناصر إرهابية خلال وقت سابق، لكن السلطات المحلية في عديد من المدن الداخلية أعلنت بعض المناطق "عسكرية عازلة"، من ثم يحظر على السكان ارتيادها.

وقال العميد المتقاعد في الجيش التونسي مختار بن نصر إن "هناك عديداً من المستويات ينبغي التطرق إليها عند الحديث عن الألغام، وهناك ألغام لدى السلطات في أي بلد ومعها خرائط تدل على توزيعها وأماكن زرعها، وهي ألغام يسهل على الوحدات الهندسية في الجيش أو الأمن نزعها، وعلى سبيل المثال بين ليبيا وتونس كانت هناك حقول ألغام أُزيلت بمساعدة تلك الخرائط والمخططات".
وتابع بن نصر أن "المشكلة بالنسبة إلى الألغام التي زُرعت في الجبال أن لديها خصوصية وهي أنها في أوعية بلاستيكية ويصعب اكتشافها من خلال أجهزة تعمل بطاقة كهرومغناطيسية، وهذا ما شكل مشكلة كبيرة للوحدات الأمنية وفقدان عدد من عناصرها إثر انفجار ألغام في دورياتها".
ولفت العميد المتقاعد إلى أن "هذه الألغام وضعها الإرهابيون لعديد من الأغراض أولها منع تقدم الوحدات الأمنية والعسكرية من التقدم صوبهم، ثانياً استعمال هذه الألغام كوسائل إنذار عندما يكون هناك تقدم من مواطنين أو من أفراد الأمن باتجاههم".
واستنتج بن نصر "لذا أصبحت هناك صعوبة في التعرف على أماكن الألغام، وعند الكشف عنها هناك سهولة في تفكيكها لتبقى إذاً هذه المشكلة قائمة، وبخاصة أن الجبال التونسية شاسعة".


إحاطة بالضحايا

معضلة أخرى تواجه ضحايا الألغام في تونس وهي أنهم يكافحون من أجل الحصول على تعويضات أو تسهيلات من السلطات لتدشين مشاريع يقتاتون منها، خصوصاً أن انفجارات الألغام تخلف عاهات تصعب استئناف المهن التي كان يزاولها أصحابها، على غرار بتر الساق أو اليد وغير ذلك.
وتتصاعد شكاوى هؤلاء من التهميش المتزايد على رغم اهتمام السلطات بضحايا العمليات الإرهابية بصورة عامة. وأنشأت السلطات في تونس خلال عام 2022 "مؤسسة فداء" المكلفة متابعة أوضاع ضحايا العمليات الإرهابية من جنود وأمنيين وضحايا أحداث الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، بينما يفتقر ضحايا الألغام لأية أطر قانونية أو تمويلية.

وقال بن نصر إن "هذه الوضعية في الواقع معقدة، لكن أعتقد أنه على بعض السلطات سواء المحلية أو المركزية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية التدخل وتوفير إحاطة لضحايا الألغام".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير