Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدران قصور الحكم من صور الآباء المؤسسين إلى المكايدة العسكرية

غرف استقبال القادة السياسيين أكثر صخباً من المحادثات ولوحاتها وديكوراتها تحمل رسائل ومغزى دبلوماسياً

تزين جدران البيت الأبيض خمسة صور رئيسة للآباء المؤسسين   (أ ف ب)

ملخص

تتنوع عناصر جدران قصور الحكم ما بين التحف الفنية المتوارثة منذ قرون، وخرائط الدول الضاربة في القدم، ومجسمات تمثل رموز الدولة وأفكارها، وأيضاً صور للقادة القدامى الذين يتمتعون بحضور في الذاكرة الشعبية، وكذلك لوحات الطبيعة أو حتى تلك التي تحوي كلمات معينة وكأنها ميثاق يعلن نفسه في هدوء وثبات.

لا يمكن أن تبقى الجدران صامتة أبداً في قصور الحكم، لا سيما في مجال يكون للإيماءات والتفاصيل شديدة الصغر فيه صوتاً يوازي قوة التصريحات والقرارات، إنه عالم البروتوكولات حيث لا مجال للمصادفة، فكل خطوة في المراسم تكون محسوبة ومعدة سلفاً ولا يمكن ترك أي منها لحادثة عرضية.

كما أن خلفية الصورة في حد ذاتها تقرأ وتحلل معانيها على أكثر من مستوى، وبالتالي الاهتمام بكل ما فيها يتطلب متخصصين لديهم خبرات واسعة في مجال البروتوكولات الدبلوماسية، فأي خطأ هامشي قد يتسبب في أزمات أو ارتباك غير مرحب به.

 من هنا تتنزع عناصر هذه الجدران ما بين التحف الفنية المتوارثة منذ قرون، وخرائط الدول الضاربة في القدم، ومجسمات تمثل رموز الدولة وأفكارها، وأيضاً صور للقادة القدامى الذين يتمتعون بحضور في الذاكرة الشعبية، وكذلك لوحات الطبيعة أو حتى تلك التي تحوي كلمات معينة وكأنها ميثاق يعلن نفسه في هدوء وثبات.
الآباء المؤسسون يحتلون الجدران

يرى أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس الدكتور محمود حسن إسماعيل أن "الالتزام بالبروتوكول يعكس العلاقات الدبلوماسية بين الدول ويظهر الاحترافية والتقدير المتبادل بين القادة، سواء في ما يتعلق بالاستقبال الرسمي أسفل سلم الطائرة أو بمقار الحكم، وتنظيم المواكب والاجتماعات الرسمية وغيرها".

التكلف والخطوات المحسوبة والسلوكيات المعدة سلفاً هي أمور ينبغي تطبيقها في ما يتعلق بالبروتوكولات الرسمية بين زعماء الدول، وأي تهاون فيها يعكس رسائل عادة تكون سلبية، إلا فيه حالة المبالغة، فالاحتفاء والقيام بما هو استثنائي هنا يمكن القول إن الدولة المضيفة تريد أن تقدم مجاملة إضافية تزيد من إكرام ضيوفها وإظهار أهميتهم، كأن تجري المحادثات في جناح خاص ومميز بمقر الحكم، وتظل عناصر ديكورات الجدران والمناضد في مراكز الحكم في العالم أمراً بالغ الأهمية وتلقى عناية خاصة.

البيت الأبيض

يبدو البيت الأبيض في هذا الصدد الأكثر شهرة، فالبيت الذي بني نهاية القرن الـ18، والواقع في شارع بنسلفانيا بالعاصمة الأميركية واشنطن يتضمن 132 غرفة، وأبرزها بالطبع المكتاب البيضاوي، الذي يمارس منه الرئيس مهماته ويستقبل به غالبية ضيوفه لإجراء المحادثات إضافة إلى غرف اجتماعات رئيسة متنوعة، وعادة ما تتكرر صور الآباء المؤسسين في اللقطات التي تخرج للإعلام وتجمع قادة الدول والمسؤولين التنفيذيين مع الرئيس وإدارته.

هناك أيضاً خمسة صور رئيسة تزين الجدران جميعها لرجال دولة وآباء مؤسسين ينتمون للقرنين الـ18 والـ19 فيما عدا فرانكلين روزفلت، الرئيس الـ32 للولايات المتحدة، إذ يعتبر الوحيد منهم الذي خدم بلاده في القرن الـ20، وينتمي للحزب الديموقراطي، ونقطة تميزه تعود لقيادته البلاد خلال فترة الحرب العالمية الثانية والكساد الكبير، مما أهله ليكون جنباً إلى جنب مع قادة كبار من الآباء المؤسسين أصحاب البصمات المفصلية في تاريخ الولايات المتحدة.

قاعة الكرملين

على النقيض تماماً وعلى رغم عراقة وتعقيدات الفنون والآداب الروسية فإن شخصية فلاديمير بوتين الواضحة والمهتمة باستعراض القوة بصورة مباشرة، جعلته يختار أن يلتقي زعماء العالم في قاعة الكرملين الرئيسة، ويحيط به مجموعة من المفردات القليلة للغاية التي باتت محفوظة من دون تغيير، إذ يتوسط الزعيمان من الخلف عادة مجسم له دلالة حربية واضحة، وهو لفرسان على خيولهم وهم على أهبة الاستعداد للحرب.

وهو مجسم يستعرض القوة والتأهب لقيادة المعارك، إذ يبدو المجسم مستوحى من مجسم قوس النصر الشهير في سانت بطرسبرغ  ثاني أكبر المدن الروسية، الذي مثل ذكرى يعتز بها الروسيون، وهي انتصار الشعب على نابليون، وخلال اللقاءات الرسمية عادة ما يوضع على جانبيه شمعدان معدني خماسي، إضافة إلى تفاصيل بسيطة مثل الزهور، وبعض الرموز الوطنية الأخرى، وكذلك كثيراً ما توضع أعلام الدول الممثلة في الاجتماع أو المحادثات، كما جرت العادة عالمياً.

من جهته يرى الباحث في الشأن الروسي حاتم أبوالنجا أن الكرملين يعتمد على عدد من الرموز، تظهر في مقابلات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رؤساء وزعماء الدول الأخرى، أهمها رمز روسيا الاتحادية الذي يأخذ شكل "نسر ثنائي الرأس" يرمز لسطوة موسكو على حدودها الممتدة من المحيط الهادئ شرقاً وحتى شرق أوروبا غرباً، كما يعد "كرملين مدينة موسكو، حصن المدينة المتعارف عليه بالكرملين، رمزاً في حد ذاته يدل على قوة الدولة وعمق ثقافتها".

 

يضيف الباحث في العلاقات الدولية، "عادة ما يستقبل بوتين ضيوفه من الرؤساء في غرفة (التمثيلية الرئاسية) بأحد مباني الكرملين، وعلى رغم جلوسه مع الزعماء في الغالب على مقربة من بعضهم بعضاً، إلا أنه قد يتصرف بصورة استثنائية للتأكيد على رسالة ما تكون ذات مغزى، ضارباً المثال باختيار بوتين استضافة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز قبيل الحرب الأوكرانية على طاولة طويلة للغاية للاستدلال على الفجوة بين وجهة النظر الأوروبية ونظيرتها الروسية".

 يتابع أبوالنجا "يظهر دائماً في القاعة نفسها تمثال لإمبراطورة روسيا إيكاترينا الثانية التي تعدها الرئاسة الروسية عظيمة الشأن لما قامت به من نهضة حضارية وثقافية في البلاد، وكذلك عسكرية بسبب التوسعات الكبيرة التي قامت بها بعد الحروب التي خاضتها، التي انتهت بضم أراضي تقع ضمن حدود أوكرانيا حالياً.

المكايدة السياسية والعسكرية

وعلى ذكر أوكرانيا التي تقترب حربها مع روسيا من عامها الثالث، بات يحرص رئيسها زيلنسكي على أن يظهر بألوان الزي العسكري لتأكيد صمود دولته، إضافة إلى بعض الرموز الوطنية ذات التفرد التي تظهر بوضوح في استقبال الوفود رفيعة المستوى.

 ووفق أبوالنجا، فإن "اعتماد مثل هذه الرموز يعود لإصرار أوكرانيا على إظهار ما يميزها عن الثقافة الروسية وتأكيد استقلالها وفرادتها، وأهم تلك الشعارات هو ’تريزوبيتس‘ وهو نوع من أنواع أسلحة العصور الوسطى وكان يستخدم في أوكرانيا لمواجهة الأعداء، ترجع رمزيته الأهم إلى استخدام فلاديمير العظيم، حاكم دولة كييف الروسية (980- 1015)، له كشعار عسكري، وكان استخدام هذا الشعار أيضاً خلال حرب الاستقلال الأوكرانية في أوائل القرن الـ20، وكذلك عقب الانفصال عن الاتحاد السوفياتي في 1991، وتستخدم الرئاسة الأوكرانية ذلك الرمز كشعار للنبل وللدولة، كما أنه يظهر منذ بداية الحرب الروسية على ملابس فلوديمير زيلينسكي والقوات المسلحة الأوكرانية."

شعار البلاد وتحية الآباء

اللافت أن الاكتفاء بشعار يرمز للبلاد يتخذ دلالات أخرى في المنطقة العربية، فقد يلجأ إليه للتعبير عن موقف ما في بعض الأوقات، مثلما حدث في تونس عقب انتهاء نظام الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان يحرص على أن يلتقي غالبية الوفود السياسية الكبرى في القاعة الكبرى بقصر قرطاج الذي يقع على شاطئ المدينة ذاتها قرب العاصمة تونس، وفي الخلفية عادة كانت تظهر صورة طولية له بجوار علم البلاد.

 وبعد الثورة الشعبية في 2011 أصبح الرئيس يكتفي بشعار البلاد إضافة إلى الأعلام الرسمية، وطغراء الجمهورية التونسية، يحمل أكثر من رمز وإشارة، إذ ارتبط بالجمهورية عقب استقلالها خمسينيات القرن الماضي، وعلى رغم إدخال تعديلات عدة عليه فهو حافظ على مفرداته الأساسية وبينها الأسد الذي يحمل سيفاً ليدل على النظام، إضافة إلى الميزان الذي يرمز إلى العدالة وسفينة شراعية قرطاجية ترمز للحرية.

كذلك من الدول التي تحرص عادة على تقديم شعار البلاد على أية صور شخصية ترمز لحاكم الدولة في الوقت الحالي الجزائر وليبيا، كما أن شعار وعلم الدولة القطرية عادة ما يظهران في الصور الرسمية مع الوفود التي يستقبلها أمير البلاد، والأمر نفسه بالنسبة إلى سلطنة عمان، إذ الزخارف التراثية التي تعبر عن هوية الوطن هي العنصر الأساس في الديكورات، فيما جرت العادة أن يستقبل الرؤساء المصريون الوفود المهمة في قصر الاتحادية الذي يسمى أيضاً قصر العروبة أو قصر هليوبولس بمصر الجديدة في البهو الضخم المزين بخريطة القطر المصري الشهيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما تبدو قاعات الاستقبال الرسمية في القصور الملكية الأردنية الهاشمية مثل رغدان والحسينية، وكأنها معرض لصور الآباء المؤسسين، وأبرزهم الشريف الحسين الذي توفي مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، إضافة إلى صورة للملك طلال بن عبدالله بن الحسين، وعلى رغم توليه الحكم لأقل من عام خلال مطلع خمسينيات القرن الماضي فإنه حقق كثيراً من الإنجازات بينها إصدار دستور البلاد.

 وعلى المسار نفسه تتوسط غرفة الاستقبال في قصر الوطن أو قصر الرئاسة بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي صورة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باعتباره أول رئيس للدولة، والمساهم الأساس في إنشاء أول فيدرالية عربية بالمفهوم الحديث.

رسائل لا تخطئ الهدف

من جهته يرى الأكاديمي محمود حسن إسماعيل أنه "بخلاف الحرص على تفاصيل المشهد الحيوية كافة والتدقيق جيداً في اختيارها باعتبارها أداة دبلوماسية لها دلالات مهمة لتحديد ملامح العلاقات الدولية وتعزيز التعاون بين البلدان، إلا أن مراسم الاستقبال نفسها تكتسب الأهمية نفسها لديكورات غرفة الاستقبال".

وأضاف أن "بروتوكول استقبال الرؤساء والزعماء يشمل مجموعة من الإجراءات والاحتفالات الرسمية التي يجري تنظيمها لإظهار الاحترام والتقدير، كما أنه يحمل دلالات متعددة على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، ويبرز مدى الاهتمام والتقدير المتبادل، ويظهر بصورة خاصة من قدر الاحتفاء الذي تبرزه الدولة المضيفة للزعيم الزائر ودولته، بينما قد يعكس استقبالاً أقل بروتوكولية بعض التوترات أو المواقف الحذرة".

 ويتابع أستاذ العلاقات الدولية أن "استقبال الدول للزعماء يكون فرصة جيدة لإرسال رسائل معينة، من خلال العناصر التي تحرص على تقديمها في الصور واللقطات الرسمية التي توزع إعلامياً".

 

ويرى إسماعيل أنها أيضاً تكون "فرصة للدول التي لديها أزمات في تحسين صورتها على الساحة العالمية، إذ يظهر ذلك أنها تلعب دوراً مهماً في القضايا الدولية وتمتلك شبكة علاقات قوية، كما يكون علامة على قدرتها على حفظ الأمن والنظام ويعزز من هيبتها، وأيضاً العروض العسكرية في هذا الصدد تستعرض قوة وسيادة الدول".

 وأنهى حديثه بالقول "كما أن استقبال زعيم دولة يعاني تحديات أو أزمات يعتبر مؤشراً على الدعم السياسي والاقتصادي من الدولة المضيفة لمكانته، فهذه الزيارات تكون أحياناً بمثابة رسائل تضامن وإعلان دعم لسياسات محددة".

العودة للجذور

وبجانب الاستعراضات المتوارثة والعريقة، فإن ما يعقبها هو جلسات مطولة تبث بعض مشاهدها إعلامياً، ومن الملاحظ أنه وبصورة عامة تبدو العودة للجذور عنواناً لغالبية عناصر ديكورات حجرات الاستقبال الرسمية في قصور الحكم.

على سبيل المثال يحرص ملك المغرب محمد السادس على إظهار شجرة النبوة، إذ تنحدر سلالته التي تحكم البلاد منذ قرون بصفة دائمة خلفه في أي اجتماعات تجري في أي من القصور الملكية بأنحاء المملكة، إضافة إلى العلم الرسمي كممثل لهوية البلاد.

ويبدو الاعتزاز بالأصول التي تنسب إليها العائلة واضحاً ومتوارثاً، وفكرة التفاخر والاعتزاز بالأجداد والأقارب أمر شائع أيضاً في اللقطات الرسمية مع الوفود الرفيعة في البحرين والكويت.

 فيما يكون العلم السعودي عنصراً أساساً في غالبية قاعات الاستقبال الرسمية بالبلاد سواء القصور الملكية مثل العوجا بالدرعية واليمامة بالرياض أم قاعدة الملك سلمان الجوية، كما تظهر بين حين وآخر بعض العناصر التي تنم عن الاعتزاز بالإرث مثل البنادق التي تعود لعصور مضت، وصور شديدة الندرة مثل تلك التي تجمع الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الحديثة مع مجموعة من أبنائه، والأمر في كل مرة يتضمن تفاصيل أساسية أخرى مثل الزهور الطبيعية التي يغلب عليها الأبيض والأخضر.

 

قصر الإليزيه

على رغم عراقة قصر الإليزيه واحتوائه على ديكورات وعناصر فنية نادرة، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عادة ما يستقبل ضيوفه بالقصر التاريخي، من دون أن يحرص على أن يثبت في الأذهان صورة ذات مغزى سياسي بعينه، إذ تتضمن مفردات اللقطات عادة بعض الزهور والنباتات الطبيعية، وقد تظهر بين حين وآخر في الخلفية صور لبعض المعالم الفرنسية.

 أيضاً الاعتزاز بمعالم وطبيعة جمهورية الصين الشعبية، إضافة إلى أعلام الدول، هي أبرز التفاصيل التي تظهر في لقاءات ومحادثات الرئيس الصيني شي جين بينغ مع زعماء العالم في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين.

كذلك تبدو الجلسات التي تظهر المحادثات بين رئيس وزراء بريطانيا مع نظرائه من القادة، في "10 داونينغ ستريت" بالعاصمة لندن، يغلب عليها الطابع المكتبي العملي، على رغم اللوحات والديكورات الفخمة التي تزين حجرات المقر، بعكس الأمر في ما يتعلق بالمقابلات الرسمية التي تجري بين أروقة قصر باكينغهام الذي يبعد عن مقر رئاسة الوزراء بنحو كيلومترين، إذ يحرص الملك تشارلز الثالث ومن قبله الملكة إليزابيث الثانية على إبراز عناصر الفخامة وأيضاً بعض الصور العائلية سواء الحديثة أم المتوارثة عبر أجيال خلال اللقاءات التي تتضمن مسؤليين محليين ودوليين، وحتى ضيوفهم من مشاهير المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير