ملخص
-تشكل دول "بريكس" الـ10 الآن أكثر من ربع الاقتصاد العالمي ونحو نصف سكان العالم.
-تبلغ قيمة اقتصادات الدول الأعضاء أكثر من 28.5 تريليون دولار (نحو 28 في المئة) من الاقتصاد العالمي. وبانضمام السعودية والإمارات وإيران، يصبح إنتاج المجموعة نحو 44 في المئة من النفط الخام في العالم.
-وجدت "بريكس" بوصفها كتلة فضفاضة من الاقتصادات غير الغربية، في الدول الأفريقية بغيتها وقد وضعت نصب أعينها هدف تنسيق الجهود الاقتصادية والدبلوماسية، لا سيما أن دول القارة السمراء تتشارك معها في وجهة النظر حول الهيمنة الغربية.
تحولت مجموعة "بريكس" من تكتل اقتصادي أنشأته البرازيل وروسيا والهند والصين عام 2009 إلى قوة سياسية رئيسة خلال العقدين الماضيين، بتعزيز هدفها في خلق ثقل موازٍ للنفوذ الغربي في المؤسسات العالمية. وبرز توسع المجموعة في عام 2023 مجسداً ثقلها المتزايد، باستقطاب دول الجنوب العالمي بما فيها أفريقيا التي تتناغم دولها مع أهداف "بريكس". أُثقلت المجموعة بأعباء إضافية حول قضايا مثل الصراع الروسي- الأوكراني، في الوقت الذي تحاول فيه روسيا قيادتها خصوصاً خلال هذا العام، والعمل على تكثيف التركيز المناهض للغرب في الكتلة بتحدي القوة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا.
وإن كان هذا التحرك يصب في الهدف الأساسي للدول المؤسسة للمجموعة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، كمجموعة غير رسمية من الاقتصادات الناشئة التي تأمل في زيادة نفوذها في النظام العالمي، وفقاً لفرضية مفادها بأن المؤسسات الدولية خاضعة لهيمنة القوى الغربية بشكل مفرط وتوقفت عن خدمة البلدان النامية، فإن التكتل يسعى أيضاً إلى تنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية لأعضائه، وإنشاء مؤسسات مالية جديدة، والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي. ويسعى زعماء المجموعة منذ فترة طويلة إلى إلغاء الدولرة لمصلحة زيادة التجارة بالعملات المحلية أو حتى عملة مشتركة محتملة.
من شأن انضمام مصر وإثيوبيا إلى "بريكس" أن يعمل على تكثيف الأصوات الآتية من القارة الأفريقية، ويخدم ذلك العلاقات الاقتصادية الوثيقة لدول القارة مع الصين، إضافة إلى دولة جنوب أفريقيا هناك إثيوبيا شرق القارة، والتي ستكون علاقتها مع الصين واعدة باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ودخلت مع بكين في استثمارات بمليارات الدولارات مما يجعلها مركزاً لمبادرة الحزام والطريق. كما أن مصر تسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات وتحسين اقتصادها الذي تعرض إلى هزات عنيفة.
هنالك أيضاً نشوء العلاقات الأمنية والسياسية مع روسيا، فقد لعبت شركة "فاغنر" ثم "فيلق أفريقيا" دوراً في دول الصراعات.
تنسيق الجهود
بين أول قمة رسمية لمجموعة "بريكس" استضافتها روسيا عام 2009، وآخر قمة استضافتها أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، طرأت موجات توسع عالية، حيث انضمت جنوب أفريقيا عام 2010 بدعوة من الصين، لتشكيل مجموعة الدول الخمس لتكون المجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، واستمرت لأكثر من عقد من الزمان. وفي عام 2023، وجهت الدعوة لستة أعضاء جدد هم الأرجنتين ومصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات وإيران. قبلت جميع الدول باستثناء الأرجنتين، التي أعلن رئيسها المنتخب حديثاً خافيير ميلي توجه البلاد نحو الغرب.
وجدت "بريكس" بوصفها كتلة فضفاضة من الاقتصادات غير الغربية، في الدول الأفريقية بغيتها وقد وضعت نصب أعينها هدف تنسيق الجهود الاقتصادية والدبلوماسية، لا سيما أن دول القارة السمراء تتشارك معها في وجهة النظر حول الهيمنة الغربية من خلال منظمات متعددة الأطراف مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الدول السبع.
كان توجه المجموعة نحو الدول الأفريقية، مرجحاً منذ بداية تأسيسها، ولكن خلال الأعوام الأخيرة لعبت التداعيات الجيوسياسية دوراً في أن تحقق المجموعة نوعاً من الاستقلال الذاتي فهي تمثل ثقلاً اقتصادياً وديموغرافياً متزايداً، حيث تشكل دول "بريكس" الـ10 الآن أكثر من ربع الاقتصاد العالمي ونحو نصف سكان العالم. وتستعد المجموعة لممارسة نفوذها على الحروب في أوكرانيا وقطاع غزة، وشكل النظام الاقتصادي العالمي، والمنافسة بين الصين والغرب، والجهود الرامية إلى الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وهذا التنسيق ما بين السياسة والاقتصاد، ليس وليد الأزمات الحالية، وإنما نتيجة للتجربة التي خاضتها دول المجموعة عندما ضرب الركود الاقتصادي العالم عام 2008، مما دفعها إلى التأكيد على التنسيق الاقتصادي بشأن قضايا مثل سياسة التعريفات الجمركية والقيود المفروضة على تصدير الموارد الحيوية والاستثمار. وبفضل هذا، تضاعفت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية للمجموعة على رغم تباطؤها في الأعوام الأخيرة، ولعب بنك التنمية الجديد دوراً في تنشيط التعاون بينها والحد من الاعتماد على مصادر التمويل التقليدية، وترتيب الاحتياطي الطارئ للمجموعة.
عالم مصغر
تتوافق مجموعة "بريكس" على مزايا تحاول بها الحصول على سيادة مستقلة، فهي من ناحية تجسد صورة مصغرة من العالم إذ تمثل أكبر المجتمعات الثقافية والدينية والأنظمة السياسية المختلفة. ولا تعد الدول المؤسسة للمجموعة مجرد اتحاد للدول النامية، بل هي أقطاب رئيسة للنظام الدولي متعدد الأقطاب. يبلغ عدد سكان المجموعة نحو 3.5 مليار نسمة، أو 45 في المئة من سكان العالم. وتبلغ قيمة اقتصادات الدول الأعضاء أكثر من 28.5 تريليون دولار (نحو 28 في المئة) من الاقتصاد العالمي. وبانضمام السعودية والإمارات وإيران، يصبح إنتاج المجموعة نحو 44 في المئة من النفط الخام في العالم.
تضم "بريكس" مؤسسات مالية، وتسعى إلى جعلها فاعلة كبديل للنظام المالي العالمي السائد منذ مؤتمر النقد الدولي المعروف "بريتون وودز" الذي أسسته الدول الصناعية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لذلك صممت المجموعة بنك التنمية الجديد أملاً في أن يكون بديلاً للمؤسسات القائمة، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي ترى أنها فشلت في تلبية حاجات الدول الأكثر فقراً، خصوصاً في مجالات مثل تمويل مشاريع مواجهة تغير المناخ. ومع أن بنك التنمية لا يقارب هذه المؤسسات المالية الضخمة، ولا يُتوقع أن يحل محلها، لكنه يسعى إلى تغطية جزء من مهامها. ومن ضمن برامج القروض والضمانات المالية التي يوفرها البنك هي الإقراض للطاقة النظيفة ودعم المشاريع التي تسهم في التنمية المستدامة والبنية التحتية.
يُتوقع أن يتغلب البنك على عقبات نموه بمضاعفة التجارة بين بلدانه، وهو ما نشطت فيه دول "بريكس" بزيادة حجم تجارتها مع الدول الأفريقية، أكثر من تبادلها في ما بينها.
تحديات التمدد
يمكن أن يؤدي تزايد العضوية من دول الجنوب العالمي خصوصاً أفريقيا إلى مواجهة "بريكس" تحديات عدة، منها، الأول، تكثيف الرفض الغربي، خصوصاً أن كثيراً من هذه الدول لا تزال مرتبطة بدول استعمارها بشكل مباشر أو غير مباشر، ويزيد التحدي في ظل الصراع والتنافس على أفريقيا بين الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى
والثاني، يتعلق بزيادة العضوية داخل الكتلة، وهو احتمال تعرضها لانقسامات حول العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال سعيها لتقويض النظام الدولي الذي يقوده الغرب، وتباين مواقفها من الحرب الروسية- الأوكرانية. وكذلك التوترات التي تتعلق بالمصالح في ما بينها مثل التوترات بين الصين والهند بسبب نزاعهما الحدودي المستمر منذ عقود، إضافة إلى المنافسة المتزايدة بينهما على الزعامة الاقتصادية والجيوسياسية للجنوب العالمي، أو تقاطع مصالحهما. مما يستلزم توحدها على الساحة العالمية، لا سيما أنها تقف في وجه قوى غربية كبرى، بحسب خبراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما التحدي الثالث، فهو تجدد مخاوف الغرب من تسارع التفتت العالمي لا سيما وأن هناك 30 دولة أخرى تنتظر دورها للانضمام إلى "بريكس". وبدخول مزيد من الدول الأفريقية، ستخلق نظاماً موازياً يكون عماده تجارة الطاقة، وتعميق الروابط التجارية بين الأعضاء، وخلق نظام بديل لتمويل التنمية، والحد من الاعتماد على الدولار في معاملات الصرف الأجنبي، مما يجعل المجموعة قادرة على استخدام نفوذها للمطالبة بنظام دولي أكثر إنصافاً.
والرابع، على رغم ما تملكه المجموعة المكونة من دول الجنوب العالمي وأفريقيا من إمكانات، إلا أنها تعاني من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي مما يؤدي إلى اهتزاز الثقة في جهودها. تواجه اقتصادات هذه الدول انهياراً وركوداً استمر لأعوام، وفساداً مزمناً، وبنية تحتية متهالكة. كما تهددها التوترات السياسية والأمنية.
والتحدي الخامس، مع ضم "بريكس" مزيداً من الدول الأفريقية، سيكون من الصعب عليها صياغة وتبني ومتابعة مواقف سياسية موحدة، في إطار المنظمات الدولية الأخرى، مثل ما تعانيه الآن في إطار مجموعة الـ20، نظراً لاختلاف مؤسساتها السياسية ونماذجها الاقتصادية وأنظمتها الثقافية ومصالحها الوطنية.
مصدر إلهام
يأتي انضمام مزيد من دول القارة السمراء إلى مجموعة "بريكس" في هذا الوقت متناغماً مع تحولها الهيكلي نحو المزيد من الأنشطة التي تصب في الاقتصاد السياسي لأفريقيا، لا سيما أنها في مفترق طرق بين النمو الاقتصادي الهش ومحاولات أفرقة التصنيع بالاستفادة من الموارد لإحداث تغييرات مؤثرة في توجهات التنمية في القارة. ويعول كثيرون على قدرة القارة على أن تصبح مزودة بحلول لتغير المناخ وغيرها من توجهات تنموية معاصرة.
كلما بعدت الدول الأفريقية عن الغرب، مثلما حدث في الأعوام الأخيرة نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة من شرق القارة، وفرنسا من غربها، تفكر في الاستقلال والخروج مما تعده هيمنة غربية مفروضة عليها. والمثال الذي تحتذي به هو دول "بريكس"، فقد حققت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا نوعاً من الهيمنة البديلة أكسبها أهمية دولية، وجعلها تحتكر تمويل دول المجموعة المانحة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمزج بين المصالح في التجارة والمساعدات والاستثمارات والتنمية للمساعدات. وعلى رغم هذا النشاط الكبير، إلا أن أسلوب عمل المجموعة في مجال المساعدات الإنمائية هو أسلوب موقت مرتبط بالكوارث والأزمات، ويفتقر إلى الشروط المسبقة سياسية أو اقتصادية تقليدية، مثل الشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة والقدرة على التنبؤ والإدارة من أجل تحقيق النتائج بالتنسيق بينها.
ويشكل النجاح الاقتصادي الذي حققته "بريكس" مصدر إلهام لأفريقيا التي تشترك معها في نفس الخلفية التاريخية، إذ إن السمة الأفريقية المفترضة للمجموعة ستثبت أن أصلها عائد إلى الجنوب العالمي، وتفرض معايير لتحقيق نتائج مربحة للجانبين، لتعظيم مصالحها الاستراتيجية. وهذا سيخدم أجندات الصين التي تسيطر على التعاون الاقتصادي لمجموعة "بريكس"، ويمكن من ناحية أخرى الاستفادة من اهتمام الصين بانضمام الدول الأفريقية إلى "بريكس" خصوصاً مع تدشين مبادرات مثل "الحزام والطريق" التي تتضمن تشكيل صندوق خاص لطريق الحرير وإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.