ملخص
أفاد مسؤول أوروبي "اندبندنت عربية" بصدور تقرير المراجعة المالية التي أجراها الاتحاد الأوروبي في شأن امتثال الحكومة المصرية لإجراءات الإصلاح الاقتصادي، والتي يشترطها اتفاق التمويل الأوروبي في إطار "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كاشفاً عن انطباع إيجابي في شأن الخطوات التي اتخذتها القاهرة تجاه هذا الصدد.
على وقع رفع جديد لأسعار المواد البترولية والكهرباء، زاد احتقان الشارع المصري وسط أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بجيوب وحياة المصريين الذين اضطروا إلى استدعاء مدخراتهم لسد عوز المعيشة، بدا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قلقاً حيال الاستياء الشعبي من فاتورة استراتيجية الإصلاح الاقتصادي التي فرضها صندوق النقد الدولي والممولون الدوليون.
وخلال الأسبوع الماضي أشار الرئيس المصري أمام المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية إلى الحاجة لمراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية وتخفيف الأعباء عن المصريين، قائلاً "لا بد من مراجعة الاتفاق إذا كان سيضع الناس في وضع غير محتمل".
وبدت تصريحات السيسي محاولة لامتصاص الغضب العام من التضخم الذي بات يسيطر على أسعار جميع السلع داخل مصر، ورفع الدعم عن الوقود الذي يثقل كاهل المواطنين، وفي الوقت نفسه سعى إلى خطب مؤسسات التمويل الدولية لإعادة الجدولة الزمنية للشروط التي توجبها عملية التمويل عبر القروض.
وفي مارس (آذار) الماضي وقعت الحكومة المصرية اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي بزيادة الدعم المالي الممدد الذي وافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار ليصل إلى 8 مليارات دولار، مما سمح للدولة بسحب سيولة من الصندوق بنحو 820 مليون دولار على الفور.
وجاءت موافقة الصندوق على زيادة التمويل بعد أن تضرر الاقتصاد المصري المتعثر بالفعل جراء الحرب داخل قطاع غزة والهجمات التي يشنها الحوثيون على سفن الشحن في البحر الأحمر، مما أضر بإيرادات قناة السويس وتقليصها إلى النصف.
المصريون بين السندان والمطرقة
وتستوجب عملية التمويل الدولية مجموعة من الشروط التي تحتاج الحكومة المصرية إلى تنفيذها لإحداث عملية إصلاح هيكلي طويلة، وتشمل ركائز أساس بينها رفع الدعم الحكومي للمواد البترولية وإتاحة سعر صرف مرن للعملة، والحد من الاستثمار العام وتكافؤ الفرص، مما يسمح للقطاع الخاص بأن يصبح محركاً للنمو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تتباطأ الحكومة المصرية في عملية خصخصة الشركات العامة والشركات التابعة للمؤسسة العسكرية، فإن تنفيذ بعض الإصلاحات الأخرى أدى إلى مزيد من التضخم أثقل كاهن المصريين وسط زيادة الضغوط التمويلية على الحكومة المصرية، بالنظر إلى الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة والتي أسفرت عن فقدان موارد مالية أساس، وتحديداً قناة السويس التي تراجعت عائدتها لنحو 70 في المئة، وفق مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا التي أقرت أخيراً بأن مصر تتحمل كلفة كبيرة لما يحدث في الجوار.
وخلال يونيو (حزيران) الماضي وقعت مصر مجدداً اتفاق تمويل آخر مع الاتحاد الأوروبي في إطار ما يعرف بـ "الشراكة الإستراتيجية الشاملة"، يشمل صرف الأموال الأوروبية لمصر على شرائح بين عامي 2024 و2027، تقسم إلى قروض بقيمة 5 مليارات يورو واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو في مجالات تتعدد بين الرقمنة والتحول في مجال الطاقة، وخُصصت منح بقيمة 600 مليون يورو تشمل تحديد نحو 200 مليون يورو لإدارة مسألة الهجرة، بينما توجه الأموال الأخرى نحو الاستثمار والمشاريع الثنائية والمساعدة المالية الكلية، ويرتبط الاتفاق المصري - الأوروبي بشروط الإصلاح الاقتصادي التي يفرضها صندوق النقد الدولي.
وتثير تصريحات الرئيس المصري تساؤلات حول احتمال استجابة مؤسسات التمويل الدولية للقاهرة في شأن مطالبها بتخفيف الشروط أو تمديد الجدول الزمني لتنفيذها.
تقرير المراجعة الأوروبية
واليوم الخميس أفاد مسؤول أوروبي "اندبندنت عربية" بصدور تقرير المراجعة المالية التي أجراها الاتحاد الأوروبي في شأن امتثال الحكومة المصرية لإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي يشترطها اتفاق التمويل الأوروبي، في إطار "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كاشفاً عن انطباع إيجابي في شأن الخطوات التي اتخذتها القاهرة تجاه هذا الصدد.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية في حديثها إن "بعثة مراجعة الامتثال التابعة للمفوضية زارت القاهرة خلال الفترة من الأول إلى الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وكانت النتيجة الأولية إيجابية بصورة عامة".
وأضافت أنه من المتوقع صرف دفعة بقيمة مليار يورو من اتفاق المساعدة المالية الكلية قصيرة الأجل خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل، شرط تأكيد الامتثال للإصلاحات واستمرار برنامج صندوق النقد الدولي على المسار الصحيح، مع التخطيط لبعثة مراجعة جديدة في بداية نوفمبر المقبل.
وأوضحت أنه تم تفعيل اتفاق المساعدة الشاملة قصيرة الأجل لمصر التي تبلغ قيمتها مليار يورو واعتمدها المجلس خلال أبريل (نيسان) الماضي، بموجب مذكرة التفاهم في شأن إصلاحات السياسة الاقتصادية الموقعة خلال يونيو الماضي.
وتنقسم حزمة المساعدات المالية إلى عمليتين، الأولى تصل إلى مليار يورو في صورة قروض ستساعد في معالجة الحاجات العاجلة قصيرة الأجل (للاستقرار الاقتصادي الكلي) خلال النصف الثاني من عام 2024، تليها عملية مساعدات مالية كلية منتظمة بين عامي 2025 و2027 تصل إلى 4 مليارات يورو في صورة قروض.
الإصلاحات عاجلاً وليس آجلاً
وأكدت المسؤولة الأوروبية أن عمليات صرف التمويل بموجب عملية المساعدات المالية الشاملة تخضع كالمعتاد لبرنامج صندوق النقد الدولي، قائلة إن "المفوضية اتفقت نيابة عن الاتحاد الأوروبي مع السلطات المصرية على مجموعة محددة من تدابير الإصلاح الهيكلي المحددة في مذكرة تفاهم حُددت في بداية العملية، وتدعم هذه التدابير الإصلاحية الاقتصادية أجندة الإصلاح التي تتبناها السلطات، وتكمل البرامج المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من الجهات المانحة، فضلاً عن البرامج السياسية المرتبطة بعمليات دعم الموازنة التي ينفذها الاتحاد الأوروبي، ويتوقف صرف هذه المساعدات بعد ذلك على إحراز تقدم مرض في تنفيذ هذه الإصلاحات المتفق عليها".
وأكدت المتحدثة الأوروبية أنه "كي تتلقى مصر دفعات المساعدات المالية الكلية، يتعين عليها أيضاً أن تواصل اتخاذ خطوات ملموسة وموثوقة نحو احترام الآليات الديمقراطية الفعالة وسيادة القانون وضمان احترام حقوق الإنسان، ويجري حالياً التقييم المقابل".
والرد الأوروبي هو انعكاس لموقف صندوق النقد الدولي الذي أكدت مديرته جورجيفا أن "مصر من الأفضل أن تقوم بالإصلاحات عاجلاً وليس آجلاً"، وقالت خلال الاجتماع السنوي للصندوق الأسبوع الماضي إنه "كان هناك بعض التأخير خلال الماضي في تنفيذ الإجراءات وهذا يجعل الكلفة أعلى، وهذه الكلفة تقع في نهاية المطاف على عاتق الناس".
وصرحت مديرة صندوق النقد الدولي بأنها ستزور مصر خلال النصف الأول من شهر نوفمبر المقبل لمناقشة الجدول الزمني للإصلاحات الاقتصادية، قائلة "أود أن أرى بنفسي ما يحدث في البلاد، وأريد أن أسمع ما هي وجهات النظر، وسوف ننظر في دعم الصندوق من منظور ما هو الأفضل للبلاد"، مضيفة "لقد كنا منفتحين للغاية على تعديل البرنامج المصري أو أي برنامج آخر بما يخدم الشعب على أفضل وجه، ولكن دعوني أقول إننا لا نقوم بعملنا من أجل البلاد وشعبها إذا تظاهرنا بأن الإجراء الذي يجب اتخاذه يمكن التخلي عنه، لأن الشيء الوحيد الذي يحدث هو ارتفاع ثمن هذا الإجراء".