ملخص
على رغم الضغط الأميركي فلا تزال المنطقة الإنسانية في جنوب غزة تعيش جفافاً وتختبر المجاعة بعد تخفيض أيام عمل التكايا بسبب القيود الإسرائيلية المشددة على حركة المعابر وتدفق الغذاء للقطاع.
تقف الطفلة خلود أمام إخوتها الصغار، تمسك يد أحدهم وتمسح على رأس الآخر والثالث تحضنه، ثم تشرح لهم أنها تتفهم جوعهم لكن لا خبز لديها في الخيمة، لذلك ستذهب فوراً لتكية الطعام القريبة منهم وتجلب لهم الأكل بسرعة.
كانت الساعة العاشرة والنصف صباحاً عندما همت الأخت الكبيرة للذهاب إلى تكية الطعام، تعرف هي أن الوقت مبكرا وأن الغذاء الساخن لم ينضج بعد، لكنها ترغب في حجز دور لها، إذ يتزاحم آلاف النازحين للحصول على وجبة أكل.
لا طعام
عندما وصلت خلود لم تجد أحداً في مكان توزيع الطعام، انتاب قلبها القلق وأخذت تقترب أكثر، وجدت القاصر قدور الطعام فارغة ونظيفة ولا نار في المكان ولا علامات عن نفاد الأكل أو انتهاء توزيعه، حينها سألت صاحب التكية العم أبو شريف عن "إذا كان هناك تغيير في آليات توزيع الطعام؟".
هز العم أبو شريف رأسه، وكان قد زم شفتيه وأغمض عينيه، وأبلغها "يا صغيرتي لا طعام اليوم في التكية، لم يتوفر في الأسواق أي بضائع لنطهو لكم شيئاً"، سمعت خلود الخبر كالصاعقة وفي حركة لا إرادية لطمت خدها، وطأطأت رأسها وغادرت.
عادت إلى خيمتها وأخذت تتفقد الأطباق محاولة العثور على بقايا طعام، لكن عبثاً تحاول ذلك، أمسكت في قماش الخيمة وقالت "حكم علينا اليوم قضاء يومنا من دون طعام، لن يأكل أحد منا أي شيء، ومن الصعب أطلب غذاء من الجيران".
مهمة مرهقة
تعيش خلود مع والدها الكبير في السن والعاطل عن العمل، وأشقائها الثلاثة، فيما قتلت أمها خلال الحرب، لذا فإنها تتحمل مسؤولية توفير الأكل لجميع أفراد أسرتها، وهذه أصعب مهمة تقوم بها والأكثر تعقيداً، تضيف "إخوتي ينتظرون الطعام، لا أعرف كيف سأدبر لهم حتى ولو خبزاً… صحيح نحن في المنطقة الإنسانية جنوب غزة، لكن نعيش هذه الفترة أزمة غذاء كبيرة، نفتقد الخبز، نفتقد كل أنواع الطعام، لدرجة أننا لن نأكل اليوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لن تستطيع خلود إعداد الطعام في خيمتها ليست لأنها فقيرة فحسب، بل أيضاً لأنها لا تملك غازاً ولا لوازم إعداد الأكل، لذلك تعتمد هي كما آلاف النازحين على الطعام الذي توفره التكايا الخيرية.
اعتماد رئيس على التكايا
في ظل غياب المؤسسات الرسمية الحكومية وتعطل الجهد العالمي لتقديم المساعدات والمعونات اللازمة لسكان غزة، فإن غذاء النازحين بات يقتصر على ما تقدمه التكايا في مراكز الإيواء والمخيمات من وجبات غذائية يومية.
ويعتمد نحو 98 في المئة من إجمال النازحين الذين يعيشون في المنطقة الإنسانية على ما تقوم به هذه التكايا من طهو الطعام، إذ تعد هذه المطابخ البسيطة بمثابة شريان الحياة لهم ولأولادهم، وتعمل على سد حاجاتهم من الطعام.
لكن هذه التكايا مهددة بالتوقف عن العمل وعدم تقديم وجبات طعام إلى النازحين، إذ يعيش جنوب القطاع أزمة حادة في توفر الغذاء، وذلك بسبب القيود الإسرائيلية المشددة على حركة المعابر، ونتيجة لذلك فإن الأسواق باتت فارغة من أي بضائع.
أسواق فارغة
يشرح مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "فرضت إسرائيل قيوداً جديدة على حركة المعابر، قيدت من خلالها تدفق المعونات الغذائية، وأوقفت تنسيق البضائع التجارية، هذه القيود جعلت غزة خاوية من الطعام، إذ أكل النازحون ما هو متاح ولم يتدفق جديد".
رفعت المنظمات الدولية تقارير عدة عن وضع الغذاء في غزة، وبسبب ذلك حدث خلاف حاد بين إسرائيل والولايات المتحدة، طلبت الأخيرة من السلطات في تل أبيب حل الأزمة الإنسانية والسماح بتدفق البضائع الغذائية للجنوب ومنحت أميركا مهلة حتى الـ13 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لحل هذه المشكلة.
وإلى حين حل المشكلة وسماح إسرائيل للغذاء بالتدفق لغزة يكون النازحون في المنطقة الإنسانية قد جربوا المجاعة بأشد مراحلها. يقول باحث الاقتصاد الغذائي في منظمة الأغذية والزراعة ماكسيمو توريرو "أزمة الغذاء في غزة لا تزال الأكثر حدة في التاريخ المعاصر"، ويضيف "غالب الأسر تأكل وجبة واحدة فقط كل يوم، وبعضها يتناول وجبة واحدة كل يومين، رأيت أن الناس يعتمدون في الغالب على الخبز وتقاسم الطعام مع أسر أخرى وتقنين المخزونات، كل ذلك بسبب قيود تسليم المساعدات الغذائية".
ويؤكد توريرو أن الحصول على رغيف خبز اليوم ليس بالأمر السهل على الإطلاق في جنوب القطاع، فالطحين نادر، والبحث عن الطعام أصبح جزءاً أساسياً في حياة النازحين، والقلق واضح على وجوههم، إذ يخشون أن يفقدوا حتى هذه الوجبة الوحيدة التي يحصلون عليها بصعوبة وغالباً من مطابخ بدائية.
ويشير توريرو إلى أن النازحين في غزة يتضورون جوعاً ويفتقدون إمكانية إعداد الطعام داخل الخيام البدائية التي يقيمون داخلها في ظروف صعبة، مع تراجع إدخال المساعدات، ولذلك أكثرهم يعتمدون على وجبات الطعام الجاهزة التي يقدمها طباخون مثل ما يفعل المطبخ المركزي العالمي.
تخفيض أيام العمل
وفيما تؤكد الأمم المتحدة أن سكان غزة باتوا يعتمدون على طعام التكايا، فإن ثمة خبراً سيئاً ينتظرهم في ظل عدم توفر المؤن الغذائية في الأسواق، إذ قرر أصحاب التكايا تخفيض أيام العمل إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، بعدما كانوا يقدمون الطعام على مدى الأسبوع.
تقول ساندرا علاو وهي منسقة تكية "سنضطر إلى وقف العمل اليومي، والاكتفاء بطبخ الطعام ثلاثة أيام في الأسبوع، نواجه مشكلة في توفير السلع والبضائع والغذاء، الأسواق فارغة من كل شيء، ولهذا سنعمل بطاقة أقل".
ويؤكد راجي الظافر، منسق تكية، أن التكايا حافظت بصورة كبيرة على منع وصول المواطنين إلى مستويات خطرة من الجوع، لكن اليوم وفي ظل تقييد دخول الغذاء لغزة، فإن المبادرين قرروا العمل لثلاثة أيام فحسب، وهذا يعني مزيداً من الجوع ومزيداً من المعاناة في الحصول على رغيف واحد من الخبز.
في إسرائيل يؤكد منسق أنشطة الحكومة غسان عليان أن الجيش يعمل يومياً على تدفق البضائع والسلع الأساسية لغزة، ويسهل ذلك باستمرار، ويقوم بإجراءات كبيرة لأجل الحالة الإنسانية في القطاع.