ملخص
سجلت الأرض العام الماضي أعلى ارتفاع في درجات الحرارة على الإطلاق، كما شهد هذا العام تحطيماً لأرقام قياسية عدة لدرجات الحرارة، سواء على اليابسة أو خارجها، وبالتالي تضافرت الظروف لحصول أعاصير في خليج المكسيك وهطول أمطار غزيرة تسببت في مقتل العشرات في كل من إسبانيا وجنوب الولايات المتحدة
على مر الأعوام ظلت لوحة ألوان الأرض الخلابة مشهداً ثابتاً وموثوقاً، شأنها في ذلك شأن تغير الفصول، وكانت أوراق الأشجار ترتدي في فصل الخريف لوناً برتقالياً يميل للحمرة فيما كانت المياه الصافية قبالة ساحل فلوريدا تتلألأ بألوانها الخضراء المائلة للزرقة، لكن تغير المناخ الآن بدأ يشوه هذه المشاهد الطبيعية الخلابة.
وسجلت الأرض العام الماضي أعلى ارتفاع في درجات الحرارة على الإطلاق، كما شهد هذا العام تحطيماً لأرقام قياسية عدة لدرجات الحرارة، سواء على اليابسة أو خارجها، وبالتالي تضافرت الظروف لحصول أعاصير في خليج المكسيك وهطول أمطار غزيرة تسببت في مقتل العشرات جنوب الولايات المتحدة.
وعادة يشكل فصل الخريف استراحة من قيظ الصيف، لكن فينيكس عاصمة ولاية أريزونا الأميركية سجلت ارتفاعاً قياسياً في الحرارة خلال موجة حر ضربت المدينة بعد أيام من بداية الفصل، فيما شهد الشمال الشرقي أجواء دافئة وجافة على غير المعتاد.
ووفقاً لمنظمة "كلايمت سنترال" غير الربحية فقد ارتفعت الحرارة في فصل الخريف بمعدل درجتين ونصف في مئات المدن الأميركية منذ عام 1970، وأصبحت الهوايات المعتادة في الخريف، مثل ترقب ألوان الخريف ومشاهدة أوراق الأشجار، في خطر بسبب أزمة المناخ، كما تقول المنظمة.
ووجد تقرير أصدرته "كلايمت سنترال" أيضاً في أغسطس (آب) الماضي أن العوامل المحفزة لتحول ألوان الأوراق تتغير بدورها في ظل تغير المناخ، إذ إن توقيت ظهورها وزهوها يتأثران بدرجة الحرارة وهطول الأمطار وغيرها من الظروف المناخية.
وعادة تعزز برودة الجو ألوان أوراق الشجر الزاهية، لكن ليالي الخريف ازدادت دفئاً بأكثر من 2.7 درجة مئوية بالمعدل في 212 منطقة داخل أرجاء الولايات المتحدة بين عام 1970 و2023، ويمكن أن تؤدي درجات الحرارة الأكثر دفئاً إلى تأخير الإشارات الطبيعية التي تحث النباتات على التوقف عن النمو قبل الشتاء، مما يؤدي إلى تأخير وتقصير موسم تساقط أوراق الخريف الذي يكسو في العادة أشجار الشمال الشرقي بألوان الخريف.
وكلما قصر النهار مع اقترابنا من نهاية العام، يرسل تقلص فترة تعرض النباتات للشمس بإشارات لتخفيف عملية التمثيل الضوئي التي تحول الضوء إلى طاقة تحتاجها النبتة كي تستمر، وهذا ما يخلق استعراض الألوان الذي يترقب الناس رؤيته.
وتؤدي تلك العملية إلى تقليص نسبة الكلوروفيل، وهو الصباغ الأخضر الذي يستخدم في هذه العملية، فتتحول أوراق الأشجار إلى البرتقالي الزاهي والأصفر والأحمر وحتى الأرجواني، ويمكن للجفاف والحرارة الشديدين أن يحولا الأوراق إلى اللون البني قبل أن تتمكن الأشجار من تقديم هذا الاستعراض الملون.
على بُعد 10آلاف ميل تقريباً من الغطاء النباتي الملون في نيو إنغلاند، أصبح اللون الأخضر يغلب على القارة القطبية الجنوبية المجمدة عادة، واتسع الغطاء النباتي على شبه الجزيرة القطبية الجنوبية أكثر من 10 أضعاف على امتداد الأعوام الـ 40 الماضية، وفقاً لدراسة جديدة نشرت في مجلة "نايتشور جيو ساينس"، فدرجات الحرارة ترتفع في المنطقة بوتيرة أسرع من المعدل العالمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي هذه الدراسة عقب إجراء أبحاث كشفت عن أن الغطاء النباتي ينمو بسرعة على القارة وأن الثلج "الأخضر" المليء بالطحالب المجهرية يرجح أن ينتشر مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة.
وفي الواقع تتحول محيطات الكوكب بدورها إلى اللون الأخضر بفضل تبعات تغير المناخ، وقد حللت مجموعة من الباحثين الدوليين صور الأقمار الاصطناعية التي التقطتها "وكالة ناسا" على امتداد عقدين من الزمن من أجل الكشف عن هذا التغيير الحاصل في أكثر من نصف محيطات العالم، وافترضوا بأن هذا الاخضرار قد يُعزى إلى وفرة الطحالب المجهرية ومنها العوالق النباتية التي تنتج الكلوروفيل مع تراجع اختلاط مياه المحيطات، ويعتبر هذا الاختلاط عملية مهمة تؤثر في قدرة المحيط على استيعاب الكربون والحرارة.
وتنمو العوالق النباتية بصورة أكبر في المياه الأكثر دفئاً التي تتكاثر فيها أنواع أخرى من الطحالب، ومن المتوقع أن تزداد هذه التأثيرات مع تواصل ارتفاع درجات الحرارة حول العالم، وازدياد إسهام انبعاثات الوقود الأحفوري في هذا الارتفاع، لتبدأ الألوان التي تظهر في أرجاء العالم بالتغير.
© The Independent