Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرائق تلتهم جبال سوريا الخضراء... فهل هي مفتعلة؟

السلطات المعنية تستنفر كل قدراتها بمختلف مؤسساتها ومديرياتها وأصابع الاتهام موجهة لتجار الفحم والحطب

أعلنت وزارة الزراعة السورية أن ما يزيد على 10 آلاف هكتار احترقت في منطقة الوادي (صفحة فوج إطفاء اللاذقية على فيسبوك)

ملخص

إن تعدد بؤر الحرائق يعطي مؤشراً كبيراً إلى أنها مفتعلة، فمن يقف خلف تأجيج الحرائق في سوريا؟

قبل أيام قليلة كانت هذه المساحات الخضراء رئة بلاد كاملة تحاول أن تتنفس الصعداء بعد أعوام على كبوتها وحربها وأزماتها المتتالية، لتأتي الحرائق على ما تبقى من وجه سوريا الجميل وتحاول تشويهه عاماً بعد آخر. وأتت ألسنة النيران على ما تبقى من آمال وأمان ورزق سكان هذه الأرض الصامدين في أعتى الظروف.

الجذوة الأولى

منذ نحو أسبوع بدأت الحرائق في منطقة تدعى وادي النضارة في ريف حمص الغربي، وهو مكان يتميز بطبيعته الخضراء التي تجعله نقطة جذب سياحية داخلية وخارجية، حيث اشتعل الحريق في أراضي أربع قرى وبلغ أوجه مع ساعات الصباح الأولى. وعلى رغم سعي المجتمع الأهلي مع المؤسسات الرسمية من فوج إطفاء تابع لمدينة حمص وصهاريج مياه تابعة للقرى مع عدد من الآليات التي حاولت المساعدة في مناطق صعب الوصول إليها، فإنها لم تكف، إذ اشتدت جذوة الحرائق بسبب الجفاف وكثرة أشجار كان تنتظر هطول الأمطار وبخاصة الزيتون الذي يقطفه أصحابه خلال هذه الفترة من العام.

ولكن بدل قطفه شاهدوه أمام أعينهم يحترق، ومن ثم لم يخسروا هذا الموسم فحسب بل خسروا محاصيل مواسم مقبلة. ومع الحفاظ على وجود الكهرباء موصولة لمساعدة الصهاريج في تعبئة المياه من الآبار وتقديم بعض المؤسسات لما لديها من مخزون نفطي كالمازوت لتستكمل الآليات مهامها، إلا أنه كان لا بد من تدخل المروحيات الخاصة بوزارة الزراعة السورية والتي وصلت في الصباح الباكر إلى المنطقة ومعها عدد من أفواج الإطفاء من محافظات أخرى عملت على إطفاء الحريق.

التبريد كوسيلة ردع

وبينما ظن أهالي هذه المنطقة أن الكابوس انتهى، اشتعلت النيران داخل أراضي قرية أخرى جبلية في ظل وضع أكثر تعقيداً. فلا طرق إلا تلك الوعرة التي يصعب على الآليات الولوج إليها، ولم تكد سيارات الإطفاء والهليكوبتر الخاصة بإطفاء الحرائق تغادر المكان حتى عادت أدراجها، لتسهم في إطفاء حريق ظن السكان لوهلة أنه سيدخل بيوتهم، فما كان منهم إلا أن عمدوا على رش المياه على الأراضي المحيطة بهم لتبريدها ومنع الوصول إليها. وعن هذا يقول عيسى "على مدى ليلتين متتاليتين لم ننم، كنا نراقب مسار الحريق الذي أصبح قريباً من بيوتنا، فعمدنا على ري الأرضي بالمياه كي تتوقف النيران عن التمدد ونجحنا في كثير من الأماكن".

وهذا ما فعلته سيارات الإطفاء، إذ بسبب صعوبة الوصول إلى مكان الحريق كانت تعمل على تبريد أية منطقة يشك أن يقترب الحريق منها، وهكذا حمت بيوتاً عدة ومناحل ومناشر خشب من وصول الحريق إليها. ويقول وسيم صاحب إحدى مناشر الخشب "تشكل منشرتي وقوداً قوياً لهذا الحريق مع وجود كمية كبيرة من الخشب لدي، إضافة لبيوت النحل التي أعتني بها، فقمت على الفور برش ما حولي بالمياه، وساعدني فوج الإطفاء على إتمام مهمتي وحماية رزقي وأرضي".

وعلى رغم أن النيران وصلت حد قرية جديدة وبثت الخوف في قلوب أهلها، فإن عملية ضخ المساعدات الآلية والبشرية من مناطق عدة في سوريا أسهمت في النهاية بالسيطرة على هذا الحريق. وبحسب المعلومات، فإن هذا الحريق الأخير كان بسبب أن أحدهم أراد أن يصنع لنفسه كأس شاي في أرضه وخرجت النيران عن سيطرته، فنقل إلى المستشفى ومن بعدها تم تحويله إلى الجهات المتخصصة للتحقيق معه.

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الزراعة السورية أن ما يزيد على 10 آلاف هكتار احترقت في منطقة الوادي، وذكرت مديرية زراعة حمص أن عدد أشجار الزيتون المحترقة بلغت 68 ألفاً و750 شجرة وتخطى عدد أشجار التفاح المحترقة الـ20 ألفاً و440 شجرة.

الحرائق... مفتعلة؟

ولم تكد الحرائق تنطفئ في قرى الوادي لتشتعل على أوجها في مدينة اللاذقية، التي كانت نيرانها أشد وطأة وأكثر اشتعالاً وبخاصة في أكثر منطقة سياحية في سوريا وهي قرى ناحية كسب. فبين ليلة وضحاها ومن دون سابق إنذار وخلال وقت غير معتاد من العام، اشتعلت النيران وأكلت معها الأخضر واليابس، وازدادت الصعوبات التي واجهت سيارات الإطفاء والآليات في وادي النضارة بسبب الطبيعة الجغرافية وكثرة انتشار غابات حرجية كبيرة وجروف صخرية في ريف اللاذقية، إذ إن ارتفاع المنطقة يصل إلى ما يزيد على 800 متر عن سطح البحر مع وجود رياح قوية إضافة لبعدها من مركز المدينة بـ58 كيلومترا زاد الوضع سوءاً. ونشرت صفحة فوج إطفاء اللاذقية تقريرها الجمعة الماضي قائلة "إن سرعة الرياح وتغير اتجاهها ووعورة التضاريس تزيد من مساحة الحريق من دون قدرة السيطرة عليه"، إذ عمد فوج الإطفاء مع فعاليات المجتمع المحلي على إجلاء عدد من الأهالي من البيوت القريبة.

وما إن استطاعوا إطفاء الحريق حتى اشتعل في أماكن متفرقة، وعن هذا قال محافظ اللاذقية خالد أباظة "إن تعدد بؤر الحرائق يعطي مؤشراً كبيراً أنها مفتعلة، إذ نشب ما بين 30 و40 حريقاً في يوم واحد وبمناطق مختلفة من المحافظة وبخاصة تلك الوعرة التي لا تستطيع الآليات أن تدخلها"، وتابع "أذيع البحث عن سيارتين يعتقد أنهما لمفتعلي الحريق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من يقف خلف الحرائق؟

استنفرت الدولة السورية كل قدراتها بمختلف مؤسساتها ومديرياتها، فحضرت أفواج إطفاء من مختلف المحافظات السورية بما فيها دمشق، وشاركت طوافتا وزارة الزراعة في محاولة إطفاء الحرائق، مع حضور لفعاليات من مديريات الشؤون الاجتماعية والعمل والمؤسسات الأهلية والخيرية وفرق منظومة الإسعاف والهلال الأحمر السوري، إضافة لمتابعة شخصية من قبل وزير الزراعة فايز مقداد وحضوره شبه الدائم في مكان الحرائق. ولكن على رغم ذلك اعتبر كثر أن إمكانات الدولة السورية فقيرة وقليلة وبخاصة مع وجود الحصار الذي منع استيراد عدد من الآليات التي تسهم بصورة أساس في إخماد الحرائق التي تشتعل كل عام في هذه المناطق، وكان أوجها خلال عام 2020 التي جاءت على مناطق سكنية ومؤسسات للدولة آنذاك.

وعلى رغم كل الاحترازات التي اتخذت، فإن الحرائق التي اندلعت خلال الأيام الماضية وصلت إلى عدد من البيوت التي تضررت، واشتعلت النيران في إحدى سيارات الإطفاء التابعة لفوج اللاذقية وتأذى بسببها أحد رجال الإطفاء الذي أصيب بحروق في وجهه.

ومع محاولات حثيثة للإطفاء والتبريد ومع كل بشارة بإطفاء حرائق متعددة تندلع أخرى في مناطق ومحافظات سورية مختلفة، لتتجه أصابع الاتهام إلى تجار الفحم والحطب الذين أصبح من مصلحتهم اندلاع هكذا حرائق، وقد قال مصدر لـ"اندبندنت عربية"، "احترقت أرضنا منذ عامين وأصبح معروفاً للقاصي والداني أن هناك شخصاً محدداً يأتي بعد انتهاء الحرائق ليضمن هذه الأراضي ويبيع ما فيها من فحم وحطب". ويعتقد السوريون أن السبب الرئيس لهذا الفعل هو ارتفاع أسعار المحروقات للتدفئة في الشتاء، وهو ما حذا بكثيرين لفتح تجارة الحطب لتأمين مصدر تدفئة لعدد كبير من السوريين وفي جميع المحافظات، وهو سبب رفضه كثر آخرون، معتبرين أنه لا يحق لأحد أن يدمر نظاماً بيئياً كاملاً من أجل فعل عبثي وغير منظم.

في حين اعتقد سكان تلك المناطق أنه يصعب إثبات أن تكون الحرائق مفتعلة ولا يمكن توجيه أصابع الاتهام لأية جهة، خصوصاً من دون دليل ملموس.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات