ملخص
استقبلت الحكومة البريطانية فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بتهنئة ممزوجة بقلق من جملة إجراءات اقتصادية وسياسية تعهد بها خلال حملته الانتخابية، فماذا تخشى المملكة المتحدة من عودة ترمب إلى البيت الأبيض وماذا يمكن أن تفعل لتجنب تداعياتها؟
سارع رئيس حكومة المملكة المتحدة كير ستارمر إلى تهنئة الجمهوري دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن خلف هذه التهنئة وفقاً لتقارير مختلفة، يختبئ قلق بريطاني من تداعيات عودة ترمب إلى البيت الأبيض إلى حدود تستدعي إجراء تغييرات كبيرة في السياستين الداخلية والخارجية.
رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني إيميلي ثورنبي تقول إن عودة الرئيس الأميركي السابق قد تضطر حكومة لندن وحزبها "العمال" الحاكم إلى إعادة ترتيب أوراقهما، فهناك إجراءات اقتصادية وسياسية يخطط ترمب لتنفيذها ستحمل ضرراً مباشراً للمملكة المتحدة ول ابد من الاستعداد لها مسبقاً.
كثيراً ما كان التحالف بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة قوياً منذ الحرب العالمية الثانية، وفي تعليقه على فوز ترمب قال رئيس وزراء بريطانيا إن حكومته حريصة على هذا التحالف وستعمل جنباً إلى جنب مع أميركا لمعالجة المشكلات والأزمات الدولية حول العالم وضمان استقرار وازدهار البلدين ومصالحهما.
يتلخص قلق "العمال" البريطاني من عودة ترمب في أربعة محاور رئيسة، أولها التعريفات الجمركية التي ينوي فرضها على الواردات الأميركية بنسبة 20 في المئة، مما قد يؤدي وفقاً للمعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في لندن "NIESR"، إلى تقليص نمو اقتصاد المملكة المتحدة بواقع النصف.
وتأثير "التعريفات الترمبية" حذرت منه جهات مختلفة في بريطانيا قبل الانتخابات الأميركية، حتى بلغ الأمر حدود اعتبارها أكثر ضرراً من مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي عام 2020، بخاصة إذا ما ردّت دول العالم برسوم مقابلة على وارداتها وغرقت الأسواق المهمة حول العالم بحرب "جمركية".
الوزير السابق نيك هارفي نصح ستارمر بالعودة عن "بريكست" إذا وضع ترمب تعريفاته الجديدة في حيز التنفيذ، لافتاً إلى أن بريطانيا لا يوجد أمامها سوى خيار واحد لمواجهة خطط الساكن الجديد للبيت الأبيض ألا وهو أن تكون جزءاً من "أوروبا القوية الموحدة سواء في الدفاع أو الأمن أو التجارة أو الاقتصاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الـ"ناتو" وأوكرانيا
التقارب مع الاتحاد الأوروبي بدأه ستارمر ووزراؤه مباشرة بعد فوز "العمال" في الانتخابات العامة خلال يوليو (تموز) الماضي عندما كانت عودة ترمب مجرد احتمال يقبل النقض، لكن تحديات داخلية وأوروبية جعلت الحراك البريطاني في هذا المسار بطيئاً ودفعت لندن إلى التروي حتى تُحسم الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ثمة حاجة للاتحاد الأوروبي بالتقارب مع بريطانيا للأسباب ذاتها التي استدعتها عودة ترمب، وقد وصفتها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بـ"الخلافات التي يجب أن تحل بالحوار الصريح والشفاف مع الحليف"، وفي مقدمة هذه الخلافات حرب أوكرانيا ومستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة.
لا تريد بريطانيا إنهاء حرب أوكرانيا عبر تنازلات يجبر ترمب كييف على قبولها، ولا تجد لندن مصلحة في تقارب أميركي- روسي على غرار الولاية الأولى للرئيس الجمهوري الجديد، لكن رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون لا يظن أن صديقه وحليفه ترمب سيتخلى عن الأوكرانيين بعد عودته للسلطة.
وتعهد ترمب بإنهاء الحرب الأوكرانية في غضون أيام مشكلة تتجاوز التنازل للرئيس الروسي في هذا المكان، فالحكومة البريطانية تخشى أيضاً ضغوطاً أميركية على الـ"ناتو" من أجل زيادة الموازنات الدفاعية للدول الأعضاء إلى مستويات ترضي الساكن الجديد للبيت الأبيض وإلا سيتخلى عن الحلف الدفاعي كما هدد مرات.
لا يعتقد الموظف السابق في لجنة الدفاع بمجلس العموم إيلوت ويلسون بأن ينسحب الرئيس الأميركي الجديد من الـ"ناتو"، ولكن الأعضاء الأوروبيين في الحلف سيواجهون برأيه، خلال الأعوام الأربعة المقبلة أزمة ثقة في استعداد الأميركيين للدخول بقوة في المعارك المحتملة للقارة العجوز مع الروس أو أي تهديد خارجي.
خلافات سابقة
وعام 2017، حاولت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إقناع ترمب بإعادة النظر في علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولكنها لم تنجح، إلا أن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الأميركي حينها إلى لندن واستقباله من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية أبقى التباينات بين الدولتين الحليفتين قيد الاحتواء والضبط.
كان ترمب في ولايته الأولى معجباً بالأجواء الملكية ويكنّ احتراماً للملكة الراحلة، لذا يتساءل المستشار الخاص السابق لحزب المحافظين لوك كوفي إن كان الملك تشارلز الثالث يمكن أن يقوم بالدور ذاته في خلق أجواء إيجابية مع الرئيس العائد للبيت الأبيض، بينما يقود حكومة لندن اليوم أشخاص ليسوا على وفاق مع ترمب.
في الولاية الأولى لترمب كان صديقه جونسون في حكومة لندن وزيراً ثم رئيساً للوزراء، وهو ينتمي إلى تيار سياسي محافظ يلتقي مع انتماء الرئيس الأميركي الجديد، أما اليوم فيقود بريطانيا حزب العمال الذي يختلف أيديولوجياً مع الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، كما يحتفظ بإرث سيئ في العلاقة مع ترمب.
بين 2016 و2020، كان حزب العمال يجلس في صفوف المعارضة البريطانية، وتعرض حينها مسؤولون فيه كوزير الخارجية ديفيد لامي، للرئيس ترمب بانتقادات كبيرة وعارضوا زيارته إلى المملكة المتحدة عام 2019، لكن عندما وصل "العمال" إلى السلطة سارع لامي ورفاقه لخطب ود الرئيس الأميركي الجديد.
بدت المحاولات ناجحة حتى أعلن ترمب قبل أيام فقط من الانتخابات غضبه من دعم "العمال" البريطانيين لخصمه كامالا هاريس واتهمهم بالتدخل المباشر في الاستحقاق الرئاسي، هنا عاد الفريقان إلى المربع الأول في الخصومة ورجعت التكهنات بكيفية تعامل الساكن الجديد للبيت الأبيض مع خلافاته القديمة مع ستارمر وفريقه.
دعم اليمين
يقول توم بالدوين، كاتب سيرة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن "الرئيس الأميركي العائد سيتجاوز الأمور الشخصية إلى حد كبير في علاقاته مع الحكومة البريطانية الجديدة لأنه يحرص على مصالح بلاده أكثر من سعيه إلى الانتقام من خلافات كانت رهن مرحلة انقضت بالنسبة إليه وإلى الجميع بكل معطياتها وحيثياتها".
ما يقلق بالدوين في علاقة الإدارة الأميركية الجديدة والحكومة البريطانية هو الوضع الداخلي في المملكة المتحدة، حيث إن شعبية ستارمر وحزبه في تراجع ملحوظ نتيجة لعوامل مختلفة على رأسها الاقتصاد، وما ينوي ترمب القيام به من إجراءات في ولايته الثانية سيضيّق الخناق على ساكن المنزل "رقم 10" وسط لندن.
ويشير الكاتب إلى أن أي تباين في سياسات المملكة المتحدة والولايات المتحدة خلال الولاية الثانية لترمب، سيصعّب على حكومة لندن معالجة مشكلات الاقتصاد الراهنة، كما يمكن أن تعطي عودته إلى البيت الأبيض دعماً لليمين المتشدد في بريطانيا، بخاصة حزب ريفورم الذي يتزعمه عضو مجلس العموم نايجل فاراج.
النائب فاراج هو صديق الرئيس الأميركي الجديد الذي أشاد بما حققه "ريفورم" في الانتخابات البريطانية الأخيرة عندما أوصل خمسة نواب إلى البرلمان، ومع حلم فاراج بالوصول إلى قيادة حكومة لندن عبر استحقاق 2029، لا يمكن أن يتنازل عن أي فرصة تتيحها له عودة ترمب إلى البيت الأبيض في سبيل تحقيق هذا الهدف.